توتر علاقات مصر وإسرائيل بسبب السيطرة على محور فيلادلفيا
تاريخ النشر: 5th, June 2024 GMT
أكدت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، أن العلاقات باتت متوترة بين مصر والاحتلال الإسرائيلي، جراء السيطرة الإسرائيلية على المنطقة الحدودية في رفح، أو ما يعرف بـ"محور فيلادلفيا".
وتابعت الصحيفة في تقرير ترجمته "عربي21": "هذه الأزمة تثير تساؤلات حول مستقبل العلاقة بين تل أبيب والقاهرة، في ظل الأهمية الاستراتيجية التي شكلتها تلك العلاقة على مدار العقود الماضية، منذ اتفاقية السلام التي تم توقيعها عام 1979".
وأشارت إلى أن وسائل إعلام مصرية مقربة من السلطات تحدثت على مدار الأسابيع الماضية بصوت واحد، وقالت إن الاحتلال الإسرائيلي للمنطقة العازلة على الحدود بين مصر وغزة يمكن أن ينتهك سيادة مصر وأمنها القومي، ومن شأن ذلك أن يوجه ضربة أخرى للعلاقة التي دفعها الهجوم الإسرائيلي بالفعل إلى أدنى مستوياتها منذ عقود.
وأوضحت الصحيفة أنه عندما قال الجيش الإسرائيلي الأسبوع الماضي إنه سيطر "بشكل تكتيكي" على المنطقة، المعروفة باسم ممر فيلادلفيا، سارعت نفس أبواق الحكومة إلى القول إن المنطقة لا علاقة لها بمصر، وذهبت السيادة إلى طي النسيان.
وكان هذا أحدث مؤشر على أنه رغم كل المشاعر الصعبة والمخاوف الأمنية التي أثارتها الحملة الإسرائيلية المدمرة في قطاع غزة، فإن القاهرة لا ترى خيارًا للتعامل مع إسرائيل سوى حماية معاهدة السلام التي أبرمتها مع إسرائيل سنة 1979.
وبالنسبة لإسرائيل أيضًا فإن "السلام البارد" مع مصر كان يشكل ركيزة أساسية للأمن القومي طيلة 45 سنة، ومنح إسرائيل الطريق إلى علاقات أفضل مع الدول العربية، التي قام بعضها بالتطبيع، مما جعل إسرائيل جزءًا من محور إقليمي مناهض لإيران، ولنفس الأسباب، تعتبر الولايات المتحدة أيضًا أن المعاهدة، التي انبثقت عن اتفاقيات كامب ديفيد، تشكل أهمية بالغة للاستقرار الإقليمي.
وذكرت الصحيفة أنه مع ذلك؛ خاطرت إسرائيل بالإخلال بهذا التوازن الدقيق، قائلة إنها يجب أن تسيطر على المنطقة العازلة الضيقة بين غزة ومصر من أجل أمنها، وأنها بحاجة إلى تدمير عشرات الأنفاق التي مكنت حماس من تهريب الأسلحة عبر الحدود، رغم تأكيد مصر أنها قامت بإيقاف التهريب قبل سنوات.
وأكدت أن التوغل العسكري الإسرائيلي في جنوب غزة ومدينة رفح في الأسابيع الأخيرة، أدى إلى توتر خطير في العلاقات مع مصر، مما أثار تساؤلات حول المدى الذي ستذهب إليه إسرائيل في إصرارها على السيطرة على ممر فيلادلفيا، وإلى أي مدى ستتسامح مصر مع الوجود الإسرائيلي المستمر هناك.
ونقلت الصحيفة عن حسين هريدي، الرئيس السابق للشؤون الإسرائيلية في وزارة الخارجية المصرية، قوله إن احتلال إسرائيل للمنطقة التي تقع على بُعد أمتار فقط من الحدود، يرقى إلى "تهديد مباشر للأمن القومي المصري".
