عصب الشارع
صفاء الفحل
الله معنا ..
بعد إنتهاء حرب فيتنام وعودة الجنود إلى ديارهم قال جندي أمريكي خلال مقابلة تلفزيونية أنه وبعد قتله لجندي فيتنامي وجد قلادة على عنقه كتب عليها (الله معنا) ويواصل بأنه اندهش فقد أخبرونا قبل الذهاب للمعركة بان الله سيكون معنا نحن وليس معهم، واليوم هذا هو حال المتقاتلان على السلطة لدينا، فكل جندي بالطرفين يظن بأنه على حق وأن الله معه كما اخبروه، لذلك فإن الطرفان يكبران ويهللان وهم يستعرضون الرؤوس وبقايا الجثث، رغم انه وحسب قناعتنا أن الله ليس بجانب أحدهم فقد قال الرسول الكريم مامعناه (ان تقاتل مسلمان بغير حق فقتل أحدهم الآخر فان القاتل والمقتول في النار)، والله أعلم ولكن الله معنا نحن الغلابة الصابرين علي مضض على هذه الابتلاءات الكبيرة.
ويكبر إحساس المرارة داخلي كل ما اشاهد صورة وأرثى لحال ذلك الغرير المخدوع المدعو (المصباح) الذي وجد نفسه (فجأة) قائداً لمليشيات ما يسمى ب(كتائب البراء) سوى وهو يرفع شارة النصر داخل مباني التلفزيون أو هو يبتسم بعد وجبة سمك على شواطيء البحر الأحمر أو يشرب العصير بكافتيريا في شارع الوادي وأنا أتأمل الشرود في عينيه وكأنما هو يدرك بأنه يرقد على (مقصلة قرابين الاسلاميين) وأنه في حساباتهم (مشروع شهيد) قادم لم يحن زمن الحديث بأنه وسط الحور العين وأن جثته كانت تفوح منها رائحة المسك بعد..!ولكنه يعيش ك (عروس النيل) لدى الفراعنة، عليها أن تبتسم رغم علمها بأنها محولة لحتفها.
هل يمكن أن يعيش أحدهم سعيدا وهو يشاهد أن الموت صار أهون من جرعة ماء وهل يمكن أن يعود بعد ذلك كبشر سوي يحمل في قلبه الرحمة والعاطفة والسلام وما هو الثمن الذي سيقبضه جراء تلك الوحشية وهو يحمل المصحف على سن الرمح كما فعل معاوية في معركة الجمل وهو يواجه أم المؤمنين عائشة وعلي بن أبي طالب رضوان الله عليهم وهو على يقين بأنه لن يصل إلى مرتبة (الشهادة) ليعانق أحمد القرشي أو يكون من زمرة شهداء أكتوبر وأبريل وديسمبر.
لهذه الحرب العبثية كلفة بشرية وأخلاقية قد تحتاج لأجيال وأجيال لإصلاحها، تقودها أطراف هذه الحرب التي تنظر للنصر الذي يقود للسيطرة على ثروات ومقدرات الأمة وتعمل من أجل الوصول إلى غايتها الدنيئة الي تحطيم الروح الإنسانية وإرادة البناء وسط الشباب وتحويل كل أحلام الغد المعافة إلى ثقافة أن الموت والدماء هو معول البناء لذلك الغد الكذوب وهو أمر أخطر من الكلفة الإقتصادية التي يمكن تعويضها لذلك فان الدعوة لإيقاف الحرب يجب أن تتخذ خطوات أسرع وأقوى قبل أن يتحول الجزء الاكبر من شباب الوطن الى قتلة وسفاحين وتتحول ثقافة موت ودمار وسرقة وإغتصاب بعد نشرت ثورة ديسمبر ثقافة السلمية فاغتالها ذلك الإنقلاب المشؤوم ويجب علينا جميعاً أن نقف ونتأمل ذلك الانزلاق الخطير قبل التلاشي.
والثورة لن تتوقف ..
والقصاص يظل أمر حتمي ..
والرحمة والخلود لشهداء الثورة الأبرار ..
الجريدة
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الله معنا
إقرأ أيضاً:
من فاغنر إلى سلاف فواخرجي: ثقافة “الإلغاء” وحقّ الجمهور بالمحاسبة
تشهد نقابة الفنانين السوريين في الآونة الأخيرة صراعاً محتدماً يعكس عمق الانقسامات السياسية في البلاد. فقد أصدرت النقابة، قبل يومين، بياناً موقّعاً باسم النقيب مازن الناطور، أعلن فيه إلغاء قرار عزله من منصبه، وذلك بعد ساعات قليلة من تسريب قرار العزل إلى وسائل إعلام سورية، وكان موقّعاً من نائب النقيب، الفنان نور مهنا.
