وليد فواز: قبلت التحدي بالتمثيل بعين واحدة في «حق عرب».. و«جودر» قوة مصر الناعمة (حوار)
تاريخ النشر: 3rd, April 2024 GMT
جوكر يجيد تقديم جميع الأدوار، تجده مثل الماريونيت يتنقل من شخصية لأخرى بسلاسة ونجاح، يخطف خلالها المشاهد معه فى رحلات لا متناهية من الإبداع والتوحد مع الشخصيات، هو الفنان وليد فواز، الذى يعزف على سيمفونية خاصة خلال الموسم الرمضانى الحالى بواحدة من أمتع التجارب التمثيلية، التى تعيدنا إلى زمن أساطير ألف ليلة وليلة، من خلال مسلسل «جودر» مع الفنان ياسر جلال، إلى جانب تقديمه لوجه آخر مع الدراما الشعبية داخل حارة المغربلين فى الدرب الأحمر مع الفنان أحمد العوضى ضمن أحداث مسلسل «حق عرب».
لاحظت اختلافك فى الأدوار وإن تشابهت فى تيمة الشر.. فهل هذا اختيار أم صدفة؟
- بالفعل تيمة الشر هى العنوان الرئيسى لأدوارى فى الفترة الماضية، ولكن كل شخصية تكون لها دوافع مختلفة عن الأخرى، وأيضاً أهداف وحياة وسمات متنوعة، فعلى سبيل المثال شخصية رباح أبوالدهب فى مسلسل «حق عرب» لا تشبه شخصية سالم فى مسلسل «جودر»، وكان التحدى بالنسبة لى أن يلاحظ المشاهد اختلافاً فى الدورين، ولا بد من الإلمام الكامل بتفاصيل كل شخصية ومفرداتها، وهذا بالطبع مقارنة بالأعمال السابقة مثل مسلسل «بين السطور»، الذى انتهى عرضه قبل بدء الموسم الرمضانى بأيام قليلة.
وما الذى جذبك لشخصية رباح أبوالدهب فى «حق عرب»؟
- عند علمت أن عرب السويركى تسبب فى عاهة مستديمة بعين «رباح»، عندها توقفت وشعرت بانجذاب مختلف للعمل، وهنا «رباح» لديه دوافعه لتدمير «السويركى» ويحقد عليه بشكل مستمر، ويحاول تدمير حياته سواء فى العمل أو حب حياته، وهذه المرة الأولى التى أقدم شخصية أعور، وهذا عنصر جذب بالنسبة لى، فأهم أسلحة الممثل هى العين، فكيف يكون حاله بالتمثيل بعين واحدة؟! فكان تحدياً كبيراً بالنسبة لى ومسئولية كبيرة أيضاً، ولكنى أردت خوض هذه التجربة الجديدة والمختلفة، فدائماً ما يكون لدىّ عنصر حساس، وأوجه الشكر للشركة المتحدة وسينرجى فى اختيارى لهذا الدور المميز.
وماذا عن العلامة التى حول عينه والتى شبهها الكثيرون بموشى ديان؟
- تأويل العمل الفنى مختلف من شخص لآخر، البعض ممكن أن يرى «رباح» فى صورة الشيطان، والآخر موشى ديان.
وكيف تعاملت مع إخفاء العين الأخرى بهذه الطريقة وكم استغرقت من الوقت؟
- أمر مرهق للغاية قبل التصوير، فالتحضير للعين فقط كان يستغرق ما بين ساعة ونصف الساعة إلى ساعتين، وكان من المفترض ألا يتم التصوير بالعين الواحدة أكثر من 5 ساعات، وطالبت صناع المسلسل بأن يكون ذلك المظهر فى منزله فقط، لأنه لا يظهر به بالشارع، خاصة أن رباح أبوالدهب ليس «شخص بلطجى» لأن تكون عينه مخيفة ويظهر بها لأهالى الحارة والمنطقة، فهو شخصية تهتم بنفسها ومظهرها ولديه أموال كثيرة من تجارته الخاصة.
خطف «رباح» الأنظار بلزماته الخاصة من بينها «العهدة على اللى قال ومرحبتين وهلا».. هل أضفتها أم أنها من أصل السيناريو؟
- بالطبع أنا من يضيف أى «لزمة» فى أدوارى، ومع احترامى لنص السيناريو، ولكن هناك جزءاً من بصمات الممثل تجعل شخصيته مميزة، وأحرص على ذلك فى كل عمل.
