أيّ كرامة في الحرب العبثية
تاريخ النشر: 10th, June 2024 GMT
خالد فضل
خالص التعازي لأسر وذوي ضحايا المجزرة الدموية التي حدثت وقائعها في قرية ود النورة من ريف منطقة المناقل، ونترحم على تلك الأرواح السودانية الغالية من أجيال الشباب في الغالب التي يستمر إهدارها عبثا دون توقف منذ فجر الاستقلال إلى شيخوخته الراهنة، ويدين كل صاحب حس إنساني سليم مناهض للعنف والحرب وناشد للسلام والحرية والعدالة، وكل صاحب موقف أخلاقي وفكري وسياسي رشيد ينطلق من قاعدة لا للحرب؛ يدين بأشد العبارات قوات الدعم السريع التي هاجمت القرية بمفرزة كبيرة من جنودها وآلياتها وأسلحتها.
وأيا كانت دواعي الحشود القبلية أو الحزبية التي استهدفها الهجوم، فإنّ معظم سكان قرى الجزيرة هم من المدنيين الأبرياء، وفيهم من العفوية ما يقارب السذاجة في التعامل مع وقائع مثل كنه الحرب وطبيعتها، كما أنهم ظلوا لمدة 6 أشهر يتعرضون لممارسات وانتهاكات فظيعة وفرت بيئة مواتية لاستغلال ردة فعلهم الفطرية والمشروعة ضد العدوان الواقع عليهم لتحقيق أهداف الفئات الوالغة في الحرب من أجل إحكام سيطرتها وسطوتها على البلاد والانتقام من الثوار الذين أزاحوا جبروتهم في ثورة ديسمبر المجيدة.
وقد ظل صاحب هذا القلم مذ أن خطّ حروفه الأولى للنشر قبل 30 سنة تقريبا، ينشد السلام والحرية والحياة الديمقراطية لوطنه وشعبه، وهو موقف يتشاركه مع كثير من السودانيين/آت، بل مع جميع البشر المحبين للسلام المبغضين للعنف والكراهية والحرب، وهو عالم إنساني فسيح، يمتد من مشارق الشمس يوميا على الأرض إلى مغربها السرمدي، حتى تأفل أفولها الأبدي في يوم الحشر.
ثم بعد الإدانة للحرب عموما وللانتهاكات الجسيمة التي يرتكبها البشر المتعاركون ضد بعضهم بعضا وضد الأبرياء والعزل وضد سبل الحياة ومرافقها وأنشطتها، لا بد من مواجهة الحقائق، لا كما يرويها الطرفان المتحاربان، بل من موقف الرفض للحرب أساسا، فمن في وسعه أن يترقى إلى مصاف السلم يمكنه ببساطة أن ينظر إلى هذه الانتهاكات بأنها نتيجة حتمية للأصل وهي الحرب ذاتها، فمتى ما توقفت الحرب أمكن تلافي نتائجها الوخيمة، ومتى زاد أوار النار اشتعالا تعاظمت آثار الحريق دمارا، هذه الفرضية البسيطة، توصل إليها من عجب قائد الجيش الفريق البرهان في تصريحاته لقناتي الحدث/العربية في يوم السبت 22 أبريل 2023، وهو يقول عبر الهاتف: يجب على طرفي الصراع في السودان الجلوس معا لإيجاد مخرج للأزمة، ويجب أن نجلس جميعا كسودانيين، ونجد المخرج الملائم حتى نعيد الأمل ونعيد الحياة، لأن هذه الحرب العبثية الجميع فيها خاسر، وأنّه يشاطر قادة الدول القلق الذي أبدوه حيال هذه الحرب.
وبذات جوهر ما أدلى به البرهان جاءت تصريحات قائد الدعم السريع حميدتي لذات المصدر. وكان البرهان قد أكد وجوده في مركز قيادته؛ لأن ذلك مكان عمله، ولن (أتركه إلا على نعش) على حد تعبيره.
الحرب العبثية الخاسرة هذه استمرت لأربعة عشر شهرا حتى الآن، وما تزال الانتهاكات لحقوق الإنسان متواصلة من كل أطرافها، ولا ننسى تعدد الأقطاب فيها، فالبرهان يسنده الآن مليشيات عديدة منها مليشيات مناوي وجبريل ومالك عقار ومصطفى طمبور ومليشيات جماعات الإسلام السياسي البراء بن مالك، ومليشيات القبائل والمناطق خاصة في مناطق سيطرته في الشمالية والشرق ومنطقة المناقل بالجزيرة مثل كتائب الزبير بن العوام وغيرها من لافتات تنتشر مقاطعها عبر الإنترنت ووسائط التواصل الاجتماعي، وتحظى فعالياتها وتعبئتها لمواصلة الحرب العبثية بالتغطية من وسائل الإعلام الرسمية والموالية في السودان، فيما تتحالف مع الدعم السريع مليشيات قبلية في مناطق دارفور وكردفان والخرطوم وبعض أرجاء الجزيرة.
وهي النذر الأسوأ في سيناريوهات الحرب العبثية، الأمر الذي لا يجدي معه نفعا تعمية الأنظار وخداع الناس بمسميات تعود إلى حروبات عهد الإسلاميين الغاشم (الإنقاذ) مثل حرب الكرامة!! فأي كرامة في حرب عبثية الجميع فيها خاسر على حد وصف البرهان نفسه، فهل الكرامة في مقتل حوالي 100 ألف من المدنيين، وتشريد ونزوح ولجوء حوالي 10 ملايين منهم، وخروج 80% من الأنشطة الاقتصادية من الخدمة، ومكابدة الحياة وأكل أوراق الشجر والمجاعة ونقص الغذاء وضياع جيل كامل من الأطفال والشباب.
