لماذا شرع الله الصيام ؟ شرع الله تعالى لعباده الصيام في شهر رمضان، وجعله فرضًا من فرائض الإسلام، ذلك الشهر العظيم الذي تضمن أسرارًا عجيبة، وفوائد جليلة، لو تدبرها الإنسان وتأمل في معانيها لأدرك عظيم فضل الله عليه وعلى الناس.

 

هل الصيام تعذيب للبشر؟

 

قال الدكتور إيهاب شوقي، الباحث بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف: «كلنا عارفين أن الاكل والشرب من الاحتياجات الأساسية للإنسان، وفرض الصيام ليس معناه الاستغناء عن هذه الاحتياجات، وعلشان كده ده مش معناه ربنا عاوزك تصادم فطرتك، بالعكس ده ربنا عاوز يهذب نفسك والصيام شهر في السنة وليس طول السنة».

 

وتابع: «كمان العبادة دى فيها تسهيلات يعنى تسحر قبل الصيام وهو قبل اذان الفجر، وكذلك الفطر عند أذان المغرب، وكمان الكائنات كلها بتصوم بل الكون كله بيصوم بطريقته».

 

وأضاف: «الأطباء أكدوا من خلال دراسات على الصائمين إن الصيام له فوائد كثيرة جدا منها تخلص الجسم من السموم، وكذلك في عالم أمريكى متخصص في التغذية اسمه اندريا وايلد، عالج بعض حالات السموم عن طريقة الصيام لمدة ٣٠ يوما، والعالم ده اكد إن الصيام بينشط كل أعضاء الجسم، وبيكون قادر يقاوم الامراض بسبب ارتفاع مناعة الجسم، والصيام ظاهرة طبيعة يعملها المسلم والغير المسلم».

 

ومن جانبها، قالت دعاء عبدالمقصود، الباحثة بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف، إن دائما ما تروج مثل هذه الشبهات كل عام حول الصيام، لافتة إلى أنهم يقولون إن الإسلام هو دين الفطرة فهل الفطرة تقول أن الإنسان لا يأكل ولا يشرب.


وواصلت: «الصيام كل سنة عامل زى جدار الحماية لافكار وجسم الانسان مثل حماية جهاز الحاسوب، فرمضان هو تزكية وتدريب للانسان على تهذيب النفس والشهوات».


واستطردت: «دلوقتى في نظام غذائي حديث يعرف بالصيام المتقطع علشان يوصل للتخسيس والوزن المثالى، والإسلام عندما أقر أحكامه الشرعية كان الهدف منه تهذيب المسلم وتقوية عزيمته، وسر الصيام في التقوى وليس تعذيبا للإنسان».

دعاء شهر رمضان .. ردده يوميا يأتيك الخير من حيث لا تحتسب دعاء النبي في رمضان .. ردده الآن يفتح لك أبواب الخيرات والأرزاق الحكمة من مشروعية الصوم
 

قالت دار الإفتاء المصرية، أولًا: إن الصوم وسيلة للتحلي بتقوى الله عز وجل؛ لأن النفس إذا امتنعت عن بعض المباحات الضرورية كالطعام والشراب؛ طمعًا في مرضاة الله، وخوفًا من غضبه وعقابه؛ يسهل حينئذ عليها الامتناع عن الْمُحَرَّمات، والتحلي بتقوى الله تعالى.
 

وأضافت الدار، في فتوى لها، ثانيًا: أن الصوم وسيلة للتحلي بالإخلاص؛ لأن الصائم يعلم أنه لا يطَّلع أحد غير الله تعالى على حقيقة صومه، وأنه إذا شاء أن يترك الصوم دون أن يشعر به أحد لفعل، فلا يمنعه عن الفِطْر إلا اطِّلاعُ الله تعالى عليه، ولا يحثه على الصوم إلا رضاء الله، والنَّفْسُ إذا تعايشت مع هذه الرؤية صارت متحلية بالإخلاص.

الصيام


وتابعت: ثالثًا: الصوم وسيلة للشكر؛ لأَنَّه بالامتناع في وقت الصوم عمَّا أنعم الله به على الإنسان من الطعام والشراب وسائر الشهوات المباحة يتبيَّن للإنسان مقدار تلك النِّعَم وحاجة الإنسان إليها، ومدى المشقة التي تلحق المحروم من تلك النِّعَم، فتتوق نفسه إلى شكر ذلك الْمُنْعِم العظيم الغنيِّ الذي وهب ومنح دون مُقَابل أو حاجةٍ لِمُقَابل.


وواصلت: رابعًا إن في الصوم من تَخَلُّق النفس بالصبر على الجوع والعطش والشهوة، والحد من نَهْمَتِهَا وانطلاقها الغاشم في الملذَّات، فالنفس المنطلقة في الشهوات اللاهثة وراء الملذات ما أسهل أن تستجيب للشيطان حين يُزَيِّن لها المهالك والموبقات؛ لذا كانت النفس في حاجة إلى الضبط والتنظيم في تنعُّمها بنعم الله تعالى.


وأكملت: خامسًا: أن الله تعالى نسب الصيام إليه، وتولى جزاء الصائمين؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قَالَ اللَّهُ : كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاَّ الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» [رواه البخاري ومسلم]. وفي رواية: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ؛ يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي، الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ».


سادسًا: ومن أسرار الصوم وحكمه أنه فيه صحة للبدن من الأمراض والأسقام؛ فبالصيام يطهر البدن من الفضلات والسموم التي نتجت عن أنواع الطعام الذي يُدخله المرءُ إلى جوفه طيلة العام، ومع الجوع يبدأ الجسم باستهلاك المخزون الجسدي، وطرد ما فيه من السموم والفضلات؛ فمع قلة الطعام الناتج عن صيام النهار ينتظم التنفس، ويقل العبء الملقى على القلب، ويتهيأ للجهاز الهضمي أن يجدد أنسجته التالفة، كما أن قلة الفضلات تسمح بإراحة الكلى وتجدد نشاطها، إلى غير ذلك من الفوائد الصحية العظيمة.


فضل صيام شهر رمضان


شهر رمضان فضّله الله على سائر السَّنَة بنزول القرآن الكريم فيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال تعالى: "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ" [البقرة: 185]، وميز الله تعالى هذا الشهر الكريم بأن أمر بصيام نهاره؛ فقال: "فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ" [البقرة: 185].

 

والصيام من العبادات التي لها أثرٌ عظيمٌ في حياة الفرد والمجتمع؛ فهو يعود الإنسان على الصبر وتحمل المشاق ويرقق المشاعر والأحاسيس، ويربط العبد بربه وخالقه، وفي الصوم خضوعٌ وطاعةٌ وحرمانٌ من ملذات الحياة وشهواتها طيلة النهار إيمانًا واحتسابًا لله، وهو انتصارٌ على النفس والهوى والشيطان، ورمضان هو شهر المغفرة والعتق من النار، ويكفيه فضلًا أن الله سجّل فضله في القرآن الكريم، ليظل يُتلى على مَرِّ الأيام وكَرِّ الأعوام إلى أن يرث اللهُ الأرضَ ومَن عليها؛ فهو الشهر الوحيد الذي ذُكر باسمه في القرآن الكريم.

الصيام
فضل صيام شهر رمضان

 
خصَّ الله عز وجل عبادة الصيام من بين العبادات بفضائل وخصائص عديدة، منها: أولًا: أن الصوم لله عز وجل وهو يجزي به، كما ثبت في البخاري (1894)، ومسلم ( 1151 ) من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي».


ثانيًا: إن للصائم فرحتين يفرحهما، كما ثبت في البخاري ( 1904 ) ، ومسلم ( 1151 ) من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إذَا أفْطَرَ فَرِحَ، وإذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بصَوْمِهِ».


