يَحْكي مُحمد حفيظ، الكاتب العام السابق للشبيبة الاتحادية، بأن الراحل، ادريس البصري، قال له “عطيناك كوميرة ومبغيتيهاش”، على خلفية رفضه لمقعد برلماني زورته السلطة لصالحه في دائرة مبروكة بالدار البيضاء، حيث أعلن عنه فائزا في الانتخابات التشريعية لسنة 1997.

ولم يكن التزوير حسب حفيظ، لفائدته فحسب، “بل استفاد منه مرشحون اتحاديون آخرون قبلوا المقاعد المزورة بمجلس النواب”.


يقول حفيظ “قال لي هذا البصري في مكالمة هاتفية أجريتها معه عندما كنت أشتغل صحافيا بأسبوعية “الصحيفة”، وكنت أريد منه التعليق على اكتشاف مقبرة جماعية بثكنة الوقاية المدنية سنة 2016.
واعتبر تشبيه البصري المقعد البرلماني بــ”الكوميرا”، إحالة من البصري على عبارته “شُهَداء كوميرا” التي سخر بها من ضحايا التدخل الأمني العنيف الذي كان أحد المسؤولين عنه ضد احتجاجات مواطنين بالدار البيضاء صيف 1981 بسبب الزيادة في الأسعار، وخلفت أزيد من 114 قتيلا وفق هيئة الإنصاف والمصالحة دُفنوا بمقابر جماعية سرية.
يتابع حفيظ حديثه لموقع “اليوم 24″، “عقب رفضي للمقعد البرلماني حاول البصري استصدار أمر من الملك الراحل الحسن الثاني، قصد الترخيص له للتعامل مَعي بطريقة انتقامية، فكان رد الملك “لا تمسوه”.
وأوضح بأن رفضه لهذا المقعد البرلماني أزعج بكل تأكيد الراحلين الملك الحسن الثاني والوزير الأول الأسبق عبد الرحمان اليوسفي، بالنظر إلى الجهد الذي تطلبه التحضير للتناوب التوافقي الذي بدأ منذ 1993، ولم ير النور إلا 1997″.
ويرى أن رفض المقاعد المزورة كان تسبب لحزب الاتحاد الاشتراكي في القهقرى بينما كانت السلطة تسعى إلى أن يحتل الرتبة الأولى لكي يكون لصناديق الاقتراع معنى.
التزوير حسب حفيظ، لم يكن لفائدته فحسب، “بل استفاد منه مرشحون آخرون قبلوا الحصول على مقاعد مزورة داخل مجلس النواب”.
وكشف حفيظ أن الجميع داخل الاتحاد كان يعلم بوجود برلمانيين مزورين، لكن الكثيرين انخرطوا في الصمت، بمبرر أن البلاد تستعد لدخول مرحلة جديدة طريقها هي هذه الانتخابات التي تولى عبد الرحمان اليوسفي، بعدها قيادة حكومة التناوب التوافقي.
وبعد مرور هذا الاختبار في رفض المقعد المزور، وجد حفيظ نفسه أمام اختبار جديد عندما طلب منه أحد الاتحاديين في انتظار البت في مقعده من قبل القضاء الدستوري، أن يحضر أول جلسة للبرلمان بالنظر إلى أن الملك هو الذي يفتتحها”.
يقول حفيظ “كان جوابي الرفض من جديد، وحرصت على متابعة افتتاح البرلمان بإحدى مقاهي الحي الذي توجد فيه الدائرة الانتخابية التي ترشحت فيها”.
كما ذكر بأنه اعتذر للراحل عبد الواحد الراضي، عندما دعاه إلى زيارته في مكتبه بمجلس النواب لمناقشة قضية حزبية، وأجرى اللقاء معه في بيته.
فيما ظلت تصله رسائل إدارة البرلمان طيلة السنوات الأولى لتلك الولاية التشريعية.
ومن الطرائف، يقول حفيظ “ظل أحد أصدقائي يعد لي رصيدي البنكي كل ثلاثة أشهر بناء على الأجرة التي يتم صرفها للبرلمانيين إلى أن طلبت منه الكف عن مواصلة ذلك”.

كلمات دلالية التناوب التوافقي اليوسفي انتخابات

المصدر: اليوم 24

كلمات دلالية: اليوسفي انتخابات

إقرأ أيضاً:

الملازم أول (م) محمد صديق إبراهيم: لا يبالي على أي شق كان للوطن مصرعه (1-2)

