صراحة نيوز – بقلم / د. منذر الحوارات

لم تكن القضية الفلسطينية ومنذ لحظة ولادتها، مجرد صراع شعب على أرضه، بل كانت دوماً ملعباً فسيحاً للمشاريع الكبرى التي وجدت فيها تربة خصبة لتسويق أيديولوجياتها، افتُتحت فصول المأساة الفلسطينية عشية أكبر حدث  شهدته المنطقة: «سقوط الدولة العثمانية»، حيث جاء وعد بلفور عام 1917 كجزء لا يتجزأ من مشروع إعادة تشكيل الإقليم، لم يكن الوعد معزولاً، بل تزامن مع اتفاقية سايكس- بيكو، ومع بدء تقسيم التركة العثمانية بين القوى المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، وفي نهاية تلك الحقبة الاستعمارية، صدر قرار التقسيم عام 1947 كتتويج لمشروع دولي كان الفلسطيني أكبر الخاسرين فيه: فقد أرضه دون أن يُسأل عن رأيه، وغُيّب عن مشهد صياغة مصيره.

ثم دخلنا في مرحلة تشكّل الدول القطرية الحديثة، وكانت فلسطين، قضيتها الأولى، فاندفعت هذه الدول، التي لم تكن تمتلك الخبرة الكافية، لاجتثاث المشروع الصهيوني، وكانت النتيجة كارثية في نكبة عام 1948، التي كرّست وجود إسرائيل كقوة عسكرية، وأجهزت على أجزاء إضافية من الأرض الفلسطينية، ومع صعود المشروع القومي العربي، تحوّلت القضية الفلسطينية إلى عنوان مركزي، بل إلى رافعة للمشروع كله، جُندت الجماهير، وأُطلقت الشعارات، وعُلّقت الآمال، لكن المشهد انتهى بهزيمة عام 1967، التي لم تقتصر على خسارة فلسطين، بل طالت أراضي دول عربية أخرى، كانت فلسطين، كالعادة، الخاسر الأكبر، ورغم بعض التقدم في حرب أكتوبر 1973، إلا أن العرب توصلوا سريعاً إلى قناعة مؤلمة: «كلفة الحرب مع إسرائيل باهظة جداً» وهكذا بدأ مسار «السلام الاستراتيجي»، وأخذت اتفاقيات كامب ديفيد شكلها النهائي، وتراجع الحلم القومي خطوة إثر أخرى، في هذه الأثناء، أُتيحت للفلسطينيين فرصة هشة للاستقلال في القرار، فتحركت منظمة التحرير الفلسطينية نحو مسار تفاوضي لم يُجمع عليه الداخل الفلسطيني، لكنه حقق بعض المكاسب الرمزية والمادية، غير أن الحلم ظل معلقاً.

وبينما لم تكن الجراح قد التأمت، صعد مشروع جديد، هذه المرة باسم الإسلام: فكان التيار الجهادي السني الخارج من رحم أفغانستان، ثم المشروع الإسلامي الشيعي الذي بزغ من طهران عام 1979 مع الثورة الخمينية، كلا المشروعين تبنّى فلسطين، لكن ليس كقضية شعب يسعى للتحرر، بل كرمز في معركة كونية ضد «الطاغوت» أو «الاستكبار العالمي»، انتهى المشروع السني إلى تنظيمات كـ»القاعدة» و»داعش»، التي ألحقت ضرراً هائلًا بصورة القضية الفلسطينية، وربطتها بالإرهاب، أما المشروع الشيعي، فقد بلور ما يُعرف بمحور «المقاومة»، والذي استبدل الجيوش النظامية بجماعات مسلحة موازية للدولة، وأطلق عقيدة قتالية تقوم على استنزاف العدو لا من أجل إنجاز سياسي، بل من أجل «محوه»، ولو كان الثمن سحق المجتمعات التي تنطلق منها هذه الحركات، لم تكن إيران لتقبل بهذه القاعدة حين اقترب الخطر منها، وعندما باتت هي المعنية بالخسائر، تغيّرت القواعد، إسرائيل، بدورها، قرأت هذا النمط جيداً، واستثمرته لصالحها، أقنعت سكانها والغرب بأنها مهددة بالإبادة، فانهالت عليها المساعدات والتسليح والدعم السياسي، بينما شعوب محور المقاومة تُسحق اقتصادياً، وتُكمم سياسياً، وتُستنزف في حروب لا ترى لها أفقاً.