ثالثًا: إن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، كما ثبت في البخاري (1894) ومسلم ( 1151 ) من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله عز وجل يوم القيامة من ريح المسك».


رابعًا: إن الله أعد لأهل الصيام بابا في الجنة لا يدخل منه سواهم، كما ثبت في البخاري (1896)، ومسلم (1152) من حديث سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ فِي الجَنَّة بَابًا يُقَالُ لَهُ: الرَّيَّانُ، يدْخُلُ مِنْهُ الصَّائمونَ يومَ القِيامةِ، لاَ يدخلُ مِنْه أَحدٌ غَيرهُم، يقالُ: أَينَ الصَّائمُونَ؟ فَيقومونَ لاَ يدخلُ مِنهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فإِذا دَخَلوا أُغلِقَ فَلَم يدخلْ مِنْهُ أَحَدٌ».


خامسًا: إن من صام يومًا واحدًا في سبيل الله أبعد الله وجهه عن النار سبعين عامًا، كما ثبت في البخاري (2840)؛ ومسلم (1153) من حديث أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما مِنْ عبدٍ يصومُ يوْمًا في سبِيلِ اللَّهِ إلاَّ بَاعَدَ اللَّه بِذلكَ اليَوْمِ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سبْعِين خريفًا»..

الصيام


سادسًا: إن الصوم جُنة «أي وقاية» من النار، ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الصيام جُنة»، وروى أحمد (4/22) ، والنسائي (2231) من حديث عثمان بن أبي العاص قال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «الصيام جُنة من النار، كجُنة أحدكم من القتال».


سابعًا: إن الصوم يكفر الخطايا، كما جاء في حديث حذيفة عند البخاري (525)، ومسلم ( 144 ) أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر».


ثامنًا: إن الصوم يشفع لصاحبه يوم القيامة، كما روى الإمام أحمد (6589) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ : أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ. وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ. قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ».

 

فضل شهر رمضان

أولًا: خص الصائمين بباب في الجنة يُسمى باب الريان، وحتى يحصل الأجر العظيم ينبغي للصائم اجتناب أعمال السوء كلها، والبعد عن الرفث والفسوق، مصداقًا لِما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (الصِّيَامُ جُنَّةٌ فلا يَرْفُثْ ولَا يَجْهلْ، وإنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ).

ثانيًافيه ليلة القدر: فقد فضّل الله -تعالى- شهر رمضان بأن جعل فيه ليلة عظيمة، تُغفر فيها الذنوب والآثام، وتتضاعف فيها الأجور، مصداقًا لقول الله تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ)، بالإضافة إلى ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (مَن قامَ ليلةَ القَدرِ إيمانًا واحتِسابًا غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذَنبِهِ).

ثالثًاشهر العتق من النار، و العتق من النار أسمى أمنيات المسلم، لا سيما أن العتق يعني اجتناب عذاب النار، ودخول الجنة، ومن فضل الله -تعالى- ورحمته بعباده أنه يصطفي منهم في كل ليلة من شهر رمضان عتقاء من النار، مصداقًا لِما رواه أبو أمامة الباهلي -رضي الله عنه- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (إنَّ للَّهِ عندَ كلِّ فِطرٍ عتقاءَ وذلِك في كلِّ ليلةٍ).

رابعًاشهر نزول القرآن الكريم، من أعظم فضائل شهر رمضان المبارك أن الله -تعالى- اصطفاه من بين شهور العام وأنزل فيه القرآن الكريم، مصداقًا لقوله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ)، بل إن جميع الكتب السماوية نزلت في شهر رمضان، مصداقًا لِما رواه واثلة بن الأسقع -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (أُنزلتْ صحفُ إبراهيمَ أولَ ليلةٍ من شهرِ رمضانَ، وأُنزلتِ التوراةُ لستٍّ مضتْ من رمضانَ، وأُنزل الإنجيلُ بثلاثِ عشرةَ مضتْ من رمضانَ).

 

خامسًامن فضائل شهر رمضان أن فيه صلاة التراويح، لا سيما أن الإجماع انعقد على سنيّة قيام ليالي رمضان، وقد أكّد الإمام النووي -رحمه الله- أن المقصود من القيام يتحقق في صلاة التراويح، وقد أخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن قيام رمضان مع التصديق بأنه حق، واعتقاد فضيلته، والإخلاص بالعمل لوجه الله تعالى، واجتناب الرياء والسمعة، سبب لمغفرة الذنوب، حيث قال: (مَن قامَ رمضانَ إيمانًا واحتِسابًا، غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ مِن ذنبِهِ).

سادسًااختص الله -تعالى- شهر رمضان بأن تُفتح أبواب فيه الجنة، وتُغلق أبواب النيران، وتصفّد الشياطين عند دخوله، كما ورد في الحديث الذي رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إذا جاءَ رَمَضانُ فُتِّحَتْ أبْوابُ الجَنَّةِ، وغُلِّقَتْ أبْوابُ النَّارِ، وصُفِّدَتِ الشَّياطِينُ).

سابعًاشهر الجود في كل شيء، فقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان أجود ما يكون في شهر رمضان.

ثامنًارمضان من الأوقات التي يُستجاب فيها الدعاء، ويُكرم الله فيه عباده بالعديد من الكرامات، ويعطيهم المزيد من فضائل رحمته وعطياه؛ فصيام رمضان هو الركن الرابع من أركان الإسلام، حيث صامه رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم-، وأمر الناس بصيامه، وأخبرهم أن من صامه إيمانًا واحتسابًا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن قامه إيمانًا واحتسابًا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، كما حث فيه على المبادرة إلى التوبة من الذنوب والخطايا، والتعاون على البر والتقوى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجميع الأخلاق التي تُرضي الله، وتُقرب العبد من ربه.

تاسعًاالعمرة في رمضان ثوابها مضاعف، وقد أخبر رسول الله أنّ العمرة في رمضان تعدل الحج في الأجر والثواب.

عاشرًاالصدقة في رمضان أجرها عظيم، فقد كان رسول الله أجود الناس في رمضان.

أحد عشرمن فضائل الصيام أن الله -تعالى- قد أضافه إليه، فكل أعمال العباد لهم، إلا الصيام فهو لله وهو يجزي به، وقد قال العلماء في سبب اختصاص الصوم بهذه المزية أنّه من الأعمال التي لا يقع فيها الرياء، وقيل لأن الله هو فقط العالم بمقدار ثوابه ومضاعفة حسناته، وهو من أفضل الأعمال التي لا مساوي لها عند الله، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي أمامة الباهلي: (عليك بالصَّوم فإنَّه لا مثل له)، وهو وقاية من شهوات الدنيا، فيمنع صاحبه من الوقوع في الشهوات والمعاصي، وهو وقاية من عذاب الآخرة كذلك.

اثنا عشريحصل الصائم على أجر الصبر على طاعة الله، والصبر في البعد عن المعصية، والصبر على ألم الجوع والعطش والكسل وضعف النفس، وفيه يكفر الله الخطايا والذنوب، ويشفع لصاحبه يوم القيامة، ويدخله الجنة من باب الريان، ويعيش الصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، وإنّ خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وقد بشّر رسول الله بأنّ دعوة الصائم من الدعوات المستجابة، فقال: (ثلاثُ دعواتٍ مُستجاباتٍ: دعوةُ الصائم، ودعوةُ المظلُوم، ودعوةُ المسافر).

فضل شهر رمضان

 

فوائد شهر رمضان

أولًايتعلم المسلم من خلال الصيام السيطرة على شهواته؛ فيتحكم بها ومن ثم يكون قادرًا على التحكم برغباته دون الإضرار بحاجاته الجسدية.