وأضاف أن "مصر لديها شكوك عميقة في أن إسرائيل تخطط للحفاظ على درجة معينة من السيطرة الدائمة على الحدود؛ حيث يصبح الأمر أكثر تهديدًا لأنه لا يوجد جدول زمني للانسحاب أو التزام بالانسحاب".
وبحسب محمد الزيات، المحلل في المركز المصري للدراسات الإستراتيجية المرتبط بالدولة، وخبراء أمنيين إسرائيليين، فقد ضغطت إسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة، على مصر لتعزيز الأمن على حدودها مع غزة من خلال بناء جدار مرتفع يمتد تحت الأرض، مع أنظمة استشعار من شأنها أن تنبه الجيشين الإسرائيلي والمصري إلى حفر الأنفاق والتهريب.
لكن مصر تخشى أن تؤدي مثل هذه الإنذارات إلى قيام إسرائيل بعمل عسكري على طول الحدود، إذ بشكل وجود القوات الإسرائيلية هناك تهديدًا بإثارة المزيد من الغضب بين المصريين الذين ما زالوا يعتبرون إسرائيل عدوًا ويشعرون بالاستياء بالفعل تجاه ما يرونه ضعفًا من بلادهم في مواجهة هذا الاستيلاء الإسرائيلي.
وبينت الصحيفة أن مصر ترى احتمالًا متزايدًا لأن تقوم إسرائيل بدفع سكان غزة إلى الفرار، مما يخلق أزمة لاجئين داخل مصر، ويمنح حماس موطئ قدم هناك، كما قد يعرّض الآمال في إقامة دولة فلسطينية مستقبلية للخطر، ويريد نظام مصر الذي يهيمن عليه الجيش، والذي استولى على السلطة واعداً بالأمن والاستقرار، أن يثبت لشعبه وشركائه الأجانب أنه يتمتع بالكفاءة الكافية لإدارة الحدود بنفسه.
ووفقًا لريكاردو فابياني، محلل الشأن المصري في مجموعة الأزمات الدولية، فإن معاهدة سلام لسنة 1979 هي حجر الزاوية في السياسة الخارجية المصرية، وهي مبرر المبلغ الذي يمنحه الأمريكيون للمصريين كل سنة والذي يقدر بـ1.3 مليار دولار، لذلك إذا قال شخص ما إن المصريين لا يمكن الاعتماد عليهم بشأن هذه الحدود الحساسة للغاية، فإن الأمر برمته ينهار.
وأشارت الصحيفة إلى أن استيلاء إسرائيل على ممر فيلادلفيا يجعل مصر تشعر بالتهديد، وللتعبير عن استيائها؛ سجلت القاهرة دعمًا لقضية جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية التي تتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة، كما حذرت من أن إسرائيل تعرض المعاهدة للخطر.
ورغم الإدانة الموجهة لإسرائيل بسبب قطعها المساعدات الإنسانية عن غزة، إلا أن مصر نفسها اتخذت خطوة متطرفة الشهر الماضي بتعليق مؤقت لتدفق الإمدادات من أراضيها في محاولة لإجبار الولايات المتحدة على الضغط على إسرائيل للانسحاب من معبر رفح؛ حيث أثار مشهد العلم الإسرائيلي الذي يرفرف فوق تلك النقطة الحدودية غضب الرأي العام في مصر.
وووفق الصحيفة؛ فق امتنعت مصر عن اتخاذ خطوات أكثر جدية ضد إسرائيل، وعلى عكس الأردن، لم تسحب سفيرها من تل أبيب.
وقال محمد أنور السادات، السياسي المصري المستقل وابن شقيق الرئيس الذي وقع على معاهدة سنة 1979، فإنه لا أحد مهتم بأي نوع من التصعيد، لذلك فإنه سيتم الوصول إلى حل يرضي الجانب الإسرائيلي، والمصلحة المشتركة تقتضي التوصل إلى تفاهم لتجنب أي نوع من المواجهة.
ويبدو أن وسائل الإعلام التي تديرها الحكومة تساعد في الجهود المبذولة للحد من الغضب الشعبي.
