قرود البابون تكشف عن بلاد "بونت" المفقودة!
تاريخ النشر: 28th, March 2024 GMT
حظيت بلاد "بونت" صاحبة الغني الأسطوري بمكانة خاصة في التاريخ المصري الفرعوني، حيث ذكرت مرارا لأهميتها بالنسبة للشعائر الدينية المصرية القديمة، إلا أن مكانها ظل لغزا لقرون طويلة.
إقرأ المزيدكانت المعابد المصرية تستخدم المواد التي تجلب من بلاد "بونت" في طقوسها، وكان الكهنة يرتدون جلود النمور، ويتحول الذهب الذي يجلب بعضه من هناك إلى تماثيل للأرباب، ويحرق بخورها بكثرة بين جدران المعابد.
تعد الرحلة التي نظمت في عهد حتشبسوت، إحدى الإنجازات الكبرى التي استخدمتها هذه الملكة المصرية القديمة في توطيد عرشها ونقش تفاصيل الرحلة إلى بلاد "بونت" على جدران المعابد والمسلات.
نقوش معبد الملكة حتشبسوت في الأقصر تظهر أيضا أن هذه الملكة كانت تعتقد أن "والدتها الإلهية" حتحور كانت من بلاد "بونت". وبلغت أهمية هذا البلد أن الفراعنة اعتبروا "بونت"، منبتا هاما لثقافتهم، وقد عدت أيضا أرض "الوفرة والنعيم"، و"أرض الرب".
من بين المشاهد الأخرى التي خلدتها الحضارة المصرية، نقش للأسرة الرابعة صور أحد أبناء الفرعون خوفو مع أحد سكان "بونت". زاد التواصل في حقبة الدولة المصرية الحديثة بين عامي 1570 – 1069، وجرى في عهد الفرعون أمنحتب الثاني استقبال وفود كبيرة في طيبة من بلاد "بونت" .
الرحلة الشهيرة إلى "بونت" التي أمرت بها حتشبسوت لم تكن الوحيدة. على سبيل المثال، يوجد على ما يعرف بـ"حجر باليرمو"، وصف للسفن التي أبحرت إلى هذا البلد الغامض، بناء على طلب من الفرعون "ساحورع" في القرن الخامس والعشرون قبل الميلاد، وتفاصل عودتها.
إحدى الوثائق المهمة في هذا الشأن مرتبطة بروسيا. أحد العاملين في متحف "الإرميتاج" في سان بطرسبوغ، اكتشف بالصدفة في شتاء عام 1881 بردية من عصر الدولة الوسطى محفوظة بحالة جيدة.
البردية المصرية القديمة روت بالتفاصيل كيف أرسل أحد الفراعنة رحلة استكشافية إلى أرض توجد بها "مناجم نحاس لا تنضب"، وأن "عاصفة هبت حين كنا في البحر، ولم يكن لدينا وقت للوصول إلى اليابسة. والآن الرياح تزداد قوة، والأمواج علوها يبلغ ثمانية أذرع. وهكذا انهار الصاري في الموجة، وفقدت السفينة، ولم ينج أي من البحارة". يضف الراوي قائلا: "كنت الوحيد الذي ألقت به الأمواج على الجزيرة".
القصة تمضي في سردها على لسان الناجي الوحيد قائلة إنه استيقظ بعد عدة أيام ووجد نفسه في أرض مجهولة. بعد فترة قدم أضاحي للأرباب، وظهر أمامه "صاحب الجزيرة"، وهو ثعبان كبير، استمع إلى قصة الرحالة المصري وزوده بالذهب والهدايا الثمينة وأرسله إلى بلاده.
لعدة قرون عدت بلاد "بونت" أسطورية لا وجود لها. ورغم توفر وصف عن تلك الأرض التي يبدو أنها استوائية مختلفة تماما عن التضاريس الصحراوية المصرية، إلا ان العديد من محاولات البحث عنها وتحديد مكانها باءت بالفشل، ما زاد الشك في وجودها أصلا.
مع كشف الحضارة المصرية المزيد من اسرارها، بدأ العلماء في القرن التاسع عشر مجددا في البحث عن بلاد "بونت"، وافترض البعض أنها تقع بالقرب من حدود مصر القديمة، فيما رأى آخرون أنها في مناطق أبعد.
