أصبح الذكاء الاصطناعي اليوم قادرا على التنبؤ بنتائج عمليات الانتخابات أو التطورات الاقتصادية بشكل دقيق جدا، ويمكنه وحده أن يتوصل إلى تلك النتائج بشكل يوازي مجموعة من المحللين البشر المشتركين في مسألة واحدة.

وبشكل عام لا يصيب الكثير من البشر في استشرافهم للمستقبل، خاصة وإن كان المحلل فردا واحدا يناقش مسألة ما، ومع ظهور المواقع الإلكترونية المعروفة بـ«أسواق التوقعات» باتت مسألة التنبؤ بالمستقبل قابلة للقياس، وفي تلك المواقع يدخل الناس في مسابقات التوقعات والكسب في حال كان توقعهم صحيحا، فقد أظهرت الإحصائيات أنه كلما كانت هناك مجموعات يكون أداؤها للتوقعات أفضل من اجتهاد الفرد الواحد، وبشكل متوسط فإن المجموعة التي تتنبأ تكون أقرب للفوز، مقارنة بالمشارك الواحد.

والآن، ومع ظهور ثورة الذكاء الاصطناعي، قام «داني حلاوي» من جامعة بيركلي بكاليفورنيا، مع مجموعة من زملائه، بتطوير أداة تعمل بالذكاء الاصطناعي تعتمد على تكرار عمليات التنبؤات ومقارنتها مع ما يحدث فعلا، وقد جمعوا تلك التجارب لمحاكاتها عبر الذكاء الاصطناعي، وخرجت التجربة بأن الذكاء الاصطناعي بات بإمكانه استشراف المستقبل -بناء على عمليات تحليل وقياس- بشكل أفضل بكثير من الإنسان الطبيعي الواحد، بل وفي أحيان أثبت أنه أفضل حتى من مجموعة كبيرة من المحللين البشر.

ويقول «داني حلاوي» تعقيبا على ذلك: «عملية التنبؤ أو استشراف المستقبل تتطلب أن يقوم الباحث بجمع الكثير من المصادر والجلوس لتدارسها فترة طويلة، ويقارن بين المصادر الموثوقة من عدمها، وعملية الربط بينها للخروج بالاستنتاج المتوقع مستقبلا»، وتابع: «يمكن للغة البرمجيات في الذكاء الاصطناعي أن تقوم بكل هذا بشكل سريع جدا».

وقام «داني حلاوي» مع زملائه في هذا المشروع بالاعتماد على نموذج برمجيات ذكاء اصطناعي كبير جدا، وهو «شات جي بي تي 4» التابع لشركة «أوبين ايه آي»، مقدمين لها آلية تدريبية إضافية على ما هو موجود لديها فعلا، وهذه العملية يمكن تسميتها بـ«الضبط الدقيق»، من خلال تزويد «شات جي بي تي 4» بعشرات الآلاف من التحليلات الخاصة بالتنبؤات، معتمدين على إحصائيات مواقع «أسواق التوقعات».

وخلصت التجربة إلى أن الذكاء الاصطناعي بات قادرا على التنبؤ بالأحداث بدقة تصل نسبتها 71.5%، وقد حدث ذلك بناء على الآلية المتبعة من قبل برمجية الذكاء الاصطناعي، فبعد أن يتلقى الذكاء الاصطناعي أمرا بالتنبؤ حول مسألة ما، يقوم نموذج منفصل بإعداد أسئلة عديدة ومتفرعة حول الموضوع، ثم يقوم «شات جي بي تي 4» بعملية الإجابة على تلك الأسئلة من خلال الاطلاع على الكثير والكثير من المقالات التي كُتبت حولها، ثم يقوم بتلخيص كل تلك المقالات لتغذية معلوماته حولها بشكل دقيق جدا وفق مصادر موثوقة للخروج بالتوقع حول المسألة المطروحة.

