منظومة إجادة قارب نجاة لمّا يصل مبتغاه
تاريخ النشر: 5th, May 2024 GMT
مرت حكومات كثير من الدول بمجموعة من التحديات المعاصرة المرتبطة بالاقتصاد من جهة وبالطاقة البشرية وضرورة تأهيلها وتطويرها من جهة أخرى، فكان لزاما على كثير منها السعي للتحول من الأنظمة التقليدية في التقييم الشفهي والمكافأة العامة إلى أنظمة تملك القدرة على التقييم التحفيزي والتقدير التمايزي الذي يعلي من شأن الإنجاز، كما أنه يمثل دافعا دوريا لمنتسبي القطاعات المستهدفة؛ يحملهم على بذل الجهد والسعي للتميز، كما أنه يعلمهم التكامل في سياق العمل كفريق والحرص على المؤسسة تماما كالحرص على المنفعة الفردية، ولعل من نافلة القول التأكيد على ضرورة توظيف أقل المتاح لبلوغ إنتاجية أعلى اعتمادا على مبدأ التحفيز متضمنا التعزيز والتعزير؛ ترشيدا لاستهلاك الموارد المالية (خصوصا أن رأس المال البشري يكلف بعض الحكومات ما يزيد عن نصف ميزانيتها سنويا) وحرصا على تنمية الموارد البشرية، وهنا يكمن ذكاء التطبيق في تحقيق الموازنة التكاملية بين العنصرين المادي والبشري.
لا يمكن إنكار أن هذا السياق هو ذاته منطلق التفكير في إيجاد منظومة لقياس الأداء الفردي والمؤسسي تتسق أهدافها مع ترشيد الاستهلاك متوافقة مع رؤية 2040 المتضمنة حوكمة الأداء وتحفيز العمل والابتكار فكانت «إجادة»، ولعلّ من الإنصاف التصريح بالإعجاب بنظرية هذه المنظومة القائمة على تجاوز فكرة الموظف المنتظر ترقية حتمية مبنية فقط على عدد سنوات محددة (عمل أم لم يعمل) إلى فكرة منظومة قادرة على التقييم والتقدير في مكافأة المميز العامل وتحفيز المقصر للعمل سعيا لبلوغ طموحاتهم الوظيفية وأهداف المؤسسة معا، ومنها لأهداف أسمى وأعلى في تنمية البلاد ورخاء المجتمع.
وكما أنه لا يمكن إنكار سمو فكرة هذه المنظومة أو نظريتها المثالية في تحقيق ما تسعى إليه من أهداف -متمثلة في أنها منظومة تشاركية في إدارة التغيير، تتسم بالموضوعية والوضوح والشفافية، إضافة إلى تعزيزها دور الموارد البشرية لحوكمة الأداء البشري والمؤسسي وصولا إلى تصييره شريكا استراتيجيا فاعلا- لا يمكن كذلك إنكار ثغرات التطبيق الكثيرة المتوقعة منها وغير المتوقعة، مما يدفعنا جميعا إلى ضرورة تجاوز الطرح العاطفي المبني على إعجاب الصانع بصنعته والفنان بلوحته والمبدع بفكرته، ودفاعنا الانفعالي بعيدا عن النقد الذاتي، والتقييم الموضوعي المستمر وتمكين التحول المرن إلى ما فيه تحقق للأهداف الرئيسة التي قامت عليها هذه المنظومة، فإن حدث ذلك وقعنا في محاذير كنا نخشاها قبل «إجادة» بل ربما ضاعفنا من رقعتها ومن تأثيرها.