تيمة الأعمال الشعبية منتشرة ولكن ما سر نجاح «حق عرب» هذا العام؟
- أولاً هذا النجاح الكبير بفضل الله، واجتهادنا كفريق عمل متكامل لأن نقدم أفضل ما لدينا، بالإضافة لوجود بطل العمل الفنان أحمد العوضى، فهو نجم مجتهد ويسعى للتطوير من نفسه بصفة دائمة، وهذه الفترة هى وقته، وأصبحت لديه قاعدة جماهيرية كبيرة، وتمكن من صنع نجوميته منذ سنوات طويلة، إلى جانب توحد الجمهور مع شخصية عرب السويركى، ذلك الشخص الشهم المحترم، فكان ذلك عنصر جذب كبير للعمل، بالإضافة إلى نجاح تجربته فى السينما التى أثرت إيجابياً بشكل كبير وانعكست على نجاح المسلسل، فضلاً عن باقى أبطال المسلسل، حيث توجد مباراة جماعية بين جميع أبطاله، ورغبة حقيقية فى النجاح، وأيضاً فكرة المسلسل مختلفة والتى تدور حول الابن والأم والأب.
جميع مشاهدك مع «العوضى» فى «حق عرب» مثل «ناقر ونقير».. حدثنا عنها.
- لأن بينهما حالة انتقام بصفة مستمرة، ولم ينس رباح أبوالدهب ما فعله به عرب السويركى فى صغره وتسببه فى وجود عاهة مستديمة له، وما زالت هناك مفاجآت أقوى فى الحلقات المقبلة فى عدة مشاهد «ماستر سين» ستجمعنا، وستكون هناك مواجهة قوية مع «السويركى»، وهذه المشاهد تطلبت منى جهداً كبيراً للغاية لأن بها جزء «أكشن»، وآخر «انفعالى».
شهد المسلسل العديد من مشاهد العنف.. وكان لك مشهد مؤثر مع إبراهيم السمان حدثنا عنه.
- جميع مشاهد الضرب غير حقيقية، ولكن المهارة هى أن يشعر بها المتلقى وكأنها كذلك، ومشهد ضرب إبراهيم السمان كان انتقاماً لأنه نصب على رباح أبوالدهب فى 150 ألف جنيه، بالتعاون مع صديقه «السويركى»، وكانت فرصة له بأن ينتقم منهما معاً.
وبماذا تصف شخصية رباح أبوالدهب؟
- «شخص مش متربى»، فعلى الرغم من أن لديه مبررات ودوافع للشر للأفعال التى يرتكبها، ولكنه فى نهاية الأمر نموذج سيئ، ولا أحب أن يقلده أحد من الجمهور، لأنه لا يحترم أحداً ويخوض فى الأعراض، ولذلك سوف ينال جزاءه بنهاية الحلقات.
ومن سينتصر فى نهاية «حق عرب».. عرب السويركى أم رباح أبوالدهب؟
- دائماً فى الأعمال الشعبية البطل هو من ينتصر فى النهاية.
تتعاون للمرة الثالثة مع «العوضى» من خلال «حق عرب».. ماذا عن الكيمياء التى تجمعكما؟
- بالفعل هو العمل الثالث الذى يجمعنا بعد مسلسلى «السبع وصايا» و«العهد»، وأحمد العوضى فنان وصديق مميز وناجح، وهذا ما ظهر للجمهور على الشاشة من حالة الانسجام فى المشاهد بيننا، على الرغم من اختلافهما فى أحداث المسلسل.
ننتقل لمشاركتك فى مسلسل «جودر» وأساطير ألف ليلة وليلة.. ما سبب مشاركتك به؟
- عندما عُرض علىّ هذا المشروع منذ عام لم أتردد لحظة لأنه من توقيع المخرج إسلام خيرى، وهو شخص أكن له كل التقدير والاحترام، لأنه واحد من المخرجين الذين يدركون جيداً إمكانات وليد فواز الفنية، وهو من اكتشفنى وله فضل كبير على نجاحى بعد الله، بالإضافة إلى أن مسلسل «جودر» من صناعة أكبر شركات الإنتاج فى مصر وهما «ميديا هب» و«أروما» تحت مظلة الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، ولذلك فإن أى ممثل يرى ذلك الكيان الضخم، مع اسم مخرج العمل، مع مدير التصوير تيمور تيمور، سيوافق على الفور، والأمر الثالث أن بطل العمل هو الفنان ياسر جلال، وهو نجم كبير وتربطنى به علاقة قوية منذ زمن بعيد، وكان من المقرر أن نتعاون معاً لأكثر من مرة ولكن لم يشأ القدر، إلى أن اجتمعنا فى «جودر»، إلى جانب النص الرشيق الجميل الذى كتبه المؤلف أنور عبدالمغيث، وهو ما جعلنى أشتم رائحة نجاح المسلسل قبل البدء فى تنفيذه.
