الشيخوخة والشذوذ والنسوية.. أرقام تعكس تحول أوروبا لمجتمع مهدد بالفناء
تاريخ النشر: 9th, June 2024 GMT
متوسط أعمار السكان في عدة بلدات شمال إيطاليا يتجاوز الـ60 عاما، وهو ما يجسد مثالا حيا على شيخوخة أوروبا. وحسب دراسة لمعهد الإحصاء الإيطالي في إبريل/نيسان الماضي تستعد عدة مصانع في البلاد لإغلاق أبوابها، بسبب نقص الشباب القادر على العمل.
هذا الانهيار الديمغرافي كما سمته صحيفة لوفيغارو الفرنسية لا يعود، حسب الدارسين، لتخلف علمي ولا لتقهقر اقتصادي، وإنما مرده بالدرجة الأولى إلى تداعيات انتشار ممارسات وأفكار شاذة في أوروبا مثل الشذوذ الجنسي، والنسوية التي شجعت، حسب دراسة للباحثة جون جونسون لويس نشرت في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، على تقويض النظام الأسري، وحاربت مفاهيم الأسرة والأبوة والأمومة والزواج وحتى الأنوثة والذكورة، حسب ذات الدراسة.
ورفع أصحاب تلك الأفكار، مدعومين بشكل معلن من هيئات الأمم المتحدة ومؤسسات الاتحاد الأوروبي، شعار الحرية الفردية المطلقة والمساواة بين الجنسين، بل إن القرارات الأممية والقوانين الأوروبية فتحت الباب لحماية ونشر جنس بشري ثالث، كما تقوم بتشجيع كل من يريد التحول من جنس لآخر.
وتؤكد الإحصاءات السكانية في دول الاتحاد الأوروبي أن هذه الدول بدأت جني حصاد هذه الأفكار داخل المجتمع الأوروبي، حيث ساد التفكك الأسري وانخفضت المواليد وزادت معدلات الانتحار، حسب آخر الإحصاءات.
معطيات تهدد بالفناءوفقا لدراسة نشرتها صحيفة لوفيغارو الفرنسية في يناير/كانون الثاني 2024، فإن دولا أوروبية في مقدمتها إيطاليا تواجه شبح الانهيار الديمغرافي، وتؤكد الدراسة أن معدل الخصوبة في أوروبا انخفض لدرجة لم يعد معها تجديد الأجيال مضمونا، ففي إيطاليا مثلا وصل معدل الخصوبة إلى 1.2 طفل لكل امرأة، وهو معدل منخفض جدا ترجعه الدراسة إلى عزوف عن الإنجاب أو تأخيره. وبدأت النساء الإيطاليات هذا السلوك منذ سبعينيات القرن الماضي.
وتضيف الدراسة أن إيطاليا التي سجلت مليون ولادة في عام 1964 لم تسجل في عام 2022 سوى 393 ألف ولادة، مقابل نحو 700 ألف وفاة في السنة نفسها.
وحسب تقرير آخر صادر سنة 2023 عن مكتب الإحصاءات الأوروبي "يوروستات"، فقد تباطأ معدل نمو سكان الاتحاد الأوروبي تدريجيا في العقود الأخيرة. كما لوحظ خلال العشرية الأخيرة أن عدد الوفيات صار يزيد على أعداد المواليد، وبات كبار السن يشكلون أغلبية السكان، وهو ما يعتبره الدارسون الاجتماعيون تهديدا جديا بالفناء.
وفي ذات المنحى، تشير تقارير أوروبية إلى أن دور العجزة في بعض المناطق الفرنسية أصبحت مطلوبة أكثر من المدارس.
وحسب الدارسين، فإن تناقص أعداد المواليد والارتفاع المطرد في نسب من بلغوا سن الشيخوخة، سيعني أعباء اقتصادية كبيرة، حيث تقل الفئات المنتجة، وتزيد الفئات التي تحتاج الدعم والرعاية من الحكومة.
