مناضل حقوقي مغربي من أصل يهودي، يعدّ واحدا من الشخصيات المعروفة بمناهضتها لإسرائيل والمدافعة عن القضية الفلسطينية من خلال انخراطه في الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع ونشاطه في حركة المقاطعة العالمية لإسرائيل "بي دي إس".

لم يمنعه التقدم في السن، فهو من مواليد 1948، من الحضور الدائم والفعال في كل المظاهرات والفعاليات التي تدين العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

كان سجينا سياسيا ومن بين مؤسسي اليسار الجديد بالمغرب من خلال مشاركته في تأسيس أحد فصائلها يوم 23 مارس/آذار 1970، والذي تطور في نهاية السبعينيات من القرن الـ20 ليصبح منظمة "23 مارس".

المولد والنشأة

ولد سيون أسيدون في السادس من مايو/أيار 1948 بمدينة أكادير جنوبي المغرب، من أبوين أصولهما من مدينة آسفي المغربية، ولديه ثلاثة إخوة (أختان وأخ).

في ليلة 29 فبراير/شباط 1960 ضرب الزلزال مدينة أكادير، مما أجبر العائلة على الانتقال للعيش في مدينة الدار البيضاء، ولم يكن أسيدون وقتها قد تجاوز الـ12 عاما بعد.

خلال طفولته انخرط في إحدى المنظمات الكشفية، وخلال إحدى رحلاته الصيفية بالجنوب الشرقي بالمغرب (عام 1964) عاين ترحيل المغاربة اليهود إلى فلسطين.

لم تنجح الدعاية الصهيونية في إقناع أسرته بالهجرة إلى إسرائيل، على عكس عدد من المغاربة اليهود الذين هاجروا خلال فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الـ20، بمن فيهم أقارب لوالديه.

يعتبر أسيدون نفسه محظوظا لرفض والده فكرة الهجرة إلى إسرائيل واختياره العيش بالمغرب بدلا من ذلك.

ويقول إن الفقراء والبسطاء من المغاربة اليهود هم الذين هاجروا إلى فلسطين، في المقابل اختارت الطبقة المتوسطة والمثقفة الهجرة إلى عدة بلدان أروبية وأميركية، في حين أن الكثير من أبناء الطبقة الميسورة اختارت البقاء في المغرب.

تزوج أسيدون عام 1970 فتاة فرنسية، تعرف عليها أثناء دراستهما في باريس، وأصبح أبا بعد أن رزق بطفلة عشية اعتقاله عام 1972. اختار الانفصال عن زوجته بسبب الاعتقال، وعاشت البنت مع والدتها في فرنسا.

بعد ذلك تزوج أسيدون سيدة فلسطينية أميركية، وأنجب منها ولدا. وفي عام 1986، أسس شركة خاصة للمعلوميات بمدينة الدار البيضاء، ويقيم في مدينة المحمدية التي تبعد عن الرباط حوالي 40 كيلومترا.

الدراسة والتكوين الأكاديمي

درس أسيدون المرحلة الابتدائية في مدرسة عمومية في أكادير كانت تسمى على اسم مديرها الفرنسي "بوسك"، وبعد ذلك التحق بثانوية يوسف بن تاشفين.

وعندما انتقل إلى الدار البيضاء، تابع دراسته بالثانوية الفرنسية "ليوطي"، التي رحبت به لكونه من منكوبي الزلزال، فدرس تخصص الرياضيات.

حصل على البكالوريا (الثانوية العامة) عام 1965، وهاجر لإتمام دراسته العليا عام 1966 حيث درس الرياضيات في جامعة باريس.

عاصر أحداثا دولية هامة، منها حرب فيتنام التي فرضت على الولايات المتحدة القبول بمفاوضات مع الثوار (مفاوضات باريس 1968)، وكانت هذه الحقبة تشهد أيضا حركات طلابية متمردة في عدد من بلدان العالم، مثل الصين وأميركا وأوروبا، وكانت في أوجها.

شارك أسيدون في انتفاضة مايو/أيار 1968 إلى جانب مجموعة ثورية فرنسية، مما ساهم في تكوينه الفكري والسياسي، إذ تأثر بالأفكار الثورية والنضالية التي تجسدت في هذه الفترة من التاريخ.

