من يقف وراء أزمة السيولة وشح الكاش في غزة؟
تاريخ النشر: 26th, March 2024 GMT
غزة – سؤال "وين راح الكاش؟" لا يجهل الغزيون إجابته، لكنهم يصرخون به ألما، فتداعيات شح السيولة النقدية تفتك بهم، وتزيد من تردي واقعهم المعيشي، في ظل حرب إسرائيلية ضارية ترافقها عزلة حادة وحصار خانق.
للشهر الثاني على التوالي لم تنجح محاولات أبي ناصر في سحب راتبه الشهري من الصراف الآلي في فرعين لبنك فلسطين بمدينة رفح جنوبي قطاع غزة، ويرجع هذا الموظف الحكومي في السلطة الفلسطينية السبب إلى الازدحام الشديد وعدم توفر السيولة النقدية الكافية.
وتوشك السلطة على صرف راتب شهر مارس/آذار الجاري لموظفيها في القطاع، في وقت يقول فيه أبو ناصر للجزيرة نت "لم أستطع سحب شيكل واحد من البنك في الشهرين الماضيين، وغيري له أكثر من ذلك، واضطررت في النهاية إلى سحب مبلغ من أحد تجار العملة مقابل 10% عمولة".
هذه نسبة كبيرة أليس كذلك؟ يبتسم الموظف الأربعيني ويقول "هذا التاجر صديق والدي، وهو يعتبر نفسه قد خدمني وأسدى لي معروفا، فغيره من التجار ومحال الصرافة يتقاضون أكثر من ذلك وتصل العمولة إلى 15%".
معركة الصراف
خلال الشهرين الماضيين، حاول أبو ناصر بكل السبل الوصول إلى الصراف الآلي، وفي كل مرة يفرغ من النقود قبل أن يأتيه الدور من شدة الازدحام، فمن يسبقونه إلى الصراف يغامرون بحجز أماكنهم منذ ساعات الفجر الأولى، وهو ما لم يفعله لمخاطر الخروج ليلاً في ظل التحليق المكثف للطيران الحربي للاحتلال.
وحتى من يخرجون ليلا فإن الحظ لا يحالف كثيرا منهم، ويقول "الحاجة إلى الصراف في ظل هذه الأوقات أشبه بخوض معركة من أجل البقاء، حيث تقع خلافات شديدة تصل إلى حد الاشتباك بالأيدي، والأسوأ فئة من البلطجية وسماسرة الصراف أفرزتها الحرب".
ويشكو موظفون من هذه الفئة، وكذلك من تجار عملة وأصحاب محال صرافة يسحبون عمدا مبالغ كبيرة لإفراغ الصراف الآلي من المال، خاصة في فروع بنك فلسطين، الذي يستحوذ على العدد الأكبر من حسابات الموظفين في القطاعين العام والخاص وموظفي المنظمات الدولية في القطاع.
وبحسب أبي ناصر فإنه شاهد هؤلاء الذين يسحبون مبالغ كبيرة ويوظفون "بلطجية" للوقوف في الطابور بين الناس، ويتعمدون افتعال المشكلات من أجل "التخريب وإشاعة الفوضى، والاستحواذ على أكبر مبالغ ممكنة من الصراف من أجل خلق أزمة وابتزاز المواطن بلجوئه إليهم للحصول على راتبه في مقابل عمولة عالية".
إضافة إلى ما أشار إليه أبو ناصر من دور لمن وصفهم بـ"البلطجية وتجار العملة" في تعميق أزمة السيولة النقدية، فإن الاحتلال يتحمل المسؤولية بالتدمير الهائل لمقار بنوك وآلات الصرف الآلي، وامتناعه منذ ما قبل اندلاع الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي عن تزويد البنوك بالسيولة النقدية، وتحديدا من عملتي الشيكل والدولار الأكثر تداولا في القطاع.
والأحد الماضي، قالت سلطة النقد الفلسطينية إن عددا من فروع المصارف ومقارها تعرضت للتدمير، وتعذر فتح ما تبقى من فروع للقيام بعمليات السحب والإيداع في القطاع كافة بسبب القصف والظروف الميدانية القاهرة وانقطاع التيار الكهربائي والواقع الأمني.
ونجمت عن هذا الوضع، بحسب بيان سلطة النقد، أزمة غير مسبوقة في وفرة السيولة النقدية بين أيدي الغزيين وفي الأسواق، وتفاقمت الأزمة مع خروج معظم أجهزة الصراف الآلي عن الخدمة.
وتتابع سلطة النقد شكاوى السكان عن عمليات ابتزاز يقوم بها أشخاص وتجار وبعض أصحاب محلات الصرافة غير المرخصة باستخدام أجهزة الخصم المباشر في نقاط البيع، أو التحويلات المالية على التطبيقات البنكية، وقالت "هؤلاء يستغلون حاجة السكان إلى الكاش مع استمرار تعذر وصولهم إلى أفرع البنوك والصرافات الآلية، ويتقاضون نسبة تصل إلى 15% عن أي مبلغ يتم سحبه من حساب المواطن بواسطة البطاقات البلاستيكية أو الحوالة مقابل تسليمه الجزء المتبقي نقدا".
