سودانايل:
2025-12-14@09:17:01 GMT

خطاب الكراهية… و«الزينوفوبيا»

تاريخ النشر: 18th, June 2024 GMT

فيصل محمد صالح

المتابع للسوشيال ميديا السودانية والمصرية يلحظ نمو خطاب كراهيةٍ متزايد، ربما لم يصل لمرحلة الظاهرة، من حيث الانتشار والتمدد، لكنَّه يمثل نذيرَ خطر ينبغي الانتباه له ومواجهته بما يستحق. ويتمحور الخطاب حول شعور متزايد، ينم التعبير عنه في وسائل التواصل الاجتماعي، من بعض المدونين المصريين، عن الضيق من انتشار الوجود السوداني في مصر، خاصة بعد الحرب التي اشتعلت العام الماضي، وتحميله كل ما يحدث في مصر من ارتفاع الأسعار، ويصل للضيق من الممارسات الاجتماعية للسودانيين التي قد لا تتقيد بالواقع المصري المختلف.



ويتطور الخطاب من هذا الشكل المبسط ليعبر عن الضيق كون السودانيين أسَّسوا مطاعمَهم وبقالاتهم، بل بعض مدارسهم ومصانعهم، وهم بالتالي ينقلون حياتهم السودانية كاملة إلى مصر، بدلاً من أن يتأثروا بالثقافة والحياة الاجتماعية المصرية. مثل هذا الخطاب المجرب في بلدان أخرى، يمكن أن يلعب دور المحرض ضد القادمين، وهم هنا السودانيون، وربما الأفارقة بشكل عام، ويساهم في خلق وإيجاد ظاهرة الزينوفوبيا (العداء للأجانب) التي قد تجد لها حواضن اجتماعية وسياسية تستثمر فيها، حتى تصل إلى حالات العنف البدني ضد الأجانب.

وقد يستغرب المرء إن عرف أن بلداً مثل جنوب أفريقيا يعدّ من الدول التي برزت فيها هذه الظاهرة بشكل كبير، وقد تصاعدت حملة العداء للأجانب (زينوفوبيا) عام 2008، ووصلت إلى مرحلة إشعال النار في المساكن المؤقتة التي يعيش فيها المهاجرون في أطراف المدن، فاحترقت أعداد منهم، واحترقت مساكنهم وممتلكاتهم. قاد الحملة العمال أعضاء النقابات الذين تضرروا من وجود العمالة الأجنبية الرخيصة التي تعمل في ظروف صعبة وبأجور زهيدة ودون ضمانات، ما دفع أصحاب المصانع والمحلات الكبرى لتفضيلهم على العمال الجنوب أفريقيين الذين ينضوون تحت نقابات قوية وكبيرة تحفظ لهم حقوقهم، واتجه فقراء المدن في جنوب أفريقيا لتفريغ غضبهم في بني عمومتهم المهاجرين، بحجة أنهم يسرقون منهم فرص العمل ويضايقونهم في لقمة العيش.

وحمَّلوا المهاجرين الأجانب، وكلهم أفارقة، وزر كل مصيبة في البلد، فهناك نيجيريون مسؤولون عن انتشار وبيع واستجلاب المخدرات، والعطالة سببها القادمون من زيمبابوي وموزمبيق، ومضايقة التجار في السوق سببها سيطرة الصوماليين والإثيوبيين على بعض الأسواق.

خرج نيلسون مانديلا من عزلته التقاعدية ليخاطب الأمة، يعبر عن خجله وإدانته لما حدث، ويذكر مواطنيه بالعون والسند الذي قدمته الشعوب الأفريقية، وفي مقدمتها زيمبابوي وموزمبيق، لنضالهم ضد التفرقة العنصرية، ويتحشرج صوته وهو يقول: «هل نسيتم ذلك...؟ هل نحن أمة بلا ذاكرة...؟! إنني أشعر بالعار».

في بلاد أخرى، قد تكون هناك سياسات حكومية تشجع التضييق على الأجانب، وتلعب على أوتار العنصرية والعصبية والتعصب القومي، فتقدمهم كبش فداء للمشاكل التي تعاني منها البلد.

لكن في حالة جنوب أفريقيا لم تكن الحكومة ولا شعبها مسؤولين عمّا حدث، فقد خرجت مظاهرات شعبية منددة بهذه الحوادث ومعبرة عن تعاطفها مع العمال المهاجرين. وشهادات السودانيين المقيمين في مصر تقول إنهم لم يجدوا ممارسات كثيرة على الأرض وفي المجتمع تعكس هذا الاتجاه، ومعظمهم لم يحس بهذا الأمر.

