- مجتمع معزول تقوده امرأة ويدمن على فكرة الانتقام

لاشك أن البيئات والمجتمعات الديستوبية المعزولة كانت ولا تزال حاضرة في أدب وسينما الخيال العلمي، تلك العوالم الافتراضية لما سوف يؤول إليه مجتمع بعينه أو شعوب بعينها في ظل حروب وصراعات وكوارث.

من هنا كانت رواية وفيلم 1984 للكاتب جورج اورويل مثالا حيًا لهذا النوع، نسج الروائيون على منواله حتى الآن الكثير من الأعمال وكذلك فعل المخرجون في إعدادهم لهذه الرواية وتقديمها بأساليب ومعالجات مختلفة بقي فيها المجتمع المستلب والسطوة الفردية علامتين فارقتين لم تفارقا ذلك النوع من المعالجات الفيلمية.

وعلى نفس المسار كنا قد شاهدنا أفلاما مثل الرجل الراكض 1987 وفيلم اليتا 2019 وفيلم لوغان 2017 وفيلم مستوطنة العقاب 1971 وفيلم النائم 1973 وفيلم القمر 2009 وفيلم الهروب من نيويورك 1981 وفيلم المدينة الظلماء 1989 وفيلم الذكاء الاصطناعي -2001 وفيلم شبح في القوقعة 1995 وفيلم المنطقة 9 -2009 وفيلم تقرير الأقلية 2002 وفيلم متسابق المتاهة -2017 وأفلام أخرى.

في هذا الفيلم للمخرج الألماني مورتيز موهر سوف نكون بصدد معالجة أخرى لهذا النوع من الأفلام الذي يرتكز على فكرة المجتمعات الشمولية المسيطر عليها، فها نحن في مجتمع مجهول يذكرنا بمجتمعات جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق وبلدان المنظومة الشيوعية السابقة وحيث السلطة المطلقة لعائلة فان دير وتتزعم السلطة هيلدا فان دير - تقوم بالدور الممثلة فرانكي جانسن هي وأسرتها، وهي تقوم باستعراض تلفزيوني سنوي يسمى الغربلة تقوم من خلاله بتصيد المعارضين أيا كانوا وتصفيتهم أمام أنظار الشعب وعبر الشاشات.

ومن بين من يتم تصفيتهم عائلة صغيرة من أم وطفليها ومن وجهة نظر أحد الطفلين سوف نتعرف على الحقيقة وعلى فرض إبادة تلك العائلة بإطلاق الرصاص عليها، إلا أن الفتى سوف يظهر لنا وهو يعيش في غابة استوائية ويعيش حياة بدائية وهو يتدرب بكثافة وتحت ظروف شاقة من أجل أن يصبح مهيأ للانتقام من عائلة فان دير.

هذه الأرضية الدرامية يوازيها تجبر نظام شوفيني ما انفك يبحث عن مزيد من المعارضين تجعل من ذلك الفتى الذي شهد مقتل أسرته خصما لدودا وها هو قد أصبح رجلا ومقاتلا شرسا- الممثل بيل سكارسغارد الذي سوف يغرق في وسط تلك البيئة الاستوائية في جو هو خليط من السحر والشعوذة واكتساب للقوة من خلال معلمه الذي يعرف برجل الشامان -الممثل بايان روشيان وهو أحد أعداء النظام ولكنه متخف في وسط الغابات بعد إبادة عائلته.

وها نحن نتدرج في القصة وصولا إلى عرض صورة تراجيدية لهجوم رجال الأمن على الناس ومحاولة اعتقال المعارضين لكن المشهد يتحول إلى مجزرة على يدي زوج الرئيسة وشقيقها مما يدفع الفتى الأصم الأبكم إلى الاختباء في سيارة شقيق الرئيسة والتسلل إلى القصر باختبائه خلف شخصية طباخ في داخل القصر.

بالطبع يجري كل ذلك في وسط كثافة من المواجهات والمعارك والصراعات الدموية التي تمتزج فيها الحركة بالكوميديا وبالمهارات الفردية المذهلة التي يتمتع بها الشاب المنتقم وقد صار قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى الرئيسة التي يظهر أنها مبتلاة بمشاكل نفسية ونزعات انتقامية.