ثانيًاالصوم مدرسة للجود؛ فيجود المسلم بماله للمحتاجين، فهو يشعر بجوعهم وحاجتهم، ويجود بوقته في مساعدة الآخرين ومد يد العون لهم. 

ثالثًايُنمي الصيام في النفس حب عمل الخير، ويدربها على الإكثار منه وملازمته كلما أُتيحت الفرصة؛ فالعمل الصالح في هذا الشهر تتضاعف، الأمر الذي يُشجع المسلم على الإكثار من الأعمال الصالحة طمعًا في الأجر.

رابعًايساعد الصيام على الالتزام بالقواعد والقوانين واحترام الحدود المرسومة دون زيادة أو نقصان. 

خامسًايكسر الصيام الكِبَر في القلب؛ فيرى الصائم الأعداد العظيمة من المسلمين المقبلين على العبادات؛ فيقوم بدوره بالسعي إلى المزيد من العبادات ليلحق بمن سبقوه دون النظر إلى مكانتهم الاجتماعية.

سادسًايُشجع الصيام على السرية في أعمال الخير؛ فالصيام مبني على العلاقة بين العبد وربه دون تدخلات أو حاجة إلى أن يعرف الجميع بذلك؛ فيتصدق صمتًا في مساعدة الآخرين. 

سابعًاالصيام في رمضان يهدف إلى تجديد النية، وتنقيتها مما عَلِق بها، واحتساب هذه النية عند الله - تعالى-؛ لقول الرسول - عليه السلام-: (مَن صامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا ، غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذنبِهِ). 

ثامنًاتتجدد العلاقة بين المسلم وربه في رمضان، من خلال قراءة القرآن الكريم، والابتعاد عن المُحرّمات، وتطبيق السّنة النبويّة، والإقبال على صلاة التراويح وقيام الليل.

تاسعًاتجتمع أركان الإيمان في الصيام: قول القلب الذي يكون بالتصديق والإيمان بالصيام، وعمل القلب الذي يكون بالاحتساب، وفعل الجوارح الذي يكون بالابتعاد عن المحرّمات.

عاشرًايساعد الصيام المسلم على التأقلم بسرعة عند تغير الظروف؛ فيصبح أكثر مرونة وتقبُّلًا لتقلبات الحياة السريعة.

أحد عشريزيد الصيام من روحانية المسلم، ونقاء روحه، وارتقائه عن الشهوات والحاجات الماديّة. 

اثنا عشريُعلم الصيام المسلم فقه الأولويات؛ فيعرف أهمية الأعمال الصالحة ومستوياتها، فيرتبها حسب ذلك السُلم، كما يُربيه على فقه الاختلاف. 

 

صيام شهر رمضانالأعذار المبيحة للفطر

وحددت دار الإفتاء المصرية، الأعذار المبيحة للفطر، مؤكدة أنه يُبَاح الفطر لِمَن وجب عليه الصوم إذا تحقق فيه أمر من الأمور الآتية:

1) «العجز عن الصيام» لكبر سِن، أو مرض مُزْمن لا يُمكن معه الصيام، وحكمه إخراج فدية عن كل يوم وقدرها مُدّ من طعام لِمِسْكِين؛ لقوله تعالى: {وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُۥ فِدۡيَةٞ طَعَامُ مِسۡكِينٖ} [البقرة: 184]، ومِقْدَار المد (وهو مكيال) يساوي بالوزن 510 جرامات من القمح، عند جمهور الفقهاء.

 

2) ومن الأعذار المبيحة للفطر «المشقة الزائدة غير المعتادة» كأن يشق عليه الصوم لِمَرض يرجى شِفَاؤه، أو كان في غزو وجهاد، أو أصابه جوع أو عطش شديد وخاف على نفسه الضرر، أو كان مُنْتَظِمًا في عمل هو مصدر نفقته ولا يمكنه تأجيله ولا يمكنه أداؤه مع الصوم، وحكمه جواز الفطر ووجوب القضاء.

 

3) ومن الأعذار المبيحة للفطر  «السفر» إذا كان السَّفر مُبَاحًا، ومسافة السفر الذي يجوز معه الفطر: أَرْبَعَةُ بُرُدٍ، قدَّرها العلماء بِالأَمْيَالِ، وَاعْتَبَرُوا ذَلِكَ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ مِيلا، وبالفراسخ: سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا، وَتُقَدَّرُ بِسَيْرِ يَوْمَيْنِ مُعْتَدِلَيْنِ، وهي تساوي الآن نحو: ثلاثة وثمانين كيلو مترا، فأكثر، سواء كان معه مَشَقَّة أم لا، والواجب عليه حينئذ قضاء الأيام التي أفطرها؛ لقوله عز وجل: «فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَ» (البقرة: 184).

 

4) ومن الأعذار المبيحة للفطر «الحَمْل» فإذا خافت الحامل من الصَّوم على نفسها جاز لها الفِطْر ووجب عليها القضاء؛ لكونها في معنى المريض؛ أمَّا إذا كانت تخاف على الجنين دون نفسها، أو عليهما معا فإنها تفطر، ويجب عليها القضاء والفدية، وعند الحنفية أنه لا يجب عليها إلا القضاء.

5) ومن الأعذار المبيحة للفطر «الرضاعة» وهي مثل الحمل، وتأخذ نفس الحُكْم.

6) «إنقاذ محترم وهو ما له حُرْمَة في الشَّرع كمُشْرِفٍ على الهلاك» فإنه إذا توقَّف إنقاذ هذه النَّفْس أو جزء منه على إفطار الْمُنْقِذ جاز له الفطر دَفْعًا لأشد المفسدتين وأكبر الضررين، بل قد يكون واجبًا كما إذا تعيَّن عليه إنقاذُ نفسِ إنسانٍ لا مُنقذ له غيرُه، ويجب عليه القضاء بعد ذلك.

 

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الصيام رسول الله صلى الله علیه وسلم القرآن الکریم قال رسول الله رضی الله عنه الله تعالى الصیام فی شهر رمضان مصداق ا ل فی رمضان إن الصوم عند الله صیام شهر ال ق ر آن من النار أن الله ما رواه أنه قال الله أ رابع ا خامس ا ثانی ا عز وجل الذی ی ثالث ا ذلک ال

إقرأ أيضاً:

إذا أردت السلامة مِن غيرِك.. الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة القادمة

خطبة الجمعة.. كشفت وزارة الأوقاف أن خطبة الجمعة القادمة 20 يونيو 2025م، الموافق 24 ذو الحجة 1446 ه، سيكون عنونها: «إذا أردت السلامة من غيرك فاطلبها في سلامة غيرك منك»، لافتة إلى أن الهدف المنشود من هذه الخطبة والمراد توصيله للجمهور هو: التوعية بأهمية احترام الحياة الخاصة، وعدم التدخل في شئون الآخرين.

خطبة الجمعة القادمة

وتوفر «الأسبوع» لمتابعيها كل ما يخص خطبة الجمعة، وذلك من خلال خدمة متقدمة تتيحها لمتابعيها في جميع المجالات، ويمكنكم المتابعة من خلال الضغط هنــــــــــا.

خطبة الجمعة القادمة نص خطبة الجمعة القادمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ وآله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فحديثنـا اليـوم عـن خلـق عظيـم، وأدب رفيع، وهو احتـرام خصوصيـة الآخرين، فمن يريد السـلامة من ألسـنة النـاس وأيديهـم، فليبدأ بسـلامة الناس من لسـانه ويده، ومـن يبحث عن الاحتـرام، فليُعطِه أولًا، ومن يطلـب راحـة البـال، فليتجنبِ التدخل في أسـرار الآخريـن، وأحوالهم، وقراراتهم، وأسـبابهم التي لا تعنيه.

