دعوة الفريق أول البرهان وحميدتي لواشنطن وإجلاسهما على طاولة تحت رعايتة امريكا.. هذا مقترح جيد، سنقوم بدراسته.

حوار مع المبعوث الأمريكي إلى السودان “توم بيرييلو”.. ماذا نريد من واشنطن وماذا تريد واشنطن منا؟
عطاف محمد مختار : صحيفة السوداني

* التقينا في القاهرة مع المبعوث الأمريكي الخاص إلى السودان، توم بيرييلو، الذي قال إنّ بلاده تسعى إلى إنهاء الحرب في ‎السودان، وإنّ الأشهر الثلاثة القادمة يجب أن يصل الجميع إلى حل حتى لا تتجه البلاد نحو نقطة اللا عودة.

وأكد أنه سيجلس مع جميع الأطراف بلا استثناء، حيث أن الحل بيد السودانيين.

* بيرييلو يرى أن جميع المكونات السياسية والعسكرية والشعبية عليها ان تتوافق من أجل إنهاء الأزمة الكارثية ونبذ الخلافات.. وشدد أنه لا يملك حلولاً سحرية، لكن يسعى بكل جهده من أجل إجلاس الجميع على طاولة تنتج حلولاً نهائية تفضي لسلام مستدام.
* قلت لبيرييلو: ما يهمني الآن هو إيصال المساعدات الإنسانية العاجلة لأهل السودان، لأنه في ظل الانتهاكات البشعة – من قبل مليشيا الدعم السريع – مات وسيموت عشرات الآلاف من الأبرياء، وأن هذه الحرب لن تتوقف ما لم يتوقف الدعم الخارجي الإقليمي لها، ويمكن أن تستمر لـ(10) سنوات عجاف.

* بيرييلو قال إنه يأمل أن تنطلق محادثات السلام عقب رمضان مواصلة لاتفاقية جدة، ويرى أن مشاركة قادة أفارقة وخليجيين فيها ضرورة.

قلت له: مشاركة أمريكا يجب أن تكون أكثر جدية، مثلاً يمكنها دعوة الفريق أول البرهان وحميدتي لواشنطن وإجلاسهما على طاولة تحت رعايتها. قال لي هذا مقترح جيد، سنقوم بدراسته.

* ما خرجت من القاء أن بيرييلو؛ يعد الآن في رؤية جديدة لصناعة حل أمريكي لإنهاء الأزمة السودانية، فهو قدم إلى القاهرة من جولة بعدد من العواصم الأفريقية ويتجه من القاهرة إلى السعودية، والتقى بالعديد من الأحزاب السياسية السودانية وقادة الحركات المسلحة وناشطين ومنظمات مجتمع مدني، وهو كذلك على تواصل مع الجيش والدعم السريع.

* بيرييلو يحتاج إلى إعادة النظر في خط السير الذي كانت تخطو فيه، السيدة مولي في، مسؤولة الملف أفريقياً في الخارجية الأمريكية. لأنها كثيراً ما تنكبت فيه الخطى؛ ولم تعِ الدرس.
* مولي في، لم تحفل بتعبيد طريق الأزمة السودانية، بأي من آليات فض النزاع، ولم توفر العون الحقيقي للحكومة الانتقالية، حتى سقطت.. بل دخلت في صدام مع المبعوثين السابقين للقرن الأفريقي، فشهدنا استقالة المبعوث الأمريكي الخاص للقرن الأفريقي السفير جيفري فيلتمان، ولحقه ديفيد ساترفيلد، والأخير وصل به الخلاف مع مولي، بإبعادها عن السفر معه إلى إثيوبيا عقب انقلاب 25 أكتوبر في السودان، لأنه يعتقد أنها أسهمت بسلبيتها في الإطباق على الحكومة الانتقالية..

وفي فبراير الماضي، أنهى السفير الأمريكي لدى السودان، جون غودفري، عمله بخيبات كبيرة.. بل حتى بيرييلو ذات نفسه، سربت وسائل إعلام أمريكية أنه اشترط قبل قبوله للمنصب، أن يكون تعامله مباشراً مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن وليس عبر بوابة مولي في، وأن يقوم هو بذات نفسه باختيار طاقمه الذي يعمل معه في مهمته الجديدة.
* ثمة عدد من الأسئلة الجوهرية تطفو على السطح، جراء الصراعات في المنطقة (السودان وإثيوبيا والصومال نموذجاً)، ومدى نجاعة الاستراتيجية الأمريكية في أفريقيا.. هل تعتمد واشنطن على سياسة إطفاء الحرائق عقب اندلاع الأزمات؟، أم تنتهج استراتيجية مبنية على أسس بالية لذلك تفشل دوماً في المنطقة؟، أم حقاً باتت تفقد نفوذها رويداً رويداً حيال المد الروسي والصيني في المنطقة؟.

