الوطن:
2025-07-31@09:04:52 GMT

د. على جمعة يكتب: «نور الدين» وإرشاد الحائرين

تاريخ النشر: 25th, March 2024 GMT

د. على جمعة يكتب: «نور الدين» وإرشاد الحائرين

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

فهذا مقال ليس ككل مقال، فإنه ليس لعرض فكرة جديدة أو الكلام عن مبدأ مهم أو موضوع لحضور، لكنه شكر واجب لكل من ساهم فى البيان والتبيين لحقائق الدين، فى عصر اشتدت فيه الفتنة، وكثر فيه الهرج واختلط فيه الأمر. الشكر لجريدة «الوطن» التى قادت هذه الردود الرصينة العلمية، والتى ساهمت مساهمة تذكر، فتشكر للدفاع عن الدين الصحيح، وللدفاع عن الحياة المستقرة، وللدفاع عن النفسية والعقلية، التى تكوّن الشخصية القوية السليمة، وفى حديث سيدنا أبى هريرة الذى أخرجه الإمام مسلم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف».

والشكر موصول لكل الأساتذة والعلماء والمفكرين وأصحاب الرأى الذين ساهموا فى عطاءاتهم ومقالاتهم حول برنامج «نور الدين».

برنامج «نور الدين» أعددنا له إعداداً طيباً، وقررنا أن نشتبك مع أسئلة الأطفال والشباب والرجال والنساء فيما يختص بعصرنا الحاضر، وهو خطوة فى طريق طويل، وقطرة من غيث منهمر «وأول الغيث قطر ثم ينهمر»، القصد منه هو إرشاد الحائرين، وهو الإجابة التى توصل إليها العلماء عبر القرون، لكنها ظلت مختفية ومغلفة بمصطلحات لا تصل إلى أسماع ولا عقول ولا قلوب الناس، وعندما كان الأطفال يسألون -بل والكبار- كانت الإجابات باهتة ومحيرة، ويزداد الأمر صعوبة فى التطبيق العملى، ولذلك قررنا ونزلنا وسمعنا من طائفة كبيرة من هذه الشريحة (الأطفال والشباب والرجال والنساء)، ما الذى يشغل البال؟ وما الذى يلفت الأذهان؟ وخرجنا بأكثر من مائة وخمسين سؤالاً لم تتسع أوقات حلقات برنامج «نور الدين» أن تستوعب كل هذه الأسئلة، فكانت الشرارة الأولى التى تحرك المحرك فى السيارة حتى تنطلق إلى هدفها، والحمد لله أحدث البرنامج ردود فعل طيبة وردود فعل متشنجة وردود فعل مستحسنة وردود فعل مستاءة، وهذا أمر طبيعى، ودائماً ما يكون عندما يأتى جديد.

الاشتباك مع الأطفال فى أسئلتهم الوجودية ومع الرجال والنساء فى أسئلتهم الفقهية ومع الشباب فى أسئلتهم الحياتية، كل ذلك أمر وكأنه جديد على الساحة بهذه الكيفية، ومن توفيق الله تعالى أننا التزمنا بمذهب أهل السنَّة والجماعة، كثير من الناس يريد أن يحمل كل الناس وكل المسلمين على رأيه، بحيث إنه يرى نفسه الصواب فقط، وهذا نعاه الله سبحانه وتعالى علينا، ودائماً ما يحيل رفع الخلاف إلى يوم القيامة، فيقول سبحانه «ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ» (سورة الأنعام).

أما فى الحياة الدنيا، فهو اجتهاد مع إخلاص النية، فإن للمخطئ أجراً وللمصيب عشراً، كما أخرجه الدارقطنى وفى «الصحيحين»: «إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر، فإن أصاب فله أجران»، والشائع هو حديث «إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر، وإن أصاب فله عشرة أجور» رواه الدارقطنى، ولكننا مع رواية الدارقطنى طمعاً فى فضل الله وجزيل ثوابه سبحانه وتعالى.

برنامج «نور الدين» أحدث حراكاً فى الحياة الثقافية، لكنه ينبغى أن يكون نموذجاً، وأن تتحرك الأمة فى هذا الاتجاه، ونرى مشكلات العصر، ونرى كيف نطبق دين الله سبحانه وتعالى دون تفريط ودون تعنت، فدين الله سبحانه وتعالى واسع، ويكفينا منه قوله تعالى: «يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ» (سورة البقرة)، يكفينا منه «فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا» (سورة الشرح)، يكفينا منه أن الله سبحانه وتعالى بدأ كتابه وخطابه للبشر فقال: «بِسمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم» (سورة الفاتحة)، فاختار صفتين من صفات الجمال ولم يختر صفة أو صفتين من صفات الجلال، فلم يقل «بسم الله المنتقم الجبار» ولم يقل «بسم الله الرحمن المنتقم» بل جعلها جمالاً فى جمال، يكفينا قول النبى صلى الله عليه وسلم: «يا عائشة، ما كان الرفق فى شىء إلا زانه، ولا نُزع من شىء إلا شانه» صحيح مسلم، يكفينا أن يأمرنا النبى صلى الله عليه وسلم أن نتخلق بأخلاق الله فيقول: «الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى، ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء» أخرجه أبوداود والترمذى وأحمد عن عبدالله بن عمرو.

