السيارة انقلبت.. حادث مروّع على طريق وادي هاب وسقوط جريحين
تاريخ النشر: 23rd, April 2024 GMT
أفادت مندوبة "لبنان 24" عن إصابة سيدة ورجل بجروح بعد أن انقلبت سيارتهما على طريق وادي هاب في طرابلس. وعمل جهاز الطوارئ والاغاثة على اسعافهما.
.المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: طرابلس
إقرأ أيضاً:
وادي السيليكون الخليجي:
وادي السيليكون الخليجي:
طموحات تحقيق الريادة في الذكاء الاصطناعي
أصبح الذكاء الاصطناعي هو الجواد الرابح الذي يراهن عليه الجميع، وتسعى دول العالم على اختلافها لتحجز لنفسها موقعاً متقدماً في سباق الاستثمار في قدراته وتوظيف إمكاناته، ولا تبدو منطقة الخليج العربي، وعلى وجه الخصوص كلٌّ من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، في موقع المتلقّي أو المتأخّر عن ركب التطور؛ بل إنها تقدّمت لتشغل موقعاً طموحاً تسعى من خلاله إلى أن تُرسي دعائم حضورها كمركز إقليمي محوري في مجال الذكاء الاصطناعي، ينتقل إلى العالمية في غضون سنوات قليلة، مدفوعة برؤية استراتيجية بعيدة المدى تدرك حجم التحول البنيوي الذي يفرضه هذا المجال على الاقتصاد العالمي، وعلى موازين القوة والنفوذ في النظام الدولي الآخذ في التشكل من جديد.
فما بين إطلاق استراتيجيات وطنية متكاملة للذكاء الاصطناعي، وتأسيس كيانات تنظيمية ومراكز بحثية متخصصة، إلى جانب استقطاب المواهب وتوجيه استثمارات ضخمة نحو بناء بيئة تحتضن الابتكار، وصولاً إلى إبرام شراكات نوعية مع شركات التكنولوجيا الكبرى على الساحة الدولية، تمضي كل من أبوظبي والرياض بخطى ثابتة لترسيخ موقعهما كمحورين رئيسيين، ليس فقط على مستوى المنطقة؛ بل أيضاً ضمن الدوائر الأوسع التي تُعيد رسم خرائط النفوذ التكنولوجي عالمياً.
وتبرز جولة الشراكات الاستراتيجية أثناء زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المنطقة التي دشّنها في محطته الأولى بالمملكة العربية السعودية، وصولاً إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، وتوضح الصفقات التي تم إبرامها حجم الطموح الخليجي في التحوّل إلى مركز إقليمي متكامل للبيانات والذكاء الاصطناعي.
أولاً: التراجع عن قاعدة نشر الذكاء الاصطناعي:
في لحظة فارقة يُنتظر أن تُحدِث انعطافة استراتيجية في توجهات واشنطن حيال تنظيم تدفقات التكنولوجيا المتقدمة، وبالأخص تلك المرتبطة بتطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي ورفع كفاءة أنظمة الحوسبة فائقة القدرة؛ أقدمت وزارة التجارة الأمريكية، على إعلان البدء في إجراءات التراجع عما عُرف بـ”قاعدة نشر الذكاء الاصطناعي” التي كانت قد أُقرت في أواخر عهد إدارة بايدن، وأثارت منذ لحظة إعلانها جدلاً واسعاً، سواء من حيث توقيتها أم تداعياتها المحتملة على خارطة توزيع القدرات التكنولوجية عالمياً.
وكانت هذه القاعدة، التي تقضي بفرض قيود صارمة على تصدير الرقائق الإلكترونية المتقدمة وأشباه الموصلات عالية الأداء، قد قُدّمت كجزء من رؤية أوسع تهدف إلى ضبط انتشار التقنيات الحساسة، من خلال تصنيف دول العالم إلى ثلاث فئات رئيسية: الفئة الأولى ضمّت مجموعة محدودة من الحلفاء المقربين الذين لن تطالهم فعلياً أية قيود مؤثرة، مثل أستراليا، وكندا، ونيوزيلندا، والمملكة المتحدة، بالإضافة إلى دول فاعلة مثل اليابان وكوريا الجنوبية وهولندا؛ أما الفئة الثانية، فقد شملت طيفاً أوسع من الدول الحليفة أو الصديقة، ومنها دول الخليج، والتي خضعت وفق هذه القاعدة لقيود جزئية على استيراد التقنيات ذات الصلة؛ في حين خُصصت الفئة الثالثة للخصوم الاستراتيجيين للولايات المتحدة – وعلى رأسهم الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية– والذين بقيت أبواب الحصول على تلك التقنيات موصدة في وجوههم تماماً، كما كان الحال في السياسات السابقة.