تم التأكد أولا من أن المصريين القدماء وصلوا إلى هذه البلاد الأسطورية عن طريق البحر، وذلك بفضل اكتشاف بقايا سفن والهديد من الكهوف في الغردقة عام 2011.
عالم الآثار البريطاني جون بينز صرّح بهذا الشأن قائلا: "الاكتشافات على ساحل البحر الأحمر أنهت الجدل مرة واحدة وإلى الأبد.. هذه الاكتشافات تزيل كل الشكوك حول إمكانية الوصول إلى (بونت) عن طريق البحر".
بلاد "بونت" كان يعتقد في السابق أنها في المنطقة التي تعرف بالصومال الآن، إلا أن خبراء استبعدوا ذلك لأن أشجار البخور التي كانت أحضرتها رحلة ختشبسوت عام 1493 قبل الميلاد من هناك وتم زرعها في مصر، ولا تزال جذورها ماثلة حتى الآن خارج معبدها، لا تنبت في هذا البلد.
لم ييأس الخبراء وعلماء الآثار، ووجد فريق علمي متخصص في قرود البابون عونا له في هذا السبيل. استخلص فريق علمي مشترك من المتحف المصري وجامعة ماليفورنيا في عام 2015 الحمض النووي لعشرة قرود محنطة تعود إلى القرنين السادس عشر والعاشر قبل الميلاد، واتضح بعد دراستها أن وطنها الأم كان منطقة القرن الإفريقي، حيث توجد حاليا جيبوتي والصومال وإثيوبيا وإريتريا. خبراء يميلون إلى أن تكون "بونت" قد تربعت في ذلك الزمن البعيد في إثيوبيا وإريتريا تحديدا.
المصدر: RT
المصدر: RT Arabic
إقرأ أيضاً:
هل يقع طلاق القاضي غير المسلم في بلاد الغرب؟
إذا حصل خلاف بين الزوجين المسلمين في بلاد الغرب واستحال الحل بين الطرفين، فاللزوجة رفع الأمر إلى القاضي الشرعي إن وجد ليلزم الزوج بالطلاق، فإن لم يوجد القاضي الشرعي فإن المراكز الإسلامية تقوم مقام القضاء الشرعي عند انعدامه، فيقنعوا الزوج بالطلاق، أو تطلب الزوجة الخلع، فإن تلفظ الزوج بالطلاق أو كتبه بنية الطلاق وقع تطليق الزوج، وانبنت عليه أحكام الطلاق من حين طلاقه، ويجوز أن توثق هذا الطلاق الشرعي بعد ذلك في المحكمة الوضعية للحاجة لهذا التوثيق، أما لو لم يفعل بل حكمت المحكمة المدنية والقاضي غير المسلم، فإن الطلاق لا يقع عند عامة الفقهاء المتقدمون، فالفقهاءالسابقون رحمهم الله اتفقوا على تحريم التحاكم لغير المسلمين وعلى اشتراط الإسلام في القاضي، وبالتالي عدم وقوع الطلاق الصادر من القاضي غير المسلم، إلا إذا تلفظ الزوج بالطلاق، أو كتبه بنية الطلاق، أما المعاصرون فلهم اتجاهان في هذه المسألة:
الاتجاه الأول: عدم وقوع الطلاق الصادر من القاضي غير المسلم، وهذا ما ذهب إليه عامة المعاصرين، وصدر به قرار المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، وعليه الفتوى في دائرة الإفتاء بالمملكة الأردنية، وفتوى شيخ الأزهر، لقوله تعالى: (وَلَن يَجۡعَلَ ٱللَّهُ لِلۡكَٰفِرِينَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ سَبِيلًا)، وجه الدلالة: أن القضاء نوع ولاية، ولا ولاية لكافر على مسلم، قال ابن فرحون في تبصرة الحكام: "قال القاضي عياض رحمه الله: وشروط القضاء التي لا يتم القضاء إلا بها ولا تنعقد الولاية ولا يستدام عقدها إلا معها عشرة: الإسلام والعقل والذكورية والحرية والبلوغ والعدالة والعلم وكونه واحداً وسلامة حاسة السمع والبصر من العمى والصمم وسلامة اللسان من البكم، فالثمانية الأول هي المشترطة في صحة الولاية والثلاثة الأخر ليست بشرط في الصحة، لكن عدمها يوجب العزل، فلا تصح من الكافر اتفاقاً، ولا المجنون"، ولقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)، وجه الدلالة: دلت الآية على وجوب أن يكون ولاة الأمر من المؤمنين ومن ذلك القضاة، إذ لهم نوع ولاية.
