وتزامنت الرسالة بينما يدرس مجلس صيانة الدستور، طلبات 80 مرشحاً لخوض الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقررة في 28 يونيو (حزيران)، إثر مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في تحطم مروحية الشهر الماضي. وبالإضافة إلى ترشح إسماعيلي، قدم وزير الطرق والتنمية الحضرية، مهرداد بذرباش، ووزير العمل والرفاه، صولت مرتضوي، طلباً لخوض الانتخابات، وذلك بعدما قالت الحكومة إنها لا تنوي تقديم مرشح لخلافة رئيسي.
وجاء في الرسالة السرية المسربة: «نحن كبار المسؤولين وأعضاء الحكومة الثالثة عشرة، نظراً لترشح محمد مهدي إسماعيلي، واثقون في هذه الظروف الصعبة بأن لديه الحكمة الكافية لإدارة الحكومة المقبلة على نهج خدمة حكومة (...) رئيسي الثورية، في حال تأييدها واختيارها من قبل الشعب الإيراني». وذكرت مواقع إيرانية أن الوزراء وقعوا الرسالة تحت ضغط من إسماعيلي، ومحسن منصوري نائب الرئيس للشؤون التنفيذية. ورغم محاولة الحكومة الطعن بصحة الرسالة، فإن وكالة «إيرنا» الرسمية أعربت عن غضبها لتسريب الرسالة التي طالبت بالمصادقة على أهلية إسماعيلي.
وقالت إن «نشر الرسالة غير قانوني وتترتب عليه ملاحقة قضائية». ونقلت «إيرنا» عن مصدر مسؤول، أن «الرسالة شهادة شرعية لأعضاء مجلس صيانة الدستور، لتأكيد أهلية أحد المرشحين للانتخابات، وهي معدة فقط لتقديمها للأعضاء، ولم يكن من المقرر نشرها في وسائل الإعلام».
وأضاف المسؤول: «على الجهات المسؤولة التحقيق في كيفية الحصول على هذه الرسالة ونشرها من قبل بعض الشخصيات الإعلامية أصحاب السجلات الأمنية والقضائية». وتوعد المسؤول بملاحقة قانونية ضد من نشروا الرسالة، مشيراً إلى تصريحات المرشد الإيراني علي خامنئي التي شدد فيها على تجنب التشهير في الانتخابات.
وقال المسؤول: «في الآونة الأخيرة، تعامل القضاء مع بعض الأشخاص الذين سعوا لتلويث الأجواء الانتخابية، ومن المتوقع أن تزداد تحركات أصحاب السجلات الأمنية والقضائية في هذه الأيام لتخريب المرشحين». وقال موقع «رجانيوز» التابع لجماعة «بايداري» المتشددة، إن «تقديم المشورة السرية إلى مجلس صيانة الدستور، لا يواجه مشكلة فحسب؛ بل إنه محل ترحيب من المجلس».
وأضاف: «ما يعدّ ضغطاً على مجلس صيانة الدستور، ليس شهادة شرعية من أعضاء الحكومة، إنما نشر رسالة سرية بهدف رفع كلفة القرار المحتمل لمجلس صيانة الدستور».
وزير الطرق والتنمية مهرداد بذرباش أحمد المرشحين الثلاثة من حكومة رئيسي لخلافته (إ.ب.أ) خطوة «مستغربة» أما موقع «خبر أونلاين» التابع لرئيس البرلمان السابق، علي لاريجاني ومرشح الرئاسة، فقد وصف نشر الرسالة بـ«الخطوة المستغربة». وكان التلفزيون الإيراني قد بث تصريحاً مقتضباً لرئيس مجلس صيانة الدستور، أحمد جنتي، ينفي تعرض المجلس لأي ضغوط.
و«لا أحد يجرؤ على الضغط علينا، هذا الكلام غير مؤثر... نحن اخترنا خطاً مباشراً، وسنواصل هذا الخط». والأربعاء الماضي، قال نائب الرئيس للشؤون القانونية محمد دهقان: «بحسب قانون الانتخابات الرئاسية، لا يجوز لموظفي الحكومة استخدام موقعهم لصالح أو ضد مرشحي الانتخابات الرئاسية». وقال حسام الدين اشنا، مستشار الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، في منشور على منصة «إكس»: «بهذه الشهادة الإيمانية، ماذا يكون مصير أعضاء الحكومة الذين ترشحوا للرئاسة
المصدر: مأرب برس
كلمات دلالية: مجلس صیانة الدستور
إقرأ أيضاً:
الانتهازية وسياقات تشكيل الحكومة العراقية!