أهذه المعطيات تحقق الكرامة، ما الإهانة والذل إذا كانت تلك نتائج حرب الكرامة، هل انقلبت الموازين بحيث صار رأسها إلى أسفل وأرجلها إلى أعلى مثل قلب (الهوبا) بحيث صار دعاة السلم والناشطين من أجل ما يمكن إنقاذه هم المنبوذين والمطرودين؛ مما يراه دعاة الحرب نعيما؛ هناك بعض المرضى النفسيين يتلذذون بعذابات الآخرين، وتكون هي جنتهم ومصدر سعادتهم.
الحق أنّ دعاة السلام ولا للحرب هم الأكثر تأهيلا من كل جانب لقيادة بلادهم وإنقاذه من الجحيم، ولنا في تاريخ عمر البشير القريب عظة، وما تزال أصداء خطبه الجوفاء ترن في الفضاء كلما وقف البرهان في محفل من محافل اليتم والمأساة، وهو يترحم ويعزي ويحمل الأطفال في صنيع مصطنع، أو يأكل (الزلابية!! لا للحرب نعم للسلام، والتحية للقابضين بالوعي على جمر القضية الوطنية الكبرى قضية وقف الحرب لتبدأ مرحلة طي الأحزان وفق المعادلة الصحيحة التي تمشي على ساقين مستقيمين، إنها الكرامة الإنسانية التي تنتهكها الحروب يا سادة ولا سبيل لردها إلا بوقف الحرب.
الوسومخالد فضلالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: خالد فضل الحرب العبثیة
إقرأ أيضاً:
جعفر حسن انصف البرهان واتهم الدعم السريع بشكل ضمني
جعفر حسن انصف البرهان واتهم الدعم السريع بشكل ضمني
في خطوة تُعدّ بالغة الأهمية، أنصف الأستاذ جعفر حسن «ود الأراك» الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ووجّه – بشكل ضمني وواضح الدلالة – اتهامًا لمليشيا الدعم السريع بالتمرد على الدولة السودانية وتلقي الدعم من جهات خارجية.
ففي حديثه لقناة الجزيرة مباشر، أقرّ جعفر حسن بأن حركة العدل والمساواة «أيضًا» تمردت على الدولة السودانية، واستجلبت السلاح والمال من الخارج، في إشارة صريحة لإدانة هذا المسلك بوصفه سلوكًا مرفوضًا وهدّامًا لسيادة الدولة. ورغم أنه لم يذكر مليشيا الدعم السريع بالاسم، إلا أن السياق السياسي للحديث، واستخدامه لمصطلح «أيضًا»، يحمل دلالة واضحة على أن الدعم السريع ينتهج النهج ذاته من حيث التمرد والاستقواء بالخارج، وهو ما عبّر عن رفضه له بصورة غير مباشرة.
ويُعد هذا التصريح أول اعتراف ضمني يصدر عن أحد قيادات تحالف «صمود» يوصَف فيه سلوك الدعم السريع بأنه تمرد على الدولة، مع الإقرار بتلقيه دعمًا ماديًا ولوجستيًا من خارج البلاد، وهو تطور سياسي لافت في خطاب هذا التيار المحسوب محلياً كداعم للمليشيا .
كما زعم جعفر حسن بجهود الفريق أول البرهان في مساعي تحقيق السلام، موضحًا أنه قام بتعديل بعض مواد الإعلان السياسي المفضي إلى إنهاء الحرب، وراجعها مع أطراف صمود قبل توقيعهم عليها مع الدعم السريع. وكان من المقرر أن يتوجهوا إلى مدينة بورتسودان للتوقيع، إلا أنهم لم يحضروا حتى الآن. ورغم ذلك، لا يزال بعض قادة تحالف «تقدّم» يصفون الفريق أول البرهان بالمتعنت والرافض لوقف الحرب، الأمر الذي يعكس بوضوح حالة التباين داخل قيادة تحالف «صمود»، وتعدد مراكز القرار، واختلاف التقديرات والمواقف السياسية داخله.
Mohammed Albushra Abdalmoniem
إنضم لقناة النيلين على واتسابPromotion Content
أعشاب ونباتات رجيم وأنظمة غذائية لحوم وأسماك
2025/12/15 فيسبوك X لينكدإن واتساب تيلقرام مشاركة عبر البريد طباعة مقالات ذات صلة دولة بلا جيش.. لقمة سائغة2025/12/15 د. حسن محمد صالح يكتب: البطل عبد الحق موسى وقصته مع فِدية2025/12/15 جامعة إفريقيا العالمية في مؤتمرها القادم2025/12/15 إبراهيم شقلاوي يكتب: الوعي الجمعي و صياغة معادلة السلام2025/12/15 المخابرات في الموعد2025/12/14 إسحق أحمد فضل الله يكتب: (جلباب…)2025/12/14شاهد أيضاً إغلاق رأي ومقالات “أن تكون مع بوتين أفضل من الحرب” 2025/12/13الحقوق محفوظة النيلين 2025بنود الاستخدامسياسة الخصوصيةروابطة مهمة فيسبوك X ماسنجر ماسنجر واتساب إغلاق البحث عن: فيسبوك إغلاق بحث عن