وكان يُفترض أن تدخل هذه القاعدة حيّز التنفيذ أثناء زيارة الرئيس ترامب إلى المنطقة وتحديداً يوم 15 مايو 2025، لكن جاء التراجع الأمريكي عن هذا القرار وبصورة قاطعة متزامناً مع الصفقات الضخمة التي بموجبها سوف تحصل السعودية والإمارات على تقنيات وشرائح متقدمة كانت ستكون محظورة عليها، وكانت ستعوق عملية التحول نحو الريادة في مجال الذكاء الاصطناعي.
وجاء التراجع عن هذه القرارات مع اليوم الأول من زيارة ترامب إلى السعودية، حيث أصدرت وزارة التجارة الأمريكية بياناً رسمياً يعلن بدء إجراءات التراجع عن القاعدة المذكورة، مع التأكيد في الوقت ذاته لنية الإدارة المضي قدماً في مراجعة شاملة لمنظومة ضوابط التصدير الخاصة بأشباه الموصلات، في مسعى لإعادة التوازن إلى سياستها التكنولوجية العالمية، بما يخدم أهدافها الاستراتيجية الجديدة، ويأخذ في الاعتبار ديناميات الواقع الدولي المتغير.
ثانياً: الإمارات قاعدة انطلاق نحو الذكاء الاصطناعي:
منذ ما قبل الثورة الجديدة التي أحدثتها تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي، وعلى رأسها ما أطلقته شركة OpenAI من نماذج لغوية متقدمة، كانت دولة الإمارات العربية المتحدة قد سبقت هذا التحول الكبير بخطوات منهجية؛ إذ أدركت مبكراً أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة دعم تقني؛ بل ركيزة أساسية لإعادة تشكيل الأنظمة الاقتصادية، والتعليمية، والإدارية، ومُحرّك رئيس لتحولات القوة في النظام العالمي الجديد. ففي عام 2017، أنشأت الدولة أول وزارة للذكاء الاصطناعي على مستوى العالم، في خطوة تؤشر على إدراج هذا المجال في صميم أجندتها الوطنية، وأطلقت في أكتوبر من العام ذاته “استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي”، التي وضعت هدفاً طموحاً يتمثل في الاعتماد الكامل على هذه التكنولوجيا في تقديم الخدمات الحكومية وتحليل البيانات بحلول عام 2031، مع السعي لتكون الإمارات أول حكومة في العالم تستثمر الذكاء الاصطناعي على نحو شامل في مختلف قطاعاتها الحيوية.
وقد ترجمت الإمارات هذا التوجه إلى مسار عملي تراكمي، عززته باستثمارات نوعية ومبادرات استراتيجية، من أبرزها تأسيس شركات وهيئات عملاقة تُعنى بالذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة، لعل في مقدمتها (G42)، الشركة القابضة متعددة الأنشطة، التي تضم سبع شركات فرعية تعمل في مجالات تشمل الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات والطاقة والرعاية الصحية والمراقبة والتكنولوجيا الحيوية. وقد لفتت هذه الكيانات أنظار الشركات العالمية العملاقة، مثل شركة “مايكروسوفت” التي أعلنت في إبريل 2023 عن استثمار قدره 1.5 مليار دولار في (G42)، دعماً لتوجهها نحو بناء منظومة رقمية متقدمة.
وفي عام 2024، تأسست شركة “MGX” الاستثمارية في أبوظبي، بتركيز مُعلن على تقنيات الذكاء الاصطناعي، تحت مظلة مجلس الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة، وبدعم من صندوق “مبادلة” السيادي وشركة (G42)؛ مما يعكس اندماج الإرادة الحكومية برؤوس الأموال الوطنية في تشكيل منظومة متكاملة للابتكار.
هذا التوجه لم يبقَ محلياً فحسب؛ بل اكتسب أبعاداً دولية واضحة، سواء من خلال توقيع اتفاقيات ثنائية كبرى، مثل الاتفاق الموقع في فبراير 2025 لبناء مركز بيانات ضخم للذكاء الاصطناعي في فرنسا باستثمارات تتراوح بين 30 و50 مليار يورو، أم من خلال استثمارات عملاقة في السوق الأمريكية؛ إذ تشير التقارير إلى أن الإمارات تعتزم ضخ ما يقارب 1.4 تريليون دولار خلال عقد من الزمن، يُخصص جزء معتبر منها للذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات وأشباه الموصلات.