لنبدأ بالإطار الزمني للتنفيذ حسب المعلومات الواردة عن فريق عمل إجادة، الإطار الزمني الموضوع ليكون خمس سنوات تم تقليصه إلى تسعة أشهر نظرا للحاجة الماسة للتسريع في إيجاد منظومة لقياس الأداء متناسبة وتحديات الواقع الاقتصادي ومستلزمات حوكمة وترشيق مؤسسات القطاع الحكومي، وما كان لذلك أن يكون ذا أثر سلبي واضح لولا أن ذلك التسريع لم يلتفت لطبيعة بعض المؤسسات الحكومية التي تمر بتغيرات جذرية كالفصل والدمج التي تستلزم معها أي منظومة مدىً زمانيا مضاعفا ملائما لطبيعة مشروعي الدمج أو الفصل وتبدل الاختصاصات الوظيفية، وإعادة تشكيل الكثير من الدوائر والأقسام، فضلا عن الهيكلة العامة.
لا يمكن كذلك تجاوز تكرار الاحتفاء بفكرتي التحول الرقمي والشفافية معا حيث اقتضت نظرية «إجادة» ذاتية صياغة الخطط والأهداف مع موضوعية التقييم عبر النظام ذاته دون تدخلات بشرية مبنية على الانحياز المعرفي «cognitive bias» المؤثر على عدالة التقييم وإنصاف المجيد فعليا، وهو ما يمكن للمتتبع والمراقب ملاحظته تأكيدا على فكرة بقاء المحسوبية والانحياز، فأين الموضوعية في ذلك؟! ثم أين الشفافية المستوجبة ضرورة التقاء رئيس الوحدة بموظفيه قبل اعتماد الأهداف في كل مرحلة؟ هذا اللقاء (وفقا لإجادة) متضمن توجيه المسؤول لموظفيه في حالة أعطوا أنفسهم ما لا يستحقون من صياغة هدف أو تقييم لإنجاز، كما أنه واجب في حالة بخس أحدهم نفسه حقها من التقدير، والحق أقول فإن في هذا ما فيه من شفافية وموضوعية.
لكن الواقع يحيلنا إلى حقيقة سرعة إنجاز إدخال الأهداف مع ضيق وقت فترة التفعيل في كثير من المؤسسات مما لا يتاح معه لرئيس الوحدة اللقاء حتى ببعض موظفيه فضلا عن كل الموظفين، إضافة إلى توقيت فترة التقييم ذاتها التي تتقاطع مع أعمال أكثر أهمية بالنسبة للمؤسسة مثل المؤسسات التعليمية التي تتوافق هذه الفترة غالبا مع فترة اختبارات نهاية الفصل، فيقع المرء بين خيار ضميره المستوجب العناية بعمله أو خيار مصلحته في وضع «إجادة» أولوية وليأتي كل شيء بعدها! تساؤلات مطروحة بحاجة إلى تحليل ومتابعة: كيف وصلت الأهداف وتقييمها إلى مرحلة الاعتماد ثم التقييم دون هذا اللقاء بين الطرفين؛ مدير الوحدة والموظف؟ وهل مهمة المسؤول تتلخص في تصيّد المبالغات لموظفٍ مُعْجَبٍ مُعَظِّمٍ لأدائه مبدع في الصياغة بلا عمل أو مع نصف عمل، وتهميش وإهمال موظفٍ مُنْشغلٍ بالإنجاز الفعلي والمصلحة العامة أكثر من انشغاله بإنصاف نفسه في إدخال أهدافه أو تقييمها؟ وهذا طريق أغلب المجيدين الذين اعتادوا على تصغير عظائم إنجازاتهم تواضعا وحرصا على تقديم الأفضل، لذلك كانوا من حزب ضحايا «إجادة» حين استكثروا توصيف «إنجاز يفوق التوقع» على إنجازاتهم المبدعة المميزة فما كان إلا أن عوقبوا بتقييم همّش عملهم واستصغر إنجازهم مع جملة «تستحق ذلك لأنك أخطأت في صياغة أو تقييم أهدافك» ولم يعاقب مسؤول مر عليه كل ذلك مرور الكرام فلم يحفل بالتعديل ولم يأبه للنصح رغم معرفته بإخلاصهم، ولعله ينجو من الظلم البيّن إلى التقصير ليكون عذره أنه لم يقرأ الأهداف أصلا لذلك يتحمّل صاحبها ظلم نفسه، فمن يقيّم المُقَيّم؟ عدالة التقييم وحسن الإنصاف هؤلاء تقتضي التوجيه بإعادة الصياغة قبل الاعتماد إن أخطأ مخلص تعرفه في الصياغة (خصوصا أن البرنامج ما زال في مرحلة أولى من التنفيذ تمت على عجل) فإن لم يكن ذلك ففي مرحلة ثانية قبل التقييم، كيف تستقيم فكرة الوضوح والشفافية والموضوعية مع تكرار هذا السيناريو في مواقع مختلفة؟
ثم تأتي بدعة «المنحنى» غير المطروحة أساسا، وغير المتوافقة أصلا مع فكرتي الموضوعية والشفافية لتكون مبررا لاختيار بعض المجيدين دون بعض وكأن الأمر آل إلى قرعة الحظ، وبها تعللَ بعض المسؤولين كذلك لتغيير التقدير المعتمد أول الأمر إلى منزلة أقل إن بلغ عدد المجيدين نصابا أكبر من استيعاب الوحدة المأمورة باختيار عدد محدد من المجيدين، فأين الموضوعية والشفافية والحوكمة والتحول الرقمي عما يحدث؟! ثم فكرة «التتابع» بمعنى؛ لا يمكن تكرار الإجادة أكثر من مرة: فماذا لو أن الموظف كان الأكثر إنتاجية والأعلى جهدا؟ هل يُبخس حقه لمجرد كونه مجيدا من قبل، مما يربي ثقافة استرح ولا تعمل بعد إجادة لعام أو عشرة لأن الأمر بالتتابع!
لا بد من تعاضد مجتمعي وآخر مؤسسي عام لتعزيز مضامين رؤية 2040 بما تحمل من محاور تسعى لرخاء البلاد وراحة إنسانها، ولعل من الخير التذكير بأن مجرد ربط أي فكرة أو مشروع أو خطة نظرية برؤية 2040 دون وعي حقيقي بأهداف الرؤية الوطنية ومستلزماتها الواجبة من متابعة حثيثة ومراجعة دورية وتطويع مرحلي وفقا لمتغيرات الواقع وتحديات المستقبل لن يجعل منها نصا مقدسا لا يقبل المساس. وإن أردنا معا النهوض بمنظومة إجادة سعيا لبلوغ أهدافها فلا بد من الإصغاء للجميع ثم الإصغاء لسرد التحديات وثغرات التخطيط، ثم العمل على سد ثغرات التطبيق عبر المتابعة الحقيقية ومحاسبة كل المخالفين، وتمكين أصوات جميع فئات العمل المؤسسي ثم إعادة صياغة إجادة وفقا لطبيعة كل مؤسسة ومعطياتها من الموارد البشرية والمادية والفنية.
إن اعتمدت إجادة كمنظومة أحادية الرؤية وسلطوية الصوت فلن تعدو ما حاولت إثبات تجاوزه من فكرة: تعميم المكافأة حافز للتقصير إلا إلى فكرة: تخصيص المكافأة للقريب لا للمجيد، وفي هذا ما هو أخطر من مغبة التعميم إذ يستشعر المجيد في الأولى تقديره رغم مضاضة مساواته بالمقصر، أما في الثانية فمكافأة المقصر سينتج عنها انكفاء المجيد الفعلي عن العمل ولن تصل المؤسسة مبتغاها من إنتاجية عبر إقصاء المجيد وتعزيز المُتَقَنِّع القادرِ على صياغة أهداف مُتَخَيَّلَة لثقته في تقييم متخيّل كذلك ثم مكافأة فعلية.