حسب المعهد الفرنسي للإحصاء والدراسات الاقتصادية، ففي العام 2022 كانت نسبة 65% من المواليد في فرنسا خارج إطار الزواج وهي زيادة تقترب من نسبة 100% مقارنة مع عام 1991 حيث كانت النسبة حوالي 37%.
وفي بريطانيا، أفادت دراسة نشرتها صحيفة الديلي ميل بأنه منذ عام 2008 أصبح المتزوجون يشكلون أقليَّة في بريطانيا، والأكثرية تفضل علاقات لا تخضع لرابط الزوجية، وأصبح نصف المواليد الجدد تقريبا يولدون من علاقات خارج الزواج.
كما تشير الأرقام إلى ارتفاع نسبة العزاب من الجنسين إلى أكثر من 50%، وتفاقم حالات الطلاق، حيث إن هناك حالتي طلاق مقابل كل 3 زيجات جديدة.
أسر "جندرية"تغيرت طبيعة الأسرة الأوروبية بشكل كبير خلال العقود الخمسة الأخيرة، ولم تعد الأسرة عبارة عن مجموعة أفراد تضم زوجا وزوجة وأبناء، بل تشكلت أصناف جديدة من الأسر تنسجم مع مفهوم الجندر الذي أشاعته حركات النسوية والشذوذ، وأقرته الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.
فطبقا للتصنيفات الرسمية في بريطانيا المعتمدة منذ 2008، هناك عدة أنواع من الأسر:
– عائلة ثنائية التكوين: أب وأم وأبناؤهما.
– عائلة ثنائية التكوين: أب وأم (مطلقان أو يعيشان معا خارج رباط الزوجية) وأولاده وأولادها من علاقة أو زيجة سابقة.
– عائلة ثنائية التكوين: أب وأم (يعيشان معا خارج رباط الزوجية) وأولادهما من هذه العلاقة، أو من علاقة أو زيجة سابقة.
– عائلة أحادية التكوين: أم بمفردها (إما مطلقة أو أرملة أو هجرها عشيقها) وأولادها الذين قد يكونون من أكثر من أب.
– عائلة أحادية التكوين: أب بمفرده (مطلق أو أرمل، أو هجرته عشيقته) وأولاده.
– عائلة ثنائية التكوين: من جنس واحد (شاذ أو شاذة) مع أو بدون أولاد.
لم تكتف هيئة الأمم المتحدة ـكما هو موثق في مواقعها وقراراتهاـ برفع شعار المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة والضغط على الدول الأعضاء وتوفير التمويل للحكومات والمجتمع المدني لإصدار القوانين وتطبيق السياسات والبرامج اللازمة لضمان تنفيذ تلك المساواة في كل المجالات، بل زيادة على ذلك أقرت يوم 17 مايو/أيار من كل عام يوما دوليا لمناهضة "رهاب الشذوذ الجنسي ورهاب المتحولين جنسيا ورهاب ازدواجية الميل الجنسي".
كما أعدت الأمم المتحدة وسنّت اتفاقيات دولية لتشريع الشذوذ والنسوية مثل اتفاقية سيداو عام 1979، وإعلان الأمم المتحدة القضاء على العنف ضد المرأة عام 1993، واتفاقية إسطنبول المناهضة للعنف ضد المرأة لعام 2011
وفي سنة 2004، تضمن تقرير صادر عن لجنة المرأة التابعة للأمم المتحدة اعترافا رسميا بالشذوذ وحماية لحقوق الشواذ، والسعي لقبولهم مِن قبل المجتمع. واعتبر التقرير الشذوذ نوعا من التعبير عن المشاعر، معلنا بذلك دعم الأمم المتحدة للممارسة الجنسية بمختلف أشكالها الطبيعية والشاذة.
