الحكم هو الإدارة.. وأدق وصف للحاكم (فيما أعتقد) هو "المدير"، بغض النظر عن نوع النظام السياسي، ملكي، جمهوري، رئاسي، برلماني، أو مختلط..
والإدارة أنواع وأنماط، تهدف جميعها إلى تحقيق أهداف "المؤسسة" التي هي "الدولة" في حديثنا هذا، ولكل نمط منها إيجابياته وسلبياته..
منطقيا.. لا يوجد للحاكم (المدير) وحكومته هدف أهم وأسمى من أن يعيش المواطن حياة كريمة، وأن يحمي الدولة من التهديدات الداخلية والخارجية، وأن يحافظ على مقدراتها، وأن يُنَمِّي مواردها، وأن يجعل لها حضورا ودورا على الساحة الدولية، وعلى الحاكم (المدير) أن يختار نوع الإدارة المناسب لبيئته وشعبه؛ كي يحقق كل ذلك.
أما في بلدي المنكوب مصر، فلا توجد "إدارة" بهذا المعنى، وإنما توجد إدارة من نمط آخر. حتى الأنماط المتعارف عليها من الإدارة تمارسها السلطة في مصر بمفهوم مختلف تماما، يصل إلى درجة النقيض!
في بلدي المنكوب مصر، فلا توجد "إدارة" بهذا المعنى، وإنما توجد إدارة من نمط آخر. حتى الأنماط المتعارف عليها من الإدارة تمارسها السلطة في مصر بمفهوم مختلف تماما، يصل إلى درجة النقيض!
فعلى صعيد "الإدارة الاستراتيجية" التي تعني تحديد الرؤية، والرسالة، والأهداف طويلة المدى، نجد "الرؤية" ضبابية، و"الرسالة" غير واضحة، و"الأهداف طويلة المدى" لا وجود لها.
وعلى صعيد "الإدارة التكتيكية" التي تعني وضع خططٍ لتحقيق الأهداف قصيرة المدى، فالأمر لا يحتاج (في مصر) سوى أن ينادي الجنرال المنقلب في أي "مؤتمر" أو "مَكْلَمَة" رئيس وزرائه الدكتور مصطفى مدبولي، فيهب مدبولي واقفا، ويظل يهز رأسه بالموافقة، حتى يقول له الجنرال: تفضل يا دكتور مصطفى، فيجلس الدكتور مصطفى!
وعلى صعيد "الإدارة التشغيلية" التي تعني: إدارة العمليات اليومية، فالموضوع أبسط مما تتصور.. الجنرال يسأل: "الحاج سعيد موجود"؟ "يا حاج سعيد.. هتعمل الكوبري دا بكام"؟ "يا كامل.. كفاية اللي أخدته.. سِيب لغيرك حاجة"، ثم يضحك ضحكة هستيرية لاستجداء التصفيق من الحضور، فيصفقون ابتهاجا بهذا النجاح المبهر!
وإذا اعتبرنا مصر تُدار بنمط "الإدارة البيروقراطية" التي تعتمد على القواعد واللوائح، فالجنرال المنقلب هو القواعد واللوائح، والقواعد واللوائح هو، إذ لم يَدَع "مؤسسة" ولا "هيئة"، في مصر إلا ونصَّب نفسه "رئيسا أعلى" لها.. فأي نجاح بعد ذلك في هذا النمط من الإدارة؟
وإياك إياك أن تأتي على ذكر "الإدارة الديمقراطية" التي يشارك فيها المواطن في عملية صنع القرار، وإلا هزعل منك! هل تُراك نسيت المقولة "الخالدة" للجنرال المنقلب: "متسمعوش كلام حد غيري.. اسمعوا كلامي أنا بس"؟ أم هل تُراك نسيت رده على الأستاذ الجامعي الذي تجرأ وتكلم، دون ترتيب مسبق، في إحدى "المَكْلمَات": إنت مين؟ إنت دارس الكلام ده؟
أما إذا قلت إن السلطة في مصر تنتهج "الإدارة الأوتوقراطية" التي يستحوذ فيها شخص واحد على كل السلطات، فأوافقك مع التحفظ.. فهذا النوع من الإدارة (على الرغم من مساوئه) فإنه يهدف، في المحصلة، إلى توفير متطلبات المواطن، والحفاظ على الوطن ومقدراته، وكل هذا غير متحقق في مصر، بل العكس هو الواقع! فهي "إدارة أوتوقراطية" بالمعنى الفني، بَيْد أنها لا تهدف إلى توفير متطلبات المواطن، وإنما تهدف إلى حرمانه من حقوقه، أو "العكننة" عليه بالتعبير الدارج!
وأما إذا شطحت بخيالك وأردت الحديث عن "الإدارة اللامركزية" التي تُفوض السلطة إلى أدنى مستوىٍ في الهرم الإداري، فتوقع مني "وكزة" في صدرك، وأرجو أن تكون أخف من وكزة نبي الله موسى (عليه السلام) لذاك المصري فسقط قتيلا..
