بقلم عمر العمر
أبو النورة شاهد على ما فعلت بنا الإنقاذ.ففي المذبحة الجماعية يتساوى الجلادوالضحية.كلاهما انتاج بؤس ثقافة الإنقاذ وطيشها.فالدولة كائن حي ينمو ويتطوركالانسان.إبان الطفولة والصبا يميل إلى المغامرة حد التحطيم.حينما يبلغ مرحلة النضوجيتجه إلى الإنتاج حد الإبداع.الإنقاذ بلغت الثلاثين ولم تشارف الرشد، إذ حصيلة تدميرهاأعلى من حصاد تعميرها.
*****
بؤس الإنقاذ غيّب عمدا الوعي بين البقاء والفناء في خلطه الممنهج بين الموت والشهادة،القتل والفداء. فماكينات النظام متباينة الموديلات ،متعددة التروس، الدائرة بوقود الدينظلت تطحن عقول الفتية طوال عقود ثلاثة حداً عطّلت عندهم حرية الاختيار. فمع أن أبانا ادموحواء اختارا شجرة المعرفة على الخلود فإن شياطين الإنقاذ لم يوفروا للشباب طوال ثلاثينعام غير خيار القتل أو الموت تحت وهم (حرب مقدسة). إبان هذه السنين الطوال تحولت كلالمنابر في المساجد، المدارس و الإعلام إلى محطات للشحن و التحريض على الموت المجاني والقتل العشوائي.كما ساهمت منظومة التعليم في التنشئة على التعالي و الكراهية.ذلكجهد استهدف جعل الموت أمنية ومناسبة للفرح تحت أهازيج تلبيس كذوب خلطت عمدا بين قيْم الدين وأطماع الدنيا فسيق الشباب إلى بؤر الهلاك.
*****
في ظل تكريس بؤس ثقافة التقتيل لم يتورع النظام عن استيلاد فيالق للتعذيب وجيوشالإبادة على كل المستويات.القيم المجتمعية المورثة والضوابط الأخلاقية أصبحت أولالضحايا حتى تسهل عمليات غسل الأدمغة وتجفيف الضمائر .عندما تتحول الدولة إلىممارس وراع منظم لعمليات العنف تصير مشاهد القتل حدثا يوميا تألفه الأذن والعين.ماحدث في الجزيرة ليس سوى حصاد لهذه الثقافة البائسة حيث يتحول الشباب من رصيدلبناء المستقبل إلى حطام في محرقة يتساوى فيها القاتل والقتيل اذ كلهم معاول للهدم .كلهمضحايا ثقافة القتل.كلهم أشلاء مجتمع متخثر.فالقتلة لا يصلحون جنودا في معارك إعادةبناء مرتجاة ف وطن منتظر .ذلك مستقبل يبدأ من الكف عن دفع الشباب قتلة ومقتولينكالقطيع إلى مستنقع الحرب حيث لا يجدون خيارا غير الانغماس في لعبة التقتيل .
*****
وقف الحرب يتطلب الانتقال على عجل من ثقافة القتل إلى ثقافة الحياة.كما بتطلب إخراجكافة مكونات الشعب من ثنائية النصر والهزيمة.أقرب الطرق لبلوغ تلك الغاية يأتي عبر نشرالوعي ،المعرفة ، بث الحب الخير و الجمال. حب الدين والوطن ينبعان من الروح المؤمنةبالتفاني من أجل الآخر دون طمع أو مقابل. الثورة من أجل وطن أفضل عمل تراكمي -ليسرهين فرد بعينه - في سياق مشروع متكامل ليس عبر حرق المراحل ،دع عنك حرق الوطننفسه.ثقافة الحياة لاتعني فقط محبة العيش الرغد بل أكثر من تلك وقبلها حب الحريةوالعدالة. البون شاسع بين التضحية في حب الوطن والموت في سبيل النظام .
*****
كلمة الحياة و مشتقاتها وردت في القرآن ١٩٠ مرة بينما الموت ١٣٥. ذلك تغليب رباني للخير على الشر .لعبة القتل تستشري على إيقاع موت البعد الروحي في المجتمع. ليس كما يصوردعاة الحرب بتحويل الفتية قنابل موقوتة. في أصول الفقه الأولوية للحفاظ علىالحياة.منطق الرسول الشريف مع الخيار الأيسر.كلاهما يرجحان السلام على الحرب،التعايش، على التناحر،التضامن على التعالي،الطهارة على الفساد.رغم الشحن المكرسلثقافة تكديس الثروة لم ينجح أنصار الإنقاذ في تجفيف ثقافة الزهد واسعة الانتشار فيالتربة الاجتماعية السودانية .على النقيض حوّلها المتعففون الحقيقيون إلى ضرب منمقاومة ممارسات النظام العدوانية. إنغماس الانقاذيين في ترف الحياة يؤكد مثل توغلهم فيممارسات الإستعلاء والإقصاء اخفاقهم في فهم شفرة الإنسان السوداني.