* ما يلينا في السودان، أعتقد أنه على السيد بيريلو، ان يأخذ بعين الاعتبار بأن الصراع السوداني معقدٌ جداً، ويملك إرثاً كبيراً من الأزمات والحروب الأهلية، التي فرخت عشرات الحركات المسلحة، وأن مليشيا الدعم السريع هي ابن شرعي من رحم تلك الأزمات، تم الاستثمار فيه محلياً وإقليمياً من أجل ضرب السودان وتقسيمه، وهناك العديد من الأبناء الشرعيين يتحينون الفرص وإذا وجدوا ما وجده الدعم السريع سيسيرون في ذات الدرب.
* إذا كانت واشنطن جادة في إنهاء الحروب السودانية إلى الأبد، يجب أن تلعب أدواراً أكبر كما قلت لبيرييلو.. وأن تستعد لفترة ما بعد الحرب فهي أعقد بكثير من إنهاء الحرب.
* على واشنطن أن تدخل في شراكات حقيقية استراتيجية مع السودان، فليس هناك أنجح من المصالح الاقتصادية – فالصين مثلاً وعلى الرغم من المنافسة والصراع الكبير بين واشنطن وبكين حول العالم، إلا أن شراكتهما الاقتصادية هي الأكبر، حيث بلغت استثمارات الصين بأمريكا فقط في مجال السندات في يناير 2022 عند مستوى 1060.1 مليار دولار – والسودان أرض بكر خصب، يمكن أن تنهض خلال سنوات قليلة عبر الزراعة والرعي والتعدين. ويمكن أن يسهم في سد نقص الغذاء في المنطقة، إذا استثمرت واشنطن في ذلك، عبر نشر التعليم ومحو الأمية – وهو الملف الأهم لوقف الحروب تماماً – وفتح المدارس الصناعية ونقل وتوطين تجاربها الزراعية والتقنية والتكنولوجية.. وتطوير وتشييد الموانئ والسكك الحديدية والطاقة البديلة.. ستجد واشنطن خلال أقل من 10 سنوات فقط أنها نجحت في ضخ مئات المليارات من الدولارات إلى خزائنها عبر شراكة استراتيجية حقيقية، وأوقفت انفلاتاً أمنياً يهدد أمن المنطقة والبحر الأحمر.. لكن هل واشنطن تريد ذلك؟.
ختاماً

* سيد بيرييلو، البعض يتهم واشنطن برفضها وجود القاعدة الروسية في فلامينجو بمدينة بورتسودان، والآن أوقفت مشروع تدريب الجيش السوداني في أمريكا، وليس في حساباتها بناء قاعدة أمريكية في السودان.. يقولون: “واشنطن لا ترحم ولا تريد رحمة ربنا تنزل”!!.

* بيد بيرييلو الاختيار، المضي في مسار جديد حقيقي يفتح أبواب السلام ويخمد نيران الحرب – التي يدعمها حلفاء واشنطن – ويخلد اسمه في تاريخ صناع السلام، أو المضي في درب المبعوثين الذين سبقوه، ومنذ الآن يكتب استقالته ويضعها جاهزةً في جيبه؛ حتى يسلمها لمولي في؟!.

المبعوث الامريكي الخاص للسودان

المصدر: تاق برس

كلمات دلالية: المبعوث الامريكي الخاص للسودان المبعوث الأمریکی الدعم السریع فی المنطقة مولی فی

إقرأ أيضاً:

السودان بين أقدام الفيلة-الحرب، والمصالح الدولية، والتواطؤ الصامت

zuhair osman


بين البرهان وحميدتي... ما يُخفى أكثر مما يُقال
منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، دخل السودان في أتون نزاع دموي مُعقّد، تتقاطع فيه صراعات داخلية على السلطة والموارد، مع أجندات إقليمية ودولية تجعل من البلاد
مسرحًا صامتًا لتصفية الحسابات.
في ظل غياب إرادة دولية حقيقية لوقف النزيف، ووسط تحركات أمريكية تلمّح بالعقوبات أو تضغط في اتجاهات غير معلنة، تبرز أسئلة محورية: هل نحن أمام نزاع داخلي صرف، أم إعادة ترتيب لموازين القوى في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر على
حساب السودان؟
انسحاب تكتيكي أم هندسة خارجية؟
مؤخرًا، انسحبت قوات الدعم السريع من بعض مناطق أم درمان، في خطوة فُسّرت عسكريًا بأنها تكتيكية لتفادي الضربات الجوية أو لإعادة التموضع. غير أن تزامن هذا الانسحاب مع تلويح الولايات المتحدة بفرض "تدابير وشيكة" على قيادة الجيش، يفتح الباب
أمام قراءة أعمق تُلمّح إلى وجود هندسة غير معلنة للوقائع الميدانية.
الولايات المتحدة، بحكم حضورها في ملف السودان منذ عقود، لا تتحرك دون حسابات دقيقة. وقد يكون توقيت الانسحاب مفيدًا سياسيًا لدفع الجيش نحو التفاوض أو تهيئة المسرح لإعادة تعريف المشهد، خاصة في ظل اتهامات أمريكية غير مباشرة للجيش
باستخدام أسلحة غير تقليدية.
هل الدعم السريع هو "البديل الأقل إزعاجًا"؟
من الناحية البراغماتية، لا يمكن استبعاد فرضية أن بعض الدوائر الغربية باتت ترى في الدعم السريع طرفًا يمكن التحكم فيه أو إعادة هندسته ليصبح شريكًا "أقل خطرًا"، خصوصًا بعد تجربته السابقة في التحالف العربي باليمن، وعلاقاته المفتوحة مع الإمارات
والسعودية.
في المقابل، الجيش السوداني يُنظر إليه بحذر متزايد في بعض الدوائر، لاتهامه باحتضان عناصر تنتمي للتيارات الإسلامية، المصنّفة غربيًا كمصدر تهديد إقليمي محتمل، خاصة مع تحليلات تتحدث عن تقاربه النسبي من محور إيران – سوريا في لحظة تعقيد
إقليمي شديد الحساسية.
أبعاد استراتيجية أعمق: السودان في ميزان الجيوبولتيك
اهتمام الولايات المتحدة بالسودان ليس طارئًا. فالموقع الجغرافي الحاكم على بوابة البحر الأحمر، ووجود ثروات غير مستغلة (مثل اليورانيوم والمياه)، يجعل السودان نقطة ارتكاز مهمة في لعبة النفوذ بين الغرب، وروسيا، والصين، والفاعلين الإقليميين
كإيران وتركيا.
من هنا، يُفهم لماذا تحرص واشنطن على إعادة رسم المشهد، بطريقة تُضعف الفاعلين الرافضين للتطبيع مع إسرائيل أو المقاومين للديانة الإبراهيمية كمدخل سياسي ناعم، وتعزّز الأطراف الأكثر مرونة تجاه المشروع الأمريكي في المنطقة.
احتمالات السيناريو: بين التفكك والتدويل
استمرار الحرب في ظل "مفاوضات ديكورية": قد يلجأ الجيش إلى تبني مبادرات تفاوض شكلية، بينما يُعيد انتشاره في مناطق أقل تكلفة ميدانيًا، فيما تستفيد قوات الدعم السريع من مرونة الحركة وغطاء الدعم الإقليمي غير المُعلن.
تصعيد محدود بضوء أخضر دولي: قد تلجأ واشنطن إلى فرض عقوبات، وربما تنفيذ ضربات محددة ضد مواقع عسكرية للجيش في حال ثبوت تجاوزات جسيمة (كما حدث في النموذج السوري)، لكن هذا مرهون بتوازنات معقدة تشمل الموقف المصري والسعودي.
تفكك فعلي للدولة السودانية: في ظل غياب الحلول السياسية واستمرار التمويل الخارجي للطرفين، قد يتجه السودان نحو انقسام واقعي لا يُعلَن رسميًا: الجيش في الشرق، والدعم السريع في الغرب، وسط غياب سلطة مركزية، ووجود حُكم أمر واقع متعدد الرؤوس.
خاتمة: الجريمة تُرتكب على مرأى العالم
الحرب في السودان تُدار ليس فقط بأصابع داخلية، بل بحسابات دولية لا تخفى. الولايات المتحدة لا تبدو بعيدة عن مسار المعركة، حتى لو لم تكن في المشهد بصورة مباشرة. القوى الإقليمية تموّل وتُغذّي، والمجتمع الدولي يكتفي بالبيانات.
لكن الحقيقة الكبرى أن من يدفع الثمن هو الشعب السوداني: ملايين النازحين، انهيار الدولة، ومجازر في مدن كانت تعج بالحياة.


الخروج من هذه الكارثة لن يتم من خلال "مبادرات تعويم" شكلية، بل يتطلب وقفًا صارمًا للتمويل الخارجي، وتدخلاً دوليًا نزيهًا يُعيد للسودان حقه في تقرير مصيره دون وصاية أو اقتتال مفروض.


 

مقالات مشابهة

  • قوات الدعم السريع تضرب هدفين استراتيجيين جنوب البلاد
  • أكثر من 170 وفاة خلال أسبوع جراء تفشي الكوليرا في السودان  
  • عرمان: نطالب بإعلان حالة الطوارئ و الكوارث الصحية بصورة عاجلة في السودان
  • السودان بين أقدام الفيلة-الحرب، والمصالح الدولية، والتواطؤ الصامت
  • مقترح ويتكوف: ما هو؟ وعلى ماذا وافقت حماس؟
  • من التصعيد إلى التهدئة.. ماذا وراء الانسحاب الأمريكي من اليمن؟
  • ويتكوف يتعهد برئاسة مفاوضات السلام ويكشف عن مقترح جديد لوقف إطلاق النار بغزة
  • السودان يدمر نحو 50 ألف «جسم متفجّر» من مخلفات الحرب .. مدير مركز مكافحة الألغام: نحتاج 90 مليون دولار لإكمال المهمة
  • "رويترز" عن مسؤول فلسطيني: "حماس" وافقت على مقترح المبعوث الأمريكي لوقف إطلاق النار في غزة
  • المبعوث الأمريكي: سوريا توافق على المساعدة في البحث عن الأمريكيين المفقودين