وعليه وجد فريق «داني حلاوي» أن نظامهم المعتمد على الذكاء الاصطناعي بإمكانه التنبؤ بالأحداث بشكل دقيق جدا وأفضل كثيرا من تنبؤ الإنسان الواحد، وقد وجد الفريق أن نتائج نظامهم يعادل بشكل كبير توقعات مجموعة من الباحثين حول مسألة محددة، وقد وصلت نسبة صحة الذكاء الاصطناعي ما يعادل 71.5 بالمائة مقارنة بالمجموعات المشتركة التي حققت 77 بالمائة، وذلك حينما تم إخضاع البرمجة والمجموعات إلى اختبار لقياس الأداء تضمن العديد من الأسئلة.

كانت النسبة بشكل عام ترجح كفة المجموعات البشرية، ولكن الذكاء الاصطناعي استطاع في بعض الأسئلة التفوق على المجموعات البشرية، خاصة في الأسئلة التي لديها خيارات متقاربة في الإجابة، وواجه الذكاء الاصطناعي صعوبات في بعض الإجابات التي تكون تقديراتها نسبية وغير متأكَّدة، ومثال على ذلك سؤال حول أسهم شركة إذا ما كان سعرها سيصل إلى الصفر العام القادم أم لا، ويعود ذلك إلى أن «شات جي بي تي 4» دائما يجيب على مثل هذه الأسئلة بما هو أسلم، فلا يقدم إجابات صريحة، وذلك كنوع من الاحتراز الأمني، كما قال «داني حلاوي».

ويشير «ريتشارد سالدانها» من جامعة كوين ماري بلندن إلى أن النظام قد يكون مفيدا كمصدر بيانات إضافي للمحللين الاقتصاديين والسياسيين الذين يستعينون بمعلومات متنوعة لصنع قراراتهم. ومع ذلك، يؤكد «ريتشارد سالدانها» أنه من غير المحتمل أن يتفوق هذا النظام على النماذج والخوارزميات المتخصصة في المجالات المالية. «بالنسبة لمديري الأصول التقديرية الذين يعتمدون على جمع المعلومات لاتخاذ قراراتهم، يمكن أن يكون النظام موردا إضافيا مفيدا»، كما يقول «ريتشارد سالدانها».

من جهته، يتوقع «دان هندريكس» من مركز سلامة الذكاء الاصطناعي في كاليفورنيا أن يستشير صانعو القرار السياسي في المستقبل أنظمة الذكاء الاصطناعي لتقييم تأثير الإجراءات المحتملة ونتائجها. ويعتقد أيضا أن نماذج التنبؤ القائمة على الذكاء الاصطناعي ستكون قادرة على التنبؤ بالمخاطر المستقبلية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي وتجنبها. ويضيف: «برمجيات التنبؤ ستساعدنا على رؤية هذه المخاطر مقدما والتحرك بعيدا عنها».

مع كل هذه التطورات إلا أن النظام ليس متاحا لعامة الناس في الوقت الحالي، وقد يكلف استخدامه حوالي دولار واحد لكل استفسار، مما يجعله أكثر تكلفة مقارنة بمعظم الاستشارات الخاصة برمجيات الدردشة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی شات جی بی تی 4

إقرأ أيضاً:

خلال محاكمة.. الذكاء الاصطناعي يحيل إلى مرجع غير موجود

في محاكمة بين "أنثروبيك" للذكاء الاصطناعي وأصحاب حقوق ملكية فكرية، تضمنت مذكرة قضائية للدفاع عن الشركة الناشئة إشارة إلى مرجع وهمي لا وجود له.
بدأ الذكاء الاصطناعي يغير تدريجيا طريقة العمل في المجال القضائي. فبينما تسهّل هذه الأداة البحث في السوابق القضائية، يجب أن تخضع مخرجاتها للمراقبة بسبب قدرتها على الهلوسة.
وقد برز هذا مؤخرًا في محاكمة بين شركة "أنثروبيك" للذكاء الاصطناعي وشركات موسيقية. في أكتوبر 2023، طلبت شركات موسيقى من القضاة الاتحاديين في ولاية كاليفورنيا حظر استخدام دليلها الموسيقي لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بشركة "أنثروبيك".
رفض القضاة هذا الطلب في مارس 2025، معتبرين أنه لا يوجد دليل على ضرر لا يمكن إصلاحه. بعد ذلك، رفع المدعون دعوى قضائية أخرى تتعلق بانتهاك حقوق الطبع والنشر. تكمن إحدى نقاط الخلاف الرئيسية في هذه القضية في فحص حجم العينة المتفاعلة مع أداة "كلود" للذكاء الاصطناعي التابعة لشركة "أنثروبيك"، لتحديد وتيرة إعادة إنتاج الذكاء الاصطناعي لكلمات الأغاني المحمية أو توليدها.
مرجع وهمي
قدمت أوليفيا تشين، عالمة البيانات في شركة "أنثروبيك"، مذكرة إلى المحكمة تُجادل فيها بأن عينة من مليون تفاعل مستخدم كافية لتقديم "معدل انتشار معقول" لظاهرة نادرة: مستخدمو الإنترنت يبحثون عن كلمات الأغاني. وقدّرت أن هذه الحالة لا تُمثل سوى 0.01% من التفاعلات. وفي شهادتها، استشهدت بمقال أكاديمي نُشر في مجلة "الإحصائي الأميركي" تبيّن لاحقا أنه غير موجود.
طلب المدعون من المحكمة استدعاء أوليفيا تشين ورفض أقوالها بسبب الإحالة إلى هذا المراجع الزائف. ومع ذلك، منحت المحكمة شركة "أنثروبيك" وقتًا للتحقيق. وقد وصف محامي الشركة الناشئة الحادثة بأنها "خطأ بسيط في الاستشهاد"، وأقرّ بأن أداة "كلود" للذكاء الاصطناعي استُخدمت "لتنسيق ثلاثة مراجع ببليوغرافية على الأقل بشكل صحيح". وفي هذا السياق، اخترع الذكاء الاصطناعي مقالاً وهمياً، مع مؤلفين خاطئين لم يعملوا معًا قط.
تجنب أخطاء الذكاء الاصطناعي
تُسلّط هذه الحادثة الضوء على الانتشار المُقلق للأخطاء الناتجة عن الذكاء الاصطناعي في الإجراءات القانونية، وهي ظاهرة متنامية تُعرّض الشركات لمخاطر جسيمة، لا سيما عندما يعتمد محاموها على هذه الأدوات لجمع المعلومات وصياغة الوثائق القانونية.
يقول برايان جاكسون، مدير الأبحاث في مجموعة Info-Tech Research Group "خلق استخدام الذكاء الاصطناعي نوعًا من الكسل الذي أصبح مصدر قلق في المجال القانوني". ويضيف: "لا ينبغي استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي كحل شامل لإنتاج الوثائق اللازمة للملفات القضائية".

أخبار ذات صلة الذكاء الاصطناعي يتنبأ بسكر الدم! تعليم نماذج الذكاء الاصطناعي ما لا تعرفه المصدر: الاتحاد - أبوظبي

مقالات مشابهة

  • هجوم حاد على راشد الماجد لاستخدامه الذكاء الاصطناعي في أغنيته الجديدة.. فيديو
  • جامعة القاهرة تتصدّر أبحاث الذكاء الاصطناعي في مصر بـ2,191 بحثًا
  • «شرطة دبي» تنظم ورشة تعريفية لتطبيقات الذكاء الاصطناعي
  • خلال محاكمة.. الذكاء الاصطناعي يحيل إلى مرجع غير موجود
  • تعليم نماذج الذكاء الاصطناعي ما لا تعرفه
  • نقابات العمال الأمريكية تبدأ معركتها ضد الذكاء الاصطناعي
  • احذر فخ الذكاء الاصطناعي: مشهد وهمي بتقنية Veo 3 يثير الجدل
  • هل يوجد الذكاء الاصطناعي جيلا مسلوب المهارات؟
  • كيف استخدمت السعودية الذكاء الاصطناعي في إدارة موسم الحج؟
  • أخبار التكنولوجيا: أفضل هواتف ذكية في الأسواق وكيفية الاستفادة من ميزات الذكاء الاصطناعي بتطبيق جوجل NotebookLM