لجريدة عمان:
2025-06-03@10:09:55 GMT

بعد عام.. الشرايين المفتوحة لحرب الجنرالين!

تاريخ النشر: 24th, April 2024 GMT

مع تمام الحرب السودانية عامها الأول، ما سيبدو واضحا لنا اليوم هو أن هذه الحرب حرب عبثية في صميمها، وللمفارقة فإن كلا من قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع الجنرال محمد حمدان دقلو «حميدتي» كانا قد اتفقا (رغم الصراع بينهما) على وصف هذه الحرب الدائرة بينهما بأنها؛ حرب عبثية!

هذا الاعتراف بطبيعة الحرب العبثية من طرف الرجلين سيدلنا على حقيقتين على الأقل؛ الحقيقة الأولى هي أن هذه الحرب كانت حربا مؤجلة، بحيث يمكننا القول إنها كانت ستقع في أي وقت بالنظر إلى طبيعة نظام الإسلام السياسي الذي حكم السودان ٣٠ عاما عبر انقلاب عسكري على حكومة ديمقراطية منتخبة عام ١٩٨٩م، لأن الطبيعة الأيديولوجية والأوتقراطية لمثل هذه الأنظمة فيما هي تعيد اكتشاف الخطايا مع كل محاولة للتشبث بالحكم أو استعادته بالقوة إنما تعتقد دائما أن الخطأ في التطبيق وليس في النظرية، لأنها حين تماهي بين فهمها الإيديولوجي المحرف للإسلام بوصفه نظرية إنما تجعل من فهمها ذاك هو الإسلام ذاته لا تأويلا محرّفا لفهم الإسلام؛ لهذا تعيد إنتاج أخطائها وبالتالي تستمر في محاولات دائمة للاستيلاء على السلطة بالقوة.

وعليه؛ يمكن القول إن ثمة محطات كانت بمثابة تمارين أولية لهذه الحرب وهي محطات حاول بها النظام القديم الالتفاف على الثورة السودانية وحكومة الانتقال الديمقراطي بقيادة د.عبدالله حمدوك؛ كمحطة مذبحة فض اعتصام القيادة العامة في رمضان ٢٠١٩ حين حاول كل من الجيش والدعم السريع فض اعتصام الثوار (الذين كانوا قد اعتصموا بعشرات الآلاف لأربعة أشهر أمام مبنى القيادة العامة للجيش بالخرطوم) في محاولة لكسر إرادة الشعب السوداني، ثم محطة انقلاب البرهان في أكتوبر ٢٠٢١ وصولا إلى هذه الحرب.

والحقيقة الثانية هي أن الميكانيزمات التي تحكم هذه الحرب أصبحت ميكانيزمات خارجية يتحكم بها لاعبون إقليميون ودوليون.

وجزء مهم جدًا من دواعي تحكم اللاعبين الإقليميين والدوليين بهذه الحرب في السودان يكمن في تاريخ الخطايا السياسية للنظام القديم مع المجتمع الدولي وما ترتب على تلك الخطايا لاحقا من تدخلات إقليمية ودولية كان أثرها باهظا على معيشة الشعب السوداني الذي دفع ثمن التجريب الإسلاموي الفج للسلطة والسياسة على مدى ثلاثين عامًا.

وما يؤكد ذلك هو أن الشعب السوداني جرب الحرب الأهلية حتى قبل استقلاله عن الاستعمار الانجليزي ثم تجددت الحروب الأهلية السودانية عبر محطات كبرى وتواريخ متعددة كحرب الجنوب ١٩٥٥ وحرب دارفور ٢٠٠٣ والحروب الأخرى في النيل الأزرق وجبال النوبة وشرق السودان، بحيث يمكننا القول إن الشعب السوداني بما جرب من ويلات الحرب الأهلية أصبحت لديه القدرة على تجنب مصائرها.

لكن حرب الخرطوم الأخيرة هذه (التي هي في تأويل من تأويلاتها نتيجة حتمية لارتداد حرب الهوامش والأطراف على قلب المركز الذي تولى تاريخيا إشعال الحرب في تلك الأطراف) اليوم مع ذلك تظل إمكانية وقفها رهينة بتوافق حصري لأطراف إقليمية ودولية نتيجة للخطايا السياسية التي راكمتها مجازفات النظام السابق وحماقاته في الإقليم والعالم.