قـال تعالـى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النـور: ]27، هـذا في الدخـول، فكيـف بمـن يخـرق البيـوت بالفضـول، ويقتحـم الخصوصيـات بالتجسـس والـكلام؟

ولكي يحقق المسلم هذا المبدأ الذي رسخه الإسلام، عليه أن يراعي عدة أمور منها:

لا تتكلم فيما لا يعنيك

قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: «مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَ يَعْنِيهِ» رواه الترمذي.

هـذا الحديـث قاعـدة ذهبيـة في الأخـلاق، ومِفْتاحٌ للسـعادة النفسـية والاجتماعيـة، وهو دعوةٌ للسـكينة، والبعـد عـن التطفل، والاشـتغال بمـا ينفع.

والمعنـى: أن مـن علامـات إسـلامك الحقيقـي، أنك لا تتدخـل فيما لا يخصك، ولا تتكلـم إلا بما يعود عليـك أو علـى النـاس بالنفـع، وأن كثـرة التدخـل في شـؤون النـاس تُـورث العـداوة، وكثـرة الأسـئلة تُـورث الضيـق والحـرج، والسـكوت عمـا لا يعنينا يُـورث الهيبة.

فقبـل أن تتكلـم، سـل نفسـك: هـل هـذا الكلام يفيدني؟ هـل هذا الشـأن يعنيني فعلًا؟ هـل صاحب الأمر راضٍ بسـؤالي أو تدخلي؟

خطبة الجمعة القادمة

اجتناب الظن السيء

قـال تعالـى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ﴾ [الحجـرات:.]12

قـال الإمـام الطاهـر ابـن عاشـور: في قولـه تعالـى: ﴿اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ﴾ تأديـبٌ عظيـمٌ يُبطـل مـا كان فاشـيًا في الجاهليـة مـن الظنـون السـيئة والتهـم الباطلـة، وأن الظنون السـيئة تنشـأ عنهـا الغَيْـرة المفرطةُ، والمكائـد، والاغتيـالات، والطعـن في الأنسـاب[.» التحريـر والتنوير]

أخرج ابن أبي حاتم عن السدي أن سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه كان مع رجلين في سفر يخدمهما وينال من طعامهما وأنه نام يوما فطلبه صاحباه فلم يجداه فضربا الخباء وقالا: ما يريد سلمان شيئا غير هذا أن يجيء إلى طعام معدود وخبار مضروب فلما جاء سلمان أرسلاه إلى رسول الله ﷺ يطلب لهما إداما فانطلق فأتاه فقال: يا رسول الله بعثني أصحابي لتؤدمهم إن كان عندك قال: ما يصنع أصحابك بالإدام؟ لقد ائتدموا فرجع رضي الله تعالى عنه فخبرهما فانطلقا فأتيا رسول الله ﷺ فقالا: والذي بعثك بالحق ما أصبنا طعاما منذ نزلنا قال: إنكما قد ائتدمتما بسلمان فنزلت ﴿أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً﴾.

بـل دعـا الإسـلام إلـى حسـن الظـن بالآخريـن عند سـماع مـا يقدح فيهـم، قـال تعالـى: ﴿لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَٰذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ﴾ [النـور:.]12

خطبة الجمعة القادمة

المسلم من سلم الناس من لسانه ويده

قـال الله تعالـى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾ [الأحـزاب:.]58

قـد يكـون الإيـذاءُ الصـادر منـك في حـق النـاس حسـيًّا كالظلـم أو شـهادة الـزور، أو أكل أموالهـم بالباطـل، وقـد يكـون معنويًّـا كالتنمـر والاسـتهزاء، وتقليـل الاحتـرام، وكل مـن النوعيـن حرام شـرعا.

قـال العلامـة عبـد الرحمـن الأخضـري المالكـي في مختصـر العبـادات: «ولا يحـل لمسـلم أن ينظـر إلـى مسـلم بنظـرة تؤذيـه» فمجـرد النظـرة المؤذيـة حـرام شـرعا.

قـال الفُضيـل بـن عيـاض: «لا يحـل لـك أن تـؤذي كلبًـا أو خنزيـرًا بغيـر حـق، فكيـف بإيـذاء المؤمنيـن والمؤمنـات.» [تفسـير الزمخشـري.]

قال رسول الله ﷺ: «الـمُسلمُ من سَلِمَ المسلمونَ من لسانِه ويدِه» [متفق عليه.]

خطبة الجمعة القادمة

وعـن عَبْـد الِله بْـنَ عَمْـرٍو رضي الله عنه، سَـمِعْتُ رَسُـولَ الِله ﷺ يَقُـولُ: «الْمُسْـلِمُ مَـنْ سَـلِمَ النَّـاسُ مِـنْ لِسَـانِهِ وَيَـدِهِ، وَالْمُهَاجِـرُ مَـنْ هَجَـرَ مَـا نَهَـى الله عَنْـهُ» رواه أحمد.

قـال العلامـة الدكتـور موسـى شـاهين لاشـين: «خيـر المسـلمين هو الذي يمسـك لسـانه عن طعـن الناس، ويحفـظ مـا بيـن فكَّيـه عـن الإسـاءة للمسـلمين بالقـول أو بالإشـارة، وهو الذي يمسـك يـده وجميـع جوارحه، ويحبـس شـرورها وأذاهـا، فـلا يمـد يـده لحق الغير، ولا تمشـي رجلـه للإضرار بأحـد، ولا يتحرك فكـره وقلبه للإيقـاع أو الظلـم أو الإيلام.

المسـلم الكامـل هـو الـذي يسـلم النـاس مـن شـروره وأذاه، والمؤمـن الكامـل هـو الـذي يأمنه النـاس على دمائهـم وأموالهـم وأعراضهـم.» [فتـح المنعـم شـرح صحيح مسـلم.]

وعـن أَبـي سَـعيدٍ الخُـدْرِيِّ رضي الله عنه، عـن النَّبـيّ ﷺ قَـالَ: «إِذَا أَصْبـح ابْـنُ آدَمَ، فَـإنَّ الأعْضَـاءَ كُلَّهَا تُكَفِّـرُ اللِّسـانَ، تَقُـولُ: اتِّـقِ الله فينَـا، فَإنَّمـا نحـنُ بِـكَ، فَـإنِ اسْـتَقَمْتَ اسَـتقَمْنا، وإنِ اعْوججـت اعْوَججْنَـا» [رواه الترمذي.]

وعَـنْ مُعَـاذِ بْـنِ جَبَـلٍ رضي الله عنه، عـن النَّبِـيِّ ﷺ أنـه قـال: «ألا أُخبِرُك بِرأسِ الأمرِ، وعمودِه، وذِروَةِ سَنامِه؟ قلت: بلَى، يا رسولَ اللهِ، قال: رأسُ الأمرِ الإسلام، وعمودُه الصَّلاةُ، وذِروةُ سَنامِهِ الجِهادُ، ثمَّ قال: ألا أخبرُك بمِلاكِ ذلِك كلِّه؟ قلتُ: بلَى، يا نبيَّ اللهِ، فأخذَ بلسانِهِ، وقال: كُفَّ عليكَ هذا، فقُلتُ: يا نبيَّ اللهِ، إِنَّا لمؤاخَذونَ بما نتَكلَّمُ بِه؟ قال: ثَكلتكَ أمُّكَ يا معاذُ، وَهل يَكبُّ النَّاسَ في النَّارِعلَى وجوهِهِم، أوعلَى مناخرِهم، إلَّا حصائدُ ألسنتِهم». [رواه الترمـذي.