وقد برّر مهنا قرار العزل باتهام الناطور بـ”الاستئثار والتفرّد في اتخاذ القرار، وتهميش المجلس المركزي، ومخالفة القانون الناظم لعمل النقابة”.
تأتي هذه التطوّرات بعد أسابيع قليلة من تصدّر نقابة الفنانين السوريين عناوين الأخبار، عقب منح النقيب عضوية النقابة “بمرتبة الشرف” لكلٍ من: المغنية السورية أصالة نصري، والمؤلف الموسيقي مالك جندلي، والمغني التراثي أحمد القسيم، والمغني اللبناني فضل شاكر.
لكن القرار الأكثر إثارة للجدل جاء قبل نحو ثلاثة أسابيع، حين أعلن الناطور فصل الفنانة سلاف فواخرجي من النقابة، استناداً إلى “النظام 40، الفقرة 58” من النظام الداخلي للنقابة، والذي يُجيز شطب قيد أي عضو “يسيء إلى سمعة الجمهورية العربية السورية أو ينافي الآداب العامة”.
وقد أثار القرار موجة واسعة من الجدل، أعادت إلى الواجهة نقاشات قديمة حول العلاقة بين الفن والسياسة، وحدود حرّية التعبير، و”ثقافة الإلغاء” التي تشهد اهتماماً متزايداً حول العالم في السنوات الأخيرة.
وفي مقابلة صحفية، قال الناطور إن قرار فصل فواخرجي “جاء في ضوء تصريحاتها التي تمجّد فاعلي الجرائم الأسدية في وقتٍ لا تزال جِراح السوريين مفتوحة”، مضيفاً: “الآن، بعد الإعلان الدستوري الجديد الذي يُجرّم من يمجّد الجرائم الأسدية أو ينكرها أو يمجّد فاعليها، خصوصاً أننا لا نزال نعيش مآسي الجرائم الأسدية، ولم يمضِ قرنان على ما فعله الأسد في سوريا – أن يأتي عضو في نقابة الفنانين له تأثير على جمهوره ويطعن بآلام السوريين، ويمجّد ويمنح صفة الشرف للقاتل، فهذا يتنافى حتى مع أبسط القيم الإنسانية والنقابية والوطنية”.
وكانت فواخرجي قد وصفت، في مقابلةٍ أجرتها في فبراير/شباط الماضي، الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد بـ”الشريف”، مشيرةً إلى أنها لا تزال ترى فيه هذه الصفة “إلى أن يتبيّن العكس”.
وفي تصريحات أخرى لها خلال شهر رمضان الماضي، كرّرت فواخرجي وصف الأسد بـ”الإنسان المحترم”، وقالت إن النظام السوري كان بمثابة “صمام الأمان” للبلاد طوال فترة حكمه.
لا يقتصر الجدل الذي أثاره قرار فصل فواخرجي من النقابة على السياق السوري وحده، إذ يعيد إلى الواجهة نقاشاً عالمياً أوسع حول العلاقة المعقّدة بين الفنّ ومواقف صاحبه، ومدى إمكانية أو مشروعية فصل العمل الفنّي عن سلوكيات صاحبه ومواقفه الشخصيّة.
وعبر التاريخ، اتخذ العديد من الفنانين البارزين مواقف إشكالية ومثيرة للانقسام، سواء كانت سياسية أو أخلاقية، وتعرّضوا على إثرها لدعوات للمقاطعة أو لإعادة النظر في إرثهم، لا سيما خلال العقود الأخيرة.
ولعلّ أشهر مثال على الإطلاق في هذا السياق هو الموسيقي الألماني ريتشارد فاغنر.
وقد رُوّج لفاغنر خلال الحقبة النازية على أنه من الملحّنين المفضّلين لدى أدولف هتلر. ومنذ ذلك الحين، ارتبطت صورة فاغنر التاريخية بهذه الصفة، ولا يزال الجدل قائماً حول مدى تأثير أعماله الفنّية وكتاباته، لا سيما مقاله “اليهودية في الموسيقى”، في تشكيل أيديولوجيا ألمانيا النازية.