الاتجاه الثاني: وقوع الطلاق الصادر من القاضي غير المسلم، كما جاء هذا في قرارات المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث، ومجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، ودليلهم: أن المسلم الذي أجرى عقد زواجه وفق القانون غير الإسلامي قد رضي ضمناً بنتائجه، ومنها أن هذا العقد لا يحل عروته إلا القاضي، وهو ما يمكن اعتباره تفويضاً من الزوج جائزاً له شرعاً عند الجمهور، ولو لم يصرح بذلك، ولأن تنفيذ أحكام القضاء ولو كان غير إسلامي جائز من باب جلب المصالح ودفع المفاسد، وحسماً للفوضى، والضرورة داعية لذلك، جاء في قرارات المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته التاسعة عشرة في القرار الثالث: مشروعية قيام المراكز الإسلامية وما في حكمها بتطليق زوجات المسلمين اللاتي ترافعن إليها أو النظر في ذلك ممن حصلن على الطلاق من محاكم غير إسلامية، وفيه:
ثانياً: التأكيد على أن المصلحة تستدعي تضمين عقود الزواج شرط التحكيم عند النزاع وفق أحكام الشريعة الإسلامية.
ثالثاً: عند حصول إنهاء الزواج لدى المحاكم المدنية في تلك البلاد، فعلى الزوجين مراجعة المراكز الإسلامية المعتمدة لاتخاذ اللازم حسب الأصول الإسلامية.
رابعاً: إذا كانت إجراءات التفريق بين الزوجين المدنية تسمح بتحويل القضية إلى المركز الإسلامي، أو محام مسلم، أو محكم يفصل في النزاع فإن الواجب قبول هذا التحويل والحرص عليه، وجاء في نص البيان الختامي للمؤتمر الثاني لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا على: "أنه يرخص في اللجوء للقضاء الوضعي عندما يتعين سبيلاً لاستخلاص حق أو دفع مظلمة في بلد لا تحكمه الشريعة، شريطة اللجوء إلى بعض حملة الشريعة لتحديد الحكم الشرعي الواجب التطبيق في موضوع النازلة، والاقتصار على المطالبة به والسعي في تنفيذه"، وجاء في قرارات المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث: "الأصل أن المسلم لا يرجع في قضائه إلا إلى قاضٍ مسلم أو من يقوم مقامه، غير أنه بسبب غياب قضاء إسلامي حتى الآن يتحاكم إليه المسلمون في غير البلاد الإسلامية، فإنه يتعين على المسلم الذي أجرى عقد زواجه وفق هذا القانون غير الإسلامي، فقد رضي ضمناً بنتائجه، ومنها أن هذا العقد لا يحل عروته إلا القاضي، وهو ما يمكن اعتباره تفويضاً من الزوج جائزاً له شرعاً عند الجمهور، ولو لم يصرح بذلك، لأن القاعدة الفقهية تقول: المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً، وتنفيذ أحكام القضاء ولو كان غير إسلامي جائز من باب جلب المصالح ودفع المفاسد وحسماً للفوضى، كما أفاده غير واحد من حذاق العلماء كالعز بن عبدالسلام وابن تيمية والشاطبي".
والقول الأول لعله هو الأقرب: من أن طلاق القاضي غير المسلم لا يقع، إلا إذا كتبه الزوج ونواه، أو تلفظ به، والواجب على الزوجين في بلاد الغرب أن يحتكموا إلى المراكز الإسلامية للفصل بينهم في هذه المسائل، والله أعلى وأعلم.