وقـال سـيدنا عبـدُ الله بـن مسـعود رضي الله عنه «وَالَّـذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ مَا عَلَى ظَهْرِ الَْأرْضِ شَـيْءٌ أَحْـوَجُ إلَى طُولِ سِـجْنٍ مِـنْ لِسَـانٍ مَـعَ صِغَـرِ حَجْمِـهِ، لِكِبَـرِ جُرْمِـهِ وَكَثْـرَةِ جِنَايَتِـهِ وَصُعُوبَـةِ حِفْظِـهِ» لـذا كان يقـول: «يا لسـان قل خيـرًا تنعم، واسـكت عن شـرٍ تسـلم، قبـل أن تندم.» وقال سيدنا علي رضي الله عنه «من لانت كلمته، وجبت محبته.»

قـال الــمُزَني: سـمعني الشـافعي يومًـا وأنـا أقول: «فـلان كذاب، فقـال: يا إبراهيـم، اُكْسُ ألفاظك أحسـنها! لا تقـل: فـلان كـذاب، ولكن قـل: حديثه ليس بشـيء.»

خطبة الجمعة القادمة

وقـد مـرّ يهـودي - يجـر وراءه كلبًـا - بإبراهيـمَ بـنِ أدهـم فـأراد أن يَسـتفِزَّه فقـال لـه: يـا إبراهيـم أَلِحْيتـك أطهـر مـن ذَنَـب هـذا الكلـب أم ذنَبُـه أطهر منها؟ فـرد عليه إبراهيـم بهدوء المؤمـن وأدبه وقوة حجتـه: إن كانت لِحْيتـي في الجنـة فهـي أطهـرُ مـن ذَنَب كلبك، وإن كانـت في النار لَذَنب كلبـك أطهرُ منها، فمـا كان من اليهودي إلا أن قـال: ديـنٌ يأمـر بهـذه الأخـلاق حريّ بـي أن أتّبعـه، ونطق الشـهادتين.

وقـال يحيـى بـن معـاذ الـرازي: «ليكـن حظُّ المؤمـن منك ثلاثـة: إنْ لم تنفعْه فـلا تضرَّه، وإنْ لـم تُفرحْه فلا تَغُمَّـه، وإنْ لـم تمدحْه فلا تَذُمَّه» [الرسـالة القشـيرية.]

وكتـب رجـل إلـى ابـن عمـر رضي الله عنه أنِ اكتـب إلـيَّ بالعلـم كلـه، فكتـب إليـه: «إِنَّ العِلـمَ كَثِيْـرٌ، وَلَكِـنْ إِنِ اسْـتَطَعْتَ أَنْ تَلقَى الَله خَفِيفَ الظَّهْرِ مِنْ دِمَاءِ النَّاسِ، خَمِيْصَ البَطنِ مِنْ أَمْوَالِهِم، كَافَّ اللِّسَـانِ عَنْ أَعْرَاضِهِم، لَازمـا لَأمـرِ جَمَاعَتِهِـم، فَافعَلْ» [كنـز العمال.]

إن أذى النـاس ديـون تـؤدى لا محالـة، فعَـنْ عَائِشَـةَ رضي الله عنها، قَالَـتْ: قال رسول الله ﷺ: الدَّواوينُ عِندَ اللهِ عزَّ وجلَّ ثَلاثةٌ: ديوانٌ لا يَعْبأُ اللهُ به شَيئًا، وديوانٌ لا يَترُكُ اللهُ منه شَيئًا، وديوانٌ لا يَغفِرُه اللهُ، … وأمَّا الديوانُ الذي لا يَترُكُ اللهُ منه شَيئًا: فظُلمُ العِبادِ بَعْضِهم بَعْضًا، القِصاصُ لا مَحالةَ.» [مسـند أحمد.]

احترام خصوصية الآخرين

قـال تعالـى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ۚ مِّن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ۚ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ﴾ النور: 58.

إن احتـرام خصوصيـة الآخريـن واجـب دينـي حـث عليـه القـرآن الكريـم، وأرشـد إليـه النبـي الكريـم صلي الله عليه وسلم، قـال تعالـى: ﴿وَلا تَجَسَّسُوا﴾ [الحجـرات: ]12، والتجسـس هـو البحـث بوسـيلة خفيـة عـن المتجسـس عليـه، ووجـه النهـي عنـه أنـه ضـرب مـن الكيـد والتطلـع علـى العـورات.

خطبة الجمعة القادمة

قـال ابـن قدامـة: «واعلـم: أن مـن ثمـرات سـوء الظـن التجسـسَ، فـإن القلـب لا يقنـع بالظـن، بـل يطلـب التحقيـق فيشـتغل بالتجسـس، وذلـك منهـي عنـه، لأنـه يوصـل إلـى هتـك سـر المسـلم، ولـو لم ينكشـف لك، كان قلبـك أسـلم للمسـلم» مختَصـر منهـاج القَاصدِيـن.

إن هـذا السـلوك بـاب للفسـاد والإفسـاد، فعـن معاويـة رضي الله عنه، أن رسـول الله صلي الله عليه وسلم قـال: «إِنَّـكَ إِنِ اتَّبَعْـتَ عَـوْرَاتِ النـاسِ، أَفْسَـدْتَهُمْ، أوْ كِـدْتَ أنْ تُفْسِـدَهُمْ» رواه أبـو داود وابـن حبان.

روي أن عمـر رضي الله عنه كان يَعُـس بالمدينـة مِـنَ اللَّيْـلِ، فَسَـمِعَ صَـوْتَ رَجُـلٍ فِـي بَيْـتٍ يتغنـى، فتسـوَّر عليـه فوجـد عِنْـدَهُ امْـرَأَةً، وَعِنْـدَهُ خَمْـرٌ، فَقَـالَ يَـا عَـدُوَّ الِله أَظْنَنْـتَ أَنَّ الَله يَسْـتُرُكَ، وَأَنْـتَ عَلَـى معصيتـه، فقـال: وأنت يـا أميـر المؤمنيـن فـلا تعجل، فـإن كنتُ قد عَصَيْـتُ الَله وَاحِدَةً، فَقَدْ عَصَيْـتَ الَله فِيَّ ثلاثا قـال الله تعالى: ﴿وَلا تَجَسَّسُوا﴾ الحجـرات: 12، وَقَـدْ تَجَسَّسْـتَ، وَقَـالَ الُله تَعَالَـى: «وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا» البقرة 189، وَقَـدْ تَسَـوَّرْتَ عَلَـي، وَقَـدْ قَـالَ الُله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» النور 127، وَقَـدْ دَخَلْتَ بَيْتِـي بِغَيْرِ إِذْنٍ وَلَا سـلام، فقال عمر: هَـلْ عِنْدَكَ مِنْ خَيْـرٍ إِنْ عَفَـوْتُ عَنْـكَ، قـال: نعـم والله يـا أميـر المؤمنيـن لَئِـنْ عَفَـوْتَ عَنِّـي لَا أَعُـودُ إِلَـى مِثْلِهَـا أبـداً، فعفـا عنـه، وخـرج وتركـه» إحياء علـوم الدين.

جزاء عدم احترام الخصوصيات

إن تتبـع حيـاة الآخريـن بهـدف نشـر مثالبهـم، والعـزم علـى ارتكاب القبيـح، منكـر يعاقب عليـه فاعله، لأنه يشـيع الفوضـى في المجتمعـات، ويعلـن المنكـرات، وقد علق الله الوعيد الشـديد في الدارين على محبة انتشـار الفاحشـة في الذيـن آمنـوا، فقـال تعالـى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ النور 19.

وقـد توعـده الله بـأن يفضحـه ويكشـف سـره هـو، ولـو كان في جـوف بيتـه، كمـا جـاء في حديـث رسـول الله ﷺ: «يَـا مَعْشَـرَ مَـنْ آمَـنَ بِلِسَـانِهِ وَلَـمْ يَدْخُلِ الِْإيمَـانُ قَلْبَـهُ: لَ تَغْتَابُوا الْمُسْـلِمِينَ، وَلَ تَتَّبِعُـوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّـهُ مَـنِ اتَّبَـعَ عَوْرَاتِهِـمْ يَتَّبِـع الُله عَوْرَتَـهُ، وَمَـنْ يَتَّبِـعِ الُله عَوْرَتَـهُ يَفْضَحْـهُ فِـي بَيْتِـه» رواه أحمد وأبـو داود وابـن حبّان.