وفي هذا الصدد يكتب الناقد سيمون ابرامز في موقع روجر ايبيرت عن هذا الفيلم قائلا: "وكأننا نشاهد برنامجا استعراضيا للقوة ذلك الذي يتم بثه سنويًا على التلفزيون وتنظمه الفاشية المستبدة التي تسلب جمهورها الشعور بالأمان من خلال شخصيات مثل ميلاني فان دير كوي وعائلتها. خلال ذلك ثمة انتقادات لكيفية تلاعب الإعلام بالعقول من خلال التركيز على تلاعب عائلة فان دير كوي بوسائل الإعلام من خلال كوميديا هي مزيج من الحركة والنزعة الدموية والمشاهد الكئيبة".

أما الناقدة جوليانا برونيل فيىموقع غريك اند غريس فتقول " إن المخرج قد حسم خياراته فقدم لنا دراما مليئة بالصراعات في قالب من اللعب من أجل الضحك وفي كل مرة تأتي فيها لحظة تتخيل أن الهدف هو التأمل أو الحزن بسبب مأساة فقدان العائلات، نجد أن المخرج يسلك بنا طريقا آخر مختلفا. هناك شخصية واحدة محورية هي الشاب الأصم الأبكم الذي سوف يقلب المعادلات".

واقعيا نحن أمام ما نسميه السوبر هيرو وهو البطل القادر على قهر خصومه بمهاراته وقدراته وهو ما يحصل مع شخصية ذلك الشاب الأصم الأبكم الذي تحفزه في كل مرة قوة الخيال التي تدفعه بلا إرادة منه إلى مشاهدة شقيقته والحديث معها مع أن كل ذلك يقع في خياله وفي حنينه للطفولة، حيث كان يرعى أخته وها هي ترافقه وتنصحه.

على أن المواجهات الدراماتيكية الأعنف في الفيلم لا تضيف كثيرا لأفلام عديدة كالتي ذكرناها لكن المخرج هنا يعمق في مسألة القتالات الفردية ومهارات التخلص من الأعداء وكل ذلك يجري في سلسلة مشاهد كوميدية يتسيد فيها أصدقاء الأصم والأبكم ويرفدونه وينقذونه في وقت الأزمة.

وأما إذا انتقلنا إلى الخط الثاني من البناء السردي والذي تظهر من خلاله الشخصيات الحاكمة من آل فان دير وبسبب غطرستهم واستبدادهم يخوض الشاب الأصم والأبكم صراعات دامية معهم ويتم تصميم مشاهد الصراع بشكل كوميدي ممزوج بمهارات فائقة في استخدام عناصر الحركة والخدع السينمائية وتصميم المعارك الفردية.

واقعيا تمكن المخرج من السيطرة على الأحداث وقاد الشخصيات إلى مواجهات مشوقة وحيث صنع سلسلة غزيرة من المشاهد التي تعمق الصراع من جهة وتمنح جوا كوميديا قائما على فكرة السخرية من ذلك النظام السائد، وهو ما سوف يتواصل بلا هوادة خلال المسار السردي المعمول به.

وأما إذا عدنا إلى العائلة الحاكمة، فإنهم يتدربون على أسوأ الاحتمالات من خلال جلب عائلة بديلة وتوزيع أفرادها على الطاولات وذلك في مشهد من مشاهد الذروة التي من خلالها يقوم ذلك الشاب الأصم الأبكم بالهجوم عليهم وقتل أحدهم على أساس أنه زوج السيدة ليتضح أنه لم يكن إلا بديلا وهكذا صار يشك في كل من هم من حوله.

من هنا كان التمهيد لتحقيق المواجهة بين الشاب الأصم والأبكم وبين الطاغية هيلدا فان دير والتي ما إن تلتقيه حتى تقنعه بأنها أمه وأن ما جرى كان كله سوء فهم وأن العائلة التي نشأ فيها ليست إلا عائلة ربته وأنها أمه الحقيقية وأن الشامان الذي دربه هو ساحر خبيث يريد أن يستحوذ عليه وهكذا نجد أن الصراع في هذه الدراما بدل أن يكون بين رجل ورجل أو بين امرأة وامرأة فإنه هنا صراع بين رجل وامرأة ويصبح هو المحرر من ذلك الاستبداد.

.....

إخراج / مورتيز موهر

تمثيل/ بيل سكارسغارد، فرانكي جانسن، جيسيكا روث، بايان روشيان، اندرو كوجي، ميشيل دوكيري.