وأما الحديث عن "الإدارة الكاريزمية" التي تعتمد على شخصية القائد.. فهذه بضاعة لا تجدها إلا في "دكاكين" أحمد موسى، ونشأت الديهي، ومصطفى بكري، ويوسف الحسيني، ولميس الحديدي، وباقي أفراد "جوقة ياسر جلال" لإحياء سهرات التوك شو "الرخيصة"!
أما الحديث عن الإدارة "الإدارة التحويلية" التي تُركز على تحسين أحوال الدولة، فهذه بضاعة "اللجان الإلكترونية" التي لديها قائمة من "التحسينات"، أو الإنجازات "الوهمية" تفوق في طولها برج القاهرة، غير أنها تجري بعيدا عن عيون المواطنين جميعا، خوفا من الحسد.
وهناك نمط يسمى "إدارة الأعمال" ويُعنى بتوجيه أنشطة الدولة التجارية لتحقيق الأهداف الربحية.. وهذا يتم بالفعل على نطاق واسع لصالح الأجانب، وليس لصالح المصريين! وذلك ببيع هذه الأنشطة التجارية إلى الأجانب، لا سيما الرابحة والمتميزة منها، مقابل عمولات كبيرة للوسطاء من المسؤولين وغير المسؤولين.. إدارة أعمال دي وللا مش إدارة أعمال يا متعلمين يا بتوع المدارس؟!
هناك أيضا "الإدارة العامة" التي تُعنى بتنظيم وتوجيه أنشطة المؤسسات الحكومية لتقديم الخدمات للمجتمع.. وقد حققت مصر في هذا المجال نجاحات غير مسبوقة، بعد أن أطلق الجنرال ياسر جلال شعار: "هتدفع يعني هتدفع"! وشعار: "الفلووووس.. أهم حاجة الفلوس"! فقد باتت كل "خدمة" بمقابل مادي "فاحش" لا يتناسب "فُحشه" مع رداءة الخدمة، ولا مع كلفتها الحقيقية، ولا مع دخل المواطن الذي لم يعد كافيا لتوفير وجبة واحدة في اليوم طوال الشهر!
لمصر نهجها الفريد في الإدارة الذي يمكن أن نسميه بكل جرأة ويقين "الإدارة بالعكننة" التي تعني تعكير مزاج المواطن، وإغراقه بالمشاكل والهموم والمنغصات كافة، وحرمانه من أبسط حقوقه الإنسانية، حتى يتساوى مع الحيوان في أحلامه ومتطلباته
والحديث يطول عن "إدارة المشاريع" التي تُعنى بتخطيط وتنفيذ ومتابعة المشاريع لتحقيق أهدافها المُحدّدة.. فقد أنجز الجنرال أعظم مشاريعه على الإطلاق.. وأعني (على سبيل المثال لا الحصر) عاصمته الإدارية التي بناها في قلب الصحراء؛ ليحمي نفسه من غضب الشعب، وأعني قصوره ومنتجعاته الرئاسية، وطائراته الرئاسية، وصناديقه السيادية البعيدة عن أي رقابة، أليس هذا تخطيطا وتنفيذا وإنجازا يستحق الشكر عليه؟
أما النجاح في مجال "إدارة الموارد البشرية" التي تُعنى بتنظيم وتوجيه أنشطة الموارد البشرية، فلا ينكره إلا "أهل الشر" الذين أنا منهم حسب تصنيف الجنرال المنقلب.. إلا إذا كان يعتبر سجن مئة ألف من خيرة شباب مصر إنجازا، ومطاردة عشرات آلاف آخرين داخل البلاد إنجازا، ودفع مئات آلاف آخرين إلى الهجرة من مصر إنجازا، وقتل الآلاف بُعيد الانقلاب على الرئيس الشرعي المنتخب في رابعة وأخواتها إنجازا، والعمل الدؤوب على تحديد النسل إنجازا.. وأحسب (جادا لا مازحا) أنه يعتبر كل تلك إنجازات!
إن لمصر نهجها الفريد في الإدارة الذي يمكن أن نسميه بكل جرأة ويقين "الإدارة بالعكننة" التي تعني تعكير مزاج المواطن، وإغراقه بالمشاكل والهموم والمنغصات كافة، وحرمانه من أبسط حقوقه الإنسانية، حتى يتساوى مع الحيوان في أحلامه ومتطلباته، حسب هرم "ماسلو" للاحتياجات الإنسانية!