عاد إلى المغرب نهاية عام 1968 قبل إتمام دراسته العليا، وقرر مواصلة دراسته بكلية العلوم بجامعة محمد الخامس بالرباط، وموازاة مع ذلك كان يعمل أستاذا للرياضيات لضمان مصاريف عائلته.

اعتقل عام 1972 وقضى 12 عاما في السجن، وخلال فترة اعتقاله أتم دراسته فحصل على الإجازة (البكالوريوس) في الرياضيات، كما حصل على إجازة أخرى في الاقتصاد.

سيون أسيدون (وسط) الناشط المغربي في حركة المقاطعة العالمية خلال مشاركته في مسيرة شعبية بالرباط (الجزيرة) تجربة الاعتقال

اعتقل يوم 23 فبراير/شباط 1972 واقتيد إلى المعتقل السري "دار المقري"، حيث بقي دون أي اتصال مع العالم الخارجي لمدة طويلة، وتعرض للتعذيب الشديد الذي تسبب في جروح خطيرة في يده وأذنه، وكان لهذه الإصابات تأثير كبير على وضعه الصحي.

وجهت له تهمة بالتخطيط لقلب نظام الحكم والقيام بأعمال عنف، وهي التهمة التي ينفيها بشدة، ويؤكد أن سبب اعتقاله يعود إلى إصداره رفقة رفاقه صحيفة تحمل اسم "صوت الكادح"، التي تضمنت مقالات رأي فقط.

في ديسمبر/كانون الأول 1972 خاض إضرابا عن الطعام دام لمدة 32 يوما رفقة مجموعة المعتقلين السياسيين الذين سيحاكمون في صيف 1973، وذلك للمطالبة بحقوقه باعتباره معتقلا سياسيا، مثل قراءة الجرائد والمجلات والاستماع للمذياع وحق الدراسة.

في نهاية أغسطس/آب 1973، أصدرت غرفة الجنايات بالدار البيضاء أحكاما في حق 80 متهما، تراوحت بين السجن المؤبد والبراءة، وكان من نصيب أسيدون السجن لمدة 15 سنة.

وخلال فترة اعتقاله في السجن المركزي بالقنيطرة، وُضع تحت المتابعة مجددا عام 1975 وتعرض للتعذيب، وعاش سنة كاملة في عزلة تامة عن المعتقلين.

في أكتوبر/تشرين الأول 1979، حاول أسيدون رفقة معتقلين آخرين الفرار من مستشفى ابن سينا بالرباط، ونجح في ذلك، لكن بعد أربعة أيام فقط قُبض عليه وأعيد إلى السجن.

تلقى أسيدون دعما من جمعيات حقوقية وطنية ودولية للمطالبة بإطلاق سراحه، وأسست عائلته في فرنسا إلى جانب حقوقيين لجنة للمطالبة بإطلاق سراحه.

سيون أسيدون يرفض وصف كل من يريد تحرير بلاده بالإرهابي (الجزيرة)

في أغسطس/آب 1984 غادر أسوار السجن بعد أن أمضى أكثر من 12 سنة في السجن، وذلك في إطار عفو عام أصدره الملك الراحل الحسن الثاني بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، التي تصادف 20 أغسطس/آب من كل عام.

وصدر هذا العفو في حق حوالي 50 معتقلا سياسيا منهم منتمون إلى مختلف فئات اليسار، مثل منظمتي "إلى الأمام" و"23 مارس" ومنظمة "لنخدم الشعب"، وحرم من جواز سفره لمدة 8 سنوات بعد مغادرته السجن.

مواقف وآراء

بلباسه البسيط وطاقيته المغربية وكوفيته الفلسطينية، يظهر دائما في كل المسيرات والمظاهرات الداعمة للقضية الفلسطينية.

يفصل أسيدون بين الديانة اليهودية وبين الصهيونية بصفتها تنظيما سياسيا، وهو موقف يعكس تفكيره النقدي تجاه الصهيونية باعتبارها حركة استعمارية ومظهرا للتمييز والاحتلال.

