"إجادة".. هل هي الطريق إلى الإجادة الحقيقية؟
تاريخ النشر: 25th, May 2025 GMT
إسماعيل بن شهاب البلوشي
في السنوات الأخيرة، تبنَّت مؤسسات الدولة منظومة "إجادة" كأداة لتقييم أداء الموظفين وتحفيزهم نحو التَّميز والإنتاجية، ورغم أن الفكرة من حيث المبدأ تستحق الإشادة، إلّا أن الواقع العملي والتغذية الراجعة من المتعاملين والمجتمع والموظفين أنفسهم كشفت عن حاجة ماسة لإعادة النظر في هذا النظام وتطويره أو حتى التراجع عنه، وإذا كانت الرؤية الاستمرار فيه فإنَّ جوانب هامة يجب أن تدخل فيه بما يحقق العدالة والكفاءة ويحفظ جوهر الخدمة العامة.
هل نُحسن تقييم "المُجيد"؟
المشكلة الأولى التي برزت تتمثل في تعريف "المُجيد" نفسه. فالإجادة ليست صفة يمكن استنتاجها من نظام إداري مغلق أو تقارير داخلية قد تشوبها المجاملات أو المجازفات التنظيمية أو حتى طريقة وصلاحيات التقييم؛ بل إن الإجادة الحقيقية تنبع من قدرة الموظف على إحداث فارق ملموس في حياة الناس. الموظف المجيد هو من يترك أثرًا في المجتمع ويفرض نفسه بنجاحه بشهادة المستفيد وهو المواطن، ويُحسن التعامل مع المستفيدين بطرق مرضية ورؤية بها الإيجابية والابتسامة، ويكون حضوره في الميدان أكثر من وجوده خلف المكتب.
أقوى التقييمات وأصدقها تأتي من المستفيد النهائي (المواطن أو المقيم) الذي يتعامل مع الموظف أو المؤسسة. إذا كانت مخرجات النظام لا تعكس رضا هؤلاء المستفيدين، فإنَّ التقييم يُصبح معزولًا عن واقعه. ومن هنا تبرز الحاجة لربط نظام "إجادة" بمؤشرات قياس تتضمن رأي الجمهور وليس فقط البيانات البيروقراطية.
الخلل في المكافآت: الإضرار بالصورة الكلية
ومن المشكلات التي لاحظها كثيرون أن نظام "إجادة" كما هو معمول به حاليًا، أتاح مكافآت مالية كبيرة لكبار الموظفين دون أن ينعكس ذلك على تحسين الأداء في المستويات المتوسطة والدنيا من الهرم الإداري. هذا التمييز المالي غير العادل أضر بروح الفريق، وخلق فجوة بين العاملين في ذات المؤسسة؛ بل إنَّ المفارقة المؤلمة أنَّ البعض أصبح ينظر إلى النظام كوسيلة لتلميع المناصب العليا، لا كوسيلة لتحسين الخدمة العامة. وإذا لم تكن هناك عدالة في توزيع الحوافز، وإذا لم تُربط هذه الحوافز مباشرةً بالأداء الفعلي والنتائج على أرض الواقع، فإنها تتحول إلى عبء إداري على البقية، وقد تضعف الحافز الداخلي لدى صغار الموظفين.
غياب الردع والمحاسبة: فجوة خطيرة
ثالثًا، وربما الأخطر، أن النظام لا يتضمن أدوات ردع واضحة. في الوقت الذي يحصل فيه المُجيد على التقدير، لا يواجه غير المُجيد أي نوع من المساءلة أو التقويم. بل إن البعض- رغم ضعف أدائهم- يواصلون مسيرتهم الوظيفية بلا تغيير، ولا مواجهة، ولا تحفيز على التحسن.
في أي نظام عادل، لا بد من مبدأ الثواب والعقاب. فكما أن هناك مكافأة للمجيد، لا بد أن يكون هناك تقويم للضعيف، ودفع باتجاه التحسين، وإلا فلن يكون هناك دافع حقيقي للتغيير.
نحو نظام تقييم أكثر عدلًا وواقعية
وإذا أردنا فعلًا نظامًا يُحقق "الإجادة"، لا بُد أن نُعيد تصميمه من القاعدة لا من القمة. ولعل أبرز الاقتراحات في هذا السياق:
1- إشراك المستفيد النهائي في التقييم: تخصيص نسبة لا تقل عن 70% من التقييم بناءً على رأي المستفيدين، سواء من خلال استبيانات أو أنظمة تقييم إلكترونية شفافة على مستوى الولايات والمحافظات لتعطي صورة جليه عن سمعته وصفته وحديث النَّاس عنه في الولاية والمحافظة بشكل عام.
2- تحقيق العدالة في المكافآت: إعادة توزيع المكافآت بطريقة تضمن وصولها للعاملين الحقيقيين في الميدان، بغض النظر عن المناصب.
3- إدراج مبدأ الردع: من لا يقدم ولا يطوّر من نفسه يجب أن يخضع لتقييم صارم وتحفيز على التطور، أو نقل لمكان أكثر ملاءمة.
4- تبسيط النظام وربطه بالواقع: تجنب التعقيد الإداري في التقييم، والتركيز على أثر العمل لا على أوراق الإنجاز.
واخيرًا.. فإنَّ نظام "جادة" فرصة ثمينة، لكنه في صورته الحالية لا يحقق الأهداف التي رُسم من أجلها. إن الرغبة في التغيير موجودة لدى المجتمع، والإرادة الوطنية العليا نحو التطوير ولا ينقصها الحضور الوطني العماني المتكامل إنما المطلوب فقط أن ننصت جيدًا، وأن نراجع أدواتنا، وأن نُعيد توجيه البوصلة نحو المواطن؛ باعتباره المستفيد الأول والأخير من كل نظام يحتوي على إجادة لكي نصل إلى الإجادة التي نتمنى ونطمح أن تقود السلوك الوطني نحو الإنتاج والعمل والوصول بالوطن إلى ما نطمح أن نكون عليه.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
وزير الشئون النيابية: القائمة المطلقة النظام الأمثل لتمثيل الفئات المهمشة
عقب المستشار محمود فوزي وزير الشئون النيابية والقانونية والتواصل السياسي، على النائب ضياء الدين داود، حول نظام القائمة النسبية، مشيرا انه بصفته رئيس الأمانة الفنية للحوار الوطني وعضو مجلس الأمناء، فانه يؤكد أن القائمة النسبية، لم يحدث حولها توافق وتم رفع اكثر ثلاث آراء للسيد رئيس الجمهورية مصحوبة بمميزات وعيوب كل نظام انتخابي .
وتم ترك الأمر للقوى السياسية لتقرر ما تشاء، مشيرا أن مشروع القانون مقدم من أكبر اربع كتل سياسية، ولا يوجد نظام سياسى مثالى اكثر من الآخر، وانما يوجد نظام انتخابي مناسب ومطابق للمعايير الدستورية.
مؤكدا انه لا صحة لكون نظام القائمة المطلقة يهدر الأصوات، كما أكد ان نظام القائمة المطلقة هو الضامن لتمثيل الفئات السبعة المميزة في الدستور .