ولم تغب هذه الرؤية المتقدمة عن اللقاءات رفيعة المستوى بين القيادة الإماراتية والإدارة الأمريكية، حيث حاز ملف الذكاء الاصطناعي على حيز خاص في اجتماع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة مع الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن في سبتمبر 2024، ثم تعززت هذه المؤشرات بلقاء بارز في مارس 2025 جمع سمو الشيخ طحنون بن زايد بعدد من كبار قادة التكنولوجيا العالميين، من أمثال إيلون ماسك وجيف بيزوس ومارك زوكربيرغ؛ ما يعكس بوضوح تصميم الدولة على ترسيخ مكانتها كمركز عالمي للذكاء الاصطناعي وتطبيقاته الناشئة.
وفي السياق ذاته، تشير التحركات العملية إلى أن الإمارات باتت مقصداً لشركات صناعة الرقائق العالمية، فقد استضافت كبار التنفيذيين من شركتي TSMC التايوانية وسامسونج الكورية، في وقت تصاعدت فيه التوقعات بشأن إنشاء مجمع مصانع لإنتاج الشرائح الإلكترونية على أراضيها. كما تعززت منظومة البنية التحتية الرقمية من خلال اتفاقيات مثل تلك التي أبرمتها أبوظبي مع مايكروسوفت، والتي تهدف إلى تحويل حكومة الإمارة إلى أول حكومة في العالم تعتمد بالكامل على الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2027.
ولا يغيب عن المشهد الطابع الأخلاقي الذي تحرص عليه الإمارات في تعاملها مع هذه التكنولوجيا؛ إذ أطلقت مجموعة (G42) بالتعاون مع مايكروسوفت في فبراير 2025 “مؤسسة الذكاء الاصطناعي المسؤول”؛ بهدف تعزيز أطر الاستخدام الآمن والأخلاقي لهذه التكنولوجيا في المنطقة والعالم، بالتوازي مع إدخال مناهج تعليم الذكاء الاصطناعي في المدارس الحكومية لتعزيز التفكير النقدي في سن مبكرة.
وفي تحوّل يعكس موقع الإمارات الصاعد على خارطة الذكاء الاصطناعي العالمي، تُجري إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دراسة لصفقة كبرى تقضي ببيع ما يقرب من مليون شريحة من الرقائق المتقدمة إلى شركة (G42) الإماراتية، وهي صفقة غير مسبوقة تتجاوز القيود التي كانت قد فرضتها إدارة بايدن، وتعكس توجّهاً أمريكياً جديداً يقوم على تعزيز الشراكات المباشرة في مجال الذكاء الاصطناعي مع دول مختارة، وفي مقدمتها الإمارات.
هذه الصفقة الكبرى تعتبر بمثابة البنية الأساسية لإنشاء “مجمّع الذكاء الاصطناعي الإماراتي ـ الأمريكي الشامل” الذي يعتبر أكبر مجمع في العالم خارج الأراضي الأمريكية، ومن المتوقع أن يقدم خدماته في مجال الذكاء الاصطناعي لنصف سكان الأرض، ويأتي هذا المجمع بسعة قدرها 5 غيغاواط ويستخدم عند اكتماله، الطاقة النووية والطاقة الشمسية وطاقة الغاز، لتقليل الانبعاثات الكربونية لتحقيق الاستدامة البيئية.
ويستند هذا التعاون إلى إطار عمل جديد بين حكومتي دولة الإمارات والولايات المتحدة، يُطلق عليه “شراكة تسريع الذكاء الاصطناعي بين الولايات المتحدة الأمريكية ودولة الإمارات العربية المتحدة”، لتعزيز التعاون في مجال الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة.
ثالثاً: السعودية وطموحات تحقيق الريادة:
في مشهدٍ يعكس تطوراً نوعياً في طموحات المملكة العربية السعودية لتبوء موقع متقدم على خارطة الذكاء الاصطناعي العالمية، أعلن سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، عن إطلاق شركة “هيوماين” (Humain)، التي تأتي بوصفها إحدى الأذرع الاستراتيجية الجديدة للصندوق السيادي، والمرتبطة مباشرة بمسعى المملكة لبناء منظومة وطنية متكاملة لتطوير وتوطين تقنيات الذكاء الاصطناعي، والتحوّل إلى مركز إقليمي وعالمي لإنتاج وتصدير الحلول الرقمية المتقدمة.
