لم يكن المواطن الخمسيني أمين الحزمي يتصور في سنوات سابقة أن يأتي رمضان وتمر أيامه مع استمرار الضائقة المالية التي يعاني منها، حيث كان يمثل له هذا الشهر كغيره من اليمنيين فرصة مهمة لتوفير جزء كبير من الاحتياجات المعيشية والتعامل مع الكثير من الالتزامات التي اعتاد ترحيلها إلى شهر رمضان.

 

يشير الحزمي، وهو من سكان صنعاء، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن جزءا من الالتزامات كانت توفرها له مصادر دخل إضافية في رمضان لسداد ديون متراكمة ودفع فواتير التعليم لنحو أربعة من أولاده يتوزعون على التعليم الثانوي والجامعي.

 

كان الحزمي، كيمنيين آخرين غيره، ينتظرون شهر رمضان بفارغ الصبر، حيث يحصلون على أموال أخرى إلى جانب الراتب الشهري، وعلى إكراميات ومكافآت مرحّلة من الشهور السابقة، إضافة إلى مساعدات من الأقارب الميسورين والتحويلات المالية، لكن كل ذلك تبخر، بحسب مواطنين.

 

من جانبه، يتطرق المواطن ناصر الفتاحي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى تراجع تحويلات المغتربين في رمضان، حيث تتم في العادة مضاعفة المبالغ التي يحصل عليها البعض من أقاربهم المغتربين بما يمكنهم من تسديد الديون وتوفير الكثير من المتطلبات المعيشية لفترة تزيد على شهرين دون اللجوء للاقتراض لتوفيرها.

 

وساهمت مجموعة من العوامل في تفاقم معاناة نسبة كبيرة من السكان في اليمن، إذ تتصدر تكاليف الغذاء المتصاعدة باستمرار قائمة الأعباء التي تواجهها الكثير من الأسر في البلد الذي يعاني من تبعات مدمرة للصراع المحلي الذي دخل عامه العاشر في ظل تضخم قياسي وأزمات اقتصادية ومعيشية وإنسانية واسعة مع اهتزاز نسبي في تحويلات المغتربين.

 

وفقاً للتقييم الطارئ للأمن الغذائي والتغذية، الصادر عن البنك الدولي بالتعاون مع جهات محلية قبل نحو ثلاثة أعوام، تبلغ نسبة الأسر التي تعتمد على تحويلات المغتربين كمصدر رئيسي للدخل حوالي 9% مقارنة بنحو 6.5% قبل الحرب، وترتفع هذه النسبة إلى 11% بين الأسر الريفية.

 

في السياق، يُعزى العجز عن تحمل تكاليف الغذاء إلى الآثار المباشرة وغير المباشرة للصراع على الأسواق والمؤسسات، بينما ساهمت تدخلات الاستجابة الإنسانية في شكل مساعدات غذائية في تخفيف وطأة الأزمات الغذائية، لكنها غالباً ما تكون غير كافية ولا مستدامة، إضافة إلى كونها تقلصت إلى أدنى مستوى منذ مطلع العام الماضي 2023.

 

يقول الموظف الحكومي في عدن عماد الحسني، لـ"العربي الجديد"، إن التضخم نتيجة الارتفاع المتواصل في الأسعار يلتهم ما يحصل عليه من راتب لم تطرأ عليه أي زيادة، حيث لا يستمر أكثر من 12 يوما من وقت استلامه، ما يدفعه للاستدانة للتعامل مع متطلبات المعيشية لبقية أيام الشهر.

 

ترصد "العربي الجديد"، في هذا السياق، كيف دفعت الأزمات الاقتصادية والمعيشية المتلاحقة كثيراً من اليمنيين نحو استراتيجيات المواجهة المدمرة للغاية في كثير من الأحيان، حيث يجب على الأسر إجراء المفاضلات من حيث الإنفاق على الغذاء أو التعليم أو الصحة، وتحاول التأقلم مع الصدمات المتكررة، مثل المرض، من خلال بيع الأصول مثل الذهب أو حتى "البنادق".