في عام 1982 من داخل سجن القنيطرة، أرسل أسيدون رسالة إلى الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، إلى جانب المناضل اليساري أبراهام السرفاتي، وهو يهودي مغربي من المؤسسين البارزين لليسار المغربي، وأكدا في الرسالة استعدادهما للانضمام إلى المقاومة الفلسطينية عبر مكتب منظمة التحرير الفلسطينية بالرباط.

بقي أسيدون محافظا على مبادئه التي شب عليها في الفكر اليساري، يناهض التمييز العنصري بكل أشكاله وأيا كان مصدره، ومنه حظر ارتداء الحجاب بفرنسا، كما أنه لا يخفي معارضته لكل ما يروج له الإعلام الغربي تجاه الفلسطينيين والعرب عموما.

يرفض وصف كل من يريد تحرير بلاده بالإرهابي، لذلك يعتبر حركة المقاومة الإسلامية (حماس) جزءا من الثورة والمقاومة الفلسطينية، نظرا لقيامها بواجبها من أجل تحرير وطنها.

عايش ثورة فرنسا الطلابية عام 1968 عندما كان طالبا بالجامعة هناك، وكانت هذه التجربة من بين الأسباب التي أثرت تشبعه بثقافة حقوق الإنسان والديمقراطية والمساواة ومعاداة العنصرية ومكافحة الفساد واقتصاد الريع.

ومن آرائه أن "معاداة السامية هي قبل كل شيء شكل من أشكال كراهية اليهود، خاصة بالمنطقة الأوروبية، وترتبط بوجهة نظر الكنيسة الكاثوليكية".

أسيدون خلال مظاهرة ضد حفل لإنريكو ماسياس احتجاجا على مواقفه المؤيدة لإسرائيل يوم 14 فبراير/شباط 2019 (الفرنسية) نشاطه السياسي والمدني

دخل عالم السياسة من خلال مناهضة الإمبريالية الأميركية، وفي عام النكسة (1967) تعرف على القضية الفلسطينية واكتشف الأكاذيب والأساطير التي تروجها الصهيونية.

يعد من أبرز مناضلي اليسار الماركسي المغربي، الذي تعد القضية الفلسطينية جزءا لا يتجزأ من نضاله.

يعدّ من مؤسسي اليسار الجديد بالمغرب، وشارك في تأسيس منظمة "23 مارس" عام 1970، وهي منظمة كانت تهدف إلى نشر الفكر الثوري وتؤمن بضرورة أن يكون الحكم بيد الشعب.

انخرط في مكافحة الرشوة والفساد عبر منظمة "ترانسبرانسي المغرب"، التي كان من مؤسسيها وأول كاتب عام لها، وهي مؤسسة غير حكومية تتبنى مبادئ منظمة الشفافية الدولية التي تأسست عام 1996.

اختار النضال الجماهيري ضد التطبيع مع إسرائيل، وانخرط باكرا في الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل والتي تعرف اختصارا بـ "بي دي إس"، والتي تأسست عام 2005 وتدعو إلى وقف كافة أشكال التطبيع مع إسرائيل، وإلى مقاطعة الشركات الداعمة لها.

يرى أسيدون أن هذه الحركة حققت نتائج إيجابية من خلال مقاطعة إسرائيل، مثل سحب عدد من البنوك والشركات العالمية أموالها من دولة الاحتلال. وتشمل هذه المقاطعة مجالات فنية وأكاديمية ورياضية واقتصادية.

أسمى أماني أسيدون أن يستعيد الشعب الفلسطيني حقوقه، وأن تعود فلسطين أرضا للسلام مرة أخرى، يعيش فيها كل الفلسطينيين بمن فيهم اللاجئون الذين أجبروا على مغادرة وطنهم.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات من خلال

إقرأ أيضاً:

من على متن حنظلة.. فنان يهودي لـعربي21: 30% من يهود العالم يرفضون إبادة غزة

من على متن سفينة "حنظلة"، قال الممثل الأمريكي اليهودي جاكوب بيرغر، إن "ما يقرب من 30% من يهود العالم يرفضون الإبادة الجماعية الجارية في قطاع غزة"، مُشدّدا على أن "الوقوف مع الفلسطينيين ليس معاداة لليهود، بل موقف أخلاقي ضد الاحتلال والظلم والاستعمار".