وعَـنْ أَبِـي هُرَيْـرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُـولَ الِله ﷺ قَـالَ: «لَـوْ أَنَّ رَجُـلًا اطَّلَـعَ عَلَيْـكَ بِغَيْـرِ إِذْنٍ، فَخَذَفْتَـهُ بِحَصَـاةٍ، فَفَقَـأْتَ عَيْنَـهُ مَـا كَانَ عَلَيْـكَ مِـنْ جُنَاحٍ∙ رواه مسلم.

وعَنْـه، أنَّ رَسُـولَ الِله ﷺ قَـالَ: «الْمُؤْمِـنُ مِـرْآةُ الْمُؤْمِـنِ، وَالْمُؤْمِـنُ أَخُـو الْمُؤْمِـنِ، يَكُـفُّ عَلَيْـهِ ضَيْعَتَـهُ، وَيَحُوطُـهُ مِـنْ وَرَائِـهِ» رواه أبـو داود.

وعَنِ سَهْل بْن سَعْدٍ رضي الله عنه، «أنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ مِن جُحْرٍ في بَابِ رَسولِ اللهِ ﷺ، وَمع رَسولِ اللهِ ﷺ مِدْرًى يُرَجِّلُ به رَأْسَهُ، فَقالَ له رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: لو أَعْلَمُ أنَّكَ تَنْظُرُ، طَعَنْتُ به في عَيْنِكَ، إنَّما جَعَلَ اللَّهُ الإذْنَ مِن أَجْلِ البَصَرِ» رواه مسلم.

فالمسـلم كمـا يؤجـرُ علـى فعـلِ الطاعـاتِ، كذلـك يؤجـرٌ علـى كـفِّ الأذَى، قـال أبـو ذر رضي الله عنه: قُلْـتُ: يَـا رَسُـولَ الِله أَرَأَيْـت إنْ ضَعُفْـتُ عَـنْ بَعْـضِ الْعَمَـلِ؟ قَـالَ: «تَكُـفُّ شَـرَّكَ عَـنْ النَّـاسِ فَإِنَّهَـا صَدَقَـةٌ مِنْـك عَلَـى نَفْسِـك” متفـق عليـه.

فقـد حـذَّرَ النبـيُّ ﷺ مـن أذيةِ الغير أشـدَّ التحذيـرِ، فعَنْ أَبِي شُـرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ، أَنَّ رَسُـولَ الِله صلي الله عليه وسلم قَـالَ: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل: من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه» متفق عليه. وفي رواية لمسلم: «لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه».

فعـن عبـدالِله بـن مَسـعودٍ رضي الله عنه، قـالَ: كُنَّـا مـعَ رسـولِ الِله ﷺ في سـفَرٍ، فانطلـقَ لحاجتِـهِ، فرأَينـا حُمَّـرةً معَهـا فرخـانِ، فأخذنَـا فَرخَيهـا، فجـاءتِ الحُمَّـرةُ فجعلـتْ تَفـرِشُ، فجـاءَ النَّبـيُّ صلي الله عليه وسلم فقـالَ: «مـن فجـعَ هـذِهِ بولدِهـا؟، ردُّوا ولدَهـا إليهَـا“. ورأىَ قريـةَ نمـلٍ قـد حرَّقنَاهَـا فقـالَ: “مَـنْ حـرَّقَ هذِهِ؟» قُلنًـا: نحنُ، قـالَ: “إنَّهُ لا ينبَغـي أن يعـذِّبَ بالنَّـارِ إلّاَ ربُّ النَّـارِ” رواه أبـو داود والحاكـم وصححـه.

وعَـنِ ابْـنِ عَبَّـاسٍ رضي الله عنهما، قَـالَ: قَـالَ رَسُـولُ الِله ﷺ:«لا يتَناجى اثنانِ دونَ الثالثِ، فإنَّ ذلك يؤذي المؤمنَ واللهُ يَكرَهُ أذى المؤمنِ» الترمذي.

خطبة الجمعة القادمة

كف الأذى عن الناس طريقٌ إلى الجنة

فكمـا أن إيـذاء النـاس طريـقٌ إلـى النـار، فـإن كـف الأذى عـن النـاس طريـقٌ إلـى الجنـة، قال رجلٌ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ فُلانةَ يُذكَرُ مِن كَثرةِ صَلاتِها وصَدقَتِها وصيامِها، غيرَ أنَّها تُؤذي جيرانَها بِلِسانِها؟ قال: هيَ في النَّارِ، قال: يا رَسولَ اللهِ، فإنَّ فُلانةَ يُذكَرُ مِن قِلَّةِ صيامِها وصَدقَتِها وصَلاتِها، وإنَّها تَتَصدَّقُ بالأَثوارِ مِن الأَقِطِ، وَلا تُؤذي جيرانَها بِلسانِها؟ قال: هيَ في الجنَّةِ” رواه أحمـد وابـن حبـان والحاكـم وصححـه.

وعَـنْ أَبِـي هُرَيْـرَةَ رضي الله عنه قَـالَ: قَـالَ رَسُـولُ الِله ﷺ: «مَـرَّ رَجُـلٌ بِغُصْـنِ شَـجَرَةٍ عَلَـى ظَهْـرِ طَرِيـقٍ فَقَـالَ وَالِله لُأنَحِّيَـنَّ هَـذَا عَـنِ الْمُسْـلِمِينَ لَا يُؤْذِيهِـمْ فَأُدْخِـلَ الْجَنَّـةَ» [رواه مسـلم.]

وكان ابـن عبـاس رضي الله عنهما يأخـذ بلسـانه ويقـول: «ويحـك قـل خيـرا تغنـم، واسـكت عـن سـوء تسـلم، وإلا فاعلم أنك ستندم».

وقـد جـاءَ أعرابـيٌّ إلـى النبـيِّ ﷺ صلي الله عليه وسلم فقـال: “دُلَّنـي على عَمـلٍ يُدخلُنـي الجَنَّةَ»، قَـالَ: «أَطْعِـمِ الجَائعَ، وَاسْـقِ الظَمـآنَ، وأمُـر بالمعـروفِ، وَانْـهَ عـن المنكـرِ، فَـإِنْ لَمْ تُطِقْ فَكُـفَّ لِسَـانَكَ إلَّا مِنْ خَيْـرٍ» [رواه ابنُ أبـي الدنيا بإسـنادٍ جيّد.

وَقَـالَ عَمَّـارٌ رضي الله عنه «ثَـلَاثٌ مَـنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الِإيمَانَ: الِإنْصَافُ مِنْ نَفْسِـكَ، وَبَذْلُ السَّـلَامِ لِلْعَالَمِ، وَالِإنْفَـاقُ مِنَ الِإقْتَارِ».

قـال ابـن رجـب: «تَضَمَّنَـتْ النُّصُـوص كُلُّهَـا أَنَّ الْمُسْـلِمَ لَا يَحِـلُّ إِيصَـالُ الَْأذَى إِلَيْـهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُـوهِ، مِنْ قَـوْلٍ أَوْ فِعْـلٍ بِغَيْـرِ حَـقٍّ، وَقَـدْ قَـالَ تَعَالَـى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا [الأحـزاب: ]58، وَإِنَّمَا جَعَـلَ الُله الْمُؤْمِنِيـنَ إِخْـوَةً لِيَتَعَاطَفُـوا وَيَتَرَاحَمُوا». جامع العلـوم والحكم.