دور سالم الذى تقدمه يحقد منذ طفولته على شقيقه «جودر» وحاول خنقه وهو رضيع.. فما السبب؟
- «سالم» شعر بالغيرة لأنه كره أن يأخذ أحد غيره الاهتمام، خاصة بعدما أظهر أبواه هذه العناية المبالغة فيها بالطفل الرضيع، وهو ما ساعد على اتساع مساحة الغيرة بداخله منذ طفولته، إلى جانب الشر المتمثل فى شواهى والشمعانين اللذين من الممكن أن يكونا تحكما به، حتى إن سالم بعد وصوله لمرحلة الشباب، وهى التى أجسدها، تستمر محاولة سيطرة شواهى عليه واستغلاله ضد شقيقه جودر.
هل يعنى ذلك أنهما نموذجان لقابيل وهابيل؟
- بالفعل، هما كذلك أحدهما يحمل جانب الخير والسلام، والآخر الشر والانتقام، متمثلان فى شخصيتى جودر وسالم.
وماذا عن كواليس التصوير فى ظل أجواء وديكورات تعود بنا إلى زمن «ألف ليلة وليلة»؟
- كواليس «جودر» هى الأمتع بالنسبة لى فى الفترة الأخيرة، فهناك شعور جميل، خصوصاً ونحن نعود إلى الماضى بملابس تلك الفترة والديكورات والصورة البصرية من حولك وعلاقتك بالممثلين، كل منا يعلم دوره جيداً وما عليه، وهذا يعود لشركة الإنتاج التى وفرت لنا كل شىء حتى نظهر بتلك الصورة المبهرة، لذلك هذا المسلسل لديه مكانة خاصة فى قلبى.
وهل جرى تأجيل العمل على «جودر» منذ عام ونصف العام؟
- بالفعل، ولكن من أجل إعادة ترتيب الأوراق ورصد ميزانية ضخمة تليق بهذا المشروع الذى يمثل مصر وقوتها الناعمة ويليق بإنتاج الشركة المتحدة أمام العالم العربى.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: وليد فواز جودر صدفة ريهام حجاج ألف لیلة ولیلة ولید فواز إلى جانب فى مسلسل حق عرب
إقرأ أيضاً:
الجيل المستهدف .. حين يتحول الترفيه إلى سلاح
في العقدين الأخيرين، تحوّلت ألعاب الفيديو إلى سلاح ناعم تُنفق عليه القوى الكبرى مليارات الدولارات، لا لتمضية الوقت، بل لصناعة جيل جديد، جيل ضعيف الانتماء، هشّ الهوية، قابل للتوجيه، منفصل عن دينه وأخلاقه وأسَرته، ومحاصر بشبكة من الإدمان المصمَّمة بعناية، وما كان لهذا السلاح أن يجد ساحة أكثر هشاشة من العالم العربي والإسلامي، فهنا، حيث يشكّل الدين والهوية الإيمانية عمود الوعي الجمعي، تسعى الحرب الناعمة لإسقاط هذا العمود أولًا، لفتح الطريق أمام تأثيرات أشدّ وأعمق، ولأن الهدم لا يُواجَه إلا ببناء، برزت الثقافة القرآنية في اليمن خصوصًا كقوة مقاومة، ومنهج واعٍ يعيد تشكيل حصون الوعي، ويربط الجيل بنافذة النور التي غُيّبت طويلًا، وهو القرآن الكريم، هكذا لم تعد المعركة معركة ترفيه أو تقنية بل صراعًا على الوعي، على الذاكرة، على القيم، على الهوية نفسها.
ومن يخسر هذه الجبهة، يخسر كل شيء.