وتتموضع شركة “هيوماين”، التي يتولى ولي العهد رئاسة مجلس إدارتها، على رأس مشروع طموح يتجاوز مجرد الاستثمار في أدوات الذكاء الاصطناعي، ليشمل تطوير نماذج لغوية كبيرة باللغة العربية، تُصنّف بين الأفضل من نوعها عالمياً، إلى جانب بناء مراكز بيانات من الجيل التالي، وتطوير بنية تحتية متقدمة للحوسبة السحابية، فضلاً عن تقديم طيفٍ واسع من المنتجات والخدمات، تشمل حلولاً سحابية، ونماذج متعددة الوسائط (LLMs)، وأدوات ذكاء اصطناعي موجهة لقطاعات حيوية مثل التعليم والرعاية الصحية والخدمات الحكومية، في محاولة لخلق منظومة رقمية وطنية مكتفية ذاتياً.
وقد شهدت زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المملكة تدشين سلسلة من الشراكات التقنية النوعية، أبرزها الشراكة بين شركة “هيوماين” وشركة “أمازون ويب سيرفيسز” (AWS) لإنشاء “منطقة ذكاء اصطناعي” متقدمة داخل السعودية، باستثمار يتجاوز خمسة مليارات دولار، تمثل إحدى أكبر المبادرات الموجّهة لبناء بنية تحتية سحابية متخصصة في المنطقة.
كما أُعلن في السياق ذاته عن استثمارات ضخمة تقودها “هيوماين” بالتعاون مع شركة “AMD” الأمريكية بقيمة تقارب 10 مليارات دولار، لتعزيز منظومة الذكاء الاصطناعي السعودية، إلى جانب مشروع مشترك مع شركة “إنفيديا” يتضمن نشر منظومة ضخمة من الحواسيب المسرّعة، بقدرة إجمالية تصل إلى 500 ميغاواط، كجزء من مشروع بنية تحتية عملاقة للحوسبة المتقدمة، يعكس التحوّل الهيكلي الجاري في مكونات الاقتصاد الرقمي السعودي.
ومن بين أبرز المؤشرات على جدية هذا التوجّه، ما أوردته وكالة “رويترز” بشأن الصفقة الضخمة التي ستُزوّد بموجبها شركة “إنفيديا”، السعودية بمئات الآلاف من رقائق الذكاء الاصطناعي المتقدمة، ومن بينها 18 ألف شريحة من طراز “بلاك ويل”، ستُخصص دفعتها الأولى لصالح شركة “هيوماين”، في خطوة تؤكد أن المملكة لم تعد تكتفي بدور المستهلك أو المتلقي للتقنية؛ بل تسعى لتثبيت أقدامها كمركز إنتاج وتطوير وإدارة مستدام لهذه التقنيات.
ولم تتوقف الشراكات السعودية الأمريكية عند حدود الداخل؛ بل امتدت لتشمل استثمارات سعودية نوعية داخل الولايات المتحدة؛ إذ أعلن البيت الأبيض عن دخول شركة “داتا فولت” السعودية في مشروع استثماري ضخم بقيمة 20 مليار دولار، مخصص لإنشاء مراكز بيانات متقدمة للبنية التحتية للذكاء الاصطناعي والطاقة، وهي الخطوة التي تعكس التبادلية المتزايدة في حركة رؤوس الأموال الرقمية بين الرياض وواشنطن.
وإضافة إلى ذلك، أشار بيان البيت الأبيض إلى أن شركات أمريكية بارزة – من بينها “ألفابت”، و”أوراكل”، و”سيلزفورس”، و”أدفانسد مايكرو ديفايسز”، و”أوبر”- ستضخ استثمارات جماعية تُقدّر بـ80 مليار دولار في مشاريع تكنولوجية تحويلية داخل البلدين، في مؤشرٍ على دخول الشراكة التقنية بين السعودية والولايات المتحدة مرحلةً أكثر نضجاً وتكاملاً، تقوم على تبادل المصالح والمواقع في مشهد عالمي يعاد ترتيبه من بوابة الذكاء الاصطناعي.