وأضاف، في مقابلة خاصة مع "عربي21": "من المؤسف أن ما يفعله الصهاينة يلطّخ سمعة الشعب اليهودي، ويُشكّل وصمة عار عليهم"، لافتا إلى أنه خلع نجمة داوود من عنقه، لأنها برأيه "تحوّلت إلى رمز للكراهية، ولم أعد أشعر بالفخر بارتدائها، بل بالخجل، لأنها أصبحت ترمز إلى القمع والظلم بدلا من القيم التي أؤمن بها".

وأشار الفنان الأمريكي المعادي للصهيونية، إلى أن "الأشخاص الذين يحاولون مساواة معاداة الصهيونية بمعاداة السامية ليسوا صادقين على الإطلاق؛ فهذا الاتهام سخيف جدا"، منوها إلى أن "الحكومة الأمريكية متواطئة تماما في إبادة غزة تماما كما هو الحال بالنسبة لإسرائيل".

وأكد أن مشاركته في سفينة "حنظلة" جاءت بعدما ضاق ذرعا بمشاهدة الإبادة في غزة، مؤكدا أن ضميره لم يعد يحتمل الصمت، وأن عليه كيهودي وأمريكي يمتلك منصة مؤثرة، أن يتحرك لمقاومة الحصار الإسرائيلي وكشف تواطؤ الحكومات الداعمة له.

بيرغر لفت إلى أن "الرحلة تُمثل فعلا من أفعال المقاومة المدنية، وأن سفينة حنظلة لا تحمل فقط مساعدات إنسانية بل رسالة رمزية ضد الحصار. هذه السفينة هي صرخة في وجه الظلم، وكفاح من أجل العدالة، ورفض للاستسلام للواقع المفروض بقوة السلاح"، مؤكدا أنهم مستمرون رغم التهديدات والمخاطر المتوقعة من قبل الاحتلال الإسرائيلي.

وكشف بيرغر أنه يتلقى تهديدات بالقتل يوميا بسبب مواقفه المناهضة للصهيونية، لكنه لا يشعر بالخوف، بل يزداد إصرارا، موضحا أن "الصمت العالمي تجاه المجازر في غزة أمر مروع، والشعوب لا الحكومات باتت تتحمل مسؤولية التحرك الفوري".

وإلى نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":

ما الذي دفعك، كممثل أمريكي يهودي، إلى الانضمام لسفينة "حنظلة" لكسر الحصار عن غزة؟ ومتى بدأ وعيك بالقضية الفلسطينية؟

لقد سئمت من مشاهدة إسرائيل وهي ترتكب إبادة جماعية بحق الشعب في غزة وفلسطين. أعلم، كأمريكي يهودي أمتلك منصة واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، أن انضمامي إلى هذا التحرك سيُسهم في زيادة الضغط على إسرائيل وعلى الحكومات المتواطئة في هذه الإبادة. لم أعد قادرا على التعايش مع ضميري إذا لم أُقدم على خطوة كهذه، وأغتنم هذه الفرصة للمشاركة في محاولة كسر الحصار عن غزة.

لقد كان وعيي بالقضية الفلسطينية حاضرا دائما، وأعتقد أنني كنت أدرك وجود ظلم واضح حتى قبل سنوات. أشعر بالأسف لعدم انخراطي في الحركة الداعمة لفلسطين في وقت أبكر، لكن في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر تحركت مباشرة، لأنني كنت أرى بوضوح ما سيحدث: استغلال هذا الحدث لتبرير ارتكاب إبادة جماعية وتطهير عرقي في غزة، وللاستيلاء على الأرض، وهذا هو جوهر القضية منذ البداية. لم يكن الأمر يوما يتعلق بأمن إسرائيل أو اليهود أو الرهائن أو ما شابه، بل كان دائما يتعلق بالاحتلال والاستعمار.

ما أبعاد محاولة التخريب التي استهدفت سفينة "حنظلة" مؤخرا؟

كانت هناك محاولتا تخريب على الأقل، نعلم بهما قبل انطلاقنا. الأولى وقعت يوم مغادرتنا إلى غزة من "جاليبولي"، حيث اكتشفنا حبلا مربوطا بدفة السفينة، بطريقة لا يمكن تفسيرها على أنها حادث عرضي، فقد كان مربوطا بإحكام من الجانبين، ما يشير بوضوح إلى نية متعمدة لإعاقتنا.

