عبد الله علي إبراهيم

"لم يُشكل على السودانيين استرداد الديمقراطية متى صادرها ديكتاتور، ولكنهم لم يجربوا من قبل استرداد الدولة بعد تهافتها. وكما قال القائد الروماني "سنتعلم الحرب في الظلام" حين قالوا له إن سهام الفرس غطت السماء فأظلمت الأرض".

بدا من شهادة مندوب أميركا الخاص للسودان توم بيرييلو أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الأربعاء الماضي أن الرتق بين المجلس والإدارة الأميركية حول سياسة الولايات المتحدة حيال السودان اتسع على الراتق.

فلقد قالها صراحة عضو اللجنة الجمهوري عن ولاية أيداهو جيم ريتش إن صبرهم نفد مع إدارة تبدي وتعيد في سياسات عقيمة. وسبق له هو شخصياً أن دعا الإدارة إلى تعيين مندوب خاص للسودان منذ أبريل (نيسان) 2023. ولم يتحقق هذا إلا بعد 10 أشهر من المطلب بانتداب بيرييلو قبل ستة أشهر، وبإمكانات غاية في التواضع لأداء المهمة.
وكان نحو 12 من النواب الديمقراطيين من المؤرقين بما رشح من دعم الإمارات العربية المتحدة لقوات "الدعم السريع"، بعثوا برسالة إلى أميرها في ديسمبر (كانون الأول) 2023 يلتمسون منه الكف عن ذلك. وفي جلسة استماع لشهادة بيرييلو حمل ريتش على الإدارة بغير هوادة، قائلاً "ما اجتمعنا هناك لتصدعنا الإدارة عن كيف أن الوضع في السودان آخذ في التدهور. ومع ذلك لم تتقدم عملياً وبصورة ملموسة لتحسين الوضع فيه، أو بلوغ حل لمسألته. فبينما يضطلع الكونغرس بدوره القيادي في رقابة السياسة الحكومية، لا تقوم الإدارة بدورها في المقابل".
بعد 27 شهراً من انتظار تعيين المندوب الخاص للسودان التي وقع خلالها انقلاب آخر واندلعت حرب أهلية، لا يزال ريتش غاضباً من استمرار الإدارة في عجزها عن تقديم خطة شاملة للجنة مجلس الشيوخ لما يمكن عمله في شأن السودان. واعترف بأن مثل هذا العمل شاق إلا أنه واجب الإنجاز، ودعا إلى كسر هذه الحلقة المفرغة من انتظار الفرج. فالسودانيون وحلفاؤهم واللجنة يريدون أن يعرفوا كيف ستنتهي هذه الحرب نهاية ترفع معاناة ملايين السودانيين، وتحاكم المسؤولين عن إشعالها. فلجنتهم، في قوله، تريد أن تسمع من وزارة الخارجية كيف رتبت لتفادي السيناريوهات الأسوأ التي تلوح.
وأضاف ريتش أن استجابة بلده لمحنة السودان كانت ضعيفة مقارنة بغزة وأوكرانيا. فهي لا تزال تراوح عند منبر جدة للتفاوض بين الأطراف، مع أن النجاح لم يحالفه في وقف إطلاق النار إلى يومنا هذا. وعلى أهمية انعقاد مفاوضات أخرى في جدة، بحسب قوله، فإن لجنته تريد أن تعرف كيف ستختلف هذه الجولة الجديدة من المفاوضات عن سابقاتها. وتريد أن تعرف بالتحديد كيف لهم وحلفائهم إحباط التدخلات في الحرب من الإمارات وروسيا اللتين "هبطتا على السودان كالصقور تغمس مناقيرها في فضلات ما تبقى من جسد دولته". وناشد بيرييلو قائلاً، "أرجوك لا تنفق وقتك بيننا تحدثنا عن مبلغ رداءة الأوضاع في السودان. نحن نعرف ذلك. نريد أن نسمع عن كيف ستقبض الإدارة بزمام هذه الأزمة، وكيف ستوقف الجنوسايد (الإبادة الجماعية) القائم في دارفور؟". وسأله "هل تساند قانون ماغنيتسكي الدولي لفرض المقاطعة على محمد حمدان دقلو (حميدتي) و’الدعم السريع‘ بسبب الدمار والقتل اللذين يحدثانه؟ وإذا لم تكن ممن يساند القانون فمن غير المشكوك فيه أننا سنعود بعد 12 شهراً نحصي النفوس التي راحت ضحية الجشع والكراهية. وهذه اللجنة من جمهوريين وديمقراطيين تتطلع لتسمع عن طريق عملي إلى الأمام. أكرر أمامك أنه عمل شاق".