كذلك الأمر بالنسبة للشاعر الأمريكي عزرا باوند الذي أيّد الفاشية وبثّ خطابات معادية لليهود خلال الحرب العالمية الثانية، ما أدّى إلى اعتقاله بتهمة الخيانة وإيداعه في مصحّة عقلية. لكنه لا يزال يُدرَّس في أقسام الأدب، وإنْ ضمن سياقات نقدية صارمة.
بدوره، واجه الفنان التشكيلي الإسباني بابلو بيكاسو اتهامات بسلوكيات مسيئة تجاه النساء، ودعت بعض التيارات النسوية إلى كسر الهالة المحيطة به وبأعماله.
وفي وقتٍ أقرب، أدّت اتهامات بالاعتداءات الجنسية إلى الإطاحة بالمخرج البولندي رومان بولانسكي وبالممثل الأمريكي كيفن سبايسي من مشاريع فنّية كبرى، فيما لا تزال أعمال الفنان الأمريكي مايكل جاكسون الغنائية موضع انقسام بين من يحتفل بها ومن يدعو إلى مقاطعتها وبخاصةٍ بعد عرض الفيلم الوثائقي “ليفينغ نيفرلاند” عام 2019 الذي أعاد إلى الواجهة اتهام جاكسون بالاعتداء الجنسي على أطفال.
كذلك، تسببت آراء الكاتبة البريطانية ج. ك. رولينغ والتي اعتُبرت معادية للعابرين والعابرات جنسياً، في انقسام جمهور سلسلة هاري بوتر، أحد مؤلفاتها، بين من يرى فيها خطاب كراهية ومن يدافع عن حقها في التعبير.
يستند أنصار إلغاء الفنانين بشكلٍ أساسي إلى فكرة أن الشهرة تمنح أصحابها سلطة رمزية وتأثيراً واسعاً على الرأي العام، ومن ثم لا يمكن التعامل مع آرائهم أو سلوكياتهم على أنها “شخصية” أو “معزولة عن الفن”.
بالنسبة إليهم، استمرار دعم الفنانين الذين يروّجون لخطابات عنيفة – سواء كانت عنصرية أو تبريرية للجرائم أو معادية للنساء أو العابرين جنسياً – يعدّ تطبيعاً مع هذا الخطاب، بل ومشاركة غير مباشرة في الأذى.
كما يرون أن استهلاك أعمال هؤلاء الفنانين يدعمهم مادياً وثقافياً، ويبث رسالة صامتة مفادها أن الإبداع يمنح صاحبه أو صاحبته إعفاءً من المساءلة. من هنا، يُطرح الإلغاء كنوع من التضامن مع الضحايا، وكتحرك مجتمعي يفرض نوعاً من العدالة الرمزية.
في المقابل، يحذّر المدافعون عن فصل الفن عن الفنان من أن ثقافة الإلغاء قد تتحوّل إلى أداة رقابة وقمع، تحكم على الناس بمعايير أخلاقية متغيّرة وتضيّق هامش التعبير.
ويشير هؤلاء إلى أن العديد من الفنانين الذين يُعدّون رموزاً اليوم كانت لديهم مواقف إشكالية بمعايير الحاضر، فهل يعني ذلك محو إرثهم بالكامل؟ إضافة إلى ذلك، يرى هذا التيار أن الإبداع فِعل إنساني معقّد، وأن مطالبة الفنانين بالكمال الأخلاقي هو أمرٌ في غاية الصعوبة.
خلال القرن الماضي مع تنامي إشكالية فصل الفنّ عن الفنّان، وإشكالية إن كان ذلك ممكناً، برزت نظريات عدّة سعت إلى تقديم حلول لما بدا في أحيان كثيرة أشبه بمعضلة.
أهم هذه النظريات، نظرية “النقد الجديد” ونظرية المفكر الفرنسي وعالم السيميائيات رولان بارت عن “موت المؤلِف”.
النظرية الأولى أطلقها بدايةً الشاعر الأميركي تي. أس. إليوت حين كتب أنه على القراء كي يقيّموا القصيدة التي بين أيديهم، ألا ينظروا إلى آثار حياة المؤلف، ولا إلى ما يمكن أن يكون قد قصده المؤلف، لكن عوضاً عن ذلك التعامل مع القصيدة كمرجع لذاتها منفصل عن العالم. لكن نظرية “موت المؤلِف” تظلّ الأكثر شهرةً في هذا المجال، حين أعلن بارت عام 1967 أن الكاتب لا يخلق نصّاً، بل القارئ هو من يفعل ذلك.
