تلتفت أنظار العالم المسيحى يوم سبت النور، نحو كنيسة القيامة الكامنة بالعاصمة الفلسطينية القدس، حيث مشاهد انبعاث النور المقدس الذى يشير إلى معجزة قيامة السيد المسيح من بين الأموات بعد 3 أيام داخل القبر المقدس.

وعلى هذه الأرض، بنيت كنيسة القيامة التى احتضنت آلام المسيح بعدما تلقى شتى أنواع العذاب والمعاناة، وقدم نفسه فداءً للعالم، وكان مخلص الإنسانية من عصور الظلم والاستبداد وأنار بنور قيامته الأرض وحل السلام على الشعوب التى عاشت لسنوات تحت بطش الحكم الروماني.

وجرت العادة أن تفتح كنيسة القيامة أبوابها لاستقبال الحجاج المسيحيين من حول العالم خلال أسبوع الآلام، ولكن هذا العام مختلف فى كثير من الجوانب جراء الحرب التى تشهدها غزة منذ أكتوبر الماضى، ولا تزال معالم الفرحة وبهجة الأعياد غائبة عن هذه الأرض التى خلقت السلام وأنجبت المسيح الذى أهدى المحبة للعالم. 

وتقبع «كنيسة القيامة» داخل أسوار البلدة القديمة فى مدينة القدس المحتلة، وتحظى بمكانة كبيرة لدى المسيحيين فى العالم وتعد مقصد الحجاج باعتبارها تضم «مقمورة القبر المقدس» التى احتضنت السيد المسيح لمدة 3 أيام، كما أنها شهدت حدوث المعجزة الكبرى وهى قيامته من بين الأموات. 

 

تاريخ مقمورة القبر المقدس

يتحدث التاريخ المسيحى أن هذا «القبر» كان فى بادئ الأمر مُعد لأحد تلاميذ المسيح ويُدعى «يوسف الرامي»، كان من أغنياء عصره وأصحاب الأملاك بأراضى بيت المقدس، ووجد داخل هذه الأرض صخرة حفرها بيده لتكون هى قبره، وحين نال المسيح العذاب ومات وهب «الرامي» هذا القبر لجسد المسيح بدلًا منه وبعد موت «الرامي» تم دفنه فى منطقة قريبة من القبر داخل كنيسة القيامة وتقع اليوم فى كنيسة السريان بالقرب على بعد خطوات من قبر المسيح. 

 

كيف عثر على قبر المسيح؟

والمقمورة عبارة عن قبر منحوت بالصخرة، عثرت عليه القديسة هيلانة عام 326 م، حيث شهد تعدلات بسيطة بأسلوب يسمح له الاستقلال عن بقية الكتلة الصخرية وتم التعامل معها بحرص من أجل سهولة إقامة المزارات الدينية والمبانى الكنسية التى شيدها الإمبراطور قسطنطين الكبير. 

كما يضم مبنى داخله غرفتان داخلية وآخرى خارجية وتكون الغرفة الداخلية تعرف بـغرفة «الملاك» وحين دفن المسيح وضعوه بالداخل وقاموا بإغلاقها بصخرة كبيرة وبعد 3 أيام أزاح الملاك تلك الصخرة من أجل صعود المسيح وقيامته من الموت. 

 

مكونات ووصف مقمورة القبر المقدس

ويذكر التاريخ المسيحى وبحسب ما قاله أديب جودة الحسينى، أن المقمورة تضم عدد من الأعمدة التى تُزين القبر المقدس وتحمية من العوامل المختلفة وقد تعرض القبر إلى عدد كبير من العوامل من أبرزهم الحريق الذى نشب عام 1808 دمر البناء القديم بصورة كبيرة، ثم تم ترميم القبر ووضع ألواح من الحجر المحلى باللون الأبيض والأحمر، واستخدام مواد للزخرفة المنحوتة فى الداخل والخارج والزينة بالجهات الخارجية لمقمورة القبر والأعمدة الخارجية والأقواس.

وللقبر باب وحيد من جهتها الشرقية بمقارع مصنوع من الفضة ومنقوش عليها «افتح لنا يا رب باب رحمتك» ومن الاتجاه الآخر «انظر من مسكنك المقدس».

وفى الأمام هناك أربعة أعمدة صغيرة ذات قطعة واحدة من اللون الأبيض الأرجوانى يعلوها تيجان ذات طراز «كورنثي»، أما من الجهة العلوية فهناك عضائد حجرية وأعمدة صغيرة، أما عن الوسط والمناطق العلوية فهناك نقوش زخرفية جميلة.