وضع ريتش يده على موطن الفشل الأميركي حيال محنة السودان، وهو أنه لا يشكل الأهمية الاستراتيجية التي لأوكرانيا أو غزة. وجاء في نقد آخر لسياسة الرئيس جو بايدن حيال السودان أنه ليس أسبقية. وهذا مؤسف، مع أن السودان هو البلد المثالي في أفريقيا في التعلق بأهداب الديمقراطية التي هي حجر الزاوية في السياسة الخارجية الأميركية للرئاسات من الحزب الديمقراطي مثل إدارة بايدن، إذ استعاد السودانيون، بمتانة مجتمعهم المدني، الديمقراطية ثلاث مرات منذ استقلاله في 1956 بما يدخله موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية. ولم تحتفل أميركا بذلك وكان لها ما يشغلها عن هذه المآثر السياسية واحدة بعد الأخرى. فاستدبرت ثورة أكتوبر (تشرين الأول) 1964 لشبهة الشيوعية خلال الحرب الباردة، وأعطت كتفاً باردة لثورة 1985 باحتفائها بالحركات المسلحة التي ناهضت الديمقراطية المستعادة، ونظرت في ذلك إلى الآثار العصيبة التي أصابت غير المسلمين من جراء دولة الرئيس نميري الإسلامية قصيرة العمر. ولدى نجاح ثورة ديسمبر 2018 كان شاغل الرئيس ترمب أن تتصالح حكومتها الانتقالية مع إسرائيل دون غيرها من جدول أعمال تلك الحكومة.
ومما حال دون تصميم أميركا سياسة ناجزة حيال السودان، مما اشتكى منه ريتش، هو أنها لا تزال ترتهن لسياسات نصرتها لدارفور وما لقيته تحت أيدي الجنجويد ثم قوات "الدعم السريع" تحت ظل نظام دولة الإنقاذ (1989-2019) منذ 2003. وبدا لها من مقاتلة "الدعم السريع" في دارفور للعناصر الأفريقية مثل المساليت وكأن التاريخ يعيد نفسه كمأساة للمرة الثانية. فتنادت أميركا في أيامنا هذه لوقف الحرب الوشيكة بمدينة الفاشر التاريخية عاصمة ولاية شمال دارفور. فحذرت المندوبة الدائمة لأميركا بالأمم المتحدة ليندا توماس غرينلاند من الهجوم الوشيك في يوم المسلمين هذا على الفاشر. وناشدت "حميدتي" والقوى المتحالفة مع الجيش والجيش ألا يصعدوا الحرب، قائلة، "قد بلغنا حداً من الفظائع المؤكدة البشعة مما يذكر بقوة بما رأيناه يحدث في 2004 والذي صح فيه وصفه بالجنوسايد". ولغرينلاند خبرة مباشرة عن بشاعة الحرب في دارفور وقفت عليها عند زيارتها اللاجئين منها إلى تشاد في سبتمبر (أيلول) 2023. وقالت كلمة غاية في العذوبة عن خذلان العالم لدارفور، "من بين أصوات طلقات الرصاص والقصف سمع السودانيون صمتنا".
ولم نسمع هذا الانزعاج المستحق من حرب الفاشر حين أوشكت "الدعم السريع" على الهجوم على مدينة مدني بولاية الجزيرة في نهاية العام الماضي سوى من بريطانيا، بل لا يطرق سمعك هذا الإشفاق من تصعيد الحرب في يومنا ومدن مثل شندي وعطبرة ومروي في ولايتي النيل والشمالية على النيل الأوسط تعيش رعب المسيّرات والتهديد بغزوها لتصفية حسابات تاريخية مع أهلها جميعاً ممن زعموا أنهم أساؤوا حكم السودان منذ ورثوه عن الإنجليز عام 1956. وبلغوا في الشطط في هذا التهديد حد الإلحاد، والعياذ بالله، فقال أحدهم إن لدخول مدينة شندي غازياً مقدماً عنده من دخول الجنة. فلم تخرج أميركا أو غيرها بعد باسم لعمليات إخلاء "الدعم السريع" دور المواطنين في الخرطوم وإسكان قبيلهم فيها سوى قولهم إنها "انتهاكات". ولهذا الانتهاك مصطلح هو "الاستعمار الاستيطاني" وبينه وبين "الجنوسايد" مسافة قريبة.
ونواصل

[email protected]  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدعم السریع الحرب فی

إقرأ أيضاً:

الجيش السوداني يُدمر ارتكازات ومعدات عسكرية للدعم السريع

أشارت مصادر سودانية إلى أن هجمات للجيش السوداني أسفرت عن تدمير ارتكازات ومعدات عسكرية للدعم السريع.