ولعل المفارقة التي تتكشف بها فداحة الحرب وويلاتها غير المسبوقة - من حيث النزوح والجوع والمعاناة بحسب تقارير أممية مفزعة - تكمن في أن تلك الخطايا التي مارسها النظام السابق ونتجت عنها التدخلات الدولية تكمن في أن الحصار الذي وقع على السودان بين عام ١٩٩٧ و٢٠١٩ ثم وضع السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب قد أضرا بالشعب السوداني ضررا عظيما تسبب في تدمير كافة مشروعاته القومية الكبرى، لهذا ما إن قامت هذه الحرب حتى تكشفت الآثار الفظيعة لانهيار البنية التحتية التي دُمّرت بفعل الحصار الاقتصادي، الأمر الذي كشف عن تلك الإحصاءات الكارثية في معدلات النزوح والجوع غير المسبوقة بحسب تقارير الأمم المتحدة.

هذا سيعني أن السودان جراء هذه الحرب العبثية سيكون مكشوفا أمام تداعيات انهيار الدولة المركزية، وهي دولة سيعكس انهيارها في منطقة جيوسياسية حساسة - كالمنطقة التي يقع فيها السودان - أخطارا تشمل منطقة وسط وشرق وغرب إفريقيا، مع ما تستدعيه آثار غياب الدولة؛ من ظهور للإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية والحروب الأهلية المتنقلة بين دول الجوار (٥ من الدول الـ٨ التي تجاور السودان اندلعت فيها حروب أهلية).

وبحسب الكوارث التي تنذر بها نتائج الحرب في السودان بعد عام من اندلاعها؛ فإنها نتائج لنذر خطيرة تجعل كل طرف إقليمي أو دولي له مصلحة في السودان أن يجنح نحو البحث عن حل سلمي قبل أن تصل النتائج الكارثية للحرب إلى نقطة اللاعودة، وهي نقطة حددتها تقارير دولية بأنها ربما تحدث بحلول نهاية مايو المقبل، لا سمح الله.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الشعب السودانی هذه الحرب

إقرأ أيضاً:

العقوبات الاقتصادية الأميركية على السودان: شلّ الاقتصاد أم كبح آلة الحرب؟

العقوبات الاقتصادية الأميركية على السودان: شلّ الاقتصاد أم كبح آلة الحرب؟

عمر سيد أحمد

العقوبات من واشنطن إلى الخرطوم… ما بين الحساب والعقاب

في 24 أبريل 2025، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عزمها فرض عقوبات صارمة على السودان بموجب “قانون مراقبة الأسلحة الكيميائية والبيولوجية لعام 1991”، وذلك بعد تأكيد استخدام الحكومة السودانية لأسلحة كيميائية في عام 2024، في خرق صريح لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية التي تُعد السودان طرفًا فيها.

القرار، الذي سُلِّم إلى الكونغرس الأميركي مرفقًا بتقرير يؤكد “عدم امتثال السودان”، يُمهّد لتطبيق حزمة من التدابير العقابية، تشمل حظر الوصول إلى خطوط الائتمان الأميركية، وتقييد الصادرات، وتجميد الأصول. ومن المتوقع أن تدخل هذه العقوبات حيّز التنفيذ في أو حوالي 6 يونيو 2025، عقب نشرها في السجل الفيدرالي الأميركي.

ورغم أن هذه العقوبات تأتي ردًا على خروقات خطيرة للقانون الدولي، فإن توقيتها في ظل حرب أهلية طاحنة، وانهيار اقتصادي شامل، وتوسع المجاعة والنزوح، يطرح تساؤلات أخلاقية واستراتيجية حول فاعليتها وجدواها، ومدى تأثيرها الفعلي على النخبة الحاكمة مقارنة بما تلحقه من أضرار مباشرة بحياة المواطنين واقتصاد الدولة.

تجربة السودان السابقة مع العقوبات (1997–2020)

بين عامي 1997 و2020، خضع السودان لعقوبات أميركية شاملة فرضت عليه عزلة اقتصادية ومصرفية خانقة، بتهم دعم الإرهاب واحتضان تنظيمات متطرفة. طالت العقوبات المؤسسات الحكومية والمالية، وحرمت السودان من:

استخدام النظام المصرفي العالمي المرتبط بالدولار. استقبال الاستثمار الأجنبي المباشر أو التمويلات الإنمائية. التحديث التكنولوجي والاتصال بأسواق المال.