وإمعانا في تشريع الشذوذ أصدر مكتب حقوق الإنسان في الأمم المتحدة سنة 2012 ما سماه "دليلا لحقوق المثليين" حمل عنوان "يولدون أحرارا ومتساوين"، دعت الأمم المتحدة من خلاله حكومات العالم إلى حماية "حقوق" الشاذين جنسيا وإلغاء القوانين التي تعمل على التمييز ضدهم.
وزيادة على ذلك، اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة حينها بان كي مون أن كراهية الشذوذ الجنسي جريمة تجب مكافحتها كجزء أساسي من تعزيز حقوق الإنسان للجميع، حسب تعبيره.
الاتحاد الأوروبي يحتفل بيوم الشذوذوظل الاتحاد الأوروبي حريصا على الاحتفال مع الشاذين جنسيا كل سنة منذ أن سنت لهم الأمم المتحدة عيدا خاصا بهم، وقد دعا الاتحاد الأوروبي في بيان بالمناسبة في 17 مايو/أيار الماضي جميع دول العالم إلى اتخاذ كل الإجراءات لحماية الشاذات والشواذ ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية وثنائيي الجنس وتمكينهم من التمتع الكامل بكافة الحقوق، حسب البيان.
واعتبر الاتحاد الأوروبي أنه من المهم محاربة الممارسات التمييزية وإنهاء تجريم العلاقات الجنسية الشاذة بالتراضي في جميع أنحاء العالم.
وكانت المفوضية الأوروبية قد أعلنت عن إستراتيجية للفترة 2020-2025 بهدف تحقيق مساواة الشواذ ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية وثنائيي الجنس في جميع مجالات الحياة.
بحسب دراسة عن تاريخ الحركة النسوية للباحثة لورين ماكميلان نشرتها جامعة كوين ماري اللندنية في 2015، فقد ظل مفهوم النسوية مرتبطا بالطابع الأنثوي للمرأة حتى منتصف القرن الـ19، ليظهر تعريف جديد لمصطلح النسوية يربطه بالدفاع عن المرأة وتحقيق المساواة بين الجنسين، واستخدم هذا المصطلح لأول مرة من طرف الكاتب الفرنسي تشارلز فورييه.
بدأت مطالب الحركة النسوية في أوروبا مع مطلع القرن الـ20 بالسعي للحصول على حق الملكية للمرأة المتزوجة، وتبع ذلك المطالبة بالحصول على الحق في التصويت في الانتخابات، ثم تطورت المطالب، حسب ذات الدراسة، مع منتصف القرن الـ20 لتتحول إلى تحرير المرأة بشكل عام مع التركيز على الجانب الثقافي للخلاص من القيود الفكرية والاجتماعية التي تعرقل "تحرير المرأة".
ظهرت خلال تلك الفترة قيادات نسائية مثلت رموزا لهذه الحركة مثل سيمون دي بوفوار التي ألفت كتابا تحت عنوان "الجنس الثاني" اعتبرت فيه أن الحركة النسوية يجب أن تتغلب على فكرة أن "المرأة لا تولد امرأة بل تصبح امرأة" وشخصيات نسائية أخرى مثل بيتي فريدان وغلوريا ستاينم.
ولم تقف الحركة النسوية عند هذا الحد، بل برز منذ ستينيات القرن الماضي اتجاه راديكالي متطرف يسعى ـ حسب دراسة للباحثة جون جونسون لويس نشرت في المجلة البحثية Thoughtco نوفمبر/تشرين الثاني 2020ـ إلى تقويض النظام الأسري القائم بشكل كلي باعتباره نظاما يكرس هيمنة الرجال على النساء، ويجعل المرأة في مكانة التابع للرجل.
وترى المنظرات لهذا الاتجاه، حسب الباحثة، أن تحقيق المساواة في الحقوق لا يتم إلا بالتحرر من المفاهيم التقليدية للأنوثة والأمومة والزواج والجنس، لأنها تكرس السلطة الأبوية، إضافة إلى رفض كل القوانين الدينية والوضعية باعتبارها، حسب النسويات، تحط من قيمة المرأة.
