جنوب لبنان- شهدت جبهة الجنوب اللبناني تطورات ميدانية متسارعة في الأسبوعين الأخيرين. وانتقل حزب الله إلى اعتماد تكتيكات عسكرية جديدة في النوعية والكمية، ردا على تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية في العمق اللبناني، بهدف تعزيز معادلة جديدة في المواجهة بين الطرفين.

وقد أدخل الحزب للمرة الأولى تكتيكات ووسائل قتالية مغايرة عما كان يستخدمه في السابق، حيث استخدم مُسيّرات مختلفة في عملياته النوعية، وذلك بعد أن أظهر قدرته على جمع المعلومات الاستخبارية من خلال استهداف جنود إسرائيليين في مواقع مستحدثة.

كما أثبت قدرته على استخدام مُسيّرات انقضاضية بـ3 أهداف مختلفة في الوقت نفسه، كما فعل في موقع "المطلة"، إضافة إلى إسقاط منطاد تجسسي فوق مستعمرة "أدميت" بعد تحديد مكان إدارته والتحكم به، والرد المباشر والفوري على الغارات الإسرائيلية على المنازل المدنية باستهداف مبان في المستوطنات المقابلة.

عملية نوعية

في السياق، استعرضت الجزيرة نت مع منسق الحكومة اللبنانية السابق لدى قوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل) العميد منير شحادة، والمحللين السياسيين وسيم بزي، وحسين أيوب، أبرز التطورات الميدانية والمعادلات العسكرية الجديدة على الجبهة الجنوبية ومستقبلها المحتمل.

برأي العميد شحادة، فإن التصعيد بدأ في جبهة الجنوب من قبل حزب الله، من خلال عملية نوعية في عرب العرامشة، حيث أظهرت المقاومة قدرتها على المراقبة والاستطلاع والحصول على معلومات استخباراتية دقيقة.

واستهدفت المقاومة مركزا إسرائيليا حديثا، مما أدى إلى إصابته بطائرات انقضاضية وصواريخ دقيقة، وأسفرت عن سقوط 18 عسكريا بين قتيل وجريح وفقا لاعترافات إسرائيلية.

ويقول شحادة إن كل العمليات التي حصلت منذ بدء العملية حتى اليوم، كانت رسائل من المقاومة "للعدو الإسرائيلي" تحمل 3 دلالات أو رسائل هي:

الرسالة الأولى: ردعية، بمعنى إن قررت إسرائيل تنفيذ عملية عسكرية على لبنان، فإن المقاومة جاهزة بمفاجآت. وقد استخدمت أسلحة جديدة، منها طائرة انقضاضية مختلفة عن "الشاهد 136" وتحمل 45 كلغ من المتفجرات، إضافة إلى صواريخ دقيقة. الرسالة الثانية: التصعيد مقابل التصعيد، بحيث إذا صعدت إسرائيل عدوانها في مدينة رفح، فإن المقاومة سترد بتصعيد مماثل. الرسالة الثالثة: ردٌّ على اغتيالات إسرائيل لكوادر حزب الله، وآخرها اغتيال حسين إبراهيم مكي مسؤول من قادة قوة "الرضوان" في مدينة صور.

وبحسب العميد شحادة، فإن مشكلة إسرائيل الآن تكمن في أن هذه هي المرة الأولى التي تتمكن فيها المقاومة من إرسال طائرات انقضاضية بعمق 30 إلى 35 كيلومترا داخل العمق الإسرائيلي، مما يحرجها ويبرهن أنها أصبحت ضعيفة في السيطرة الجوية.

فقدان السيطرة

وأضاف شحادة أن الخبراء الأمنيين الإسرائيليين يقولون إنهم فقدوا السيطرة والقيادة والتحكم الجوي في الجبهة الشمالية، مما جعل المقاومة تتمكن من إرسال طائرات تجسسية وانقضاضية دون أي فعالية للقبة الحديدية أو للمضادات التي تمتلكها إسرائيل مثل مقلاع داوود والسهم.

