سياسة المنديل الورقي بوابة للتفكير
تاريخ النشر: 15th, April 2024 GMT
أبريل 15, 2024آخر تحديث: أبريل 15, 2024
عبدالله جعفر كوفلي
باحث أكاديمي
معلوم ان المنديل الورقي مصنوع من مادة ناعمة وبأشكال وأحجام مختلفة غالباً ما يكون معطراً تفوح منه روائح طيبة، ويستخدم لإزالة الأوساخ والتنظيف الشخصي، وهو باختصار متعدد الفوائد والاستخدامات ولا يكاد يخلو منه بيت أو مكتب أو مكان عمل، وهناك من المناديل الورقية ما يوضع في علب مختلفة الأحجام او أن يكون على شكل أسطوانات لتسهيل استخدامه وعندما ينتهي الإنسان من استعماله سرعان ما يرمى به في القِمامة.
الدول والجماعات البشرية تتعامل مع بعضها البعض على أساس المصالح المشتركة، فلا يوجد حليف دائم او عدوّ مستمر، فكم من حليفٍ قريبٍ أصبح بين عشية وضحاها عدواً لدوداً لانه لم يعد نفع فيه أو اصبح خطراً عليه، والعكس صحيح تماماً،
الدول سواء كانت كبيرة أو صغيرة فإنها تعمل من أجل تأمين وحماية مصالحها واحتياجاتها وما عقد الاتفاقيات والدخول الى الأحلاف إلا مؤشراً حقيقياً على ذلك، فكم من اتفاق أو حلف انتهى بانتفاء المصالح بين تلك الأطراف وبها ينتهي كل ما تمّ الاتفاق عليه، وما كان قبل ذلك خطاً أحمراً ومقدساً أصبح شيئاً من الماضي ومجرّد من الارتباط السابق.
الدول في تعاملها مع بعضها تتشابه مع المنديل الورقي، لأن المنديل الورقي يكون نظيفاً وأنيقاً ومحفوظاً في داخل العلبة موضوعاً في مكان مناسب ويهتم به ولكن ما أن يتم استخدامه سرعان ما يفقد كل ما كان يملكه من اهتمام ولونٍ ورائحة ويصبح مكانه في القمامة.
بيت القصيد، ان ورق المنديل ينتهي بانتهاء الحاجة إليه وكذلك الدول تنتهي علاقاتها بانتهاء المصالح بينها، فلا وجود للحليف الدائم وإنما هي مجرد أدوات لتحقيق مكاسب وأهداف وحماية المصالح العليا لها.
هذا التشبيه يدفعنا إلى التفكير بالقول أين نقف في هذه المعادلة كشعب وحكومة إقليم كوردستان؟ وهل ما زلنا منديلاً ورقياَ نظيفاً وجميلاً داخل العلبة والحاجة إلينا ما زالت ماسة؟ والى متى نستطيع أن نصمد لأن نبقى على وضع يحتاج فيه إلينا الآخرين ونحافظ على مصالحنا بالتوازي مع مصالح الآخرين؟
لأننا في الحقيقة ذقنا مرارة هذا الأمر وأصبحنا كبش فداء مصالح الدول التي كانت تتفق فيما بينها، ولكننا اليوم في وضع يحسد عليه وما نلعبه على الساحة الاقليمية من دور فاعل، فاليوم ليس كالأمس، ونرى مستقبلا ً زاهراً ومحققاً لما نصبوا إليه من أهداف مشروعة.
وبرأينا المتواضع ومن خلال المتابعة المستمرة، فإن الشعب الكوردستاني وقيادته أصبحت اليوم أكثر وعياً وإدراكاً وفهماً لما يدور من حولها من أحداث وأدق قراءةً لها وتسخيرها لصالح الإقليم، ولم نعد لقمة سائغة كالسابق، لأننا أثبتنا جدارتنا على ممارسة الديمقراطية والتعايش السلمي وحماية الحريات والحقوق، ودورنا في محاربة الارهاب والعنف مشهود له في ارجاء المعمورة.
في الأخير نقول ان لا ضمان مع وجود المصالح.
أتمنى ان يكون المقال بوابة جديدة للتفكير الجدي في الموضوع، ومحركاً فاعلاً لدى اصحاب الشأن وأخذه بنظر الاعتبار، ليبقى إقليمنا سالماً وبعيداً من كل شر وسوء.
مرتبطالمصدر: وكالة الصحافة المستقلة
إقرأ أيضاً:
إبراهيم شقلاوي يكتب: الإعلام يحجز مكانًا جديدًا
في ظل التحولات المتسارعة في بلادنا ، تقف الصحافة عند مفترق طرق، تنتقل من الأطر التقليدية الراسخة إلى آفاق العمل الصحفي الحديث، حيث يتداخل المحتوى الرقمي وتقنيات النشر الإلكتروني مع تحديات جديدة تفرضها وسائل التواصل الاجتماعي على صناعة الرأي العام.
هذا التحول الجذري يطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل الإعلام، واستقلاليته، ودوره في مجتمعنا المعاصر، لا سيما في دولة تمر بتحولات سياسية واجتماعية كبيرة ، كالسودان في مرحلة ما بعد الحرب.
انعقدت الأسبوع الماضي ورشة تعديل قانون الصحافة والمطبوعات لسنة 2009 بمدينة بورتسودان، في توقيت بالغ الأهمية، إذ يشهد السودان تحولات سياسية ورقمية متسارعة. وقد جاءت هذه الورشة كخطوة أولى لإعادة تأهيل المشهد الإعلامي، وتهيئة البيئة القانونية بما يتناسب مع متطلبات المرحلة الراهنة. شكلت الورشة منصة لطرح التحديات ووضع أسس لإصلاح تشريعي يواكب التطورات، ويكفل حماية حرية الصحافة ضمن واقع جديد معقد.
