نيويورك "د. ب. أ": تحل يوم السابع من أبريل الحالي الذكرى الثلاثين للمذابح الدامية التي شهدتها رواندا عام 1994 بسبب الحرب الأهلية بين قبائل التوتسي والهوتو التي راح ضحيتها أكثر من 800 ألف شخص. ففي ذلك العام شن فصيل من عرقية الهوتو التي تمثل أغلبية سكان الدولة، حملة تطهير عرقي ضد مواطني الأقلية من التوتسي وغيرهم من الخصوم.

وقال بعض الخبراء إن إرث سياسات الاستعمار البلجيكي للدولة الأفريقية كان السبب الرئيسي في هذه الابادة الجماعية التي استمرت 100يوم، اسفرت عن مقتل 800 ألف شخص على الأقل. ومنذ ذلك الوقت تسعى رواندا لإعادة بناء المجتمع بالتركيز على المصالحة والتنمية الاقتصادية، وهي الجهود التي أحاطها الجدل في ظل الحكم السلطوي للرئيس بول كاجامي.

وفي تقرير نشره موقع مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي قالت المحللة السياسية ماريل فيراجامو إن المذابح انتهت بانتصار عسكري لمجموعة سياسية تقودها عرقية التوتسي وأصبحت هي حزب الجبهة الوطنية الرواندية الحاكم، برئاسة كاجامي. وتتبنى الحكومة الرواندية الجديدة بقيادة حزب الجبهة الوطنية منهج "الوحدة والمصالحة"، كما أعدت دستورا جديدا يؤكد المساواة بين المواطنين الروانديين ويمنع أي شكل من أشكال تحديد الهوية العامة على أساس الانتماء العرقي لتأكيد التماسك الاجتماعي.

ورغم ذلك أشار تقرير أخير لمنظمة هيومان رايتس ووتش إلى أن هذه الجهود تعرقلها بدرجة كبيرة عمليات إعادة التوطين القسري ومعسكرات إعادة التأهيل لأنصار الحكومة السابقة وغير ذلك من الإجراءات المتطرفة الأخرى.

وواجه مرتكبو المذابح في رواندا قنوات مختلفة للعدالة.

فالأمم المتحدة قادت محكمة جنائية دولية لمحاكمة قادة المذابح، في حين تولى النظام القضائي المحلي الرواندي محاكمة المتورطين في التخطيط لها. وتمت إحالة أغلب القضايا الأخرى إلى ما تسمى "محاكم العشب" وهي نظام قضائي محلي يستند إلى الوسائل التقليدية لتسوية المنازعات عندما تجتمع المجموعات المتنازعة في أماكن عامة لتسوية نزاعات محلية. ونظرت أكثر من 12 ألف محكمة من "محاكم العشب" أكثر من1.2مليون قضية.

من ناحيته يقول كلاود جيتبوك الناشط الحقوقي وأحد الناجين من مذابح رواندا إن "التعافي من أي مذبحة يحتاج إلى الحقيقة والعدالة... والعدالة لا تعني فقط مجرد العدالة التصالحية وإنما المحاسبة الحقيقية للجناة".

تولى بول كاجامي الحكم في رواندا من خلال انقلاب داخلي، ومازال يحكمها حتى الآن. ويرجع إليه الفضل في كثير مما تتمتع به البلاد حاليا من تنمية واستقرار. كما عزز سيطرة النظام السياسي وفاز في ثلاثة انتخابات رئاسية بأكثر من 90% من الأصوات، لكن المحللين يقولون إنها لم تكن انتخابات حرة ولا نزيهة.

ويقول المنتقدون إن حكومة كاجامي، تعمل على إضعاف المعارضة بشكل متزايد، بما في ذلك قمع أعضاء المعارضة والصحفيين الذين ينتقدون الحكومة، التي تواجه اتهامات بخطف واغتيال وتعذيب المعارضين وفرض رقابة صارمة على المعارضة. وتعتبر منظمة فريدوم هاوس رواندا "دول غير حرة" بسبب انتهاك الحريات المدنية مثل حرية التعبير وافتقار الانتخابات للحرية والنزاهة.

وفي عام 2015 صوت الروانديون على دستور يسمح لكاجامي بخوض انتخابات الرئاسة مجددا. وفي ظل غياب مرشحين حقيقيين للمعارضة، فإن فوز كاجامي بفترة حكم جديدة تستمر 7 سنوات في الانتخابات الرئاسية المقررة يوم 15 يوليو المقبل أمر شبه محسوم لأن المنافسين المحتملين إما فشلوا في تحقيق أي شعبية حقيقية في استطلاعات الرأي العام، أو تم منعهم من خوض الانتخابات من الأساس. لكن بعض المحللين يقولون إن شباب روندا الذين ولدوا بعد المذبحة، يمكن أن يطالبوا فورا بالمزيد من الانفتاح السياسي في البلاد.

ورغم هذه المشكلات نجحت رواندا في تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية جيدة. ويعتبر معدل النمو الاقتصادي فيها من بين الأعلى في أفريقيا وبلغ خلال العقدين الماضيين حوالي 8% سنويا. واستند هذا النجاح إلى أرباح الصادرات الزراعية مثل الشاي والقهوة، واستخراج المعادن والسياحة والقطاع العام الكبير. في الوقت نفسه نجحت جهود تنويع مصادر الاقتصاد مؤخرا في صعود قطاع التكنولوجيا، ومبادرات تطوير القوة العاملة.