مونتاج/ لوسيان بيرنارد

موسيقى/ لودفيك فورسيل

التقييم/ أي ام دي بي 7 من 10، روتين توماتو 60 من 100، ميتاكريتيك 65 من 100

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فان دیر من خلال

إقرأ أيضاً:

ما الذي دفع ترامب لتغيير موقفه من المجاعة في غزة خلال 48 ساعة؟

أثار التحول المفاجئ في موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب من إنكار وجود مجاعة في قطاع غزة إلى اعتبارها فظيعة، جدلا واسعا حول الدوافع الحقيقية وراء هذا التغيير الجذري في الخطاب الأميركي.

وعبر ترامب عن صدمته من الأوضاع التي يعيشها الأطفال وأمهاتهم في غزة، مؤكدا أن رؤيتهم وهم يتضورون جوعا أمر فظيع، في تصريح لافت ومناقض لتصريحاته السابقة عن الأزمة الإنسانية المتفاقمة في غزة.

وقال ترامب في تصريحات على الطائرة خلال رحلة عودته من إسكتلندا، إن الجميع يعتقد أن الوضع في غزة فظيع، إلا من كان قاسي القلب أو مجنونا.

وطرح هذا التبدل الذي حدث خلال يومين فقط، تساؤلات عميقة حول طبيعة السياسة الأميركية تجاه الأزمة الإنسانية المستمرة في القطاع منذ أشهر.

وفي محاولة لتفسير هذا التحول، قدم المحلل الإستراتيجي في الحزب الجمهوري الأميركي أدولفو فرانكو تفسيرا يركز على الجانب الإنساني لشخصية ترامب، مشيرا إلى أن الرئيس الأميركي رغم صورته القاسية، يملك قلبا لينا عندما يتعلق الأمر بمعاناة الناس.

وأكد أن ترامب تلقى مجموعة من التقارير والبيانات التي تشهد على الوضع الصعب في المنطقة، مما دفعه لتغيير موقفه.

وتابع المحلل الأميركي تفسيره بالتركيز على البعد الإستراتيجي للموقف، حيث يرى أن التعاطف العالمي تحول تدريجيا من قضية الأسرى إلى مسألة توزيع المساعدات والمجاعة.

وحذر فرانكو من أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تعمل على استغلال الوضع الإنساني لصالحها في المنطقة، وأن هناك عاطفة كبيرة في أوروبا وأميركا تجاه هذه القضية، مؤكدا أن الطريق الوحيد لحل هذه المعضلة هو إدخال المساعدات إلى غزة تحت مراقبة دولية صارمة.

هروب من فضيحة

وفي المقابل، رفض الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية الدكتور مصطفى البرغوثي هذا التفسير، مشددا على أن المسألة لا علاقة لها برقة القلب بل كانت هروبا من الفضيحة التي تعصف بإسرائيل والولايات المتحدة.

إعلان

وأكد البرغوثي أن أميركا لا تستطيع الآن التهرب من الاتهام بالمشاركة في جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والعقوبات الجماعية، بما في ذلك تجويع الشعب الفلسطيني.

ولدعم موقفه، قدم البرغوثي تحليلا مفصلا لآليات القتل المتعددة في غزة، موضحا أن القتل يجري بوسائل عديدة تبدأ بالقصف المتواصل الذي يسفر يوميا عن 130 إلى 150 شهيدا جديدا و300 إلى 400 جريح، مشيرا إلى أن معظم الأسلحة المستخدمة تأتي من الولايات المتحدة.

وأضاف أن القتل يتم أيضا بالتجويع والأمراض عندما تمنع إسرائيل عن غزة المياه والكهرباء ومصادر الطاقة، وبالأوبئة من خلال منع إيصال مطاعيم الأطفال منذ 150 يوما.

وتؤكد البيانات الرسمية حجم الكارثة الإنسانية التي يصفها البرغوثي، حيث قال برنامج الأغذية العالمي إن الأرقام تؤكد أن غزة تواجه خطرا بسبب أزمة الجوع، وأن الوقت ينفد لإطلاق استجابة إنسانية شاملة.

وأضاف البرنامج في بيان له، أن واحدا من كل 3 أشخاص في غزة يقضي أياما دون طعام، و75% يواجهون مستويات طارئة من الجوع، مشيرا إلى أن نحو 25% من سكان القطاع يعانون ظروفا شبيهة بالمجاعة.