نشرت صحيفة «الوقائع العراقية» في عددها الصادر يوم 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، قرارات لجنة تجميد أموال «الإرهابيين» التابعة للبنك المركزي العراقي، من بينها القرار رقم (61) الذي جاء فيه أنه بناء على ما عرضه مكتب مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب بموجب كتابه السري بتاريخ 19 آذار/ مارس 2025 قررت اللجنة في جلستها المنعقدة في 12 تشرين الأول/ اكتوبر 2025 «تجميد الأموال المنقولة وغير المنقولة والموارد الاقتصادية» لمجموعة من الكيانات، وأن القرار صدر «باتفاق الآراء»، وليس بالاجماع. وكان من بين هذه الكيانات حزب الله اللبناني، وجماعة الحوثي اليمنية، المشاركين «في ارتكاب عمل إرهابي» كما ورد في توصيفها، وجبهة النصرة/هيئة تحرير الشام بسبب توصيفها «منظمة إرهابية أجنبية» و «كيانا إرهابيا عالميا» من وزارة الخارجية الأمريكية.
لكن البنك المركزي العراقي تراجع عن هذا التوصيف بعد انتشار الخبر، وأصدر بيانا يوم 4 كانون الأول/ ديسمبر 2025 جاء فيه أن القائمة المنشورة كانت «بناء على طلب من دولة ماليزيا»، وأنها تضمنت عددا «من الأحزاب والكيانات التي لا ترتبط بأي نشاطات إرهابية»، وأن إدراجها «كان بسبب نشر القائمة قبل التنقيح وسيتم تصحيح ما نشر»!
بعيدا عن هذا التبرير الذي لا ينطلي على أحد، فإن ماليزيا نفسها لا تعد «حزب الله» منظمة إرهابية من الأصل، وبالتالي لا علاقة لها بوضع حزب الله في هذه القائمة «غير المنقحة»! والولايات المتحدة رفعت جبهة تحرير الشام من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنية (FTO) منذ تموز/ يوليو 2025، وهذا يعني أن البنك المركزي العراقي هو وحده المسؤول عن هذه القائمة!
كان من الواضح أن هذه القائمة الانتهازية كانت موجهة للأمريكيين، وأن واضعيها لم يكونوا يعتقدون أن أحدا في العراق سينتبه إليها، بدليل أن القائمة المنشورة في صحيفة الوقائع العراقية كانت قد صدرت منذ 17 يوما دون أن يعتذر البنك المركزي عنها، وأن هذا الاعتذار لم يأت إلا بعد أن نشرتها الصحافة العربية والعالمية، تحديدا فيما يتعلق بحزب الله والحوثيين. وبدليل أن البنك المركزي العراقي قد أرسل خطابا للأمانة العامة لمجلس الوزراء بتاريخ 4 كانون الأول/ ديسمبر يطلب فيه تعديل ما ورد في هذه القائمة فيما يخص حزب الله والحوثيين حصرا، دون أن يشمل هذا الحذف جبهة تحرير الشام المرفوعة أصلا من قائمة وزارة الخارجية الأمريكية، والتي حلت نفسها بشكل رسمي في 29 كانون الثاني/ يناير 2025 من الأصل، وهو ما يفضح تسييس هذه القائمة!
لا يمكن عزل هذه القائمة، وتوقيت صدورها، عن سياق التحولات التي تحدث في المنطقة، تحديدا فيما يتعلق بالضغوط الأمريكية الخاصة بطبيعة العلاقات العراقية الإيرانية، وفيما يتعلق بوضع وكلاء إيران في العراق والمنطقة، خاصة وأن البنك المركزي العراقي هو بارومتر العلاقات العراقية الأمريكية، بسبب سيطرة البنك الفيدرالي الأمريكي على الأموال العراقية المودعة في الولايات المتحدة الأمريكية! كما لا يمكن عزلها عن خبر ترشيح محمد شياع السوداني (السري) للرئيس ترامب لجائز نوبل للسلام، وهو المطلوب للقضاء العراقي بمذكرة القاء قبض بسبب دوره في اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس! ولا يمكن أيضا عزلها عن مفاوضات تشكيل الحكومة التي تجري حاليا!
