ذكرت صحيفة "The Telegraph" البريطانية أن "ما من شيء "سلمي" في اتفاقية الدفاع التي وقعها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس مع نظيره الكوري الشمالي كيم جونغ أون. لا بل على العكس من ذلك، فإن الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي تم الاتفاق عليها بين الزعيمين خلال زيارة بوتين إلى بيونغ يانغ تظهر الروابط العميقة بين دولتين مارقتين هدفهما الرئيسي هو تشكيل "محور الشر" الجديد لمواجهة الغرب.

وكما أوضح بوتين في رسالة نشرتها وسائل الإعلام الكورية الشمالية قبل زيارته، فإن صياغة اتفاق بين موسكو وبيونغ يانغ أمر أساسي لمواجهة الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة وحلفاؤها لفرض "ديكتاتورية استعمارية جديدة" في كل أنحاء العالم".
وبحسب الصحيفة، "في صلب الاتفاقية يوجد اتفاق دفاع مشترك يتطلب من كلا البلدين مساعدة بعضهما البعض في حال تعرضهما لهجوم. وبعد أن أشاد كيم بتوقيع الاتفاقية "السلمية والدفاعية"، أوضح بوتين أنها تتضمن "تقديم المساعدة المتبادلة في حالة العدوان على أحد الطرفين". وفي الحقيقة، تشير هذه الخطوة التي دفعت كلا النظامين شعرا بضرورة الاحتشاد للدفاع عن بعضهما البعض إلى ضعفهما الأساسي. وكان حفل التوقيع في حد ذاته يحمل طابعاً من الحقبة السوفييتية، عندما ساعدت موسكو في وصول أسرة كيم إلى السلطة في نهاية الحرب العالمية الثانية. لقد بذل الكوريون الشماليون قصارى جهدهم لإبراز أهمية اتفاقهم المناهض للغرب، حيث انعقد الاجتماع المصمم بعناية بين الزعيمين أمام لافتة ضخمة تعلن أن "الصداقة بين كوريا الشمالية وروسيا ستكون أبدية"."
وتابعت الصحيفة، "لكن هذه العروض لا يمكن أن تخفي حقيقة مفادها أن التعاون العسكري المتزايد بين موسكو وبيونغ يانغ قد نشأ من اليأس. وعلى الرغم من تبجح بوتين بشأن التقدم الذي يزعم أن قواته تحرزه في هجومها العسكري في أوكرانيا، فإن الحقيقة الصارخة هي أن الروس تكبدوا خسائر كارثية ويكافحون من أجل إعادة إمداد قوات الخطوط الأمامية بالأسلحة والرجال. وإذا أصبحت روسيا، كما يود بوتين أن يعتقد العالم، قوة عسكرية عظمى تنافس التحالف الغربي، فإن موسكو لن تستسلم لرجل مثل كيم يتوسل للحصول على الأسلحة. أما الكوريون الشماليون فهم في وضع أسوأ، وبيونغ يانغ في حاجة ماسة إلى الغذاء والوقود والمال وتكنولوجيا الأسلحة المتطورة لمساعدتها على النجاة من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها بسبب برنامجها للأسلحة النووية".
وأضافت الصحيفة، "مع ذلك فإن الخطر الذي يشكله التعاون الأعمق بين هاتين الدولتين المسلحتين نووياً على الأمن الدولي لا يمكن الاستهانة به. وقد أثبت الدعم العسكري الذي قدمته كوريا الشمالية، جنباً إلى جنب مع الصين وإيران، أهميته الحيوية في دعم جهود بوتين الحربية في وقت تعاني فيه المؤسسة العسكرية الروسية من نقص في الأسلحة. ومنذ بدأ كيم ارتباطه الوثيق مع بوتين في أيلول الماضي، كانت هناك زيادة كبيرة في تسليم الذخائر الكورية الشمالية. وأفاد مسؤولون أميركيون أن أكثر من 10 آلاف حاوية شحن مملوءة بقذائف المدفعية والصواريخ وغيرها من الأسلحة قد تم إرسالها إلى روسيا، مع إطلاق ما لا يقل عن 10 صواريخ كورية شمالية الصنع ضد أهداف أوكرانية منذ أيلول.وتعتمد أنظمة الصواريخ في بيونغ يانغ على تصميمات تعود إلى الحقبة السوفياتية، كما هي الحال في إيران، مما يعني أنه يمكن تكييفها بسهولة مع أنظمة إطلاق النار الروسية".
وبحسب الصحيفة، "أما ما يحصل عليه كيم مقابل تقديم الدعم العسكري لبوتين فهو أكثر غموضا، على الرغم من أن الكوريين الشماليين لا يخفون رغبتهم في تطوير برامجهم الفضائية والصاروخية والنووية. ومن المؤكد أنه ليس من قبيل الصدفة أنه بعد فترة وجيزة من عودة كيم من اجتماع أيلول الماضي مع بوتين في ميناء فوستوشني الفضائي الروسي، تمكن الكوريون الشماليون أخيرا من إطلاق أول قمر صناعي للاستطلاع العسكري بعد محاولتين فاشلتين سابقتين. إن الوصول إلى مثل هذه الأقمار الصناعية يعزز قدرة كوريا الشمالية على استهداف قوات المعارضة بشكل أكثر دقة بصواريخها. كما وتسعى بيونغ يانغ أيضًا إلى الوصول إلى الخبرة الروسية في مجالات أخرى، مثل الأسلحة المتقدمة والتخصيب النووي والدفع الذري للغواصات".
وختمت الصحيفة، "من المثير للجدل مدى استعداد بوتين لقبول التعاون التكنولوجي مع بيونغ يانغ، خاصة إذا كان ذلك يهدد بإثارة استياء حليف رئيسي آخر للكرملين، وهو الصين، لأن الاعتبار الآخر الذي يتعين على زعماء الغرب أن يأخذوه في الاعتبار هو أن اتفاقية الدفاع الجديدة بين كوريا الشمالية وروسيا لا ينبغي أن ينظر إليها بمعزل عن غيرها، كما أن كلا البلدين متحالفان بشكل وثيق مع إيران والصين. وكلما اقتربا من العمل معًا، زاد الخطر الذي سيشكلانه على أمن الغرب في المستقبل". المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: کوریا الشمالیة بیونغ یانغ