غاية الأمر أن مثل هذا الخطاب، وإن صغر، يجب الانتباه له ومواجهته في المهد، وهناك مسؤوليات على القطاعات المختلفة في المجتمعين السوداني والمصري، وخصوصاً مجتمعات المثقفين والمفكرين والقيادات السياسية والاجتماعية والدينية، عليهم مواجهة مثل هذا الخطاب وفضحه. والسودانيون الموجودون في مصر، بمختلف قطاعاتهم، عليهم أيضاً مسؤوليات كبيرة، أولاها ضرورة مراعاة التقاليد والعادات المصرية واحترامها، فكثير من الاحتكاكات قد يكون سببها تصرف خاطئ من هنا أو هناك. السودانيون مغرمون بالحياة الاجتماعية الصاخبة والتلاقي في المناسبات المختلفة بأعداد كبيرة، قد يكون هذا مناسباً في السودان، حيث المنازل الواسعة ذات «الحوش» الكبير، لكنَّها لا تصلح لساكني الشقق. رغم علاقات الأخوة وروابط التاريخ والجغرافيا واللغة والدين، فإنَّ مصر ليست السودان، والسودان ليس مصر بالضرورة.

ربما نحتاج نحن السودانيين، سواء كنا في مصر أو كمبالا أو الخليج، أن نتذكر أننا نعيش ضيوفاً على هذه البلاد، ونزاحم أهلها في مواردها، وعلينا أن نتحمل بعض علامات ضيقهم، التي ربما كنا نمارسها على ضيوف السودان من اللاجئين، ومن واجبنا أن نراعي كثيراً من الحساسيات الاجتماعية والثقافية، وأن نحترم عادات وتقاليد هذه الشعوب.  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: فی مصر

إقرأ أيضاً:

صناعة وطنية …مستقبل واعد

 

 

تمثل الصناعة الوطنية ركيزة أساسية في بناء الاقتصادات القوية والمستقرة وهي العمود الفقري الذي ترتكز عليه طموحات الأمم نحو التنمية المستدامة والاكتفاء الذاتي.
في سياق مسيرة النمو التي تشهدها بلادنا تبرز الصناعة المحلية ليس فقط كقوة اقتصادية محركة بل كإرث واعد نصنعه اليوم لأجيال الغد.
تشكل حماية وتعزيز الصناعة الوطنية استثماراً في المستقبل حيث تضمن توفير فرص العمل المستدامة للمواطنين وتحافظ على تدفق الثروة داخل الوطن وتقلص الاعتماد على التقلبات والاضطرابات في الأسواق العالمية. إن كل منتج محلي يخرج من خطوط الإنتاج ليس مجرد سلعة معروضة في الأسوق بل هو لبنة في صرح الأمن الاقتصادي والسيادي للبلاد.
كما أن الابتكار والتطوير في القطاع الصناعي يخلق بيئة تنافسية محفزة تشجع على نقل وتوطين التقنيات الحديثة وترسيخ ثقافة الجودة والإتقان. هذا التطور لا يرفع من قيمة منتجاتنا في الأسواق المحلية والدولية فحسب بل يضع أسسا متينة لاقتصاد معرفي قادر على مواكبة متغيرات العصر.
وعلاوة على الجوانب الاقتصادية تحمل الصناعة الوطنية رسالة هوية وطنية فهي تجسد إرادة الشعب وقدرته على تحويل التحديات إلى فرص والموارد الخام إلى منتجات ذات قيمة مضافة عالية.
إن دعمنا للمصنع المحلي يعني مشاركتنا الفاعلة في كتابة فصل جديد من فصول نهضة أمتنا.
لذلك يقع على عاتقنا جميعاً أفرادا ومؤسسات
مسؤولية دعم هذا القطاع الحيوي. من خلال تفضيل المنتج الوطني والثقة في جودته والعمل على تطويره بشكل مستمر نكون قد ساهمنا بشكل مباشر في بناء درع واق لاقتصادنا وضمان مستقبل مزهر لأبنائنا وأحفادنا.
فليست الصناعة الوطنية خياراً اقتصادياً فحسب بل هي التزام أخلاقي وواجب وطني نحو الأجيال القادمة.
إنها الجسر الذي نعبر به من الحاضر إلى المستقبل حاملين معنا قيماً من العمل الجاد والعزيمة الصادقة لتبقى بلادنا شامخة بعز منتجيها قوية باقتصادها المنتج.

مقالات مشابهة

  • عزيزي (ميدو): دورينا ليس (سبوبة)
  • عبر الخريطة التفاعلية.. ما أهمية المنطقة التي وقع فيها كمين تدمر؟
  • الحباشنة يكتب..مجلس النواب أمام اختبار ضبط الخطاب وحماية استقرار الدولة
  • يدني سويني تكشف تفاصيل عن موجات الكراهية التي طالتها على السوشيال ميديا
  • صناعة وطنية …مستقبل واعد
  • موسكو تدعو برلين إلى تخفيف حدة الخطاب "المناهض" لروسيا
  • المحللون الحزبيون على الشاشات… من يمثل من؟ واقع إعلامي بلا اسمنت مهني
  • الفيل … وضل الفيل
  • البذاءة بوصفها إستراتيجية جمالية للمقاومة وتفكيك السلطة
  • مدرسة عمر بن الخطاب تحصد لقب بطولة المملكة لتنس الطاولة لطلاب دور القرآن