فهذه آيات وأحاديث كلها تبنى الشخصية.. تبنى نفسية سالمة مسالمة، آمنة مؤمنة مطمئنة، وتبنى عقلية واضحة عميقة مبتهجة، فتتكون تلك الشخصية القوية التى يريدها منا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كل هذا وأكثر ظهر فى هذا الكم الكبير من الأقلام النيرة المؤمنة التى نهضت لتقوم بواجب عصرها للدفاع عن الحياة، وللدفاع عن الدين، أما الذين تسافهوا فأولئك وراءهم ما وراءهم، وربنا سبحانه وتعالى علمنا أن من يكون على هذه الصفة أن نواجهه بالعفو والصفح، «فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِىَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (سورة البقرة)، وأن نشتغل بعد ذلك بالصلاة وبالزكاة والعبادة، وبعمارة الأرض وتزكية النفس، وألا نقف عن أولئك، فبعضهم يعرف الحق ويحيد عنه، وبعضهم يضل عن الحق ولا يعرفه، ولكن دعونا نسِر فى طريقنا إلى الله سبحانه وتعالى، نرفع لواء أهل السنة والجماعة، ونطبق تلك البرامج التى تؤدى إلى سعادة الدارين.. سعادة الدنيا وسعادة الآخرة.

كل حركة وسكنة فى هذا الكون وفى تلك الحياة على قلَّة ما فيها مرتبطة بالآخرة، فلا تحزن ولا تيأس، كل ما تلاقيه من نصب ومن تعب ومن كد فى الدنيا له علاقة بالآخرة، والله سبحانه وتعالى يقول: «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرهُ» (سورة الزلزلة).

ويقول سبحانه: «وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ» (سورة العنكبوت)، ويقول سبحانه: «كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ» (سورة المؤمنون). وهكذا يوجه الله سبحانه وتعالى إلى أنه «وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ» (سورة القصص).

الشكر مكرر وموصول لصحيفة «الوطن» الغراء ولكل أستاذ وعالم وعَلم وعلَّامة كتب فيها نصرة للحق، لا يسعنى إلا أن أقول: «جزاك الله خيراً».

* عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: نورالدين الدين الصحيح الله سبحانه وتعالى صلى الله علیه وسلم نور الدین

إقرأ أيضاً:

علي جمعة: الخطأ من شيم النفس البشرية وعلى المسلم أن يتوب ويتسامح مع نفسه والآخرين

قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف عبر صفحته الرسمية على فيس بوك إن النفس البشرية ليست معصومة من الزلل، بل الخطأ من شيمها، ويستوي في ذلك بنو آدم جميعًا، إلا من اصطفاهم الله لرسالته، فطهَّر قلوبهم من المعاصي. وفي إدراك هذا المعنى طمأنةٌ للنفس، وتسامحٌ معها، وحسنُ ظنٍّ بخالقها إذا رجعت إليه وطلبت منه الصفح والغفران.

واستشهد بما جاء عن أنس رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «كلُّ ابن آدم خطَّاء، وخير الخطَّائين التوَّابون» (رواه الترمذي).

أذكار الصباح الواردة عن النبي.. اغتنم ثوابها ورددها الآنما حكم أخذ المرتب بدون عمل؟.. الإفتاء تجيبحكم إجبار الزوجة على الإجهاض؟.. الإفتاء توضححكم معاشرة الزوجة المتوفاة.. الإفتاء: فعل مقزز تأباه العقول.. ومن الكبائر

وأوضح أن هذا العفو يُعين الإنسان على استدراك شؤون حياته بعد وقوعه في الذنب أو المعصية، ويمنعه من أن يتوقف عند شؤم الإحساس المفرط بالذنب فيجلد ذاته، فيتعطّل بذلك عن المسير في الحياة، ويُوقِع نفسه والناس في عنتٍ ومشقة.

وأشار إلى أن الاعتراف بالذنب والتوبة منه من أهم ما يعتمد عليه الدين في إصلاح النفس البشرية، إذ يُعيد إليها طمأنينتها وسكينتها المفقودة. ولأجل ذلك شرع الله الاستغفار من الذنوب، وحضّ عليه النبي ﷺ كوسيلة دائمة، تُساعد المرء على التسامح مع نفسه، والرضا عنها.