أدت هذه العقوبات إلى تدهور البنية الاقتصادية، وزيادة الاعتماد على التهريب والاقتصاد الموازي، وهروب الكفاءات ورؤوس الأموال. ورغم الرفع التدريجي للعقوبات في 2017، إلا أن استمرار وضع السودان على قائمة الإرهاب حتى أواخر 2020 أعاق أي تعافٍ جاد، خصوصًا مع تعاقب الأزمات السياسية والانقلابات والحرب الأخيرة.

 العقوبات الجديدة – البنود والتوقيت

العقوبات الأميركية الجديدة، التي ستدخل حيز التنفيذ في يونيو 2025، جاءت كرد مباشر على ما وصفته واشنطن بـ”استخدام موثّق للأسلحة الكيميائية من قبل حكومة السودان”. وتشمل:

حظر التعاملات بالدولار الأميركي. تجميد أصول الحكومة والشخصيات المتورطة. منع الشركات الأميركية من تصدير تقنيات أو منتجات للسودان. حرمان السودان من الوصول إلى التمويل الأميركي أو الدولي المدعوم أميركيًا، خصوصًا عبر خطوط الائتمان أو التسهيلات المالية.

ما يضاعف من أثر هذه العقوبات هو هشاشة الوضع الداخلي، حيث يخوض السودان واحدة من أسوأ حروبه الأهلية، وسط انهيار شبه كامل لمؤسسات الدولة المدنية.

ثالثًا: التأثيرات الاقتصادية المباشرة خروج فعلي من النظام المالي العالمي

السودان اليوم شبه معزول عن النظام المالي العالمي، ومع تنفيذ هذه العقوبات، ستفقد البنوك السودانية القدرة على:

فتح الاعتمادات المستندية لشراء السلع. تنفيذ التحويلات البنكية الرسمية. التعامل مع المؤسسات الوسيطة في التجارة الخارجية.

هذا يعني عمليًا إغلاق باب التجارة القانونية، وتوجيه كل النشاطات نحو السوق السوداء أو التهريب.

تهديد الأمن الغذائي والدوائي

مع صعوبة الاستيراد الرسمي، تتراجع واردات القمح، الدواء، الوقود، والأدوية المنقذة للحياة. ويؤدي ذلك إلى:

نقص حاد في الإمدادات الأساسية. تضاعف الأسعار نتيجة ارتفاع تكلفة التأمين والنقل. توسّع الفجوة في الخدمات الصحية. ضياع موارد الدولة من الذهب

في ظل غياب الرقابة وازدهار اقتصاد الظل، يُقدّر حجم الذهب السوداني المُهرّب بأنه يفوق 50 إلى 80% من الإنتاج السنوي. وقدرت الخسائر من التهريب خلال العقد الماضي بما بين 23 و36 مليار دولار. العقوبات الحالية تدفع بهذا المورد نحو مزيد من التهريب، وتُفقد الدولة فرصة استثمار أكبر كنز نقدي تملكه.

تعميق أزمة سعر الصرف

كل هذه التطورات تؤدي إلى:

تسارع تدهور الجنيه السوداني أمام الدولار. تزايد التضخم المفرط. انهيار القدرة الشرائية للمواطنين. رابعًا: من يدفع الثمن؟

رغم أن العقوبات تستهدف النظام السياسي والعسكري، إلا أن من يدفع الثمن فعليًا هو المواطن العادي:

العامل الذي فقد وظيفته بسبب توقف المصنع عن الاستيراد. المزارع الذي لا يجد سمادًا ولا وقودًا. المريض الذي لا يحصل على دواء. التاجر الذي يُجبر على التعامل عبر السوق السوداء. خامسًا: العقوبات كأداة سياسية – فعالة أم عقوبة جماعية؟

تاريخيًا، نادرًا ما أسقطت العقوبات الأنظمة القمعية. بل كثيرًا ما زادت من تماسكها عبر:

خطاب “الحصار الخارجي”. عسكرة الاقتصاد. قمع المعارضة بحجة الطوارئ.

وفي السودان، حيث الاقتصاد منهار أصلًا، ستدفع العقوبات الناس نحو مزيد من الفقر واليأس، دون ضمان أن تؤدي إلى تغيير حقيقي في سلوك النظام.