أما عن سقف القبر المقدس فتوجد قبة كبيرة مصنوعة من الرصاص المطلى بالذهب، حيث تستند على أعمدة صغيرة والدعائم وعلى إكليل معقود مزين بزخرفية متميزة فريدة. 

 

أثر الحرب على غزة فى عيد الفصح

وعلى الرغم من وجود طقوس مسيحية خاصة تقيم بها كنيسة القيامة فى مثل هذا اليوم سنويًا، وتستقطب أنظار العالم نحو خروج النور المقدس، إلا أن الأمر هذا العام لا يُشبهه ما سبق.

وحرصت «الوفد» على التواصل مع أديب جودة الحسينى، أمين مفتاح كنيسة القيامة بالقدس وحامل ختم القبر المقدس، ليكشف تفاصيل الاحتفال بعيد القيامة هذا العام وكيف تجرى هذه المناسبة المجيدة فى ظل الحرب على غزة. 

- يُجيب أديب جودة، أن الاحتفالات لعيد الفصح المجيد الدينية لا جديد عليها، فالصلوات تقام فى كنيسة القيامة كما هو المعتاد.

وفيما يخص «سبت النور» لا أحد يستطيع أن يلغى هذا الاحتفال الدينى فالنور المقدس هو روح المقدسة للفصح المجيد. 

لا شك أن بسبب الحرب على غزة تم إلغاء الاحتفالات واستخدام الآلات الموسيقية التى ترافق فرق الكشافة كما هو معتاد، ولكن فرق الكشافه الأرثوذكس تقوم بالمسيرات الدينية فى صمت رافعين الريات فقط دون موسيقى أو عزف على الآلات. 

- بخصوص الزيارات والحجاج، يقول أمين مفتاح الكنيسة إنه مع الأسف الشديد وبسبب الأوضاع السياسية السيئة والصعبة والتى تمر بها الأراضى المقدسة فلا يوجد هذا العام لا زوار ولا حجيج.

- أن أزقة البلدة القديمة فارغة تمامًا من الزوار والحجاج على عكس ما كان يحدث بالأراضى المقدسة خلال عيد الفصح المجيد، كانت تستقبل المئات من السياح والحجاج، لكن هذا العام كنيسة القيامة تحتفل بعيد الفصح المجيد وهى تبكى من اشتياقها لحجيجها. 

- الطقوس الدينية كما هى فى العادة، صباحًا فتحت كنيسة القيامة بموكب طائفة الأرمن، والساعة الثانية عشرة أقوم بالدخول إلى مقمورة القبر يرافقنى مطران من طائفة الروم الارثوذكس ومطران من الأرمن، للتأكد أن القبر المقدس خال من أى شعلة، وعند الخروج يتم إغلاق بوابة القبر بالشمع المقدس من قِبل طائفة الروم الأرثوذكس وبعدها أقوم بوضع ختمى على الشمع وذلك عند إعلاننا بدء الأعياد عند إخواتنا المسيحيين.

ثم يرافقنى المطارنة حتى مقر البطريرك ثيوفيلوس الثالث، أقوم بتهنئته وأخبره أنه تم تفتيش القبر وختمه، وأن القبر مستعد لاستقباله لإقامة الصلوات وخروج النور المقدس وبعدها أرافقه مرة ثانية إلى الكنيسة يقوم بالدخول إلى مقمورة القبر وخروجه بالنور المقدس بعد مرور 15 دقيقة كحد أدنى وفى بعض الأوقات يخرج بعد 30 دقيقة.

- تكون طقوس «الزفة النور المقدس» بعد وضع ختمى على القبر أى فى حدود الساعة الثانية عشرة ظهرًا، وتخرج معها مجموعات من الشباب بحارة النصارى، متجهة نحو الكنيسة ولكن الزفة هذا العام تقام بالأناشيد الدينية فقط والعبارات الدينية فقط. 

ودائمًا تخرج الكشافة فى مقدمة فى «زفة النور»، ولكن هذا العام ستتخلى فرق الكشافة عن آلاتها الموسيقية سيخرجون فى صمت فقط رافعين الأعلام، وهذا هو الطقس الوحيد الذى تم إلغاءه بسبب الحرب على غزة 

ولكن جميع الطقوس الدينية لا أحد يستطيع أن يلغيها أو يضيف عليها شيئًا أو ينقصها شيئًا. 