وأفادت الصحيفة بأن خطاب وسائل الإعلام كان يقترب من العدوانية قبل أن تعلن إسرائيل سيطرتها على ممر فيلادلفيا، فقد كتب أحمد موسى، مقدم البرامج الحوارية البارز، في مقال بصحيفة الأهرام المصرية، أن مصر مستعدة لجميع السيناريوهات، ولن تسمح أبدًا بأي تعدٍ على سيادتها وأمنها القومي، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر
ومع ذلك، بعد أن استولت إسرائيل على الممر، هاجم موسى في برنامجه مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الذين قالوا إن ذلك جعل مصر تبدو ضعيفة، وربط مثل هذه "الادعاءات" بجماعة الإخوان المسلمين، الجماعة الإسلامية السياسية - التي تعد حماس فرعًا منها - والتي طالما شيطنتها الحكومة المصرية باعتبارها منظمة إرهابية.
وشددت الصحيفة على أن العلاقات الإسرائيلية المصرية نجت من الحروب والانتفاضات الفلسطينية، والثورة المصرية سنة 2011 التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك، والرئاسة القصيرة لمحمد مرسي، القيادي البارز في جماعة الإخوان المسلمين الذي فاز بأول انتخابات حرة في مصر.
وكانت رفح وممر فيلادلفيا الذي يبلغ طوله ثمانية أميال بمثابة نقاط اتصال واحتكاك بين مصر وإسرائيل؛ حيث فرض البلدان حصارًا مشتركًا على غزة بعد سيطرة حماس على القطاع الساحلي سنة 2007، بعد وقت قصير من اتفاق مصر وإسرائيل على عدد القوات التي يمكن أن تتمركز حول المنطقة العازلة.
وبقيت مسألة التهريب مثيرة للجدل، وعندما انسحبت إسرائيل بشكل أحادي من غزة في 2005، قال العديد من الإستراتيجيين الإسرائيليين إنه كان من الخطأ ترك الممر للمهربين، وبحسب مسؤولين إسرائيليين فإنه بمجرد وصول حماس إلى السلطة، أصبح معبر رفح قناة رئيسية لتهريب الأسلحة، والذي بلغ ذروته مع انهيار الأمن المصري خلال رئاسة السيد مرسي المضطربة.
وتابعت الصحيفة قائلة إن عبد الفتاح السيسي قاد انقلابًا عسكريًا أطاح بالسيد مرسي في سنة 2013، وأصبح رئيسًا بعد سنة واحدة، ومنذ ذلك الحين أقام شراكة أمنية وثيقة مع إسرائيل بسبب مصلحتهما المشتركة في القضاء على التمرد في شمال سيناء، المنطقة المصرية المتاخمة لغزة وإسرائيل.
وبحسب الصحيفة؛ فنظرًا لأن النظام المصري يعتبر حماس تهديدًا أمنيًا، فقد أمضى سنوات في اتخاذ إجراءات صارمة ضد التهريب إلى غزة، وتدمير الأنفاق وإغراقها، كما طور الجيشان المصري والإسرائيلي روابط قوية، بما في ذلك قناة اتصال منتظمة لمناقشة التهريب ومكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات الاستخبارية؛ حتى أن إسرائيل وافقت على السماح لمصر بنشر المزيد من القوات على طول الحدود.
ونظرًا للكراهية العميقة التي يكنها الشعب المصري تجاه إسرائيل، لم يعلن أي من الطرفين عن تعاونهما، لكن السيد السيسي اعترف في مقابلة أجريت معه سنة 2019 بأن مصر لديها "نطاق واسع من التنسيق" مع إسرائيل.
عندما تظهر تقارير إخبارية عن محادثات مصرية إسرائيلية حول الحدود هذه الأيام، يسارع المسؤولون المصريون إلى نفي أي تنسيق.