واستهدفت مُسيرات الجيش السوداني تستهدف عدة مواقع للدعم السريع في شمال كردفان.

وأصدرت وزارة الخارجية السودانية، في وقت سابق، بياناً قالت فيه إن مليشيا الدعم السريع ارتكبت  مذبحة في مدنية كلوقي جنوب كردفان. 

وأشارت الوزارة إلى أن الهجوم أسفر عن مقتل 79 مدنياً بينهم 43 طفلاً.

اقرأ أيضًا.. قاضي قضاة فلسطين: مصر أفشلت مُخطط تهجير شعبنا

"اليونيسيف" يحذر من مخاطر تفشي الأمراض بين أطفال غزة أونروا: إسرائيل ما زالت تمنعنا من إيصال المساعدات مباشرة لغزة

وأدان برنامج الأغذية العالمي الهجوم الذي استهدف شاحنة ضمن قافلة إنسانية شمال دارفور بغرب السودان، مطالباً بتحقيق فوري ومحاسبة المسؤولين عن الحادث لضمان حماية المساعدات الإنسانية.

وقالت شبكة أطباء السودان، في وقتٍ سابق، إن الحصار المفروض على مدينتي الدلنج وكادوقلي يعرض حياة آلاف المدنيين للخطر.

وأضافت: "وفاة 23 طفلاً بسبب سوء التغذية الحاد خلال شهر بمدينتي الدلنج وكادوقلي بجنوب كردفان".

وقالت منظمة الهجرة الدولية، في وقتٍ سابق، إن تصاعد القتال في كردفان يُجبر سكانها على النزوح.

وذكرت مصادر سودانية أن هناك مواجهات اندلعت داخل مدينة بابنوسة في غرب كردفان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

وقالت شبكة أطباء السودان إنه تم تسجيل 32 حالة اغتصاب مؤكدة خلال أسبوع لفتيات من مدينة الفاشر وصلن إلى طويلة.

ويأتي ذلك في إطار الكشف عن جرائم الدعم السريع في السودان خلال الفترة الأخيرة.

وأشارت مصادر سودانية إلى أن الجيش السوداني بدأ في بسط سيطرته على بلدة أم دم حاج أحمد بولاية شمال كردفان.

 وذكرت المصادر أن الجيش السوداني يبدأ عملية عسكرية واسعة النطاق.

 وقال عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة السوداني، إنه لا نهاية للحرب إلا بالقضاء على ميليشيا الدعم السريع.

وأضاف قائلاً: "سنواصل القتال ضد ميليشيا الدعم السريع".

 وأعلن البرهان التعبئة العامة من منطقة السريحة بولاية الجزيرة.

 وطالب مجلس حقوق الإنسان بتحقيق عاجل لتحديد المسؤولين عن الانتهاكات في الفاشر.

 وأصدر مجلس حقوق الإنسان مشروع قانون يهدف إلى إدانة انتهاكات الدعم السريع في الفاشر,

وأكد مجلس حقوق الإنسان الدولي ارتفاع مخاطر الجوع والمرض في السودان.

 وقال فريق الخبراء المستقلين بشأن السودان إن أجزاء كثيرة في الفاشر أصبحت ساحة جريمة.

 قالت المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين إنها تُحذر من تفاقم كارثة نزوح آلاف الأسر من دارفور وكردفان في السودان.

 وأضافت: "النازحون من دارفور وكردفان في السودان يواجهون انتهاكات خطيرة".

وأكملت قائلةً: "الأوضاع في الفاشر غربي السودان تتجه إلى الانهيار السريع".

مقالات مشابهة

  • السودان.. مقتل 6 جنود للقوات الأممية و«الدعم السريع» تعلّق!
  • بعد استهداف البعثة الأممية.. السودان يدعو لتصنيف الدعم السريع جماعة إرهابية
  • السودان يدين هجوم مليشيا الدعم السريع على مقر الأمم المتحدة بكادوقلي
  • مصرع مواطن سوداني بنيران الدعم السريع في كردفان
  • انتهاكات وحشية..حاكم دارفور: أولويتنا حماية المواطنين من اعتداءات الدعم السريع
  • الجيش السوداني يُدمر ارتكازات ومعدات عسكرية للدعم السريع
  • البرهان يناور بذكاء ويتوعد الدعم السريع
  • بريطانيا: عقوبات على 4 من قادة الدعم السريع بينهم عبد الرحيم دقلو
  • المملكة المتحدة تفرض عقوبات على قيادات من "الدعم السريع" بالسودان
  • جنوب السودان يتولى أمن حقل هجليج النفطي بعد سيطرة الدعم السريع