يمانيون / تقرير / طارق الحمامي
الألعاب هي أكثر أشكال الثقافة تأثيرًا اليوم، وبالأرقام كشفت تقارير دولية أن المراهق يستنزف كحد أدنى 3 ساعات يوميًا متوسط للعب عالمياً، وهناك أكثر من ثلاثة مليار مراهق يعانون من الإدمان على الألعاب حول العالم، وأكثر من مائتين مليار دولار حجم الصناعة سنويًا، والمعلومة الأكثر إثارة للجدل هي أن مصدر الانتاج لهذه الألعاب هي الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية بينها بريطانيا والتي تنتج أكثر من 80% من الألعاب العالمية
هذا يعني أن المراهق حين يلعب ، فهو يدخل عالَمًا صمّمه عدو متربص ويسعى للسيطرة على العقول، بثقافته، بقيمه، بمفاهيمه عن القوة، العنف، الجنس، الحرية ، إلخ، هذا ما يسمى هندسة ثقافية منهجية.
التوجيه المقصود في محتوى الألعاب
صناعة الألعاب مرتبطة مباشرة بالمؤسسات العسكرية والإعلامية الغربية، وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) موّلت أكثر من 60 لعبة فيديو خلال العقدين الماضيين لتجميل صورة الجندي الأمريكي وجعل الحرب مغامرة ممتعة، وتقدم شخصية المقاتل الأمريكي في اللعبة أنه الجندي الخارق الذي لا يمكن هزيمته، ألعاب شهيرة، استعانت مباشرة بمستشارين عسكريين أمريكيين وبريطانيين لصياغة سيناريوهات الحرب.
الهدف هو جعل الجيل يؤمن بأن الحرب التي يخوضها الغرب عادلة وضرورية، وزرع الروح الإنهزامية في قلوب وعقول الجيل الناشئ أنهم جنود لا يمكن هزيمتهم .
في دراسة أعدتها جامعة ستانفورد في العام (2024)، أكدت أن المراهق المدمن على هذه الألعاب يمارس ألعاب القتال لساعات طويلة أسبوعياً، يُظهر انخفاضًا بنسبة 30% في ردود الفعل العاطفية تجاه العنف الواقعي، هذا ليس ترفيهًا، هذا إعادة تشكيل حساسية الإنسان تجاه الدم.
كما أن هناك ألعاب تروّج لصورة البطل الواحد و العدو الواحد في عشرات الألعاب الكبرى للعدو الأمريكي الغربي على أنه بطل بينما المسلم شرقي الملامح في اللعبة هو الإرهابي، والهدف من ذلك بناء صورة ذهنية مقصودة ومكررة .
ماذا يحدث للجيل الناشئ؟ .. الأرقام تكشف الكارثة
منظمة الصحة العالمية أكدت في تقرير لها في العام 2024 أن ، 12% من المراهقين عالميًا أصبحوا قريبين من اضطراب الإدمان الرقمي، وما يقارب نصف هذه النسبة من الوطن العربي، جميعهم يعانون أمراض نفسية ومشاكل أسرية منها زيادة القلق، وتدهور العلاقات الأسرية، ونوم مضطرب ، وانخفاض الأداء الدراسي ، كما أن هذه النسبة الكبيرة من المدمنين على الألعاب يعانون من أمراض بدنية خطيرة أهمها ارتفاع مشاكل الظهر والأطراف خصوصاً عند صغار السن ، وكذلك السمنة المفرطة .
هذه الأرقام تكشف الجانب الأخطر في هذه الحرب الناعمة كيف تخلق هذه الألعاب سلخ هذه الفئة من الفتية عن معتقداتهم وأسرهم وقيم مجتمعهم ، فيتحولوا إلى وحوش بشرية مؤذية لمحيطهم يبدأ من داخل أسرهم، وجيل بهذه المواصفات سيكون من السهل توجيهه وتأطيريه واستغلاله والتحكم به،
لماذا تُستهدف الهوية الإيمانية في الدول العربية والإسلامية عبر الألعاب الرقمية؟
لم تكن الألعاب الإلكترونية مجرّد وسيط ترفيهي، بل تحوّلت إلى منصة ثقافية عالمية تحمل رؤى وقيمًا تتعارض بشكل مباشر مع منظومة القيم الإيمانية التي تقوم عليها المجتمعات العربية والإسلامية، هذا ليس استنتاجًا عاطفيًا، بل ملاحَظ في المحتوى والنتائج والسياق، لأن الهوية الإيمانية هي خط الدفاع الأخير أمام الهيمنة الثقافية، والقوة الناعمة الحديثة لا تريد فقط تغيير السلوك، بل تعديل الإيمان والقيم والتصورات التي تُنتج هذا السلوك.
