طبيب زار غزة: 85% من الإصابات التي عالجناها كانت لنساء وأطفال وعجائز
تاريخ النشر: 14th, April 2024 GMT
عمّان- خليط من المعاناة والمآسي يبدأ بأبسط الأمور ولا ينتهي بأصعبها، هذا ما وصف به استشاري جراحة التجميل والحروق، رئيس تجمع الأطباء الفلسطينيين في أوروبا، الدكتور رياض مشارقة، الوضع في قطاع غزة الذي زاره ضمن وفد من التجمع يضمّ أطباء وممرضين من مختلف التخصصات.
وأضاف -خلال مقابلة مع "الجزيرة نت" عبر الإنترنت- أن المعاناة في غزة تتضمن كافة الجوانب الصحية والشرائح المجتمعية، سواء على صعيد المرضى ومتابعتهم، أو توفر الأجهزة الطبية والمستلزمات، أو قدرة المرضى والمصابين على الوصول إلى المراكز الصحية، فضلا عن اضطرار الأطباء في أحيان كثيرة للمفاضلة بين الحالات بناء على شدّة الاحتياج، وهذا بحد ذاته وضع غير إنساني.
وروى الدكتور مشارقة بعض مشاهدات الأطباء أثناء زياراتهم التطوعية لعلاج المصابين والمرضى في المستشفى الأوروبي جنوب القطاع، التي وصفها بالمؤلمة والقاسية، وبأنها تؤكد إرادة التدمير الممنهج لكل مناحي الحياة في القطاع.
وبيّن أنه على مدى أسبوعي الزيارة، أجرى الوفد عددا كبيرا من العمليات الجراحية في كل التخصصات، بالإضافة لاستقبال حالات الطوارئ والعناية المركزة على مدار الساعة، حيث كان عدد مرضى العظام حوالي 250 مريضا ينتظرون العمليات يوميا، إضافة إلى ما يقارب 70 مريضا ينتظرون عمليات التجميل، فضلا عن بقية التخصصات.
وأوضح أن المستشفى الأوروبي يعمل بأضعاف طاقته المفترضة، وذلك لكثرة الحالات التي تنتظر دورها للعمليات، كما أن الحالات الطارئة التي تأتي إليه جراء القصف الذي لا يتوقف، تزيد الضغط عليه بشكل كبير، وتسبب إرباكا شديدا على جميع المناحي، فحالات الترميم والغيارات وتثبيت العظام جميعها تتوقف للتعامل مع الحالات الطارئة، كإصابات الشظايا أو الناتجة عن القصف وإطلاق العيارات النارية.
أما بخصوص فاقدي الأطراف في غزة، فشدد على أن أعدادهم -بحسب ما رأى- كبيرة جدا، وأغلبهم إما فاقدي طرف واحد أو اثنين أو 3 أطراف، مؤكدا أن الأعداد مرشحة للزيادة القصوى، بسبب حدوث التهابات في بعض إصابات الجرحى، وهو ما قد يؤدي إلى البتر، كما أن هناك عددا كبيرا من المصابين لم تصلهم الخدمة الصحية، بالإضافة إلى الذين يعانون من القدم السكرية أو قلة التروية.
وروى الدكتور مشارقة أيضا معاناة أصحاب الأمراض المزمنة، كمرضى القلب والجهاز التنفسي والكلى والغدد والسرطان وغيرها، كاشفا عن أنهم لم يتلقَّوا أي عناية أو متابعة منذ 6 أشهر، فلا يوجد من يتابع حالتهم أو يعدل أدويتهم، أو يجري فحوصا دورية لهم، مطالبا أن تضمَّ الوفود الطبية للمؤسسات الإغاثية القادمة إلى غزة، أطباء متخصصين في الأقسام الباطنية.
واعتبر أن فئات كثيرة ظلمت خلال هذه الحرب، خصوصا التي لا تستطيع الوصول إلى المستشفى، أو التي توجد في شمال القطاع ووسطه، فالكثير منهم لم يحصلوا على أدوية منذ شهور عديدة، مشيرا إلى وصول مناشدات متكررة للوفد، رفعها مرضى العيون الذين يحتاجون لقطرات خاصة، أو مرضى السمع الذين يحتاجون لبطاريات لأجهزة سمعهم، وغيرهم.
وفيما يتعلق بطبيعة الإصابات التي كانت تصل إلى المستشفى، لفت إلى أن أكثر من 85% منها كانت من النساء والأطفال وكبار السن، وأغلبها حالات قاسية لا يمكن وصفها لفظاعتها، كالحروق المضاعفة وقطع أجزاء من الجسم بطريقة إجرامية، حتى من يُكتَب له النجاة منهم فإنه سيعاني معاناة كبيرة.
وركز على أن جميع التخصصات الطبية مطلوبة في غزة، وأهمها جراحة العظام والتجميل، لوجود نقص كبير فيهما هناك، داعيا الوفود القادمة للتركيز على هذين التخصصين، ثم التخصصات الأخرى كجراحة الصدر والأوعية الدموية وغيرها.