وعبر هذه الاستراتيجية، تمكنت إسرائيل من امتصاص صدمة 7 أكتوبر 2023، وصواريخ حزب الله، وضربات الحوثيين، بل وحتى الصواريخ الباليستية الإيرانية، كان الرد الغربي أكبر من الحدث، وكان الاحتضان الدولي لإسرائيل غير مسبوق، لا لأنها «مظلومة» فعلاً، بل لأنها أتقنت تسويق مظلوميتها عبر رواية محكمة: «نحن نحارب للبقاء».

واليوم، ونحن نشهد لحظة تبدو مفصلية، يبدأ حزب الله مفاوضات لتسليم سلاحه للدولة اللبنانية، وتجلس إيران إلى طاولة التفاوض مع واشنطن، وحماس تتباحث مع إسرائيل بشأن الأسرى واليوم التالي لغزة،  وفي الخلفية، تستمر فلسطين في النزيف: دماءً وأرضاً وذاكرة.

لكن المأساة لا تنتهي هنا، فثمة من يسعى لاختطافها من جديد، هذه المرة عبر مشروع «اليسار العالمي» الذي يرى في فلسطين «ضحية نموذجية»، يُصفق لها في الساحات الأكاديمية، وتُرفع صورتها في تظاهرات الشباب الغاضب في الغرب، لكنها تظل بالنسبة له مجرد أداة في معركة رمزية ضد الرأسمالية والتاريخ الاستعماري، ولا أحد من هؤلاء مستعد لأن يضع يده في يد الفلسطيني ليبني معه مساراً حقيقياً لإنهاء المأساة والاحتلال، ويتكرر المشهد  والاختطاف مستمر، والضحية واحدة «فلسطين».

لقد آن الأوان لإعادة تعريف القضية الفلسطينية كما هي: لا بوصفها شعاراً في خدمة مشروع أياً يكن، بل كصراع شعب حي، على أرض محتلة، من أجل الكرامة والعدالة، ولأجل وطن حُرّ، كل ذلك لا يعني عزلها عن سياقها الإقليمي والدولي، ولكن تحريرها من أن تُستخدم كرمز دعائي، أو كأداة تكتيكية لمشاريع لا تمت لها بصلة.

بالتالي فإن فلسطين لا يجب أن تكون مشروعاً أممياً ولا قومياً ولا دينياً، فلسطين هي فلسطين، وكل محاولة لتجييرها لغير ذلك، هي طعنة أخرى في خاصرتها النازفة.

المصدر: صراحة نيوز

كلمات دلالية: اخبار الاردن عرض المزيد الوفيات عرض المزيد أقلام عرض المزيد مال وأعمال عرض المزيد عربي ودولي عرض المزيد منوعات عرض المزيد الشباب والرياضة عرض المزيد تعليم و جامعات في الصميم ثقافة وفنون علوم و تكنولوجيا اخبار الاردن الوفيات أقلام مال وأعمال عربي ودولي تعليم و جامعات منوعات الشباب والرياضة ثقافة وفنون علوم و تكنولوجيا زين الأردن أقلام أقلام أقلام أقلام أقلام أقلام أقلام أقلام أقلام أقلام القضیة الفلسطینیة لم تکن

إقرأ أيضاً:

المنظمات الأهلية الفلسطينية: «نرحب بدعوة أسبانيا للاتحاد الأوروبي لتعليق اتفاقية الشراكة مع إسرائيل»

أكد مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية أمجد الشوا، ترحيبه بدعوة رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، الاتحاد الأوروبي إلى تعليق اتفاقية الشراكة فورا مع إسرائيل، معربا عن أمله لأن نشهد تحقيقا لتلك المطالب لأن الاحتلال لن يتوقف عن تنفيذ مخططاته دون خطوات جدية للضغط عليه.