ولفت إلى أن السيرة النبوية تحكي العديد من القصص التي تؤكد هذا المعنى، ومثال على ذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه -فيما أخرجه البخاري ومسلم- أنه قال: بينما نحن جلوس عند النبي ﷺ إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله، هلكت!

 قال: «مالك؟» 

قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم.

 فقال رسول الله ﷺ «هل تجد رقبة تعتقها؟» قال: لا، قال: «فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟» قال: لا، 

فقال: «هل تجد إطعام ستين مسكينًا؟» قال: لا. 

قال: «فمكث النبي ﷺ، فبينما نحن على ذلك، أتى النبي ﷺ بعرق فيها تمر . قال: «أين السائل؟» فقال: أنا. قال: «خذ هذا فتصدق به». فقال الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟! فوالله ما بين لابتيها -يريد الحرتين- أهل بيت أفقر من أهل بيتي. 

فضحك النبي ﷺ حتى بدت أنيابه، ثم قال: «أطعمه أهلك».

فهذا الصحابي جاء إلى النبي ﷺ وهو مرتجف، يشعر أنّه وقع في مصيبة مهلكة لا مخرج له منها.

فأخذ النبي ﷺ يُهدّئ من روعه، ويُعينه على الخلاص، فعدّد له مسالك التكفير عن الذنب واحدة تلو الأخرى، فلم يستطع أداء أيٍّ منها. حتى آل الأمر إلى أن أخذ كفارة ذنبه ليطعم بها أهله الفقراء، ممّا يُوضّح أن العقوبة أو الكفارة مقصودة لتصفية نفس المذنب، ومساعدته على العفو عن نفسه، وأنها شرعت لأجل الندم والرجوع عن الخطيئة، وقد تحقق هذان الأمران في نفس الصحابي، فضحك النبي ﷺ وأعطاه العرق وصرفه.

ويلاحظ في هذا الحديث أن مسالك التكفير عن الذنب تظهر في صورة أعمال تكافلية يعود نفعها على المجتمع كله، وأن النبي ﷺ ببساطته وسماحته، سهل على المؤمن سبيل السكينة والعفو عن ذاته، كي يُقبل على عمله وإعمار الحياة بقلبٍ منشرح، لا قلق فيه ولا توتر.

وعن ابن مسعود رضى الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: « لَلَّهُ أفْرَحُ بتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِن رَجُلٍ نَزَلَ مَنْزِلًا وبِهِ مَهْلَكَةٌ، ومعهُ راحِلَتُهُ عليها طَعامُهُ وشَرابُهُ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنامَ نَوْمَةً، فاسْتَيْقَظَ وقدْ ذَهَبَتْ راحِلَتُهُ، حتَّى إذا اشْتَدَّ عليه الحَرُّ والعَطَشُ، أوْ ما شاءَ اللَّهُ، قالَ: أرْجِعُ إلى مَكانِي، فَرَجَعَ فَنامَ نَوْمَةً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فإذا راحِلَتُهُ عِنْدَهُ» (البخاري).

 وفي هذا الحديث تربية على التسامح مع الآخرين، والفرح بعودتهم نادمين على خطئهم. فالله رب العالمين يفرح بتوبة عبده إذا شعر بضعفه، واستشعر عظيم جرمه في حق خالقه، الذي لا يضره ذنب، ولا تنفعه طاعة، وإنما فرحه وشكره ورضاه راجع للعبد فضلا وإحسانا. وقد استخدم النبي ﷺ ضرب المثل البليغ وسيلة تربوية، وضمنه معنى التسامح مع النفس ومع الآخرين، وحث فيه المسلم على التوبة والرجوع عن الخطيئة.

طباعة شارك المسلم التوبة التصالح مع النفس التصالح مع الاخرين علي جمعة الأزهر

مقالات مشابهة

  • ما الفرق بين الخطأ والخطيئة وكيف نتجاوزهما؟.. علي جمعة يجيب
  • عصام الدين جاد يكتب: ميدان عادل إمام
  • أول احتفال لليمنيين في عيد جمعة رجب بجامع “الجند”
  • علي جمعة: الكذب عارض بشري والسكوت لا يعني دائما الرضا
  • ‎الأمير تركي الفيصل: قادة حماس لم يسمعوا توجيهات الله سبحانه وتعالى فهل سيسمعوا كلامي.. فيديو
  • علي جمعة: الرضا والتسليم والتوكل مفاتيح النجاة في عالم يملكه الله
  • ما هي سورة الاستجابة؟.. تصعد بدعواتك إلى السماء بسرعة البرق
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (رصف الدخان)
  • علي جمعة: الخطأ من شيم النفس البشرية وعلى المسلم أن يتوب ويتسامح مع نفسه والآخرين
  • كيف نؤمن بالمهدى المنتظر؟.. علي جمعة يوضح