عبد الله علي إبراهيم
روعت طوائف كبيرة من السودانيين بمقتل الملازم أول (معاش) محمد صديق إبراهيم، على يد "الدعم السريع" يوم الـ18 من مايو الماضي، عند مصفاة الجيلي شمال الخرطوم. وصدم الناس الفيديو الذي بثته العناصر التي قتلته، محاطاً بهم ينال الصفع من يدهم. وكان الصفع لأنه لم يجب عن سؤالهم وعن كيف وجدهم ووقع في أسرهم. وتوقعوا كلمة راضية منه عنهم. ولكنه قال "في أية ناحية؟" وصارت عبارته وسماً طغى في الوسائط. وليست هذه مرة صديق الأولى التي يصدر فيها عن يقين شجاع في وجه الزعزعة عن عبارة تسري مسرى النار في الهشيم كما سنرى.
وانتاب الروع لمقتل صديق من على ضفة القوات المسلحة التي ضحى بجانبها، ومن هم على ضفة "الدعم السريع"، أو بين ذلك قواماً بمن فيهم الإسلاميون. ومرد ذلك لأن سيرة الضابط مذ لمع اسمه في ثورة ديسمبر2018 تقاطعت مع هذه الطوائف جميعاً، فلا تملك أي منها إلا أن تواطئ طوراً من سيرته القصيرة الحافلة. فكان أيقونة الثورة على نظام "دولة الإنقاذ" وجيشها، بما في ذلك قوات "الدعم السريع"، واستشهد في صف الجيش ضد "الدعم السريع". فاستنفد المواقف جميعاً.
وسطع نجم صديق في ثالث يوم لاعتصام الحراك ضد حكم الرئيس المخلوع عمر حسن البشير (1989-2019) أمام القيادة العامة للجيش في الخرطوم في التاسع من أبريل (نيسان) 2019. فخرج في قلة من الضباط ليحول دون الاعتداء على المعتصمين ممن تربص بهم الجيش و"الدعم السريع"، لإنهاء حشدهم بأي سبيل. وتحقق لهم ذلك في ليلة من رمضان قبيل العيد (الثاني من يونيو 2019)، فأوسعوهم ترويعاً وقتلاً أمام بوابات القيادة العامة. ووقف صديق وسط الحشد المروع الذي عشم من اعتصامه أن يخرج من الجيش من يرجح كفة ميزان القوى لصالحه، ليكون الواحد الذي يشكل أغلبية. وناشد صديق في كلمته إخوانه من شباب القوات المسلحة أن يخرجوا لإعلاء كلمة الحق والوقوف إلى جانب الشعب. وعلت الهتافات من حوله إلى عنان السماء "سودانا فوق فوق سودانا فوق. استلمها أنت (أي خذ بزمام الأمر)" ليرد صديق بأنهم لم يخرجوا لاستلام السلطة، وإنما لحماية المعتصمين، وأن يظلوا في وقفتهم تلك حتى يسقط النظام. وجاء بالعبارة التي خلدته في ذاكرة الثورة "الرهيفة تنقد" من أدب الفروسية السودانية. أي أن النظام لو وجد وهناً فينا فلينفذ منه ويقضي علينا، ولكن هيهات.
وبالطبع، لم يسعد الجيش بـ"تمرد" صديق. ولم يحل انتصار الثورة في الـ19 من أبريل 2019 دون إحالته للتقاعد في فبراير (شباط) 2020، في كشف ضم ضباطاً آخرين وقفوا مع المعتصمين بصورة أو أخرى. وردت "لجان المقاومة" على ذلك الإجراء بحق صديق، بموكب "رد الجميل" الذي قدم مذكرة إلى مجلس السيادة بمطلب إصلاح القوات المسلحة وإعادة صديق ورفاقه إلى مواقعهم فيها. وبرر الجيش قراره بحق صديق ببيان قال فيه، إنه كان خالف قوانين الخدمة بالقوات المسلحة ولوائحها. وذكر له اعتداءه على أفراد من الشرطة بقسمها بحي الحاج يوسف الشعبي حيث يسكن. وكان صديق قد أمر سائق حافلة بأن يتوجه إلى قسم الشرطة ليفتح بلاغاً ضده لرفعه قيمة التذكرة دون مبرر. ولما لم تقبل منه الشرطة البلاغ، أو ماطلت، اشتبك معهم، فأخذوه إلى القيادة العامة بعدما اتضح لهم أنه أحد منسوبيها. وفي حديث لـ"الجزيرة" قال صديق إن الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان جنح لإعادته بعد أن أثار عليهم تضريج موكب "رد الجميل" بالدم الثائر، حتى قرر مجلس الأمن والدفاع فتح تحقيق في ملابساته. وأضاف أن دولة الإنقاذ العميقة التي لا تزال ذات سطوة هي التي تقف وراء إحالته إلى المعاش. وزاد أن البرهان اعتذر له عن الإجراء بحقه، لأنه لم ير كشف الإحالات إلا بعد صدوره. وعرض عليه العودة إلى الخدمة. فاستنكر محمد عليه ألا يعرف عن إحالته إلى المعاش، وهو الذي لا يقع شيء في الجيش دون علمه كقائد عام، ورفض العرض.