[email protected]
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
الطيور تمتلك ثقافة وتراثا تتناقله الأجيال
منذ سنوات، افترض العلماء أن بناء الأعشاش لدى الطيور أمر غريزي بحت، أي أنه سلوك فطري يولد به الطائر ولا يتطلب أي تعلم، مثل البشر يأكلون عند الجوع، شعور يدفعك إلى فعل شيء ما.
هذا صحيح جزئيا، فكل نوع من أنواع الطيور يميل إلى بناء نمط مميز من العش، مما يشير إلى وجود أصل وراثي، كما أن تجارب الطيور في الأسر أثبتت ذلك، فبعض الطيور التي ولدت في أقفاص مراقبة، ولم تشاهد طيورًا أخرى تبني أعشاشها، قامت تلقائيا عند التزاوج ببناء أعشاشها.
لكن على الرغم من ذلك، أظهرت تجارب أجريت على عصافير الزيبرا الأسترالية، وهي طائر مغرد صغير يستخدم غالبًا في التجارب السلوكية، أن الطيور تحسن أسلوبها مع الخبرة، حيث طورت من أسلوبها مع الزمن، لتصنع أعشاشاً أدق في كل مرة.
بل وهناك أيضًا أدلة على التعلم الاجتماعي في بناء الأعشاش، إذ إن بعض الطيور يتعلم من مشاهدة الآخرين، تماما كما قد يتعلم المتدرب من حرفي ماهر.
في واحدة من الدراسات التي نشرت بدورية أنيمال كوجنيشن، تعلمت طيور الزيبرا من تأمل أعشاش فارغة لرفاقها، وعندما سمح الفريق للطيور (التي أجبرت على رؤية أعشاش فارغة متنوعة)، ببناء أعشاشها الأولى، وجد الباحثون أن الطيور استخدمت مواد من نفس لون العش الفارغ الذي شاهدته، تعلمت وحاكت ما تعلمته، مثلنا بالضبط.
بناء ثقافةبل هناك ما هو أعقد من ذلك. على سبيل المثال، في قلب صحراء كالاهاري الحارقة بجنوب أفريقيا، حيث الرمال الذهبية والرياح الساخنة تتقاذف الغبار، رصد العلماء اختلافات بين جماعات مختلفة من طيور الحبّاك أبيض الحاجب، وكأن كل مجموعة منها تتبع أسلوبا معماريا خاصا بها، لا يشبه غيرها من المجموعات المجاورة، رغم أنها تعيش في نفس البيئة.
هذا ما توصل إليه فريق من علماء الأحياء من المملكة المتحدة وكندا، في دراسة حديثة نسبيا نشرت في أغسطس/آب 2024 بدورية "ساينس" المرموقة، إذ وجدوا أن مجموعات مختلفة من طيور الحبّاك تتبنى "أساليب بناء عش مميزة"، تتوارث عبر الزمن، ما يشبه شكلا من الثقافة.
إعلاناعتمد الباحثون على مراقبة سلوك البناء لدى طائر الحبّاك أبيض الحاجب، الذي يتميز بنمط حياة اجتماعي معقد وسلوك تعاوني ملحوظ. طوال عامين كاملين، راقب الفريق 43 مجموعة مختلفة من هذه الطيور في صحراء كالاهاري، ووثقوا بناء ما يقرب من 450 عشًا.
باستخدام الفيديو والملاحظات الدقيقة، سجل الفريق شكل الأعشاش، وأبعادها، وطول الأنفاق الداخلة والخارجة، وسمك الجدران.
ووجد العلماء أن بعض المجموعات تفضل أعشاشا قصيرة وثخينة، بينما تميل مجموعات أخرى إلى بناء أعشاش طويلة ذات مداخل أنبوبية معقدة، والأهم أن نمط البناء بقي ثابتا داخل كل مجموعة عبر الزمن.
هذه النتائج استبعدت أن تكون الاختلافات بسبب البيئة أو الصدفة، بل يبدو أن لكل مجموعة نمطا هندسيا معماريا مميزا يقلده الأفراد، ويستمر من جيل إلى جيل، ما يعرف في علم السلوك الحيواني "بالانتقال الثقافي غير الجيني".
تعد هذه الدراسة من الأدلة القوية على أن بعض أنواع الطيور لا تكتفي بالوراثة، أو حتى التعلم الفردي، بل تُكون تقاليد سلوكية داخل مجموعاتها، وهذا يضعها في مصاف كائنات قليلة، مثل الشمبانزي والدلافين، والتي تمتلك ثقافة جماعية يتعلمها الأفراد ويتبادلونها، لا عبر الجينات، بل عبر التجربة والملاحظة.
والمثير للانتباه في هذا السياق، هو أن ذلك يفتح الباب للتساؤل عن كيف يمكن أن تظهر "الثقافة" في كائنات صغيرة الدماغ.