ويرفض بارت تضمين أي حكم نقدي على عمل فني بُعداً أخلاقياً يصل إلى مؤلِف العمل نفسه، لأنه برأيه لا يجب أن يكون النقد مهتماً بالمؤلف، بل بالعمل فحسب.
ويرى أن صورة الأدب في الثقافة المعاصرة متمركزة بشكل “استبدادي” على المؤلف؛ شخصه، وتاريخه، ومذاقه، وشغفه، والنقد لا يزال يعتمد في أغلب الأحيان على القول مثلاً “إن عمل بودلير الأدبي هو نتيجة فشل بودلير الرجل، وعمل فان غوخ هو نتيجة جنونه، وعمل تشايكوفسكي هو نتيجة سيئاته؛ تفسير العمل دائماً يعتمد على الشخص الذي أنتجه”.
يقول بارت: “في كل مرة، نهتم فيها بنيّات المؤلف وحالته النفسية، نعود إلى المؤلف – الإله. نعطي المؤلف قوة تأويلية (على ما نفكر به نحن) وقوة مؤسساتية (على كيف يمكنه أن يتعامل مع الناس من دون عواقب)”. ويضيف: “لنقل إن المخرج يخرج فيلماً. ما إن يسرد الموقف وصولاً لنهاياته اللازمة (…) يصبح (المخرج) خارجاً عن أي وظيفة إلا عن التمثيل القوي للرمز. يحدث هذا الفصل، يفقد الصوت مصدره، يدخل المؤلف موته، وتبدأ الكتابة”.
على عكس هذه المقاربات التي تدعو إلى فصل العمل الفني عن حياة صانعه، نجد وجهات نظر أخرى تعتبر أن هذا الفصل يُستخدم في كثير من الأحيان لتبرئة الفنّ من مضامينه السلطوية أو حتى العنفيّة.
ويَعتبر هذا التوجه أنه من غير الممكن تقييم العمل الفني بمعزل عن السياق الاجتماعي والسياسي الذي أُنتج فيه، ولا عن المنظومات التي يعكسها أو يعيد إنتاجها، سواء كانت استعمارية أو أبوية أو عنصرية.
على سبيل المثال، ناقدات نسويات مثل البريطانية لورا مولفي التي ابتكرت مفهوم “النظرة الذكورية” في الفنّ، رأين علاقة عضوية بين الفنّ والفنّان.
فقد رأت مولفي في مقالها الشهير “اللذة البصرية وسينما السرد” (1975)، أن السينما الكلاسيكية، وخصوصاً الهوليوودية مبنية على تمثيل المرأة كجسد يُنظر إليه ويُشتهى، لا كذاتٍ فاعلة. فهي “صورة”، فيما الرجل هو “صاحب النظرة” وفاعلها. ومعظم هذه الأعمال إن لم تكن كلّها، من صناعة رجال.
ويُظهر تحليل مولفي لبنية النظرة في السينما أن المشكلة لا تقتصر على حياة الفنان الشخصية أو مواقفه، بل تمتد إلى داخل العمل نفسه. أي أن الأيديولوجيا الذكورية لا تأتي فقط من سلوك المخرج أو الكاتب خارج الفيلم، بل تتسرّب إلى اللغة البصرية، وإلى كيفية بناء السرد وتوزيع الأدوار والسلطة داخل الحكاية. بهذا المعنى، يصبح من الصعب فصل الفن عن الفنان، ليس فقط لأن الفنان قد يكون شخصاً مسيئاً، بل لأن رؤيته للعالم التي قد تكون قائمة على تمييز ما، تتجسّد في العمل الفني نفسه.
ويوضح هذا المثال جوهر التوجه النقدي الذي نجده على نطاق واسع في النقد النسوي ونقد ما بعد الاستعمار.
ويرى هذا التوجه أنه لا يمكننا التعامل مع الفن ككائن مستقل ومتعالٍ عن سياقه. لأنه، في كثير من الأحيان، ينتج ويعيد إنتاج البنى ذاتها التي تديم التمييز والعنف الرمزي.
من هنا، لا تكون المطالبة بإلغاء فنان مسيء موقفاً رقابياً أو أخلاقوياً فحسب، بل أداة تحليلية في مشروع أوسع لتفكيك البُنى السلطوية التي ينطوي عليها هذا الفنّ، والتي بدورها تُنتجه وتُكرّسه.
جوي سليم – بي بي سي عربي
إنضم لقناة النيلين على واتساب