ووفقا لذات الدراسة، فإن هذا الاتجاه الراديكالي يشجع النساء على العزوبية أو ممارسة الجنس بينهن كبدائل للممارسة بين الجنسين، كما تدعم النسويات الراديكاليات الأشخاص المتحولين جنسيا باعتبار ذلك مظهرا آخر من تحرير "النوع الاجتماعي" يكسر تلك الثنائية بين الرجل والمرأة والذكورة والأنوثة التي كرست، حسب أولئك النسويات، تهميش المرأة وأنتجت تصورات خاطئة مثل ضعف المرأة مقابل قوة الرجل، وعقلانية الرجل مقابل عاطفية المرأة.
ومن أبرز قيادات التيار النسوي الراديكالي: سوزان براون ميلر، فيليس تشيستر، كورين دراج كولمان، وماري دالي.
الشذوذ والمليار الذهبييعتقد بعض الدارسين أن نشر الشذوذ في العالم يندرج ضمن مخطط لبعض المتطرفين الغربيين هدفه تقليص سكان العالم من خلال الحد من الإنجاب ونشر الفيروسات المهلكة وصولا إلى ما يعتبرونه "المليار الذهبي".
يهدف المخطط حسب دراسة نشرها مركز إنسان للإعلام في سبتمبر/أيلول 2022 إلى جعل الشذوذ الجنسي موضة بين المشاهير، وقد نجح القائمون على المخطط إلى حد بعيد في تحقيق ذلك الهدف، كما تمكنوا من تقنين الشذوذ في 28 دولة بدءا من الدانمارك التي كانت أول دولة في العالم تعترف بالشذوذ عام 1989، ثم تبعتها هولندا وبلجيكا وإسبانيا والنرويج والسويد والبرتغال وآيسلندا وفرنسا والمملكة المتحدة ولوكسمبورغ وأيرلندا وفنلندا ومالطا وألمانيا والنمسا.
ويلقى الترويج للشذوذ دعما كبيرا من الدول الكبرى، وتقف وراءه جماعات ضغط رأسمالية غربية تسعى لنشره حتى بين الأطفال من سن مبكرة من خلال أفلام الكرتون والأفلام السينمائية والمسلسلات التي أصبحت لا تخلو من مشاهد الشذوذ، حسب ذات الدراسة.
هل ينقلب سحر الشذوذ على الساحر
ترى دراسة "مركز إنسان" أن النسوية والشذوذ قد انقلب سحرها على الساحر حيث بات يهدد وجود المجتمعات الغربية والأوروبية على وجه التحديد، بينما تحمي العقائد الدينية والمنظومة القيمية والأخلاقية معظم المجتمعات الأخرى وبالخصوص المجتمع المسلم من انتشار هذا الشذوذ، بل إن الدراسات تشير إلى أن عدد المسلمين في ازدياد مستمر.
فقد أوردت مؤخرا صحيفة "الغارديان" البريطانية استنادا لدراسة ديموغرافية أجراها موقع أميركي أن الإسلام يتميز بنسبة نمو هي الأسرع بين الأديان، وأن أتباعه سيبلغون 3 مليارات، وسينتزعون من المسيحية ريادة الترتيب العالمي في منتصف القرن الـ21.
الانحلال مؤذن بالفناء والدماريرى الدكتور فتحي أبو الورد في مقال نشره على موقع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في ديسمبر/كانون الأول 2022 أن الغرب بإقراره وإجازته لمنكرات الشذوذ لم ينطلق من فلسفة ولا فكر، بل انطلق من انحرافات سلوكية، وعاهات اجتماعية لمرضى نفسيين وأصحاب هوى شهوانيين.