سادسًا: أهمية وقف الحرب فورًا

العقوبات في حد ذاتها خطيرة، لكن الحرب تجعلها كارثية. فكل يوم يستمر فيه القتال:

يُفقد السودان مزيدًا من موارده. ينهار الأمن الغذائي. يتوسع النزوح والدمار.

وقف الحرب هو الخطوة الأولى والأكثر إلحاحًا للخروج من هذه الدوامة. فبدون وقف إطلاق النار، لا يمكن التفاوض، ولا يمكن الإصلاح، ولا يمكن للعالم أن يستجيب لدعوات تخفيف العقوبات.

الآثار المتوقعة على إعادة الإعمار بعد الحرب

من أبرز التداعيات الخطيرة للعقوبات الأميركية المرتقبة أنها ستُقوّض بشدة فرص إعادة الإعمار بعد الحرب، حتى إذا تم التوصل إلى وقف إطلاق النار أو تسوية سياسية. إذ أن إعادة بناء البنية التحتية المدمرة – من طرق ومرافق وخدمات عامة – تتطلب تمويلات ضخمة، لا يمكن تغطيتها من الموارد المحلية وحدها، خصوصًا في ظل الانهيار الكامل للإيرادات العامة وغياب مؤسسات الدولة الفاعلة. وبما أن العقوبات تشمل حظر الوصول إلى التمويل الأميركي وخطوط الائتمان، فإنها تحرم السودان من أي فرص واقعية للحصول على قروض ميسّرة، أو دعم من المؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد، أو حتى من شركات مقاولات عالمية. كما أن استمرار العقوبات يُعزّز مناخ عدم الثقة في السودان كبيئة استثمارية، ما يدفع المستثمرين للابتعاد عنه، ويطيل أمد العزلة الاقتصادية، وبالتالي يُجمّد أي مسار حقيقي نحو التعافي والتنمية بعد الحرب.

خاتمة: بين المحاسبة والإنقاذ

العقوبات الأميركية على السودان تُعبّر عن موقف دولي حازم ضد استخدام الأسلحة الكيميائية، لكنها في سياق حرب داخلية وانهيار اقتصادي، تتحول إلى عقوبة جماعية تهدد بقاء الدولة ذاتها. المطلوب اليوم ليس فقط التعامل مع العقوبات، بل تغيير المسار السياسي والاقتصادي كاملاً.

وذلك يتطلب:

وقف الحرب فورًا. تشكيل حكومة مدنية ذات مصداقية. إصلاح شامل للقطاع المالي والمؤسسي. الشروع في مفاوضات مع المجتمع الدولي لرفع العقوبات تدريجيًا مقابل التزامات واضحة بالسلام والشفافية.

فالعالم لن يستثمر في بلد يحكمه الرصاص والتهريب، ولن يخفف عقوبات ما لم يرَ إرادة حقيقية للتغيير. والسودان، برغم الجراح، لا يزال يملك فرصة – لكنها تضيق كل يوم.

* خبير مصرفي ومالي وتمويل

مايو 2025

الوسومالإنقاذ الحرب الخرطوم السودان العقوبات الأمريكية على السودان القطاع المالي والمؤسسي النظام المالي العالمي سعر الصرف عمر سيد أحمد واشنطن

مقالات مشابهة

  • كيف سيتجاوز رئيس الوزراء السوداني الجديد حقول الألغام المحيطة به؟
  • رئيس الوزراء الإنتقالي: سنركز على الاستشفاء الوطني الشامل والحوار (السوداني- السوداني) الذي لا يستثني أحد
  • رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس يحل الحكومة
  • صحف عالمية: دعوات أوروبية لمواصلة التظاهر رفضا لحرب إسرائيل على غزة
  • بوريطة: الموقف الذي عبرت عنه المملكة المتحدة بشأن قضية الصحراء المغربية سيعزز الدينامية التي يعرفها هذا الملف
  • وزير الخارجية السوداني يبلغ مسؤول مصري موقف السودان من إعلان حكومة موازية
  • يوجّـه السيد رئيـس الوزراء د.كـــامـل إدريــس كلمة إلى الشعب السوداني عند الساعة الثالثة من مساء اليوم
  • السوداني:تبرعنا إلى لبنان (20) مليون دولار رغم الأزمة المالية التي يمر بها العراق
  • ملف المخدرات في السودان يُعد من أخطر الملفات التي واجهت البلاد
  • العقوبات الاقتصادية الأميركية على السودان: شلّ الاقتصاد أم كبح آلة الحرب؟