 

المصدر: بوابة الوفد

إقرأ أيضاً:

عودة: السلام مسؤولية مشتركة قائمة على الأخلاق وقبول الآخر

ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عودة، خدمة القداس في كاتدرائية القديس جاورجيوس، بحضور حشد من المؤمنين.

بعد الإنجيل المقدس ألقى عظة "المسيح قام من بين الأموات ووطئ الموت بالموت، ووهب الحياة للذين في القبور". وقال فيها: "تقيم كنيستنا المقدسة، في الأحد الثاني بعد الفصح، تذكار القديسين يوسف الرامي، ونيقوديموس اللذين أنزلا جسد السيد عن الصليب ووضعاه في قبر جديد. تقيم أيضا تذكار النسوة حاملات الطيب اللواتي كن برفقة الرب يسوع على الصليب، واللواتي ذهبن سحرا جدا في أول الأسبوع ليطيبن جسده المدفون، وكن أول من سمع من الملاك بشرى القيامة، فانطلقن وبشرن العالم كله بالفرح العظيم".

أضاف: "جاءت النسوة حاملات الطيب في أول الأسبوع، باكرا، وقد طلعت الشمس (مر 16: 2). أول عمل قامت به النسوة باكرا جدا كان التفكير بالرب يسوع دون سواه، فأتين القبر. لم يأبهن للصعوبات والمعوقات التي ستصادفهن في الطريق. هذا هو واجب كل مؤمن، أن يذكر الله باكرا جدا، ليس فقط في أول الأسبوع، بل مع بداية كل يوم، وإشراقة كل شمس، لذلك وضعت لنا كنيستنا صلاة النهوض من النوم، لكي نبدأ نهارنا يوميا بذكر الرب وشكره على عطاياه. أتت النساء «وقد طلعت الشمس». المسيح هو الشمس، النور الحقيقي البازغ من ظلمة القبر وفساد الموت، الذي «ينير كل إنسان آت إلى العالم» (يو 1: 9). عندما يبدأ يومنا مع المسيح، نلبس حلة جديدة، كما يقول النبي داود الملك: «قد ارتسم علينا نور وجهك، يا رب، أعطيت سرورا في قلبي» (مز 4: 6- 7)." في طريقهن نحو القبر، تساءلت النساء فيما بينهن: «من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر؟» (مر 16: 3). كان حجر القبر عائقا أمام وصول حاملات الطيب إلى الجسد الإلهي ليطيبنه. هنا، لا بد لنا من سؤال أنفسنا عمن يدحرج لنا الحجر الذي يفصلنا عن اللقاء بالرب يسوع. إنه مدفون داخل قلوبنا، لكن سلاسل الخطيئة، والشهوات، والأهواء المتراكمة تعيقنا وتمنعنا من البلوغ إليه. قد نحاول إزالة هذه العوائق من أجل لقاء السيد، لكن لا قوة لنا، فمن يدحرج لنا الحجر عن باب قبرنا؟ لم تيأس النسوة، رغم علمهن بوجود الحجر على باب القبر وصعوبة إزاحته، بل تابعن طريقهن نحو القبر. نحن أيضا علينا ألا نيأس، بل أن نكون واثقين من أن الرب إلهنا سينتظر عودتنا، تماما كما فعل الأب عندما عاد ابنه الضال. يكفي أن نتحرك وننهض ونمشي نحو من هو «الطريق والحق والحياة» (يو 14: 6)."

وتابع: "إشترت مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وسالومة حنوطا ليأتين ويدهنه» (مر 16: 1). أتت حاملات الطيب بطيوبهن إلى القبر، ولم يحضرن خاليات الوفاض. هكذا، ونحن سائرون في الطريق، علينا أن نحمل طيوب أفعال الرحمة والبر والصلاح والمحبة المتصاعدة من قلوبنا. متى قدمنا للناهض من بين الأموات أثمار الروح (غل 5: 22) تحدث العجيبة ويزال الحجر عن باب القبر. علينا أن نقدم للمسيح قبرا جديدا مثل يوسف الرامي، أي قلبا خاليا من الخطيئة، وهذا القلب الجديد يكون منطلقا للقيامة الحقيقية لكل كياننا، بعد أن يزاح حجر الدنيويات الذي يثقل بابه. هكذا، نولد مجددا كما طلب الرب من نيقوديموس عندما زاره ليلا، وهذه الولادة الجديدة تجعلنا مبشرين جريئين مثل نيقوديموس نفسه. يخبرنا الإنجيلي متى أن «زلزلة عظيمة قد حدثت، لأن ملاك الرب نزل من السماء ودحرج الحجر عن الباب وجلس عليه» (مت 28: 2). لم يدحرج الملاك الحجر عن باب القبر بتأن، إذ لا يمكن أن يتمم عمل كهذا من دون جهد أو صدمة، بل يلزمه زلزال. هكذا، نحن أيضا، نحتاج زلزالا يدحرج لنا الحجر عن باب قلوبنا، أي تغييرا كليا لحياتنا يطال كل نواحيها.  هذا يحصل بالتوبة الصادقة التي هي زلزالنا الروحي، وقيامتنا من موت الخطيئة".