أدوات الاحتلالولم يشر بيان سلطة النقد إلى ما يتعرض له الغزيون في الآونة الأخيرة من إغراءات ليس معروفا على وجه الدقة إن كانت فردية أو منظمة، لكن هدفها سحب الكاش من أيدي المواطنين في مقابل فائدة تصل إلى 8% تودع في حساباتهم المصرفية.
ويروج هؤلاء لعروضهم المالية المغرية عبر منصات التواصل الاجتماعي، أو بالوسائل التقليدية من شخص إلى شخص، ويستخدمون في سبيل تحقيق غاياتهم الترغيب بالفائدة الكبيرة، والترهيب من ضياع أموالهم جراء الحرب والنزوح.
وبرأي رئيس قسم الاقتصاد في جامعة النجاح الوطنية الدكتور نائل موسى فإن من يقف وراء هذه الحملات لسحب السيولة النقدية من أيدي المواطنين هم "تجار الدم والحروب لإدراكهم القيمة التجارية العالية للكاش في زمن الحروب والطوارئ، وإذا كانت الحملات منظمة فقد يكون خلفها جهات أو شبكات ذات أهداف اقتصادية سياسية".
وساوى هذا الخبير الاقتصادي بين "المتخابر مع الاحتلال والمتاجر بدم شعبه في وقت الحرب"، وتساءل في حديثه للجزيرة نت "هل يوجد فرق بين من يساعد المحتل على قتل شعبه بالقصف وبين من يخنق شعبه ويحاربه في لقمة العيش؟".
وإلى جانب المسؤولية المباشرة للاحتلال، لا يستبعد الخبير والمحلل الاقتصادي الدكتور طارق الحاج أن تكون "أزمة الكاش" سببها "أيدٍ خفية، سواء من تجار الحروب، أو ربما من أدوات الاحتلال التي يستخدمها لمحاربة أهل غزة عبر تشديد الخناق المالي والحصار الاقتصادي".
وقال الحاج للجزيرة نت إنه بدا واضحا منذ بدايات الحرب أن إسرائيل تعمل على تدمير البنية التحتية لكافة مفاصل الحياة بما فيها الجهاز المصرفي، كما دمرت مقار العديد من البنوك وأجهزة الصراف الآلي، مثل بنك فلسطين الذي يستحوذ على 75% من العمل المصرفي الفلسطيني.
وبحسب جمعية البنوك الفلسطينية، ومقرها رام الله، يوجد على مستوى القطاع 56 فرعا و92 صرافا آليا تتبع لمختلف المصارف العاملة في الأراضي الفلسطينية، ولا تتوفر حتى اللحظة إحصائية دقيقة عن مستوى الدمار الذي حلّ بها بسبب الحرب.
وفي حالة مدينة رفح التي تؤوي حاليا زهاء مليون و300 ألف فلسطيني يمثلون أكثر من نصف تعداد السكان في القطاع، فإن بنك فلسطين وغيره من البنوك تواجه تحديات كبيرة في توفير السيولة النقدية التي تسد حاجة هذا العدد الهائل من السكان، وفقا للحاج.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات السیولة النقدیة الصراف الآلی سلطة النقد فی القطاع
إقرأ أيضاً:
الحرب في غزة.. تاريخ من الهدن الإنسانية منذ 7 أكتوبر 2023 (تسلسل زمني)
على مدار نحو من 22 شهرا منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، شهد القطاع العديد من الأزمات الإنسانية، خلفت استشهاد وإصابة عشرات الألاف، مع فرض جيش الاحتلال الإسرائيلي حصارًا شاملاً على القطاع، وهو ما أدى إلى نقص كبير في الوقود والغذاء والأدوية والمياه والإمدادات الطبية الأساسية.
وعلى مدار هذه الفترات الطويلة، شهدت الحرب أكثر من هدنة إنسانية، كان الهدف منها توفير نافذة مؤقتة لتخفيف المعاناة الإنسانية، وتمكين إيصال المساعدات، وإجلاء المصابين والمدنيين من مناطق الاشتباك، حيث بدأت كوقف مؤقت لإطلاق النار بين إسرائيل وحماس، مع إمكانية التمديد، والسماح بدخول المساعدات عبر معبر رفح، خاصة الغذاء والدواء والوقود، إضافة إلى إطلاق سراح الأسرى، بين الطرفين ضمن شروط محددة للهدنة.
ولاقت الهدنة الإنسانية بين الطرفين دعما دوليا منذ البداية من جانب عدة دول ومنظمات إنسانية، خاصة الأمم المتحدة، والولايات المتحدة وقطر ومصر.