ويوضح أن نظام المراقبة والتجسس والاستطلاع الإسرائيلي المؤلف من الأعمدة وقاعدة ميرون والمناطيد، قصفته المقاومة بنسبة 90%، مما جعل إسرائيل فاقدة للتحكم الجوي في الجبهة الشمالية.

وأتاح ذلك للمقاومة في لبنان إرسال طائرات تجسسية وانقضاضية، وآخرها استخدام طائرة انقضاضية مختلفة تحمل صاروخين موجهين، يتجه كل واحد إلى هدف محدد، وبعد إطلاقهما، تتجه الطائرة نفسها إلى هدف ثالث "وهنا نتحدث عن 3 أهداف بطائرة انقضاضية واحدة"، وفق شحادة.

ويؤكد أن استخدام هذه الطائرة الجديدة هو من المفاجآت التي تخبئها المقاومة لإسرائيل. وقد أظهرتها ردا على خرق قواعد الردع بقصف العمق اللبناني في جرود منطقة بعلبك وضواحيها، مما أدى إلى خسائر في الأرواح، "وهذه المفاجآت تظهرها المقاومة تباعا حسب الحاجة".

من جهته، قال الكاتب السياسي وسيم بزي إن التطور اللافت في المواجهة الحالية يظهر من خلال التصعيد المستمر الذي ينفذه حزب الله، مما يمكنه من استعادة المبادرة الميدانية على خط الجبهة مع شمال فلسطين المحتلة.

ويضيف أن "العدو الإسرائيلي" حرص طوال الأشهر الماضية على الاحتفاظ بالمبادرة عبر نوعية الرد، وعمقه الجغرافي، والجرعة النارية المستخدمة، محافظا بذلك على ما يسمى بـ"اليد العليا".

ويرى أن حزب الله نقل المواجهة ليفرض واقعا جديدا من خلال استخدام التكتيكات الجديدة لنزع المبادرة من يد "العدو"، وأهمها استعمال الطائرات المُسيّرة بكثافة، حيث أصبحت جزءا أساسيا في العمليات اليومية في الفترة الأخيرة.

وبحسب بزي، فإن مزج العمليات المركبة بين سلاح المُسيّرات والصواريخ الموجّهة، يأتي لزيادة دقة الضربات، مما أجبر "العدو" على الاعتراف بالخسائر بشكل أكبر مؤخرا. ويضيف أنهم شهدوا لأول مرة في عملية "أدميت" في الجليل الغربي منذ يومين، استخداما مركّبا للصاروخ من خلال 3 إطلاقات على منطاد.

نهج جديد

وتضمنت إحدى الإطلاقات استعمال وسيلة توجيه للمنطاد، واستخدم الإطلاق الثاني وسيلة تثبيته، بينما تم الإطلاق الثالث على المجموعة الموجهة نحو هذا المنطاد، الذي تمت إصابته بالكامل، وأقرت إسرائيل بقتيل و6 جرحى في هذه العملية، وفق الكاتب بزي.

كما أن الإطلاقات الكثيفة لصواريخ الكاتيوشا، وفق بزي، خاصة باتجاه العمق في منطقة الجولان السوري، هي تكريس لمعادلة البقاع مقابل الجولان. وعلى هذا الأساس، قام "العدو" بعملية جنوب بحيرة طبريا، حيث وصلت المُسيّرات إلى عمق يقدر بحوالي 35 إلى 40 كيلومترا تقريبا، وردّ بعدها بغارات ليلا في منطقة البقاع.

وبحسب بزي، فإن الجبهة تظل ملتزمة بقواعد الاشتباك، مما يجعل التطور نحو مواجهة مفتوحة وكبيرة أمرا صعبا، وذلك ضمن رؤية إستراتيجية تحكم الطرفين، مع تعزيز استمرارية دور الجبهة كداعم لغزة، ومحافظتها -حتى إشعار آخر- على انضباطها وتقيدها بهذه القواعد.