أما الثانية، فكانت عندما جُلب خزان ماء لملء حاجتنا من المياه، لكن بعض هذا الماء تناثر على عدد من زملائنا، وأصاب بعضهم بحروق في الأرجل، ليتضح لاحقا أن الخزان يحتوي على مادة حمضية.

إسرائيل كانت قد أعلنت بالفعل أنها ستبذل كل ما في وسعها لمنعنا من مغادرة إيطاليا، لذلك، وإن كنا لا نستطيع الجزم قطعا بأن هذه المحاولات من تنفيذها، إلا أن الوقائع تسمح لنا بالاستنتاج المنطقي. من المرجح أيضا أنهم حاولوا رشوة بعض المسؤولين الحكوميين أو التأثير عليهم بطرق أخرى، لكننا نجحنا في الإبحار. نحن الآن في اليوم الرابع من الرحلة، ولم يتبقَ سوى ساعات لوصولنا إلى غزة.

كيف تسير رحلتكم إلى غزة حتى الآن؟ وهل تواجهون أي عراقيل حاليا؟

الرحلة إلى غزة تسير بشكل شبه جيد إلى الآن، لكن على ما يبدو هناك تدخل وشيك يعتقد أنه إسرائيلي بعد اقتراب سفينة ومسيرة من سفينتنا. الأجواء على متن السفينة كانت حتى أمس الجمعة إيجابية للغاية، والمعنويات مرتفعة لدى جميع أفراد الطاقم، وعددنا 21 شخصا. نحن ملتزمون تماما بهذه المهمة، وندرك جيدا حجم المخاطر المرتبطة بها، لأن إسرائيل لها سجل طويل في اعتراض السفن، بل وقتل من كانوا على متنها كما حدث عام 2010.

أما العقبات، فبصراحة الطقس شديد الحرارة، لكنه ليس عائقا حقيقيا بالنسبة لنا. نتحمل كل الظروف لأننا نعلم أن معاناة سكان غزة، وما يواجهونه من أهوال يومية تحت الحصار والإبادة، تفوق أي مشقة قد نواجهها في طريقنا. لهذا، نُصر على مواصلة رحلتنا لكسر هذا الحصار غير القانوني الذي تفرضه إسرائيل.

لماذا قررتم إطلاق سفينة "حنظلة" رغم ما حدث لسفينة "مادلين" قبل نحو شهر؟

قررنا إطلاق سفينة "حنظلة" بعد فترة وجيزة من اعتراض "مادلين" الشهر الماضي، لأننا ببساطة لا نستطيع أن نتوقف. هناك إبادة جماعية جارية بحق الشعب في غزة، حيث وصلت نسبة 85% من السكان إلى المرحلة الخامسة من المجاعة، وهو وضع إنساني كارثي بكل المقاييس.

في ظل تقاعس الحكومات عن اتخاذ خطوات حقيقية، بات من الضروري أن نتحرك نحن الشعوب. ربما يكون هذا النوع من التحرك المباشر، والمجازفة بكسر الحصار، هو ما يحتاجه العالم كي يستفيق ويفعل شيئا لأجل فلسطين. هذا عمل من أجل العدالة، ومن أجل إيقاظ الضمير الإنساني العالمي.

ألا تخشون من تكرار ما قامت به إسرائيل مع سفينة "مادلين"؟

بالتأكيد، نحن ندرك تماما أن إسرائيل قد تحاول تكرار ما قامت به من قبل، سواء باختطافنا أو اعتراض السفينة في المياه الدولية، كما فعلت مع الناشطة في مجال "تغيّر المناخ" غريتا ثونبرغ والنشطاء الآخرين في الرحلة السابقة. ولكن نؤكد بوضوح: ما نقوم به ليس مخالفا للقانون. نحن نُبحر تحت علم المملكة المتحدة، ونمر عبر المياه الدولية بشكل قانوني باتجاه المياه الفلسطينية، دون دخول المياه الإسرائيلية.