واختتمت الصحيفة تقريرها بالقول إن إسرائيل لا تزال ترى مزايا العلاقة، خاصة أنها قد تحتاج إلى مساعدة مصرية في إدارة غزة بعد الحرب، ويقول إفرايم عنبار، الخبير في العقيدة الاستراتيجية الإسرائيلية ورئيس معهد القدس للاستراتيجية والأمن، إن هناك حوارًا استراتيجيًّا وثيقًا مع المصريين، وإسرائيل بحاجة إلى الحفاظ عليه.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية مصر محور فيلادلفيا الاحتلال الحرب مصر الاحتلال الحرب محور فيلادلفيا اجتياح رفح صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ممر فیلادلفیا مع إسرائیل أن مصر
إقرأ أيضاً:
نيويورك تايمز: فرنسا وإسرائيل على حافة أزمة دبلوماسية بسبب الاعتراف الفلسطيني
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، تقريرا، لمدير مكتبها في باريس، روجر كوهين، قال فيه إنّ: "العلاقات المضطربة بين فرنسا وإسرائيل ليست أمرا جديدا، ولكن حتى بهذه المعايير التاريخية، فإن الأزمة الناجمة عن استعداد الرئيس إيمانويل ماكرون الوشيك للاعتراف بدولة فلسطينية أدّت إلى رفع التوتر إلى مستوى جديد".
وبحسب التقرير الذي ترجمته "عربي21" فإنّ: "تأجيل مؤتمر الأمم المتحدة الذي كان سيُعقد هذا الأسبوع لبحث إقامة دولة فلسطينية، نتيجة للصراع بين إسرائيل وإيران، أدّى إلى تأجيل أي إعلان، ولكنه يبدو أنه ضاعف من عزم ماكرون. وقال ماكرون يوم الجمعة: مهما كانت الظروف، فقد أعلنتُ عزمي على الاعتراف بدولة فلسطينية. هذا العزم ثابت".
وأضاف ماكرون، عن المؤتمر، الذي كان من المقرر أن يرأسه مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان: "يجب إعادة تنظيمه في أسرع وقت ممكن". فيما يقول مسؤولون فرنسيون مقربون من ماكرون إنه قد أبلغ ولي العهد بنيته الراسخة الاعتراف بدولة فلسطينية.
وتابع التقرير: "نظرا لشجب إسرائيل له واتهامه بقيادة: حملة صليبية ضد الدولة اليهودية، ورفض الولايات المتحدة جهوده في صنع السلام، حيث تعارض المؤتمر بشدة وحثت الدول على مقاطعة حضوره، بات ماكرون يواجه مأزقا دبلوماسيا سيختبر قدرته المعروفة على التكيف، والتي يراها البعض ترددا".
"تحدث ماكرون، الذي شعر بالغضب، مثل معظم دول العالم، إزاء استشهاد ما يقرب من 56 ألف فلسطيني على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي في غزة منذ بداية الحرب، وحصارها شبه الكامل للقطاع في الأشهر الأخيرة، عن "واجب أخلاقي ومطلب سياسي" للاعتراف بدولة فلسطينية" وفقا للتقرير نفسه.
وأردف: "في ظل غياب الخطط الإسرائيلية بشأن غزة، وفي مواجهة القصف الإسرائيلي لإيران بهدف تدمير برنامجها النووي، يعتقد ماكرون أن الالتزام السياسي القوي بإقامة دولة فلسطينية وحده كفيل بفتح الطريق أمام سلام قائم على دولتين، وإقناع حماس بإلقاء سلاحها، وتعزيز الاستقرار الإقليمي في نهاية المطاف".
واسترسل: "أما وجهة النظر الإسرائيلية فهي معاكسة: قالت مبعوثة فرنسية رفيعة المستوى، تحدثت شريطة عدم الكشف عن هويتها، إنها تعرضت لتوبيخ شديد لعدة ساعات هذا الشهر في القدس من قبل رون ديرمر، وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، وتزاتشي هنغبي، مستشار الأمن القومي، اللذين أخبراها أن ماكرون يخدم أهداف حماس".