 

كما أن المواطنين يقترضون من الأقارب في الأسرة الممتدة ومن المتاجر المحلية والشبكات الاجتماعية والعائلية الأخرى ويعيشون في حلقة مفرغة من الديون.

 

إذ وجد تقرير صادر عن البنك الدولي في منتصف العام الماضي 2023، أن الأسر تستخدم استراتيجيات مواجهة ضارة، حيث تعد التغيرات الاقتصادية التي ظهرت أثناء الحرب من أهم الأسباب التي جعلت تلبية الاحتياجات الأساسية الحالية صعبة للغاية.

 

الخبير الاقتصادي مطهر عبد الله، يرى في حديث لـ"العربي الجديد"، أن معظم الأسر اليمنية أصبحت بصورة نسبية تحت مستويات الفقر المدقع بعدما فقد معيلوها سبل عيشهم المتاحة ومصادر دخلهم، إذ كان للصراع دور كبير في إضعاف قدرات الأسر المعيشية.

 

وأضاف: كما لا يجب أن نغفل الأزمات الدولية التي أثرت على الوضع المحلي، مثل "كورونا" والحرب الروسية الأوكرانية، أو بالأصح حرب الأقطاب الدولية الكبرى التي تسببت في اضطراب الأسواق الدولية، إضافة إلى الأزمة الأخيرة الناتجة عن الحرب الإسرائيلية وعدوانها المتواصل على غزة وتبعاتها التي يدور جزء كبير منها في البحر الأحمر وباب المندب.

 

وحسب تقرير للبنك الدولي، فقد أدى الصراع والاستجابة الإنسانية إلى تغيير الاقتصاد، إذ يكشف تحليل سبل العيش الذي أجراه البنك الدولي عن أن الاستجابة الإنسانية للحرب غيرت الطلب المحلي في الأسواق والخدمات العامة، كما أن الشركات الصغيرة قد تخسر أمام الشركات الكبرى التي يمكنها تقديم خدمات على نطاق واسع، وهو ما قد يؤدي إلى تفشي الاحتكار في قطاعات مختلفة.

 

كما يعد النزوح عاملا آخر يرتبط بالغذاء والخدمات الأساسية وسبل العيش، إذ ترصد تقارير اقتصادية تأثيره على توافر الغذاء والقدرة على تحمل تكاليفه وتعطيل سبل العيش المتاحة.

 

المحلل الاقتصادي صادق علي، يؤكد لـ"العربي الجديد"، أن نسبة كبيرة من اليمنيين أصبحت تعتمد على القروض لتوفير متطلبات المعيشة الضرورية، إذ أعتاد الكثيرون على التعامل معها تحت شعار: "حتى يفرجها الله"، هكذا أعتاد البعض، لكنها وصلت إلى مستويات قياسية تفوق قدرات وصبر البعض على تحملها مع اشتداد الأزمات المتعددة خصوصاً على المستوى المحلي وعدم وجود أي بارقة أمل لحل الصراع الدائر في البلاد، إذ تضخمت الكثير من الظواهر السلبية في هذا الجانب، مثل إيقاف البعض تعليم أبنائهم ودفعهم للعمل وفقدان الرعاية الصحية.

 

بمقابل ذلك، تستمر احتياجات اليمن الإنسانية بصورة هائلة، وفق تصنيف منظمات أممية ودولية، حيث يحتاج حوالي 24.3 مليون شخص، أي أكثر من ثلثي السكان، إلى شكل من أشكال المساعدات الإنسانية، ويوجد حالياً 12.9 مليون شخص منهم بحاجة ماسة للمساعدة، فيما أدى الصراع إلى نزوح ما يقرب من 4.3 ملايين شخص.

 

كما تعطلت الخدمات الأساسية للصحة العامة والتعليم، وتعرضت البنية التحتية للضرر أو الدمار، وتقلص حجم القطاع الخاص، ولا تدفع رواتب الخدمة المدنية في البلاد لفترات طويلة، إضافة إلى ذلك، أصبح اليمن أكثر هشاشة بمواجهة آثار تغير المناخ كموجات الجفاف الشديدة والمتكررة والفيضانات وعدم انتظام هطول الأمطار والأمراض والآفات الزراعية.