إجراءات عملية لاحترام الحياة الخاصة

تجنّب التدخل في شؤون الآخرين

- لا تسـأل النـاس عـن خصوصيـات لا تعنيـك، فـلا تسـأل: «كـم راتبـك؟» / «لمـاذا لـم تتـزوج بعـد؟/» «متـى تنجبـون؟/» «لمـاذا لـم تشتـرِ بيتًـا؟» فالأسـئلة الشـخصية تدخـل في دائـرة الفضـول وليـس النصيحـة.

- امسـح مـن هاتفـك عـادات التطفـل، فلا تتصفـح هواتف الآخريـن ولو أعـاروك إياهـا، ولا تلتقط صورًا للنـاس دون إذنهـم، ولا تراقـب «آخـر ظهور» أو تقـرأ الرسـائل الخاصة لغيرك.

- لا تعلـق علـى مـا لا يعنيـك، فإذا سـمعت شـخصًا يشـتكي أو يمر بمشـكلة ولـم يطلب رأيك، فاسـكت، وإن أردت الخيـر لـه، فـادعُ لـه، أو قـدم النصيحة بلُطـف وبخصوصية.

- لا تتبـع عـورات النـاس، فـلا تبحـث عـن أسـرارهم، ولا تُظهـر فرحًا بزلاتهم، واسـر كما تحب أن يُسـر عليك.

- اضبـط لسـانك ومواقعـك، فـلا تَنقُلْ أخبار الناس في المجالس، ولا تُشـارك صورًا أو تسـجيلات صوتية مـن حياتهـم الخاصـة، ولا تكتب تعليقات جارحة أو ملاحظات فيها سـخرية أو تجسـس.

- ربِّ أبنـاءك علـى أدب الخصوصيـة، وعلّمهـم ألا يقتحموا غرف الآخرين دون اسـتئذان، وعوِّدهم على احترام أسـرار الأسـرة وأحاديث الكبار.

- تذكّـر أنـك كمـا تديـن تُـدان، فما تفعله بالناس، سـيعود إليك، ومن يَفضح الناس يُفضح، ومن يتجسـس يُتجسّـس عليـه، واحفظ حُرمة الناس في غيابهـم، يحفظ الله حُرمتك في غيابك.

- ولا يسـأل الأب ابنـه المتـزوج لمـاذا تأخـرت عـن الانجاب بصورة تعـبر عن التدخل الشـديد والإلحاح الضاغـط علـى الأعصـاب والمـؤذي، بخـلاف اطمئنـان الأب علـى ابنـه في تأخـر إنجابـه وتفقـده لحالـه برفـق ولطـف ممـا يـدل علـى الاهتمـام والعناية.

- لا تتدخل في قرارات زملائك، لا تُراقب الناس كيف ينفقون، أو لماذا اشتروا كذا، أو لبسوا كذا.

الخطبة الثانية: إيجابيات وسلبيات

مواقع التواصل الاجتماعي

الحمد لله والصلاة والسلام علي سيدنا رسول الله ﷺ وأله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فقـد غـدا العالـم اليـوم قريـةً صغيـرة بفضـل التقـدم التكنولوجـي الهائـل، ومـن إيجابيـات هـذا التطـور التكنولوجـي، ووسـائل التواصـل الاجتماعـي خصوصـا:

- توسيع دائرة المعارف والعلاقات الاجتماعية عير المسافات البعيدة. * سرعة الوصول إلى المعلومة.

- التعبير عن الرأي.

- المشاركة الاجتماعية الهادفة. * التعليم والتعلم والتطوير الذاتي.

وعلـى الرغـم مـن أهميـة وسـائل التواصـل الاجتماعـي وإيجابياتهـا الكثيـرة، فـإن لهـا سـلبيات في منتهـى الخطـورة.

إنّ من أخطر ما جلبته السوشيال ميديا من سلبيات ما يلي:

- ضياع الأوقات فيما لا ينفع.

- الغيبـة والنميمـة الإلكترونية، فالتعليقـات السـلبية علـى صـور النـاس، أو فضح أخطائهم، أو إعادة نشـر فضائحهم: غيبـة ونميمة.

- نشـر الفواحـش والمجاهـرة بالمعاصـي، فبعض المسـتخدمين ينشـرون مـا يغضب الله تعالـى، وهذا من المجاهـرة التـي قـال عنهـا صلي الله عليه وسلم: “كل أمتي معـافى إل المجاهريـن” رواه البخاري.

- التجسـس وتتبـع العـورات، مثـل تصفّـح الصـور الخاصـة للنـاس، والدخـول لحسـاباتهم والتلصـص عليهـم.

- تفـكك العلاقـات الأسـرية، حيـث يجلـس الأب والأم والأبنـاء على مائدة واحدة، لكـن كلٌّ منهم غارق في هاتفـه، فـلا حـوار، لا تواصل، لا مودة.

- نقـل الإشـاعات وتفـكك المجتمـع، فبنقرة واحدة يُنشـر خبر كاذب، فتقوم فتنة، أو يتهـم بريء، أو تُفزع الناس دون داعٍ.

- العَلاقـات الوهميـة، حيـثُ العَلاقـاتُ القائمـةُ علـى الإعجابات والتعليقـات، لكنها بلا وفـاءٍ ولا عمقٍ، وتنتهـي لأتفه الأسـباب.

- القلـق والاكتئـاب بسـبب المقارنـات، فحين يرى الشـاب صور الأثرياء، والسـفر، والزينـة، فيحزن على حالـه، ويظـن أنه فاشـل، مـع أن ما يراه ربمـا يكون «واجهـة مزيفة.»

- حـب الظهـور وطلـب الشـهرة، حيـث إن بعـض النـاس لا يعيش لنفسـه، بل لأجـل ما يرضـي المتابعين، يفـرح بعـدد الإعجابـات أكثـر مـن فرحه بأي شـيء آخر.

- العزلـة والانفصـال عـن الواقـع، فرغـم أنـه ربما يظـن المرء أنه محـاط بالناس، لكنه يشـعر بالوحدة، لأن تواصلـه مجرد «شاشـة» لا روح فيها.

- تصـدُّر رؤوسٍ جهـال للفتـوى، والتخـوض في الأمـور العلميـة ممـن ليسـوا أهلًا للتخصـص، ودون فهم لآليـات النـص، ومعرفـة إسـقاطه علـى الواقـع المعيـش، والإحاطـة بـ»فقـه المـآلات»، والإحاطـة بالجهـات الأربـع في الفتـوى «تغيـر الزمـان والمـكان والأحـوال والأشـخاص.»

سبل مواجهة سلبيات مواقع التواصل الاجتماعي

- العنايـة والمتابعـة والاهتمام الأبـوي: قـال تعالـى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريـم: 6.

وعـن عَمْـرِو بْـنِ أُمَيَّـةَ رضي الله عنه، قَـالَ: قَـالَ رَجُـلٌ لِلنَّبِـيِّ صلي الله عليه وسلم أُرْسِـلُ نَاقَتِي وَأَتَـوَكَّلُ؟، قَـالَ: «اعْقِلْهَا وَتَـوَكَّلْ» [رواه ابـن حِبَّان.]

فعليـك بتفعيـل العنايـة الأبوية في أجهزة الأبناء باسـتخدام برامج رقابة، لحجـب المحتوى الضار، ويجب أن تكـون المراقبة بلطف.

- التثبـت مـن الأخبـار: قـال تعالـى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [الحجـرات:.]6 وقـال سـبحانه: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسـراء:.]36

- وَعَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عنه، قَـالَ: سَـمِعْتُ رَسُـولَ الِله ﷺ يَقُـولُ: “وَيْـلٌ لِلَّـذِي يُحَدِّثُ فَيَكْـذِبُ لِيُضْحِـكَ بِـهِ الْقَـوْمَ، وَيْـلٌ لَهُ وَيْلٌ لَـهُ” رواه أبـو داود.