رابعاً: أسباب الاهتمام الخليجي بالذكاء الاصطناعي:
لا يمكن فهم الحماسة الخليجية، والإماراتية على وجه الخصوص، تجاه الذكاء الاصطناعي، باعتبارها مجرّد انخراط في موجة تكنولوجية عابرة، أو سعياً لمجاراة الاتجاهات العالمية فحسب؛ بل إن هذا التوجه ينبثق من إدراك عميق بضرورة إدماج الذكاء الاصطناعي كعنصر مركزي في صياغة مستقبل مستدام، متعدد الأبعاد، يتجاوز الحدود الضيقة للاقتصاد، ليطال الأمن، والثقافة، والتركيبة الاجتماعية، وكل ما يرتبط بإعادة تعريف دور الدولة في عصر التحولات الذكية.
1. على المستوى الاقتصادي؛ أداة لتنويع القاعدة الإنتاجية: في ظل التحديات البنيوية التي تفرضها تقلبات أسواق الطاقة العالمية، تبرز الحاجة إلى إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني ليصبح أقل اعتماداً على النفط والغاز وأكثر تنوعاً وابتكاراً، وهنا يتجلى الذكاء الاصطناعي كأداة محورية لا يمكن تجاوزها في تحقيق هذه النقلة. فقد أصبح الاستثمار في الذكاء الاصطناعي ركيزة أساسية في جهود الإمارات ودول الخليج لتعزيز الكفاءة الإنتاجية في قطاعات ذات أولوية راهنة، حُدّدت بدقة ضمن استراتيجيات وطنية مثل “استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي 2031″، وتشمل قطاعات الطاقة والموارد، والنقل والخدمات اللوجستية، والأمن السيبراني، والرعاية الصحية، والسياحة والضيافة؛ مما يعزز مرونة الاقتصاد وقدرته على التكيّف مع متطلبات المستقبل.
2. على المستوى العسكري؛ الذكاء الاصطناعي كرافعة للأمن الإقليمي: في بيئة إقليمية مضطربة تتسم بتنامي التهديدات التقليدية وغير التقليدية، وخاصة الطائرات المسيّرة والهجمات السيبرانية، يُعد توظيف الذكاء الاصطناعي في التطبيقات العسكرية ضرورة استراتيجية لا ترفاً تكنولوجياً. وقد برز هذا التوجه في دولة الإمارات من خلال مبادرات متعددة، من أبرزها افتتاح “مركز باز تكنولوجيز” في فبراير 2023، بالتعاون مع شركة “إل 3 هاريس” الأمريكية، والذي يُعنى ببناء القدرات في مجالات تعلم الآلة والروبوتات لصالح القوات المسلحة، في خطوة تستهدف تطوير بنية تكنولوجية دفاعية عالية التخصص. كما أعلنت شركة “إيدج”، الذراع الوطنية للتصنيع العسكري، في العام ذاته، عن 14 منتجاً دفاعياً جديداً، من بينها 11 منتجاً تعتمد على أنظمة ذاتية التشغيل تشمل الطائرات من دون طيار والأسلحة الذكية؛ مما يعكس تحولاً في طبيعة الصناعات الدفاعية نحو الدمج العميق بين الذكاء الاصطناعي والأمن القومي.
3. على المستوى المجتمعي؛ حماية الهوية وتعزيز التماسك الثقافي: لا تغيب الأبعاد الثقافية والاجتماعية عن رؤية دول الخليج للذكاء الاصطناعي؛ إذ تتعامل مع هذه التكنولوجيا بوصفها أداة مزدوجة قادرة على دعم التنمية من جهة، وعلى صون الهوية الوطنية من جهة أخرى. ففي مجتمع يضم أكثر من 200 جنسية، تتشابك فيه الثقافات وتتقاطع الهويات، برزت الحاجة إلى توظيف أدوات الذكاء الاصطناعي لتدعيم التفاهم والتفاعل الثقافي المحلي، من خلال تقنيات مثل الترجمة الفورية، وتحليل السلوك المجتمعي، ورصد المحتوى الرقمي وتعديله بما يتسق مع القيم الوطنية والعادات والتقاليد المحلية، فيمكن تطوير روبوتات تعليمية تتحدث بلهجة محلية، ومساعدات ذكية تراعي الخصوصية الاجتماعية والسياقات المحلية، في إطار مسعى أشمل لغرس اللغة العربية والقيم الثقافية لدى الأجيال الناشئة، باستخدام أدوات تعليمية ذكية تدمج التقنية بالموروث، وتحول التكنولوجيا من تهديد للهوية إلى حاضنة لها.