ختاما: لا بد من التأكيد على أن نقد ثغرات المنظومة لا يعني رفضها، كما أنه لا يعني السعي لتقويض جهود المخلصين من المشتغلين على هذا البرنامج الكبير الذي نريد له جميعا النجاح، إنما هو نقد ذاتي لمنظومة نريد لها المتابعة الدقيقة والمحاسبة الحازمة لكل تجاوزاتها، وتطويرها وفقا لكفاءة الأفراد وواقع المؤسسات رغم كل ما قد يترتب على ذلك من جهود مضاعفة وموارد أكبر. العناية بالإنسان أولوية كبرى، لأجله تم تطويع كل النظريات متضمنة نظرية الاقتصاد السلوكي التي تتكئ منظومة إجادة عليها في بعض محاورها، الاقتصاد السلوكي الواصل بين النظام الاقتصادي وعلم نفس الإنسان في توجيه الممارسات السلوكية دعما لاقتصاد المواطن الفردي نهوضا باقتصاد بلاده.
حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
هيدي كرم تثير الجدل بسبب تقبلها فكرة الزواج من غير ديانتها
أثارت الفنانة هيدى كرم حالة من الجدل الواسع بعد اعلن امكانيتها الزواج من شاب على غير ديانتها مؤكدة أن هذا الأمر لا يعوق زواجها.
وقالت هيدى كرم فى بودكاست “وفيها إيه” : “في ناس كتير اتجوزت من نفس ديانتها وفشلت وناس اتجوزت من ديانات مختلفة والعلاقة نجحت، أنا مؤمنة تماما أن الدين دا حاجة بيني وبين ربنا ومهم طبعا أن إحنا نحترم أفكار وأديان بعض ومن هنا بيجي تقبلي ليك، ما أنا لو مش محترمه دينك ومش محترمه فكرك وعقيدتك اللي انت اتولدت لقيت نفسك عليها هقولك متجوزش واحد مش من ديني وابدأ أخاف".
View this post on InstagramA post shared by storybelarabi (@storybelarabi5)
وأضافت هيدى كرم : "لكن لو احترمت فكرك وعقيدتك هتقبلك في الحياة بكل الأشكال، صديق وزوج وحبيب واتقبلك أم، ممكن تبقى أم مسيحية متجوزه من مسلم ومخلفه أولاد مسلمين، هو هيتقبل أن أمه مسيحية بتروح الكنيسة في الأعياد وبتصوم صيامها وهي هتتقبل أن أولادها مسلمين وبيروحوا الجامع وبيصوموا صيامهم، انت لازم تعيش في تقبل الآخر لأن كل المشاكل والحروب والعنف طلع بسبب عدم تقبل الآخر لازم نتقبل بعض معندناش حل تاني".
من ناحية أخرى روت الفنانة هيدى كرم تفاصيل مشهد جمعها بالفنان يوسف الشريف فى فيلم آخر الدنيا حيث كان عبارة عن قبلة وهو ما رفضته تمامًا.
وقالت هيدى كرم في بودكاست وفيها إيه بقناة story بالعربي: “كلمة جريئة دي مفتوحة، الدور ممكن يبقى جرئ في اللبس أو المشاهد أو الحوار، الناس بتقول عليا إني جريئة لكن أنا مش شايفة كده، والمفروض أكون مخفش من الهجوم أو الفكرة، وفيه فنانات كبار كانوا بيعملوا مشاهد أجرأ مني، زي النجمة هند رستم، أدوراها كلها عظيمة وجريئة وأنا بحبها، وفيه مشاهد جريئة بتكون مكتوبة في الاسكريبت لكن بنتحايل وبنعملها بشكل مرضي للجمهور”.
أضافت هيدى كرم: في فيلم آخر الدنيا كان فيه بوسة مع يوسف الشريف، وأنا مكنتش عايزة أعملها، فقولت للمخرج أمير رمسيس أنا مش هقدر ومش حابة أعمل كده، هو قالي أنا عارف لكن مش هقدر ألغيها عشان مهمة في أحداث الفيلم، فقالي أنا هتصرف، غير تكنيك الكاميرا خلاها تلف، وعملها بطريقة إن وجهي كان في قفاه، فظهر للجمهور إننا هنبوس بعض لكن مفيش تلامس حصل، الموضوع كان محتاج حرفنة مش أكثر".