ولم يسمع أحد عن صديق منذ إحالته إلى المعاش واضطراب أحوال الثورة التي انتهت بالانقلاب على حكومتها الانتقالية في الـ25 من أكتوبر 2022، واندلاع الحرب بين القوات المسلحة وقوات "الدعم السريع" في الـ15 من أبريل 2023. ولكنه ظهر على فيديو بتاريخ الثاني من ديسمبر 2023 ليعلن من بلدته شندي في ولاية نهر النيل قراره الاستنفار إلى جانب القوات المسلحة، بعد أن فشل في العودة إليها من باب نفرة الضباط المعاشيين، التي نادت لها هي نفسها لتعزيز صفوفها. فقال إنه اتصل بعد اندلاع الحرب بالفرقة السابعة في القيادة العامة لاستيعابه ضابطاً في خدمة الحرب، فردوه لأن الأمر ما احتاج بعد، وسيستدعونه متى اتفق لهم ذلك. ثم لبى استدعاء نفرة الجيش لضباطه المعاشيين للعودة إلى الخدمة. فبلغ لوحدته التاسعة من سلاح المظلات بقاعدة وادي سيدنا، فانتظر 90 يوماً أبلغوه بعدها أن القيادة العامة لم توافق على إنزاله طابوراً في حين أذنوا لغيره بالعشرات. فانفعل وقال لرئيس شعبة في القيادة إن "على الوطن السلام إن كنتم تملكون صكوك الوطنية توزعونها بالاسم على الناس". وقال إن "الفات مات، ونحن ولاد الليلة"، فاعتبر نفسه منذ اليوم الثاني من ديسمبر 2024 مستنفراً ضمن قوات المقاومة الشعبية كرجل سوداني، قبل أن يكون ضابطاً.
وبدا أنه على خلاف مع الجيش في التزامه الدفاع عن مواقعه، والامتناع عن الهجوم على مواقع "الدعم السريع". وقال إما كان الجيش رجالاً مهاجمين أو "علي الطلاق" ستخرج القوى الوطنية من كل فج في البلد، إما رفعوا راية السودان أو سقطوا شهداء. وقال إن دعوة "لا للحرب" دعوة عاطلة، لأنه لم يتفق لها أين الحق في هذه الحرب، وأين الباطل. وأضاف أن حث أهلها للجيش على الجلوس إلى التفاوض لا يليق والأموال نهب "الدعم السريع" والنساء أسرى. وتوجه إلى البرهان بشيء من الإنذار، فقال إنه إن لم يغير خطته حتى الأول من يناير 2024 بالهجوم على "الدعم السريع"، (في مقابل خطة الدفاع المتبعة)، في كل منطقة بالسودان، سيكون هو أول من يخرج من شندي في الهجوم على مصفاة الجيلي، التي يحتلها "الدعم السريع". فهو جاهز. فإذا طلعت القوات المسلحة للهجوم في أول يناير كان معها، وإذا قعدت لن يكون من القاعدين. وسيأتي يوم أول يناير وسيرى الناس قراره "والله لو فضلت أنا بس محمد صديق، وأعوذ بالله من كلمة أنا، أطلع من شندي وأهاجم المصفاة". وعاد إلى عبارته الأثيرة "والرهيفة تنقد".
ليس صعباً تصور الإرباك الذي أحدثه مصرع صديق في خطاب الحرب القائمة. فعابر للضفاف مثله يزلزل سدنتها بين واقف مع الجيش أو واقف ضده، حتى لا نقول مع "الدعم السريع". فقل من الكتاب من ذكر له المأثرتين. فمن مع الجيش في ضفة الحرب ذكر له استشهاده بيد "الدعم السريع" في حين غض المناوئون للجيش حتى عن ذكر وقفته مع الثورة التي ينسبونها لأنفسهم، لأن ذكرها لا يستقيم مع مصرعه في ركب الجيش. وهناك من أطلق العنان يخيط المأثرتين معاً، مجازفاً كيفما اتفق.

IbrahimA@missouri.edu  

مقالات مشابهة

  • ماذا يعنى تصعيد الهادى ادريس نائبا لرئيس (تقدم)
  • الملازم أول (م) محمد صديق إبراهيم: لا يبالي على أي شق كان للوطن مصرعه (1-2)
  • الملك يعين عادل الفقير مديرا لمكتب المطارات مكان حبيبة لقلالش أضعف مديرة مرت في ذات المنصب
  • «أهمية صناعة السينما والمحتوى البصري» ضمن فعاليات مهرجان روتردام للفيلم العربي
  • أهمية صناعة السينما والمحتوى البصري بفعاليات اليوم الأول لمهرجان روتردام للفيلم العربي
  • الشنيف مازحاً : بونو اخرج رونالدو مرتين.. فيديو
  • فرحة نيمار بفوز الهلال بكأس الملك … فيديو
  • دموع لاعبي النصر بعد خسارة كأس الملك.. فيديو
  • تياغو نيفيز : الهلال الأقرب للفوز بكأس الملك .. فيديو
  • دراجي:”هذه هي المشكلة بين محرز و بيتكوفيتش