وقال: "عصرنا يشهد خطايا كثيرة، نزاعات وحروبا وجرائم زادت قدرتها التدميرية بسبب الإكتشافات التي، عوض استخدامها للخير والبنيان، تستعمل للتدمير والإبادة. الحرب هي وليدة الحقد والكراهية وقلة المحبة في قلب الإنسان، تسببها الأنانية والكبرياء وحب التسلط، ورفض الآخر المختلف، وتصيب بشكل خاص الأفقر والأضعف، ما يحرم ضحاياها الحق في الحياة والكرامة، والرجاء بالمستقبل. الحرب تسكت الآخر، تلغيه، تبيده، إشباعا للأنانية، فيما علمنا ربنا المحبة التي قال عنها بولس الرسول أنها «تتأنى وترفق... لا تحسد ...لا تقبح ... ولا تفرح بالإثم» (1 كو: 13: 4-6). ربنا، إله السلام، تجسد لينشر العدل والمحبة بين البشر، هو الذي «صالحنا لنفسه بيسوع المسيح وأعطانا خدمة المصالحة» (2 كو 5 :18). السلام مسؤولية مشتركة قائمة على الأخلاق وقبول الآخر واحترامه عوض الخوف منه، وعلى التعاون والتضامن بين البشر، وعلى الشعور بالأخوة الحقيقية المبنية على المحبة رغم الإختلاف. وهو ينتج عن الوعي بأن للآخر الحق في الحياة وفي الكرامة وفي الحرية. هل يقبل الإنسان أن تسلب منه حريته أو كرامته؟ فكيف يسلب حرية الآخرين وكرامتهم؟ لقد أعطانا ربنا العقل ونعمة التمييز لكي نتعلم من كل تجربة ونتعظ، وخبرات الحروب التي عاشها الإنسان كانت وبالا على الجميع، لذا أملنا في هذا العيد المبارك أن تتوقف الحروب، وينتفي التعدي على حياة الإنسان وحريته وكرامته وحقوقه، ويحل السلام والعدل في بلدنا وفي العالم أجمع، ليعيش الإنسان تحت سلطة القانون، يتشارك وأخاه النعم الممنوحة له، ولا يتسلط على مخلوق، حتى الطبيعة وعناصرها لأنها عطية من الله".

وختم: "قتل قايين أخاه بسبب الحسد والبغض، وما زال الإنسان يحقد ويقتل رغم تجسد المسيح وموته عنا ليخلصنا من براثن الخطيئة. لتكن قيامته حافزا لنا على تغيير سلوكنا واعتناق المحبة التي وحدها تحرر وتثمر".

 

مقالات مشابهة

  • عودة: السلام مسؤولية مشتركة قائمة على الأخلاق وقبول الآخر
  • «أنا هو خبز الحياة»
  • كنيسة العذراء بشبرا مصر تستضيف فعاليات الأسبوع الثاني من الخمسين المقدسة
  • أنشطة كنيسة الملاك رافائيل في المعادي بمناسبة الخمسين.. تفاصيل
  • “درس الكتاب المقدس” في كنيسة العذراء بأرض الجولف.. الليلة
  • كنيسة القديس بولا تشهد أنشطة الخمسين المقدسة..غدًا
  • كنيسة القديس بولس تنظم غدًا فعاليات الخمسين المقدسة
  • مواعيد أنشطة الخمسين المقدسة في كنيسة العذراء بالعمرانية
  • فعاليات كنيسة العذراء بالزمالك بمناسبة الأسبوع الثاني من الخمسين المقدسة
  • فعاليات كنيسة القديسين بمناسبة الاسبوع الثاني من الخمسين المقدسة