وفي الثاني والعشرين من نوفمبر عام 2023، ثمنت المملكة جهود الدول الثلاث بشأن تبادل أسرى، ودخول المساعدات الإنسانية، إلى قطاع غزة. كما جددت المملكة عبر وزارة الخارجية الدعوة للوقف الشامل للعمليات العسكرية، وحماية المدنيين.
لكن فور انتهاء الهدنة استأنف جيش الاحتلال الإسرائيلي قصفه على قطاع غزة بالكامل، ودوت صافرات الإنذار في غلاف غزة، كما حلقت الطائرات الإسرائيلية في أجواء غزة وآليات جيش الاحتلال تطلق نيرانها شمال غرب القطاع لتقتل وقتها العشرات من المدنيين.
وجاءت بعد ذلك هدنة جزئية في مناطق معينة لم تكن شاملة أو طويلة الأمد كانت في 2024 و2025. ولعل الهدنة الأهم جاءت مع بداية العام الجاري، قررت حركة حماس الإفراج عن 33 رهينة إسرائيلية، بينهم جميع النساء (جنود ومدنيون)، والأطفال والرجال فوق سن الخمسين، والإناث والشباب تحت سن 19 سنة أولا ثم الرجال فوق سن الخمسين.
واتفق الطرفان وقتها أن تفرج إسرائيل عن 30 معتقلا فلسطينيا مقابل كل رهينة مدنية و50 معتقلا فلسطينيا لكل جندية إسرائيلية تُطلق حماس سراحها.
وعلى مدار هذه الفترة منذ بداية الحرب في غزة في 7 أكتوبر 2023، كانت المملكة تولي جل اهتمامها بالقضية الفلسطينية، وبذلت جميع الجهود لاحتواء الأزمة القائمة في قطاع غزة، ومعالجة الوضع الإنساني الحرج، والسعي نحو إنهاء الحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، وتوحيد الموقف العربي والإسلامي تجاه الأزمة، والتأكيد على حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة على حدود عام 1967م، وعاصمتها القدس الشرقية، وهو موقف راسخ وثابت لا يتزعزع.
رغم تعثر مفاوضات هدنة غزة، الأخيرة فإن إسرائيل أعلنت تعليقا تكتيكيا مؤقتا ومحدودا للعمليات العسكرية في بعض مناطق القطاع، وهو ما طرح تساؤلات حول الأسباب.
وبدا التعليق التكتيكي المؤقت للعمليات العسكرية الذي أعلنه الجيش الإسرائيلي، اليوم الأحد، محاولة لامتصاص الغضب العالمي على الصور المفزعة القادمة من غزة.
ومع تفاقم معاناة سكان الخيام النازحين بمدينة غزة، يعيش النازحون في مدينة غزة على وقع انتشار الأمراض بين خيامهم نتيجة تكدس النفايات، وسياسة التجويع الإسرائيلية التي دفعتهم للبحث عن بقايا الطعام لإعالة أنفسهم وأطفالهم.
ومع استمرار الحرب في قطاع غزة لم تتوان المملكة في الوصول إلى وقف نهائي للحرب، حيث أعربت وزارة الخارجية عن ترحيبها للبيان الأخير الصادر منذ أيام عن 26 دولة بشأن المساعدات الإنسانية لقطاع غزة وإنهاء الحرب على القطاع.
وقالت في بيان عبر وزارة الخارجية: "ترحب المملكة العربية السعودية بالبيان الصادر عن 26 من الشركاء الدوليين، طالبوا بإنهاء الحرب على قطاع غزة بشكل فوري ورفع كافة القيود عن المساعدات الإنسانية وسرعة إيصالها بشكل آمن لسكان القطاع، وعبروا فيه عن رفض تغيير التركيبة السكانية في الأراضي المحتلة وتوسيع الاستيطان".
ومع الإعلان عن ما يسمي بـ"الهدنة الإنسانية" الأخيرة"، التي تم الإعلان عنها الساعات الماضية، اعتبرت وزارة الصحة في قطاع غزة أنها لن تعني شيئا إن لم تتحول إلى فرصة حقيقية لإنقاذ الأرواح، وسط "استغاثة الجرحى وتضور الأطفال جوعا".
وقال المدير العام بوزارة الصحة منير البرش في بيان إنه "في ظل هدنة مؤقتة يخنقها التردد والصمت الدولي، يستغيث الجرحى، ويتضور الأطفال جوعًا، وتنهار الأمهات على أطلال ما تبقّى من الحياة". وطالب البرش بالإجلاء الطبي العاجل للحالات الحرجة بإصابات في الدماغ والعمود الفقري، والجرحى الذين هم بحاجة لعمليات معقدة.
قطاع غزةالحرب فى غزةالحرب الإسرائيليةالمملكة وفلسطينقد يعجبك أيضاًNo stories found.