فكما أوضحنا في مقالات سابقة، فإن إيران حريصة كل الحرص على أن لا تفقد نفوذها الطاغي في العراق تحت أي ظرف، وهي مستعدة للتخلي عن أشياء كثيرة في سبيل ذلك، من بينها التخلي عن حزب الله والحوثيين أنفسهم! كما أوضحنا أن إيران عمدت إلى تغيير طريقة إدارتها للملف العراقي بطريقة لا تستفز الأمريكيين، وأنها حريصة على المجيء برئيس مجلس وزراء يستجيب للشروط الأمريكية فيما يتعلق بوكلائها، وأدوارهم وتمويلهم. ويجب قراءة قائمة البنك المركزي في هذا السياق. والأهم من ذلك كله أن وكلاء إيران وحلفاءها في العراق قد أذعنوا لذلك فعليا وهم يطبقون هذه الشروط على الأرض!
سيبقي النظام السياسي العراقي هشا وضعيفا وقابلا للابتزاز
إن مراجعة القائمة المعلنة للمرشحين لمنصب رئيس مجلس الوزراء (هناك قائمة غير معلنة تضم الدكتور علي العلاق محافظ البنك المركزي العراقي نفسه، وهو ما قد يكون مفتاح تفسير صدور قائمة المنظمات الإرهابية التي نشرت) تكشف عن حضور طاغ لشخصيات لديها علاقات جيدة مع الأمريكيين، وفي الوقت نفسه علاقات جيدة بالإيرانيين.
وإذا استبعدنا الشخصيات الإشكالية التي يستبعد تمريرها (تحديدا نوري المالكي ومحمد شياع السوداني) والشخصيات التي وضعت لأغراض تسويقية ولا حظوظ حقيقية لها وهم باسم البدري ومحمد صاحب الدراجي وعبد الحسين عبطان؛ فإن التنافس ينحصر بين أربعة أسماء فقط من الأسماء المعلنة، وهم كل من رئيس مجلس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، ومستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، ورئيس جهاز المخابرات حميد الشطري، ورئيس هيئة المستشارين والخبراء في رئاسة الجمهورية علي شكري؛ فالعبادي كان ولا يزال على علاقة جيدة مع الطرفين، بل كان جزءا من تحالف (الإصلاح) الذي دعمته الولايات المتحدة عام 2018 في مقابل تحالف «البناء» المدعوم إيرانيا.
والأعرجي والشطري يتمتعان بعلاقات جيدة مع الطرفين أيضا، بسبب موقعهما الأمني، أما شكري فهو ظهر إلى الساحة السياسية بعد أن اختاره الصدريون وزيرا للتخطيط عام 2010، ثم رشح لعضوية مجلس النواب معهم عام 2014، وبرغم أنه رشح ضمن تحالف الفتح في العام 2018، لكن علاقته بالسيد مقتدى الصدر لا تزال جيدة حتى الآن، وهو ما قد يعيق ترشيحه!
إن بقاء منصب رئيس مجلس الوزراء ( الذي يحتكر في الواقع السلطة التنفيذية بعيدا عن مجلس الوزراء) خاضعا لاشتراطات الفاعلين الثلاثة: إيران والولايات المتحدة والنجف، ورهينا لاشتراطات الفاعلين السياسيين الشيعة الذين يريدون رئيس مجلس الوزراء بصفة «موظف» لديهم، وليس رئيسا فعليا، وهو ما يحيد تماما سوء الأداء السياسي والاقتصادي، عن محدّدات هذا الترشيح. فضلا عن الدور الإيراني والفاعلين الشيعة في اختيار رئيسي مجلس النواب ورئيس الجمهورية وفقا لمصالحهم، وليس مصالح السنة والكرد وفقا لبنية النظام الطائفي الذي يحكم العراق، سيبقي النظام السياسي العراقي هشا وضعيفا وقابلا للابتزاز، وهو ما تثبته قائمة البنك المركزي العراقي حول المنظمات الإرهابية، مع كل ما يترتب على ذلك من مخرجات تكرس طبيعة الدولة الفاشلة في العراق!
القدس العربي