وانطلاقا من هذا الواقع، اتفق الأكاديمي والخبير في الشؤون الإسرائيلية الدكتور مهند مصطفى مع التقييم القائل بأن إسرائيل تواجه أزمة في إدارة الموقف، لكنه ركز على الجانب الإستراتيجي للفشل الإسرائيلي.

وأوضح مصطفى أن إسرائيل اعتقدت أنها تستطيع أن تجوع السكان في قطاع غزة كأداة سياسية للضغط على حماس وتركيع الشعب الفلسطيني، معتبرا أن ما يحدث هو أكبر عملية تجويع ممنهجة ومنظمة في التاريخ الحديث.

تورط إسرائيل

ولفت مصطفى إلى كيف تورطت إسرائيل في هذه السياسة معتقدة أن العالم سوف يصمت وأن الدعم الأميركي يجيز لها التجويع بهذه الطريقة المنهجية.

وأشار إلى أن إسرائيل تعيش الآن في وهم، معتبرة أن كل مشكلتها مع غزة هي مشكلة دعائية وليست جوهرية، مما يعكس انحدارا أخلاقيا عميقا في التفكير الإسرائيلي.

وفيما يتعلق بملف المفاوضات المتعثرة، أكد البرغوثي أن المفاوضات متوقفة أصلا وأن الذي أوقفها هو الجانب الأميركي قبل إسرائيل.

وانتقد ما وصفه بالبيان المضلل وغير الصحيح الذي أصدره المسؤولون الأميركيون حول مسؤولية حماس عن تعطيل المفاوضات، مؤكدا أن الجانب الأميركي هو الذي أعلن انسحاب وفده وخرب عملية التفاوض.

ورفض البرغوثي الادعاءات حول استغلال حماس للمساعدات، مستشهدا بتصريحات رئيسة وكالة الغذاء العالمي التابعة للأمم المتحدة السيدة سيندي ماكين التي تدحض هذه الاتهامات.

وأوضح أن إلقاء المساعدات من الجو لا يحل أي مشكلة، بل يعقدها، مشيرا إلى أن آخر عملية إسقاط للمساعدات من الجو أدت إلى مقتل فلسطينيين عندما سقطت المساعدات على رؤوسهم.

من جهته، قدم البرغوثي اقتراحين عمليين لإنهاء الأزمة، وجههما للرئيس الأميركي مباشرة.

الاقتراح الأول هو إبلاغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية، بوقف جميع الأسلحة عن إسرائيل وعدم استخدام بطاريات الدفاع الأميركية لمساعدة إسرائيل في الدفاع الجوي.

إعلان

والاقتراح الثاني هو دعوة مجلس الأمن للاجتماع ودعم قرار بوقف الحرب على غزة دون استخدام الفيتو الأميركي، مؤكدا أن تنفيذ هذين الإجراءين سيدفع نتنياهو لوقف الحرب فورا.

مقالات مشابهة

  • ​عالم بـ الأوقاف: الأب الذي يرفض الشرع ويُصر على «القايمة» آثم
  • كأس العالم للألعاب الإلكترونية يجمع” رونالدو وكاكا” في بوليفارد سيتي
  • ما الذي دفع ترامب لتغيير موقفه من المجاعة في غزة خلال 48 ساعة؟
  • لم يتوقع زلزال روسيا.. سخرية واسعة من عالم الزلازل هولندي
  • القائم بأعمال سفارة جمهورية أذربيجان بدمشق لـ سانا: القمة التي جمعت السيدين الرئيسين أحمد الشرع وإلهام علييف في العاصمة باكو في الـ 12 من تموز الجاري خلال الزيارة الرسمية للرئيس الشرع إلى أذربيجان، أثمرت عن هذا الحدث التاريخي الذي سيسهم في تعزيز التعاون ا
  • حريق في شقة بأرض اللواء يزهق روح مالكها
  • إدارة الديون في عالم شديد التغير
  • من ملاعب التنس إلى عالم الرياضات الإلكترونية: كيرجيوس يشيد بأجواء كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025
  • أكاذيب الكيان الصهيوني التي لا تنتهي
  • مهرجان الرياض للكوميديا يستقطب نخبة من نجوم الكوميديا العالميين