- مراقبـة الله تعالـى في كل حركاتـك وسـكناتك: قـال تعالـى: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النسـاء: ]1، وقـال: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ [البقـرة:.]235

قـال الإمـام ابـن جُـزَيّ: “إذا تحقـق العبد بهذه الآية وأمثالها اسـتفاد مقـام المراقبة، وهو مقام شـريف أصله علـم وحـال، ثـم يثمـر حاليـن: أمـا العلـم: فهـو معرفـة العبد بـأنّ الله مطلـع عليـه، ناظر إليه يـرى جميـع أعماله، ويسـمع جميـع أقوالـه، ويعلـم كل مـا يخطـر علـى بالـه. وأمـا الحـال: فهـي ملازمـة هـذا العلـم للقلـب بحيـث يَغلِـب عليـه، ولا يَغفُـلُ عنـه، ولا يكفـي العلـم دون هـذه الحـال، فـإذا حصل العلـم والحال: كانـت ثمرتها عند أصحـاب اليميـن: الحيـاء مـن الله، وهـو يوجب بالضـرورة ترك المعاصـي، والجِد في الطاعـات، وكانت ثمرتها عنـد المقرّبيـن: الشـهادة التـي توجـب التعظيم والإجلال لـذي الجلال” التسـهيل لعلـوم التنزيـل، .]176/1

- استشـعار أمانـة الكلمـة: قـال تعالـى: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النحـل::116.]117

وعـن أَبِـي هُرَيْـرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، عَـنِ النَّبِيِّ ﷺ قال: “إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّـمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْـوَانِ الِله، لاَ يُلْقِي لَهَـا بَـالًا، يَرْفَعُـهُ الُله بِهَـا دَرَجَـاتٍ، وَإِنَّ العَبْـدَ لَيَتَكَلَّـمُ بِالكَلِمَـةِ مِـنْ سَـخَطِ الِله، لاَ يُلْقِـي لَهَـا بَـالً، يَهْـوِي بِهَـا فِـي جَهَنَّـمَ” رواه البخاري.

الالتـزام بحـدود التواصـل بيـن الرجـال والنسـاء: فيجـب أن يكـون التواصـل لغـرض مشـروع وليـس بدافـع التسـلية أو الفضـول، كمـا لا يجـوز اسـتخدام ألفـاظ لينـة أو عبـارات فيهـا ميوعـة أو تلميحـات عاطفيـة، وكذلـك الاقتصـار علـى قـدر الحاجـة فقط، دون اسـتطراد أو الدخـول في خصوصيات. كما لا يجـوز أن تكون المحادثـة متكـررة بشـكل دائـم يـؤدي إلـى تعلـق القلب أو نشـوء علاقـة محرمة، وكذلـك عدم إرسـال صور أو رمـوز تعبيريـة )إيموجـي) غيـر مناسـبة، مثـل القلـوب والوجـوه التـي تحمـل دلالات عاطفية.

- تحـري أكل الحـلال عبـر مواقـع التواصـل الاجتماعـي: فليحـذر كل مـن يتصـدر علـى مواقـع التواصـل الاجتماعـي مـن التكسـب مـن وراء البرامـج والمقاطـع التـي تسـتهدف أعـراض النـاس، فـإن مـن يفعـل ذلـك يـأكل حرامـا، ولا تغرنـه الشـهرة وكثـرة المتابعـات والمشـاهدات، فهـو أمـر -لـو علمـه- عظيـم!

فعَـنْ وَقَّـاصِ بْـنِ رَبِيعَـةَ عَـنِ الْمُسْـتَوْرِدِ رضي الله عنه، أَنَّـهُ حَدَّثَـهُ أَنَّ النَّبِـيَّ ﷺ قال: “مَـنْ أَكَلَ بِرَجُـلٍ مُسْـلِمٍ أَكْلَـةً فَـإِنَّ الَله يُطْعِمُـهُ مِثْلَهَـا مِـنْ جَهَنَّـمَ، وَمَـنْ كُسِـيَ ثَوْبًـا بِرَجُـلٍ مُسْـلِمٍ فَـإِنَّ الَله يَكْسُـوهُ مِثْلَهُ مِـنْ جَهَنَّمَ.» [رواه أبـو داود.]

والمعنـى أن المـال والطعـام والكسـوة وسـائر مـا يملكـه الإنسـان، إذا كان ناتجـا بسـبب الاسـتهزاء بالناس والسـخرية منهـم، أو الغيبـة والنميمـة، أو إيغـار صـدور النـاس بعضهـم علـى بعـض، فـإن مصيـر كل ذلـك إلـى جهنـم والعيـاذ بـالله تعالى.

إجراءات عملية للتعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي

- اضبـط أوقـات اسـتخدام الهاتـف بـأن تحـدد لنفسـك وأولادك أوقاتًا يومية لاسـتخدام الهاتـف، وتكون هنـاك فتـرات «صيـام رقمي» للأسـرة كلها.

- احذف الحسابات التي تنشر منكرًا أو تضيع وقتك.

- اسـتخدام تطبيقـات تقنيـن الوقـت، فهنـاك تطبيقـات تحـدد عـدد دقائـق الاسـتخدام، وتغلـق التطبيقـات تلقائيًـا بعدها.

- لا تنشر صورك أو حياتك الخاصة بسهولة، ولا تفتح الكاميرا في كل وقت ومكان.

- لا تتابع الناس في كل تفاصيلهم، ولا تراقب حياة الآخرين ثم تشتكي من حياتك

- تذكّر أن الناس ينشرون لحظات «منتقاة»، وليست الحقيقة الكاملة.

- اسـتخدم السوشـيال ميديـا: للخيـر والعلـم، وللتواصـل البنّـاء، ولتقويـة القيـم والــهُويَّة الدينيـة والوطنية والأخلاقيـة، وابتعـد عـن: تضييـع الوقـت، والعَلاقـات المحرمـة، ومتابعـة التافهيـن ومروّجـي الفسـاد.واجعل السوشـيال ميديـا وسـيلةً لا غايـةً، واجعلهـا تُقرّبـك مـن الله لا أن تُبعـدك عنـه.

اقرأ أيضاً«إذا أردت السلامة من غيرك فاطلبها في سلامة غيرك منك».. موضوع خطبة الجمعة القادمة

«الأوطان ليست حفنة من تراب».. موضوع خطبة الجمعة القادم لوزارة الأوقاف

«الاوطان ليست حفنة من تراب».. خطبة الجمعة القادم 13 يونيو لـ وزارة الأوقاف

مقالات مشابهة

  • ما المقصود بقوله تعالى: وإن تصبهم سيئة.. ما معنى سيئة هنا؟
  • إذا أردت السلامة مِن غيرِك.. الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة القادمة
  • محمد رمضان يعلن الصلح مع أسرة الطفل المعتدى عليه من قبل نجله.. صور
  • شاهدة في قضية تعـذيب الابن رحيم : والدته داومت الاعتداء عليه بمصر القديمة
  • خلال ملتقى المرأة.. الجامع الأزهر يضع روشتة علاجية لجهاد النفس بعد الحج
  • هل هناك ذنوب لا يغفرها الله تعالى؟
  • أريد التوبة من تتبع عورات الناس فماذا أفعل؟.. الإفتاء تجيب
  • دعاء شكر الله على النعم.. سببٌ لرضاه عن عبده
  • بكى في الامتحان.. عميد أصول الأزهر يواسي طالبا أندونيسيا توفي والده ويؤدي عليه صلاة الغائب
  • أذكار الصباح اليوم الإثنين 16 يونيو 2025