أما المحلل السياسي حسين أيوب فيرى، أنه حتى الآن، لا توجد مصلحة لدى الولايات المتحدة وإيران في تصعيد التوتر إلى مستويات قد تهدد بالانجراف نحو الحرب الشاملة.

وباعتقاده، فإن إسرائيل لو كانت قادرة على شنّ الحرب، فإن حزب الله قدّم لها من المبررات ما يكفي لذلك، حيث بلغ عدد العمليات التي نفذها على مدى 210 أيام، حوالي ألفي عملية، "مما يعني تقديم ألفي مبرر لها".

وحسب أيوب، تظهر الحسابات العسكرية والإستراتيجية لإسرائيل أنها ليست جاهزة للذهاب نحو خيار الحرب الشاملة، وهذا ما بات يُمثل "نموذجا فريدا في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي".

ويرى أن حزب الله ابتكر نهجا عسكريا جديدا، فهو يقاتل بمسافة صفرية عند حدود لبنان الجنوبية (نموذج كمين الناقورة للجيش الإسرائيلي)، وفي الوقت نفسه، وصل في عملياته إلى العمق الإسرائيلي بمدى يبلغ 35 كيلومترا.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات حزب الله من خلال

إقرأ أيضاً:

ماذا وراء تهديد إسرائيل بـضغط عسكري حقيقي في غزة؟

رغم مرور 22 شهرا على الحرب، فإن إسرائيل صعّدت على المستويين السياسي والعسكري من نبرة تهديدها لقطاع غزة، بعد تمسك المقاومة بمطالبها لإبرام صفقة تفضي إلى وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.

وفي وقت كثفت فيه المقاومة عملياتها وكمائنها المركبة على الأرض، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إيفي دفرين إن المؤسسة العسكرية ستقدم خططا للمستوى السياسي لاستمرار القتال في غزة.

ونقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن مصادر أن العملية العسكرية في غزة ستنتقل إلى مرحلة "أكثر تصعيدا إذا لم يحدث تقدم في المفاوضات".

كما نقلت الصحيفة عن مسؤول إسرائيلي رفيع قوله إن الجيش سيعمل على إيجاد "تهديد عسكري حقيقي في مناطق معينة، أملا أن يدفع ذلك نحو التوصل إلى صفقة جزئية".

وأشارت الصحيفة إلى أنه من المحتمل أن التنسيق يجري حاليا وراء الكواليس بين إسرائيل والولايات المتحدة بهدف زيادة الضغط على حركة المقاومة الإسلامية (حماس).

مأزق مزدوج

ويخفي هذا التوجه الجديد مأزقا سياسيا وعسكريا إسرائيليا في قطاع غزة يترجم بتعميق التجويع وزيادة وتيرة القتل، وفق الخبير في الشؤون الإسرائيلية مهند مصطفى.

وحسب حديث مصطفى لبرنامج "مسار الأحداث"، فإنه لا يوجد في جعبة جيش الاحتلال من الناحية الإستراتيجية ما يمكن استخدامه لإجبار حركة حماس على القبول بالشروط الإسرائيلية في المفاوضات.

وشكلت عملية "عربات جدعون" -التي أطلقها جيش الاحتلال في مايو/أيار الماضي- أقصى تهديد عسكري حقيقي لحماس، إذ كانت ذروة عمليات جيش الاحتلال خلال الحرب، التي ينظر إليها المجتمع الإسرائيلي بأنها أصبحت عبثية.

واستبعد الباحث في الشؤون السياسية سعيد زياد نجاح إسرائيل في إخضاع المقاومة عبر أي تهديد عسكري جديد، مستدلا بالكمائن ضد جيش الاحتلال في بيت حانون شمالا ورفح جنوبا.

وحسب زياد، فإن استمرار سقوط القتلى والجرحى الإسرائيليين في رفح وبيت حانون "دلالة راسخة على استعصاء العمل العسكري في هزيمة قطاع غزة".