كما شهدت البلاد تحسنا كبيرا في الناحية الصحية بفضل نظام التأمين الصحي الذي غطى حوالي 90% من السكان. وزاد متوسط العمر المتوقع للمواطن الرواندي إلى الضعف خلال عقدين بعد المذبحة. وانخفضت معدلات وفيات الأطفال والإصابة بمرض نقص المناعة المكتسب (إيدز). علاوة على ذلك تعاملات رواندا مع جائحة فيروس كورونا المستجد بطريقة جيدة وسجلت أحد أعلى معدلات التطعيم ضد الفيروس على مستوى أفريقيا، وضخت استثمارات كبيرة في المنشآت الصحية الريفية.

أما على الصعيد الاجتماعي، فتعتبر رواندا نموذجا نجاحا لتقليل الفجوة بين الجنسين في البرلمان حيث يضم أكبر نسبة من النساء مقارنة بأي برلمان آخر في العالم. وأصبحت نسبة استمرار الأطفال في المدارس الأعلى على مستوى قارة أفريقيا. ورغم ذلك فإن مدى التقدم الحقيقي في رواندا مازال موضع جدل بسبب التناقضات المحتملة في البيانات.

جندي إثيوبي من بعثة الأمم المتحدة لمساعدة رواندا يقف أمام آلاف اللاجئين الروانديين في الوقت الذي ستحيي رواندا الذكرى الثلاثين للإبادة الجماعية التي استمرت 100 يوم.أ.ف.ب

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

في الذكرى الـ 35 للوحدة اليمنية: إنجاز تاريخي بقيادة الزعيم علي عبدالله صالح

تحل في الثاني والعشرين من مايو الجاري الذكرى الخامسة والثلاثون لإعادة تحقيق الوحدة اليمنية، الحدث التاريخي الذي قاده الزعيم علي عبدالله صالح، والذي شكّل محطة مفصلية في تاريخ اليمن الحديث، وجسد حلم اليمنيين في توحيد شطري الوطن تحت راية واحدة بعد عقود من التشطير والانقسام.

لم تكن الوحدة اليمنية مجرد قرار سياسي عابر، بل جاءت ثمرة لجهود مضنية ولقاءات مكثفة بين القيادات السياسية والعسكرية في الشطرين، قادها الزعيم علي عبدالله صالح بحنكة سياسية ورؤية استراتيجية.

منذ توليه الحكم في 1978، عمل صالح على تعزيز جسور التواصل مع قيادات الجنوب، وأطلق سلسلة من اللقاءات والمشاورات لتهيئة الأجواء لتحقيق الوحدة، مستفيدًا من التحولات الإقليمية والدولية لدفع عجلة الوحدة إلى الأمام.

في 22 مايو 1990، أعلن الرئيس علي عبدالله صالح ومعه الرئيس علي سالم البيض قيام الجمهورية اليمنية وإعادة اللحمة الوطنية، منهين بذلك حقبة طويلة من التشطير، الذي فرضه الاستعمار البريطاني على الجنوب لأكثر من 129 عامًا.

وفي أجواء احتفالية، توحد اليمنيون تحت راية واحدة، وانطلقت مسيرة جديدة نحو بناء دولة موحدة قائمة على أسس الشراكة الوطنية والمواطنة المتساوية.

بعد تحقيق الوحدة، قاد علي عبدالله صالح مرحلة تاريخية من العمل الوطني لترسيخ دعائم الوحدة وتعزيز البناء المؤسسي للدولة اليمنية الحديثة.

لم تكن مرحلة ما بعد الوحدة خالية من التحديات، إذ واجهت البلاد أزمات اقتصادية وسياسية ومحاولات لزعزعة الاستقرار.

لكن بفضل حكمة الزعيم علي عبدالله صالح وقيادته الفذة، تمكنت اليمن من تجاوز تلك الصعاب، واستمرت في بناء الدولة الواحدة رغم المحاولات الرامية لإعادة عجلة التشطير إلى الوراء.

وفي الذكرى الخامسة والثلاثين للوحدة، تتجدد الدعوات للحفاظ على مكتسباتها باعتبارها منجزًا وطنيًا كبيرًا وركيزة أساسية في التاريخ اليمني الحديث.

ويؤكد مراقبون على ضرورة استلهام تجربة الزعيم علي عبدالله صالح في تعزيز الوحدة الوطنية، وتوحيد الجهود لمواجهة التحديات الداخلية، وتحصين البلاد ضد أي محاولات لتمزيق النسيج الوطني.

مقالات مشابهة

  • الكونغو الديمقراطية.. حركة أم 23 المتمردة تهجر مئات المدنيين إلى رواندا
  • قصص ملهمة ونجاح متميز.. "التحول الوطني" يستعرض إنجازاته خلال عام
  • في الذكرى الـ 35 للوحدة اليمنية: إنجاز تاريخي بقيادة الزعيم علي عبدالله صالح
  • الذكرى الـ77 للنكبة: كسر الصمت في أضعف الإيمان
  • أكثر من نصف مليون في بريطانيا يتظاهرون في الذكرى الـ77 للنكبة (شاهد)
  • “خامنئي يرد على ترامب: أمريكا استخدمت القوة للإبادة لا السلام
  • الحكم الدولي وائل إبراهيم يدير افتتاح بطولة أفريقيا لأندية السلة برواندا
  • الرئيس السيسي: مصر مستمرة في جهودها الحثيثة للتوصل إلى مصالحة سياسية شاملة في ليبيا
  • 15 مايو .. الذكرى والنكبة..!!
  • وقفة نسائية بمربع مدينة الحديدة دعماً لغزة ورفضاً للإبادة والتجويع