في المرة السابقة، حاولت إسرائيل إجبار النشطاء على التوقيع على وثائق تزعم أنهم دخلوا أراضيها بشكل غير قانوني، وهو ادعاء كاذب تماما. لذلك، ورغم القلق، سنواصل الضغط والتحرك بكل الوسائل حتى نكسر هذا الحصار الجائر ونُوصل صوت غزة إلى العالم.

ما الرسائل والأهداف التي تحملها سفينة "حنظلة"؟

الرسالة الأساسية لسفينة "حنظلة" لا تقتصر على تقديم المساعدة المادية، كالغذاء، وحفاضات الأطفال، وحليب الرضّع، والألعاب المحشوة. فهذه المساعدات رغم أهميتها لا تمثل إلا نقطة في بحر الاحتياجات الهائلة لأهل غزة.

الهدف الأعمق من هذه الرحلة هو تسليط الضوء على الحصار البحري غير القانوني الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة منذ عام 2007، ولفت أنظار العالم إلى هذه الجريمة المستمرة. نحن نرسل رسالة رمزية ولكنها قوية، تقول: "نحن نرفض أن نبقى صامتين".

إلى أي مدى تعتقد أن الضغط القانوني والدولي الذي يمارسه "أسطول الحرية" يمكن أن يسهم في وقف الجرائم الإسرائيلية في غزة؟

نحن نؤمن بأن الضغط القانوني والدولي الذي يمارسه "أسطول الحرية" قادر على إحداث فرق حقيقي، لأنه يضم شخصيات مؤثرة ذات حضور جماهيري واسع، مثل مؤسس اتحاد عمال الأمازون في الولايات المتحدة، كريس سمولز، والناشط الأسترالي روبرت مارتن، وغيرهم من الذين ناضلوا طويلا ضد الظلم.

من جهتي، لدي ملايين المتابعين، وأدرك أن وجودي على متن هذه السفينة يحمِل معنى أقوى من مجرد منشور أو وقفة احتجاجية. صحيح أن التظاهر والمقاطعة جزء مهم من النضال، ولكن في بعض الأحيان، يتطلب الأمر خطوات جريئة وغير تقليدية لإحداث تأثير فعلي ودفع الناس إلى التحرك من أجل فلسطين.

كيف تصف تجربتك الشخصية كيهودي يعارض الصهيونية ويقف إلى جانب الفلسطينيين، في ظل الضغوط السياسية والإعلامية في الولايات المتحدة؟

لقد كانت تجربة طويلة ومعقّدة. في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تحدثت بشكل علني منذ اللحظة الأولى لأوضح للعالم أن ما يحدث في غزة ليس بسبب "كراهية اليهود"، بل نتيجة عقود من القمع والاضطهاد الذي تعرّض له الفلسطينيون على مدار 75 عاما.

لقد سُرقت أرضهم، وتمت محاصرتهم بالكامل، والصهاينة يزعمون أنهم "انسحبوا من غزة عام 2006"، لكن الواقع أنهم ما زالوا يسيطرون على كل شيء: المعابر، والحدود، وكل ما يدخل ويخرج من القطاع.

بوصفي يهوديا، واجهت الكثير من العزلة والتشهير من مجتمعي، لكنني أعلم في قرارة نفسي أن ما أقوم به هو الصواب.

تاريخيا، كان اليهود في أمريكا في طليعة النضال من أجل القضايا العادلة، لكن من المؤسف أن الكثير من اليهود الأمريكيين اليوم ينتمون لما نُسميه "الصهيونية الليبرالية"؛ حيث يتبنون مواقف يسارية في أغلب القضايا، لكن عندما يتعلق الأمر بفلسطين، يتخلّون عن كل تلك المبادئ.

يعتقدون أن الأرض ملكهم فقط، وهذا نوع من الغطرسة الاستعمارية. حتى وإن كان أحدهم يهوديا أشكنازيا أتى من روسيا، فإنه يدّعي حقا على أرض فلسطين. بالنسبة لي، لا أعتقد أن تلك الأرض هي "ملك الشعب اليهودي"، بل هي ملك للفلسطينيين، ومن حقهم العيش عليها بكرامة وحرية.