ويضيف الدكتور أنه من المقرر بين عقلاء الدنيا أن الحرية المطلقة مفسدة مطلقة، وأنها لا تكون إلا للمجانين الذين يفعلون ما يشاؤون ما دام قد غاب العقل الذي هو مناط التكليف والتمييز.
وانطلاقا مما قرره المفكر عبد الرحمن ابن خلدون في كتابه "العمران" من كون الأمم تحتاج لقيامها وبقائها لعقيدة أو أسرة أو أمة تتعصب لها وتضحي في سبيلها، فإن أفكار الشذوذ والنسوية والانحلال الجنسي مدمرة للمجتمعات، حيث تصنع أجيالا من المنتفعين الأنانيين الذين يبيعون أهلهم وبلادهم ومجتمعهم مقابل متعة بسيطة، وليس لديهم أي استعداد للتضحية، لا في سبيل الأسرة ولا الوطن ولا الأمة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الاتحاد الأوروبی الحرکة النسویة الشذوذ الجنسی الأمم المتحدة ذات الدراسة بین الجنسین حسب دراسة
إقرأ أيضاً:
رحلة استسلام الاتحاد الأوروبي لسياسة ترامب الجمركية
بدأ الاتحاد الأوروبي رحلته نحو الاستسلام في 10 أبريل/نيسان الماضي في مواجهة حملة دونالد ترامب التجارية "الشرسة"، حسب تقرير لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية.
وأدت رسوم "يوم التحرير" الجمركية الشاملة التي فرضها الرئيس الأميركي على معظم دول العالم في وقت سابق من ذلك الشهر إلى حالة من الاضطراب في الأسواق المالية، وتخلى المستثمرون عن الأصول الأميركية خوفًا من الركود، ومع تصاعد موجة البيع، تراجع ترامب، وفي 9 أبريل/نيسان، وخفض الرسوم الجمركية إلى 10%، فيما وصفه بأنه إجراء مؤقت.
لكن بروكسل تراجعت هي الأخرى، ففي 10 أبريل/نيسان الماضي، علّقت رسومها الجمركية الانتقامية، وقبلت عرض الولايات المتحدة بإجراء محادثات في ظل رسوم جمركية بنسبة 10% على معظم تجارتها، إلى جانب رسوم أعلى على الصلب والألمنيوم والمركبات، مما اعتُبر حينها تهديدا.
وبدلا من الانضمام إلى كندا والصين في اتخاذ إجراءات انتقامية فورية، اختار الاتحاد الأوروبي -الذي أعاقته اختلافات وجهات النظر بين دوله الأعضاء- السعي إلى حل وسط على أمل الحصول على صفقة أفضل.
وبموجب الاتفاق الإطاري الذي توصلت إليه رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين وترامب في منتجع تيرنبيري للغولف أمس الأحد، اضطر الاتحاد الأوروبي لقبول تعريفة أميركية أساسية واسعة النطاق بنسبة 15%، شملت بشكل أساسي السيارات، لكنها لم تشمل الصلب، الذي سيخضع لنظام الحصص.
"من لا يتعاون يُشنق منفردًا"لكن، حسب الصحيفة، فإن الارتياح بين صانعي السياسات بشأن تجنب حرب تجارية عبر الأطلسي فورية شابه بعض الندم، فهل كان بإمكان الاتحاد الأوروبي، أكبر تكتل تجاري في العالم، والذي يُفترض أنه ذو وزن اقتصادي كبير، أن يحصل على شروط أفضل لو لم يخفف من حدة تصرفاته في البداية؟، تساءلت الصحيفة.
ونقلت الصحيفة عن أحد الدبلوماسيين، قوله: "إنه المتنمر في ساحة المدرسة، لم ننضم إلى الآخرين في مواجهته. من لا يتعاون يُشنق منفردًا".