وقال وزير الخارجية الجزائري الأسبق والدبلوماسي البارز في الأمم المتحدة لفترة طويلة، الأخضر الإبراهيمي، في إشارة إلى رئيسي المؤتمر المشاركين الفرنسي والسعودي: "أعتقد أن هناك بعض الارتياح من التأجيل. ماذا سيفعلون بدون دعم الولايات المتحدة؟ هذا لن يغير شيئا على أرض الواقع".
وأوضح المقال: "شهد تاريخ العلاقات بين إسرائيل وفرنسا، التي ترددت قبل الاعتراف بالدولة الوليدة عام 1948، وانتهى بها الأمر بتقديم الدعم العسكري والتكنولوجي الضروري، تقلبات عديدة. تقول ميريام روزمان، المؤرخة الإسرائيلية التي ألّفت كتابا عن هذه العلاقة: "هذه لحظة توتر شديد. ماكرون ليس ذا أهمية أو متسقا، وربما يكون على وشك ارتكاب خطأ فادح".
وأبرز: "لا يتفق العديد من المسؤولين في دائرة ماكرون، بمن فيهم مستشاره الدبلوماسي، إيمانويل بون، ومستشارته لشؤون الشرق الأوسط، آن كلير ليجاندر، على هذا الرأي. فهم يتشاركون قناعة عدد متزايد من الدول الأوروبية، التي كان العديد منها داعما لإسرائيل سابقا، بأن الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل تقود البلاد لطريق مسدود بتكلفة باهظة من أرواح الفلسطينيين".
وأضاف: "بالنسبة لإسرائيل، تُعدّ فرنسا نقطة حسّاسة للغاية. كان الاعتراف الإسباني والأيرلندي والنرويجي بدولة فلسطينية، العام الماضي، أمرا مختلفا تماما. أما الاعتراف الفرنسي، فسيكون مختلفا تماما، نظرا لشدة الرابطة التاريخية العاطفية".
وأكد: "فرنسا هي القوة النووية الوحيدة، والعضو الدائم الوحيد في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من دول الاتحاد الأوروبي. ويعيش حوالي 150 ألف مواطن فرنسي في إسرائيل، وفقا لوزارة الخارجية، 48 منهم كانوا من بين 1200 شخص قُتلوا في هجوم حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023".
يقول جيل كيبيل، الخبير الفرنسي البارز في شؤون الشرق الأوسط، بحسب التقرير ذاته: "هناك ارتباط والتزام فرنسيان راسخان بإسرائيل، ينبع جزئيا من تاريخ نظام فيشي". هذا النظام، الذي قاد فرنسا تحت الاحتلال النازي، رحّل 76 ألف يهودي إلى حتفهم.
وأشار إلى أنّ "فرنسا ساهمت بشكل جوهري في خمسينيات القرن الماضي في تطوير إسرائيل لقنابلها النووية غير المعترف بها. فقد زودتها بطائرات ميراج المقاتلة التي لعبت دورا هاما في دفاعها".
وتابع: "في عام 1967، وصف الرئيس شارل ديغول اليهود بأنهم "شعب نخبوي، واثق من نفسه ومتسلط". أثار هذا الأمر غضب إسرائيل. وفي سعيه لمداواة جراح حرب الجزائر، شرع في بناء صداقات مع العالم العربي وفرض حظرا على توريد الأسلحة إلى إسرائيل"
"منذ ذلك الحين، بقي دعم فرنسا لإسرائيل محدود بالتزام فرنسا الراسخ بدولة فلسطينية، وهو التزام طرحه الرئيس فرانسوا ميتران، أول رئيس فرنسي يزور إسرائيل، أمام الكنيست عام 1982. وعلى عكس الولايات المتحدة، ظلت فرنسا ثابتة في رفضها للاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، الذي حوّل الدولة الفلسطينية إلى وهم بعيد المنال" وفقا للتقرير.
واسترسل: "جاء في بيان فرنسي يعكس تفكير ماكرون، وكان يهدف إلى وضع إطار عمل للمؤتمر في نيويورك: إنّ الاعتراف بالدولة الفلسطينية وقبولها الكامل في الأمم المتحدة هما مقدمة لحل سياسي".