البعض يزعم أن التضامن مع غزة قد يُفهم على أنه موقف ضد اليهود.. كيف ترد على هذا الاتهام؟

الأشخاص الذين يحاولون مساواة معاداة الصهيونية بمعاداة السامية ليسوا صادقين على الإطلاق. هذا الاتهام سخيف جدا، وبصراحة، أود أن أقول إن حوالي 30% من اليهود يدعمون فلسطين ويرفضون الإبادة الجماعية الجارية هناك.

من المؤسف أن ما يفعله الصهاينة، وخاصة اليهود الصهاينة، يلطّخ سمعة الشعب اليهودي، ويُشكّل وصمة عار عليهم.

بالنسبة لي شخصيا، خَلعتُ نجمة داوود من عنقي، لأنها في نظري تحوّلت إلى رمز للكراهية، ولم أعد أشعر بالفخر بارتدائها، بل بالخجل، لأنها أصبحت ترمز إلى القمع والظلم بدلا من القيم التي أؤمن بها.

ما الذي تمثّله لك المشاركة في هذه الرحلة البحرية الخطرة؟ هل تعتبرها فعل مقاومة مدنية؟

نعم، المشاركة في هذه الرحلة تعني لي الكثير. إنها تمنحني شعورا بالسلام الداخلي، بغض النظر عمّا يحدث لي أو لبقية الفريق. المهم أن تعرف أن الناس سيواصلون النضال. لا يمكننا التوقف، لأن هناك مسؤولية أخلاقية علينا أن نتحملها.

نحن بحاجة إلى الصمود في وجه هذه الحكومة الصهيونية، التي لا تسيطر فقط على ما يحدث في فلسطين، بل تؤثر أيضا على السياسات الأمريكية.

الحكومة الأمريكية متواطئة تماما كما هي إسرائيل؛ فهي تدعمها بكل ما تملك من قنابل وأسلحة وأموال.

من غير المعقول أن يتمتع الإسرائيليون برعاية صحية وتعليم مجاني، بينما يُحرم الآخرون من أبسط حقوقهم.

علينا أن نخلق مقاومة حقيقية، لأن الثورات تُبنى على الأمل، ونحن نزرع هذا الأمل بالفعل.

هل تلقيت تهديدات أو تحريضا بسبب موقفك المناهض للصهيونية؟ وكيف تتعامل مع ذلك؟

نعم، أتلقى تهديدات بالقتل بشكل يومي، وكنت ضحية لجرائم كراهية عندما شاركت في احتجاجات في مدينة نيويورك.

لكن كيف أتعامل مع ذلك؟، ببساطة، أترك الأمور تمر خلفي. أنا نشط على وسائل التواصل الاجتماعي منذ عام 2017، وقد اعتدت على المتصيدين والتهديدات.

في الحقيقة، 99% من هذه التهديدات ليست سوى هراء. معظمهم مجرد أشخاص يحاولون إخافتك عبر الإنترنت لا أكثر.

أنا لا أشعر بالخوف، بل أضحك أحيانا على تلك التهديدات. أنا في حالة سلام داخلي، وأعلم تماما أن ما أفعله هو الصواب، ولن أتراجع أو أُحبط أبدا.

مقالات مشابهة

  • تأجيل محاكمة 108 متهمين بالانضمام إلى جماعة أحرار الشام
  • ألمانيا.. اعتقال 57 شخصاً وإصابة 17 شرطياً خلال تظاهرة دعم لفلسطين في برلين
  • مقتل وإصابة 10 إسرائيليين في كمين للمقاومة بخانيونس
  • "مراسلون بلا حدود" تطالب بحماية صحافي مغربي ومصور أمريكي يشاركان في سفينة "حنظلة" لكسر حصار غزة
  • من على متن حنظلة.. فنان يهودي لـعربي21: 30% من يهود العالم يرفضون إبادة غزة
  • مقتل ثلاثة جنود إسرائيليين وإصابة آخرين في هجوم معقد للمقاومة الفلسطينية
  • عمرو السولية: سعيد بالانضمام لسيراميكا كليوباترا.. والأجواء بالفريق تشبه الأهلي
  • بيان صادر عن فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان.. هذا ما جاء فيه
  • بعد إعلان فرنسا.. خريطة بأسماء الدول التي تعترف بالدولة الفلسطينية
  • نجم مغربي ينضم لمعسكر الزمالك استعداداً للموسم الجديد