وقال أمجد الشوا - في مداخلة لقناة القاهرة الإخبارية - "إن الاحتلال الإسرائيلي يضلل المجتمع الدولي، بأنه يقوم بإدخال المساعدات ولكن على أرض الواقع لا نرى إلا القليل من المساعدات التي تدخل ضمن إجراءات وسيطرة تامة من الاحتلال الإسرائيلي"، معربا عن أمله في أن يتحقق ما أعلنت عنه مسئولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي بشأن التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل لاستئناف دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة".

وأضاف أنه وفقا لتقرير عن مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان فالاحتلال الإسرائيلي يدخل هذه المساعدات، ضمن طرق خطيرة ويدفع بها بين الطرقات حتى يثير الفوضى بين المواطنين ويتم إطلاق النار من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي باتجاه المواطنين وإحداث الإصابات والقتل.

وأشار إلى أن تلك المشاهد تؤكد أن الاحتلال الإسرائيلي ماض في استخدام التجويع كسلاح بحق المدنيين وإدامة الكارثة الإنسانية في القطاع، لذلك نطالب الاتحاد الأوروبي بالإسراع في تنفيذ الاتفاق وإدخال كميات كبيرة من المساعدات حتى يمكن تدارك التدهور الكبير الحاصل في القطاع.

وأوضح أن القطاع في حاجة كبيرة إلى كل مقومات الحياة من المواد الغذائية والمكملات وحليب الأطفال لإنقاذ أرواح الأطفال الرضع والمواد الطبية، بالإضافة إلى مياه الشرب النظيفة حيث يعاني جميع سكان القطاع من درجات متقدمة من العطش في ظل نفاد الوقود وتدمير الاحتلال للبنية التحتية المائية من آبار وغيرها، بالإضافة إلى مستلزمات الإيواء اللازمة للسكان النازحين من كل الأماكن وغيرها من الاحتياجات الأخرى المتعلقة بأساسيات الحياة التي فقدت على مدار الفترة الماضية في القطاع.

وكان رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز قد دعا أمام البرلمان الاتحاد الأوروبي إلى تعليق اتفاقية الشراكة فورا مع إسرائيل، مشددا على أن ممارسات إسرائيل ستبقى راسخة في الأذهان كواحدة من أحلك فصول القرن الحادي والعشرين.

مقالات مشابهة

  • قيادي بحركة فتح: إسرائيل تتذرع بالأمن لعرقلة الدولة الفلسطينية
  • المرأة التي زلزلت إسرائيل وأميركا
  • المنظمات الأهلية الفلسطينية: «نرحب بدعوة أسبانيا للاتحاد الأوروبي لتعليق اتفاقية الشراكة مع إسرائيل»
  • ما الذي يحرك الطلب على المشاريع العقارية التي تحمل توقيع المشاهير؟
  • لافروف يشير إلى تزايد المخاطر التي تهدد احتمالات إقامة الدولة الفلسطينية
  • الأحرار الفلسطينية تدين المجزرة التي ارتكبها العدو الصهيوني بدير البلح
  • فلسطين تدعو مجموعة السبع للضغط على إسرائيل كي تفرج عن أموال المقاصّة
  • متحدث حركة فتح: الموقف السعودي من أهم روافد دعم القضية الفلسطينية
  • شاهد | استهداف وإغراق السفينة (ETERNITY C) التي كانت متجهة إلى ميناء أم الرشراش في فلسطين المحتلة
  • تقرير: إسرائيل تكرر في شمال الضفة الأساليب القتالية التي اتبعتها في غزة