 

ويواجه البلد العديد من الأزمات، منها انهيار سعر صرف الريال والتقلبات الحادة في تداولاتها لاسيما في مناطق الحكومة، وارتفاع التضخم، واشتداد الاضطرابات الاجتماعية وتسببها في تراجع أداء القطاعات الاقتصادية المختلفة.


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: العربی الجدید الکثیر من إضافة إلى

إقرأ أيضاً:

الجزائر تدعو لمقاربة إفريقية لحل الأزمات

اختتمت في الجزائر فعاليات مؤتمر السلم والأمن في أفريقيا، الذي استمر لمدة يومين وحظي بمشاركة واسعة من القادة الأفارقة، بينهم رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، ورئيس المجلس التنفيذي للاتحاد، ورئيس مجلس السلم والأمن الأفريقي، إلى جانب ممثلي الدول الأعضاء في الاتحاد والأعضاء الأفارقة بمجلس الأمن الدولي.

وأكد وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، في ختام الدورة، أن المؤتمر سلط الضوء على أبرز التحديات الأمنية والسياسية التي تواجه القارة الأفريقية، مشيراً إلى ثلاثية تهدد استقرار أفريقيا، تتمثل في التغييرات غير الدستورية للحكومات، وآفة الإرهاب، وظاهرة التدخلات الخارجية.

وأشار عطاف إلى أن التغييرات غير الدستورية أصبحت مألوفة في بعض الدول الأفريقية، ما دفع الاتحاد الأفريقي لتعليق عضوية دولتين في غضون 42 يوماً.

وأضاف أن الإرهاب أصبح يفرض نفسه كتهديد رئيسي في منطقة الساحل الصحراوي، حيث سيطر على مساحات واسعة ونصب سلطات باسم الأمر الواقع، في حين طغت التدخلات الخارجية على معظم بؤر التوتر، متحكمة بمفاتيح الحلول والصراعات.

ودعا الوزير الجزائري الاتحاد الأفريقي إلى إعادة التموقع كفاعل محوري في الوقاية من الأزمات وتسوية النزاعات، واعتماد مبدأ الحلول الأفريقية للمشاكل الأفريقية كخيار استراتيجي، مؤكداً ضرورة تعزيز التكامل بين مجلس السلم والأمن الأفريقي ومجموعة الأعضاء الأفارقة في مجلس الأمن الأممي، لما لذلك من أثر في منح القارة صوتاً مؤثراً في القضايا الدولية.

ويعقد مؤتمر السلم والأمن في أفريقيا بشكل دوري، بهدف تعزيز التعاون الإقليمي في مواجهة التحديات الأمنية والسياسية. ويركز على تمكين الدول الإفريقية من إدارة أزماتها داخليًا، وتقليل التدخلات الخارجية، مع دعم آليات الاتحاد الأفريقي ومجلس السلم والأمن لخلق استقرار مستدام وتحقيق التكامل الإقليمي.

مقالات مشابهة

  • بين الأزمات والحقوق.. أين يقف الأشخاص ذوو الإعاقة في لبنان اليوم؟
  • رئيس سموحة يكشف خطته لإعادة هيكلة النادي وحل أزمات الديون والكرة
  • مي عز الدين توجه رسالة لـ ريم البارودي بعد انضمامها لمسلسها الجديد
  • البنك الدولي: الديون تهدد الدول النامية مع ارتفاع تكاليفها لمستويات قياسية
  • 4 آلاف أسرة بجنوب سيناء تناشد الدولة: لا تجعلوا قانون الإيجار الجديد يكافئ المضحّين من أجل الوطن بالعقاب
  • البنك الدولي يحذر الدول النامية من دائرة الخطر بسبب الديون
  • البنك المركزي: ارتفاع معدلات سداد أعباء خدمة الديون الخارجية لمصر بنسبة 17.63%
  • مدير أوقاف الوادي الجديد يجتمع بالأئمة والعلماء لتعزيز الانضباط الإداري والدعوي
  • الإمارات ترسل فرق البحث والإنقاذ ومساعدات إغاثية تتجاوز 20 طناً لإغاثة المتضررين من فيضانات سريلانكا
  • الجزائر تدعو لمقاربة إفريقية لحل الأزمات