ولأن الشباب العربي والإسلامي هو الفئة الأكثر ارتباطًا بالدين عبر التاريخ، بعكس مجتمعات الغرب التي تشهد، تراجع الانتماء الديني، وضعف الارتباط بالهوية والقيم .
ألعاب الفيديو اليوم ليست مجرد لعب، بل سردية قيمية قد تعيد صياغة معنى البطولة، الخير، الشر، الرجولة، الشجاعة، الصداقة، وحتى المصير، وكلما ابتعد الجيل عن جذوره الروحية، ازدادت قابليته للتشكل بأي قالب يُقدَّم له.
الثقافة القرآنية كقوة مناعة مجتمعية في مواجهة الحرب الناعمة
في مقابل موجات الحرب الناعمة العابرة للحدود ،بما فيها أدوات الترفيه الرقمية وتدفق المحتوى الثقافي الغربي برزت في اليمن تجربة لافتة تقوم على إحياء الثقافة القرآنية باعتبارها ركيزة لبناء وعي الجيل وترسيخ هويته الإيمانية والأخلاقية.
هذه التجربة اعتمدت على المنهج القرآني ، الذي أعاد الاعتبار للدور التربوي للقرآن الكريم، ومعالجة مظاهر الفراغ القيمي لدى الناشئة، وتحصين الشباب من التأثيرات الخارجية التي تستهدف الهوية، وبناء شخصية متوازنة روحيًا وأخلاقيًا وطنيًا
وقد مثّلت هذه المقاربة واحدة من أكثر الاستجابات التنظيمية وضوحًا في العالم العربي لمواجهة آثار الحرب الثقافية الناعمة على الجيل الجديد.
إعادة وصل الجيل بالقرآن بعد عقود من الانقطاع
في اليمن، أخذت المراكز الصيفية دورًا كبيرًا في تعليم القرآن وتعزيز فهمه، وتقديم دروس تربوية وأخلاقية، وتنمية قدرات الشباب الفكرية والاجتماعية، وبناء بيئة آمنة للناشئة بعيدًا عن الفراغ والضياع الرقمي، وإحياء الأنشطة الرياضية، الثقافية، والمسابقات القرآنية.
وبأرقام معلنة ، تضاعفت أعداد الملتحقين بالمراكز الصيفية خلال السنوات الأخيرة، ما يعكس تحوّلًا اجتماعيًا نحو استعادة الهوية الإيمانية كأداة حماية ثقافية، كذلك مدارس تحفيظ القرآن في اليمن لم تعد مجرد مدارس تحفيظ تقليدية، بل أصبحت مؤسسات تربوية ذات برامج منتظمة، تركّز على التزكية والسلوك، وتعزز الانتماء الإيماني، وتبني جيلًا قادرًا على التمييز بين المحتوى النافع والهدّام، تخلق بيئة بديلة عن الفضاء الرقمي المشتت، هذا المسار يهدف إلى تأسيس وعي راسخ لا يتأثر بسهولة بتأثيرات الحرب الناعمة، وأحد أهم الخطوات في التجربة اليمنية كان إعادة النظر في المناهج الدراسية وتنقيح محتوياتها وإدراج دروس قيمية وأخلاقية وترسيخ مفاهيم، الهوية الإيمانية، والانتماء الوطني،
ختاماً
في النهاية، يتأكد أن ما يجري ليس مجرد انفتاح تقني أو ترفيه رقمي، بل معركة ناعمة تُخاض على العقول قبل الساحات، تستهدف الهوية والقيم وتعيد تشكيل وعي الجيل بعيدًا عن جذوره، وفي مقابل هذا السيل الجارف، أثبتت التجارب الراسخة ،وفي مقدمتها التجربة القرآنية في اليمن أن بناء الوعي الإيماني هو السلاح الأنجع لاستعادة الإنسان من قبضة العوالم الافتراضية، وتحويله من متلقٍّ هشّ إلى شخصية تمتلك البوصلة والمعنى.
إن تحصين الجيل لا يتحقق بالتحذير وحده، بل بإحياء البديل القيمي، وإعادة ربط الشباب بمصادر القوة في ثقافتهم ودينهم وهويتهم، فالمعركة في جوهرها معركة وعي، ومن يكسب الوعي يكسب المستقبل.