وتابع: "يُعدّ هذا نقيضا للموقفين الإسرائيلي والأمريكي القائلين بأن أي دولة فلسطينية تشترط مفاوضات مسبقة بشأن الأمن والحدود والحوكمة وغيرها من المسائل. لكن هذا النهج لم يُسفر عن شيء لفترة طويلة. ففي هذا الشهر فقط، أعلنت إسرائيل أنها ستبني 22 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية، وهو أكبر توسع لها منذ عقدين".
وفي برقية الأسبوع الماضي، نقلتها وكالة "رويترز" لأول مرة، قالت إدارة ترامب: "تعارض الولايات المتحدة أي خطوات من شأنها الاعتراف من جانب واحد بدولة فلسطينية افتراضية". ويوم الخميس، نشر ماكرون بيانا على موقع التواصل الاجتماعي "إكس" أشاد فيه بمحمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، قائلا إن رسالة "الأمل والشجاعة والوضوح" التي تلقاها منه يوم الثلاثاء الماضي "رسمت الطريق نحو أفق السلام".
وفي الرسالة، دعا عباس، حركة حماس، إلى "تسليم أسلحتها"، والإفراج الفوري عن جميع الأسرى ومغادرة غزة. كما التزم بإصلاح السلطة الفلسطينية المعروفة بفسادها وعدم فعاليتها. واستوفت الرسالة العديد من الشروط التي وضعها ماكرون للاعتراف الفرنسي بدولة فلسطينية. لكن أصواتا أخرى مقربة من الرئيس تدفعه في اتجاه آخر.
ونقلت الصحيفة عن الكاتب والمفكر الفرنسي الذي يحظى باهتمام ماكرون، برنارد هنري ليفي، قوله: "لا يمكن تصور فكرة الدولة الفلسطينية إلا بعد أن تُلقي حماس سلاحها، ويذهب قادتها في غزة إلى المنفى، ويتخلى سكان الضفة الغربية وغزة عن حلمهم القاتل بفلسطين تمتد من البحر إلى حدود الأردن".
وأشار إلى أنّ: "ماكرون لا يزال ممزقا، ويتعرض للانتقاد من كلا الجانبين، لكنه يميل إلى تأخير الاعتراف الفرنسي، الذي قال الرئيس إنه لا ينبغي أن يأتي منفردا. وقالت ألمانيا، الحليف الوثيق لكل من فرنسا وإسرائيل، هذا الشهر إن الاعتراف سيرسل "إشارة خاطئة".
وأضاف: "أما الأمير محمد بن سلمان، ملك السعودية، فإنه يجد نفسه مضطرا للموازنة بين علاقته الوثيقة بالرئيس ترامب وعزمه على النهوض بقضية الدولة الفلسطينية. فبينما وصف الأمير حرب إسرائيل على غزة بـ"الإبادة الجماعية"، لجأ ماكرون إلى أساليب ملتوية ليبدو متزنا منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023".
وأردف: "يحكم الرئيس الفرنسي أكبر تجمعين سكانيين للمسلمين واليهود في أوروبا الغربية. ويواجه يسارا متطرفا جعل من "فلسطين حرة" شعاره، كما يواجه مديونية فرنسية تاريخية لا مفر منها لليهود".
إلى ذلك، قالت ريما حسن، العضوة الفرنسية في البرلمان الأوروبي، ذات الأصول الفلسطينية، في نيسان/ أبريل، عن نية ماكرون المعلنة الاعتراف بدولة فلسطينية: "هذه ليست هب، وجاءت متأخرة جدا". وقد احتجزتها قوات الاحتلال الإسرائيلي مؤخرا أثناء وجودها على متن سفينة خيرية كانت تحاول نقل مساعدات إلى غزة، ثم أُطلق سراحها لاحقا.
والآن، على ماكرون، الرئيس "في الوقت نفسه"، أن يحسم أمره. من بين الدول الأعضاء الـ 193 في الأمم المتحدة، اعترفت 147 دولة بالفعل بدولة فلسطينية.