الإعلام اليوم في السودان بحسب مختصين يخطو نحو موقع جديد، يتجاوز كونه “السلطة الرابعة” ، ليملأ فراغًا مؤسسيًا ناتجًا عن غياب السلطة التشريعية المنتخبة، في سياق مرحلة انتقالية. وبهذا يصبح الإعلام ـ موضوعيًا ـ سلطة ثالثة فاعلة في مشهد الدولة السودانية الراهن.
هذا الوضع الاستثنائي يحمّل الإعلام مسؤولية إضافية لا تقل أهمية عن أدوار السلطات الرسمية. إذ يُنتظر منه أن يضطلع بدور الرقيب والمساءل، وأن يكون منصة للصوت العام، ومصدرًا للوعي، وأداةً للمحاسبة المجتمعية، في ظل غياب آليات الرقابة البرلمانية والتشريعية. وعليه فإن أي قانون جديد ينظم العمل الإعلامي لا بد أن يُبنى على فهم دقيق لهذا التحول، وأن يُعزز قدرة الإعلام على أداء وظيفته بفاعلية، دون التفريط في المهنية أو التعدي على الاستقلالية.
كما أن استمرار غياب الصحافة الورقية الفعلية عن المشهد الإعلامي في السودان يعكس واقعًا جديدًا تُحكمه التحولات الرقمية والتقنية. فقد انتقل الصحفيون من الاعتماد على الوسائل التقليدية إلى استراتيجيات حديثة لإنتاج محتوى متنوع يجمع بين السرعة، والفاعلية، والتفاعل مع الجمهور عبر المنصات الإلكترونية. وهذا بدوره يفرض الحاجة إلى تشريعات جديدة تستوعب المفهوم الحديث للعمل الصحفي.
وتبرز هنا أهمية الشبكات الاجتماعية بوصفها فضاءات جديدة لتبادل المعلومات وصناعة الرأي العام، لكنها في المقابل تطرح تحديات كبيرة، من بينها فقدان المؤسسات الإعلامية السيطرة على المحتوى، وانتشار الأخبار الكاذبة، وتراجع الثقة في الإعلام التقليدي نتيجة تداخل أدوار الصحفيين مع “المواطن الصحفي” الذي يمتلك أدوات النشر المباشر دون مرجعية مهنية. لذلك ينبغي أن تراعي التشريعات الإعلامية الجديدة متطلبات الحوكمة الرقمية، ومكافحة خطاب الكراهية، وضمان جودة وموثوقية المحتوى الإعلامي الإلكتروني.
ولا يمكن فصل الإصلاح التشريعي في قطاع الإعلام عن السياقات السياسية والأمنية الوطنية. فقد أكدت الورشة على ضرورة تحقيق توازن دقيق بين حماية الحريات الصحفية من جهة، ومتطلبات الأمن القومي من جهة أخرى، مع احترام الخصوصية الشخصية وحقوق الأفراد. ويتطلب هذا التوازن حوارًا جادًا ومفتوحًا بين الحكومة والإعلام، والمجتمع ، من أجل بناء بيئة إعلامية مهنية ومسؤولة؛ لا تخضع للتضييق أو التحجيم، ولا تنزلق في ذات الوقت نحو الانفلات الإعلامي أو التضليل الذي قد يخدم أجندات محلية أو إقليمية ظلت تتربص بالبلاد.
إن التحديات التي تواجه الإعلام السوداني اليوم تفرض إعادة تعريف لدوره ومسؤولياته، بما يتماشى مع التحولات السياسية والاجتماعية. فالإعلام لم يعد مجرد ناقل للمعلومة، بل أصبح شريكًا في عملية البناء الوطني، ومراقبًا للسلطات، وموجّهًا للرأي العام. وكما قال الصحفي المصري الراحل محمد حسنين هيكل: “الإعلام هو السلطة الرابعة، وإذا غابت هذه السلطة، غاب معها الوعي الوطني”. هذا المفهوم يُجسّد الدور الحيوي للإعلام في تشكيل الوعي العام، والمساهمة في بناء الدولة.
لذلك ينبغي على الإعلام السوداني أن يتحمل مسؤولياته الجديدة بجدية، وأن يسعى لتحقيق توازن رشيد بين حرية التعبير ومتطلبات الأمن القومي، وبين المهنية والموضوعية. ففي ظل الظروف الراهنة، يُعد الإعلام أداة رئيسية في تعزيز الوحدة الوطنية من خلال مكافحة الشائعات، وتجاوز خطاب الكراهية، ونقل الحقيقة والإسهام في إعادة بناء الدولة السودانية على أسس تعزز مفاهيم السلام، والحريات والتعايش السلمي.
وبالنظر إلى الواقع ، وما نراه من #وجه_الحقيقة، ومع تصاعد التحديات، تبرز الحاجة الملحة إلى تشريع إعلامي جديد يواكب التطور التقني، ويعزز الاحترافية والمهنية، ويضع أسسًا لصناعة إعلام مستقل وفعّال. إن السودان يقف على أعتاب تحول تاريخي يتطلب قانونًا لا يكتفي بالشكل، بل يُحدث فرقًا جوهريًا في المشهد الإعلامي، ويكون جزءًا من مشروع وطني أشمل لإعادة البناء بعد الحرب. وبين تطلعات الشعب وإرادة الفاعلين، تبقى الإجابة معلقة: هل نرى قريبًا قانونًا يليق بهذا الطموح؟
دمتم بخير وعافية.
إبراهيم شقلاوي
الخميس 29 مايو 2025م Shglawi55@gmail.com