إعلانوقال المسؤول السابق في المفوضية الذي ساعد في التفاوض على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، جورج يركيليس إن أحدث تهديد من الاتحاد الأوروبي بفرض تعريفات جمركية انتقامية بقيمة 93 مليار يورو (108.33 مليارات دولار) على السلع الأميركية جاء متأخرًا جدًا.
وأضاف يركيليس، الذي يعمل الآن في مركز السياسة الأوروبية للأبحاث (European Policy Centre): "بالاستفادة من الماضي، كان من الأفضل للاتحاد الأوروبي الرد بقوة على الولايات المتحدة في أبريل/نيسان، وذلك من خلال رد الصين على زيادات الرسوم الجمركية الأميركية، والتي تركت الأسواق وترامب في حالة من الترنح".
وحسب الصحيفة، فإن ترامب ينظر إلى الاتحاد الأوروبي على أنه طفيلي، يتغذى على السوق الأميركية المربحة بينما يغلق سوقه الخاص من خلال اللوائح والمعايير، وقال الرئيس الأميركي إن الاتحاد "نشأ لخداع الولايات المتحدة" و"أكثر فظاظة من الصين".
وحسب التقرير، جاء رد فعل الاتحاد الأوروبي على عودة ترامب إلى السلطة في يناير/كانون الثاني مُتعثرًا، وأضاع أشهرًا من تخطيط فريق مُختص، ضمّ مسؤولين تجاريين كبارًا بقيادة الخبيرة المُخضرمة في محادثات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، سابين وياند، وتوماس بيرت، المستشار التجاري لفون دير لاين.
وضع الفريق المتخصص خطة من 3 نقاط على غرار النهج المتبع في ولاية ترامب كالتالي:
الأولى: عرض لخفض عجز تجارة السلع البالغ نحو 200 مليار يورو (233 مليار دولار) من خلال شراء المزيد من الغاز الطبيعي المسال والأسلحة والمنتجات الزراعية. الثانية: عرض تخفيضات متبادلة للرسوم الجمركية على سلع كل طرف. الثالثة: في حال فشل الأولى والثانية، سيُعدّون إجراءات انتقامية ويعتمدون على رد فعل السوق تجاه حرب تجارية محتملة، أو ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة، لإجبار ترامب على التراجع.لكن ترامب تحرّك أسرع من المتوقع، وبحلول مارس/آذار الماضي، فرض رسومًا جمركية بنسبة 25% على الصلب والألمنيوم والسيارات.
وفي اجتماع عُقد في لوكسمبورغ في ذلك الشهر، كان العديد من وزراء التجارة على وشك الحرب (التجارية).
مواقف متباينةودفعت ألمانيا وفرنسا وعدد قليل من الدول الأخرى المفوضية للتشاور بشأن استخدام "بازوكا التجارة" الجديدة، وهي أداة مكافحة الإكراه، والتي صُممت بعد ولاية ترامب الأولى لمواجهة استخدام السياسة التجارية للضغط على الحكومات في مسائل أخرى، ومن شأنها أن تسمح لبروكسل بمنع الشركات الأميركية من المشاركة في المناقصات العامة، وإلغاء حماية الملكية الفكرية، وتقييد الواردات والصادرات.
وقال دبلوماسيون إنه لم يتضح ما إذا كانت أغلبية الدول الأعضاء توافق على التهديد باستخدام أداة مكافحة الإكراه، ودعت سابين وياند سفراء الاتحاد الأوروبي، الذين كانوا يجتمعون أسبوعيًا على الأقل لمناقشة الأمر إلى التحلي "بالصبر الإستراتيجي".
وعندما أبرمت بريطانيا اتفاقا تجاريا مع واشنطن في مايو/أيار، وقبلت التعريفة الجمركية الأساسية التي فرضها ترامب بنسبة 10%، شجعت هذه الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي تسعى إلى التوصل إلى تسوية، وخاصة ألمانيا، على القبول بشرط مماثل.