إن من يمارس هذا النمط من الإدارة مجرم ملعون وإن صام وصلى، وإن أقسم بالله (في كل ظهور له) بأنه شريف أوي، ومخلص أوي، وأمين أوي!
x.com/AAAzizMisr
aaaziz.com
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه مصر الديمقراطية مصر اقتصاد الديمقراطية الادارة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة من الإدارة التی تعنی فی مصر التی ت
إقرأ أيضاً:
الموسم المعتاد
سارة البريكية
يتوافد على المحافظة الجنوبية من سلطنة عمان أعداد كبيرة في هذا الوقت من السنة، وكل من توجه إلى الجنوب أعاد شحن قواه العقلية والروحية ومشاعره، لأنه باختصار انعطاف يستحق التعب، فالشخص الفقير يذهب قاطعا مئات الكيلومترات حاملا معه الكثير من التفكير طيلة الطريق لأن الميزانية محسوبة، هذا المبلغ للبترول، وهذا للسكن، وأما هذا المبلغ للطعام، وهذا للتسوق، ولكنه رغم ذلك حذر، فأطفاله يرغبون ويحلمون ويتمنون، ولكن الجود بالموجود.
وأما الأشخاص الأغنياء، فيصعدون الطائرة غير مكترثين لسعر التذكرة، ويسكنون في أرقى الفنادق والفلل، ويتنزهون في أرقى المطاعم والمولات، ولا يحسبون كم سيكون السعر المناسب لوجبة أو لجولة أو للبترول.
وبين هذا وذاك، نرى مشاهير السوشيال ميديا يتوافدون باتجاه الجنوب للحصول على أكبر عدد من الإضافات، وذلك باختلاطهم مع المشاهير الآخرين الذي سبقوهم في المضمار، إلا أنهم في خلاف وحقد وحسد مستمر.
ولا يخلو أي نطاق من المشاعر السلبية والحديث عن الآخرين، فلان هكذا وفلان هكذا ولكن من باب الإنصاف فالساكت عن الحق شيطان آخر، ولكننا نأمل دائما بصفاء النفوس بين الجميع.
إن محافظة ظفار تشهد نشاطا اقتصاديا كبيرا، وتنوعا ملحوظا في مختلف المناطق، حيث تشهد مناطق المحافظة ارتفاعًا ملحوظًا في عدد السياح الذين يزورون البلاد، وهذا من شأنه الواضح في فتح مشاريع جديدة وتطوير مستمر ومتجدد في الخدمات المقدمة والمرافق الخدمية، بحيث عند زيارة المواقع يكون هناك نوع من التطوير والتجديد الإيجابي الذي يجعل الشخص يجدد القدوم إلى المحافظة، فالتنوع هو المطلوب.
إن بلدنا تزخر بطبيعة خلابة خاصة في هذا الموسم، وإن لم تستغل هذه المواسم لخدمة المواطنين بالدرجة الأولى كتوفير وظائف معينة أو السماح بإقامة مشاريع جديدة بدون الضغط على كاهل المواطن، ومعاملة المواطن كمستثمر خارجي، فلو وضع أصحاب القرار أيديهم في يد المواطن المستثمر بدون فرض قيود إجبارية أو ضرائب كبيرة، لساهم ذلك في مساعدة المواطنين على رسم خريطة أكبر وأجمل، إلى جانب السماح لهم بفتح مشاريع مؤقتة تعمل كل عام خلال الموسم في أماكن متفرقة بدون الحاجة لكسر الظهور في استغلال هذا الموسم ورفع الأسعار عليهم لكانت الدنيا بخير.
إن توفير بيئة استثمارية مناسبة للجميع من شأنها الارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة للمواطنين والمقيمين والسياح، فالمواقع السياحية التي يتوافد إليها عدد كبير من السياح هي استثمار وتوفير فرص استثمارية جديدة من خلال بناء الفنادق والمنتجعات والحدائق والمطاعم وغيرها من الخدمات المختلفة كزيادة عدد المراكز الصحية والأسواق التجارية وجعل محافظة ظفار وجهة عالمية للسياحة والترفيه.
إن محافظة ظفار تحمل مساحات واسعة، فلو سمح للمستثمرين العمانيين والخليجيين وغيرهم من بناء منازل وشقق سكنية وتجارية ومجمعات ومراكز ترفيهية لتنوعت الوجهات السياحية وازدادت فرص العمل وقل الاستغلال في أسعار الفنادق والشقق الفندقية، وذلك لتوفر البدائل الجديدة، لأن الاستغلال لدى البعض في هذا الوقت كبير، حيث كان سعر الشقة في اليوم الواحد من 15 ريالا إلى 30 ريالا عمانيا، والآن يصل السعر من 50 إلى 70 ريالا عمانيا في الليلة الواحدة، وهذا نوع من أنواع الاستغلال الذي يجب المحاسبة عليه والمراقبة الدائمة.
إن بلدنا الجميل عُمان واحة غناء تحمل الكثير والكثير من الفرص الاستثمارية التي يمكن الاستفادة منها بشكل أفضل، ولكننا لا نستطيع أن نتحكم بأصحاب القرار، بحيث يجب وضع تسهيلات لمن يرغب في الاستثمار العقاري، لأن الفائدة المرجوة ستعم الجميع، وستكون في النهاية في خدمة المواطن والوطن.
رابط مختصر