إعلان

وبناء على ذلك، فإن انتهاء العمليات العسكرية الإسرائيلية الكبرى قاب قوسين أو أدنى، في حين يبقى الهدف الإسرائيلي الأسمى تصفية القضية الفلسطينية عبر رفع شعار القضاء على المقاومة ونزع سلاحها وفرض حكم عسكري على القطاع ثم تهجير سكانه.

ضوء أخضر أميركي

لكن المقاومة بدأت قراءة المتغيرات الميدانية، بعدما بات جيش الاحتلال يميل للاندفاع أكثر بما يحقق له احتلالا مباشرا للأرض وفرض حصار مطبق، كما يقول الخبير العسكري أحمد الشريفي.

وتحاول إسرائيل فرض واقعين على المقاومة الأول: "تفاوض تحت النار"، والآخر: "تفاوض تحت الحصار" عبر عمليات استطلاع متقدم -حسب الشريفي- ضمن هدف لم يعد تكتيكيا، وإنما في إطار إستراتيجية إدارة الأزمة.

وبناء على هذا الوضع الميداني، بات واضحا ارتفاع وتيرة عمليات المقاومة إثر تغير في الأهداف تبناه جيش الاحتلال، الذي يريد السيطرة على محاور متعددة لإسكات قدرة حماس على المشاغلة والمواجهة.

لكن استهداف المقاومة وحدات الاستطلاع يعني أنها "لم تؤمّن قاعدة بيانات وبنك أهداف جديدا"، مرجحا إطاحة عمليات المقاومة بإستراتيجية إسرائيل القائمة على الاحتلال والحصار.

وأعرب الشريفي عن قناعته بأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعطى الضوء الأخضر لإنعاش جيش الاحتلال -الذي يعاني ضعفا وانهيار معنويا- من قبل الولايات المتحدة لإدامة زخم المعركة حتى تحقيق الأهداف الإسرائيلية والأميركية في غزة.

في المقابل، رأى المحلل الإستراتيجي في الحزب الجمهوري الأميركي أدولفو فرانكو في الهجمات الفلسطينية على القوات الإسرائيلية أنها بمنزلة "تقوية لحكومة بنيامين نتنياهو"، إذ تظهر أن هناك حربا لم تنتهِ، وضرورة القضاء على حماس وطرد قياداتها إلى الخارج.

وحسب فرانكو، فإن حماس تريد تجميع عناصرها وترتيب صفوفها والعودة إلى الحرب، مرجحا في نهاية المطاف التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار مع ضمانات أمنية إسرائيلية.

وكان ترامب قال -في أحدث تصريحاته- إنه "لا يعلم ما الذي سيحدث في غزة"، مطالبا إسرائيل باتخاذ قرار بشأن الخطوات التالية، في حين قال نتنياهو -المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب إبادة جماعية في غزة- إنه سيواصل التفاوض ويتقدم في القتال من أجل القضاء على حماس وتحرير الأسرى.

مقالات مشابهة

  • عصابات إسرائيل وعملاؤها يسرقون مساعدات أهل غزة
  • لويدز ليست: اليمن يفتح مرحلة جديدة من التصعيد في البحر الأحمر
  • المشترك يبارك المرحلة الرابعة من التصعيد البحري ضد العدو الصهيوني
  • "باستهداف كل السفن".. جماعة الحوثي تعلن التصعيد ضد إسرائيل
  • ماذا وراء تهديد إسرائيل بـضغط عسكري حقيقي في غزة؟
  • مجموعة جديدة من العملاء تعمل لصالح جيش الاحتلال شمال قطاع غزة
  • خبير عسكري: المقاومة بغزة فرضت معادلة قتال لم يعتدْ عليها جيش الاحتلال
  • الرئيسان الشرع وماكرون يؤكدان خلال اتصال هاتفي على وحدة سوريا وإدانة التصعيد الإسرائيلي
  • ماكرون يؤكد لـ الشرع التزام بلاده بسيادة سوريا ووحدة أراضيها وإدانة التصعيد الإسرائيلي
  • الملك عبد الله لترامب: نجاح التنسيق بين البلدين أدى إلى خفض التصعيد في سوريا