إعلانوتمسكت رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، والمستشار الألماني فريدريش ميرز، لأشهرٍ بعرض الاتحاد الأوروبي المُبكّر بإلغاء جميع الرسوم الجمركية الصناعية إذا فعلت الولايات المتحدة الشيء نفسه، على الرغم من أن واشنطن لطالما أوضحت رغبتها في تنازلاتٍ أحادية الجانب.
وأرسل الاتحاد الأوروبي المفوض التجاري المقرب منه، ماروش شيفكوفيتش، إلى واشنطن 7 مرات لاقتراح مجالات الاتفاق، والتعبير عن أهمية العلاقة عبر الأطلسي، والترويج لبرنامج تعويض السيارات الألماني، وفي المجمل، أجرى شيفكوفيتش أكثر من 100 ساعة من المحادثات المحبطة مع نظرائه الأميركيين، وفق الصحيفة.
ورفض ترامب رفضًا قاطعًا صفقة فرض تعريفة جمركية دائمة بنسبة 10% "متبادلة"، والتي تم التوصل إليها في يوليو/ تموز مع الممثل التجاري الأميركي جيميسون غرير ووزير التجارة هوارد لوتنيك، وهدد بدلا من ذلك برفع الرسوم على الاتحاد الأوروبي إلى 30%، بدلا من 20%، اعتبارًا من أغسطس/آب.
انقسام أوروبيخلال أشهر من المحادثات، حث شيفكوفيتش الوزراء الأوروبيين على الحذر، وكان وزير التجارة الأيرلندي، سيمون هاريس من المتصلين الدائمين، وقد أراد إنقاذ صناعة الأدوية ولحوم البقر في بلاده من أي هجوم أميركي مضاد، وإعلام العالم – لا سيما الأميركيين – بذلك من خلال منشورات متكررة على وسائل التواصل الاجتماعي.
ودعا قادة الأعمال بصوت عالٍ إلى ضبط النفس، مفضلين قبول خفض هوامش الربح على المخاطرة برسوم جمركية عقابية من شأنها أن تؤثر سلبًا على المبيعات.
وخفض الاتحاد الأوروبي حزمة ثانية من الرسوم الجمركية الانتقامية على الولايات المتحدة إلى 72 مليار يورو (83.86 مليار دولار) قبل الموافقة عليها نهائيًا في 24 يوليو/تموز الحالي لاستخدامها في حال انهيار المحادثات، ليصل إجمالي الرسوم إلى 93 مليار يورو (108.33 مليارات دولار).
وكشف عدم اليقين المستمر منذ أشهر بشأن اتجاه المفاوضات عن انقسامات داخل المفوضية نفسها.
وعلى الرغم من محاولات الحكومة الفرنسية لحماية الشركات الفرنسية من الانتقام، فقد دعت مرارًا وتكرارًا إلى نهج أكثر حزمًا من جانب المفوضية تجاه رسوم ترامب الجمركية.
لكن رئيسة المفوضية ومساعديها المقربين دفعوا بأن الضرر المحتمل من إجراءات ترامب الإضافية، بما في ذلك التهديدات بفرض رسوم جمركية محددة على قطاعات حيوية مثل الأدوية في الاتحاد الأوروبي، يعني أن خطر اندلاع حرب تجارية متصاعدة كان كبيرًا للغاية.
وكان ثمة قلق من أن الموقف الأكثر مواجهة تجاه واشنطن قد يمتد إلى مجالات أخرى.
وكان اعتماد أوروبا على ضمان الأمن الأميركي حجة أخرى ضد المواجهة التجارية، وخاصة بالنسبة لأعضاء الكتلة الشرقية والشمالية، فقال دبلوماسيون إن المخاوف من أن يقطع ترامب إمدادات الأسلحة عن أوكرانيا، أو يسحب قواته من أوروبا، أو حتى ينسحب من حلف شمال الأطلسي (الناتو)، قد طغت على المحادثات.