وقال الدكتور مشارقة إن "الأطباء فوجئوا بفشل أغلب العمليات الجراحية، وحتى أسهلها، وإصابتها بالالتهابات، وعدم التئام الجروح، بسبب اختلاط المرضى مع الأسر النازحة للمستشفى، فالغرفة الواحدة يوجد فيها ما يفوق 50 شخصا، إلى جانب المرضى أنفسهم، مما يعرضهم لانتقال العدوى إليهم وازدياد حالتهم سوءا، فضلا عن سوء التغذية الذي يعانون منه، وعدم قدرتهم على الحصول على الغذاء بسهولة".
وكان الوفد الرابع لتجمع الأطباء الفلسطينيين في أوروبا زار قطاع غزة خلال الفترة بين 18 مارس/آذار الماضي والأول من أبريل/نيسان الحالي، بالتعاون مع مؤسسة رحمة حول العالم، وضم 17 طبيبا من مختلف الجراحات، بالإضافة إلى 5 ممرضين متخصصين في العناية المركزة والطوارئ.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات فی غزة
إقرأ أيضاً:
صرخة مرضى السكري في غزة وسط مجاعة خانقة
الثورة /وكالات
بصوت خافت تقطعه أنفاس متعبة ودموع مكبوتة، عبّر الحاج أحمد درابية (87 عامًا) عن واقعه القاسي كمريض سكري محاصر بالجوع والمرض في قطاع غزة، حيث يستمر بروز المجاعة مجددا للشهر الثالث على التوالي بفعل الحصار والإغلاق المستمر للمعابر، منذ بدء العدوان الإسرائيلي قبل أكثر من عام ونصف.
منذ عقد من الزمن، كان درابية يلتزم يوميًا بأخذ جرعات الأنسولين.. أما اليوم، أصبح هذا الروتين شِبه مستحيل بل ومهدد للحياة. فمع ندرة الغذاء، بات يواجه خيارًا مرًا: هل يتناول العلاج على معدة فارغة ويخاطر بانخفاض سكر الدم؟ أم يمتنع عنه ويواجه ارتفاعه القاتل؟ يقول: “الليل يوقظني بالجوع، لا دواء ولا طعام، أخشى الغيبوبة إذا تناولت الأنسولين، وأخشى الموت إن لم أتناوله”.
علامات الهزال تظهر على وجهه، ويداه المرتجفتان تعكسان تدهورًا صحيًا عميقًا، يعاني من تقرحات القدم السكرية، ما يزيد ألمه ومخاوفه.. “أشعر كمن يسير في طريق موحش نحو نهاية محتومة”، يضيف بصوت يرتجف.
ومعاناة درابية ليست سوى صورة من واقع آلاف المرضى في غزة.
الحاجة عبير البيرم (75 عامًا) تحكي قصتها مع هذا الواقع القاسي. تعيش على وجبات تُقدمها التكايا القريبة، لكن محتواها الغذائي ضعيف لا يكفي لحماية جسدها من نوبات هبوط السكر المتكررة.
“لم أعد أتناول دوائي لأن الطعام لا يناسبه، أفقد الوعي أحيانًا أكثر من مرة في اليوم”، تقول بمرارة.
خطر مزدوج وأزمة صحية خانقة
تحذر منظمات صحية، بينها منظمة الصحة العالمية، من تدهور خطير في أوضاع المرضى المزمنين، خصوصًا مرضى السكري الذين يقدر عددهم في غزة بأكثر من 60 ألف شخص.
وتشير إلى أن غياب التوازن بين الغذاء والعلاج يعرض حياتهم للخطر.
وفي هذا السياق، توضح خبيرة التغذية العلاجية د. سعاد عبيد أن “مريض السكري يعتمد على توازن دقيق بين الوجبات والأدوية. هذا التوازن لم يعد ممكنًا وسط الأزمة الغذائية الحالية”.
وتتابع: “الاختيار بين تناول الدواء بلا طعام أو العكس، كلاهما يؤدي إلى نتائج خطيرة كالغيبوبة أو حتى الموت”.
وتلفت عبيد إلى أن المساعدات الغذائية التي تصل غالبًا ما تقتصر على الأرز والخبز وبعض النشويات، وهي أطعمة ترفع نسبة السكر في الدم وتزيد من تدهور صحة المرضى، في حين تغيب بشكل شبه تام الفواكه والخضروات والبروتينات الضرورية.
ووفقا للاختصاصي في داء السكري الدكتور محمد صيام، فإن “المريض الذي لديه داء السكري من النوع الأول قد يفقد حياته إذا أصيب بنوبة من الحماض الكيتوني السكري ولم تتوفر أسرّة في وحدات العناية المركزة”.
الجوع يفتك
تقرير دولي حديث يكشف أن 96% من سكان غزة يعانون من انعدام شديد في الأمن الغذائي، فيما يعيش أكثر من نصف مليون شخص في مستويات تُصنَّف على أنها “كارثية”.
ويحذر التقرير من أن المجاعة الشاملة قد تصبح واقعًا وشيكًا إذا استمرت القيود على إدخال المساعدات.
في غزة، لم يعد السكري مجرد مرض مزمن، بل تحوّل إلى معركة قاسية مع الحياة، حيث يتحول كل يوم إلى اختبار للبقاء. مع كل وجبة مفقودة، وكل دواء لا يُؤخذ في وقته، تتقلص فرص النجاة وتقترب النهاية أكثر.