إقرأ أيضاً:

شخصيات « خيالية» في كوكب آخر!

لعبت وسائل الإعلام دورًا بارزًا في تسليط الضوء على بعض الأشخاص، وصورتهم على أنهم نوابغ عصرهم، ليس في مجالات تخصصاتهم الحقيقية فحسب، بل امتد تأثيرهم إلى إصدار الفتاوى والرأي في ميادين متعددة تتجاوز خبراتهم الحقيقية.

كما دفعت وسائل التواصل الاجتماعي هذه الشخصيات إلى الادعاء بـ«المعرفة والنبوغ في كل المجالات»، ولذا أصبح يتهافت الناس على الاستماع إليهم ومتابعة ما يهرفون به من جميع الاتجاهات.

فتكثر المحاضرات والندوات والمداخلات، ويصدقون أنفسهم بأنهم يمتلكون كل المعلومات التي يريد المتابع لهم معرفتها، يرفعون رايات الفخر والاعتزاز عندما يلتف حولهم البسطاء، ويتذمرون عندما ينتقدهم شخص مطّلع، ولا يترددون في مهاجمته في محاضراتهم ولقاءاتهم. وعندما يتيقن الشخص منهم بأنه قد أخطأ، وبأن كل ما أورده في حديثه هو مجرد «خزعبلات وخرافات»، يسعى إلى التنصل مما أورده، مدّعيًا أنها كبوة، وأنه بريء مما قاله كـ«براءة الذئب من دم ابن يعقوب»!

على مدار الأيام والشهور، تظهر لنا شخصيات تثير الجدل في بعض المجتمعات، تحمل خلفيات علمية متواضعة، لكنها تنطلق في رحلة البحث عن مكانة مرموقة في المجتمع، حتى وإن كان ذلك على حساب مبادئ وقيم كثيرة.

هدفها الأساسي هو توسيع دائرة تأثيرها وانتشارها، فتتنقل من قناة تلفزيونية إلى أخرى، ومن برنامج إلى آخر، إلى أن تُحاصر فكريًا وعلميًا، فتجدها تتملص وتدور في فلك بعيد عن الحقيقة.

مثل هؤلاء لديهم حسابات شخصية على مواقع التواصل الاجتماعي تُدار من قِبل مجموعة من الأشخاص، يعملون ليل نهار على استقطاب ملايين المشاهدات والاشتراكات من أجل تحقيق مبالغ مالية ضخمة.

أغلبهم إن لم يكن جميعهم، ينتقون حديثهم من خلال ملامسة جراح الناس ويبدون تضامنهم معهم، يسوقون أنفسهم على أن كل علوم الدنيا بين أيديهم، بينما يقول المولى عز وجل: «وفوق كل ذي علم عليم»، أي فوق كل عالم من هو أعلم منه، حتى ينتهي ذلك إلى الله.

ادعاء المعرفة والريادة في كل المجالات أمر مرفوض عقليًا، لكنه أصبح شيئًا واردًا ودارجًا بين فئة من الناس التي تدعي المعرفة والدراية. وهذا التداخل في مجالات العلم والتخصصات أحدث نوعًا من «الجدل والجدال معًا»، فالإنسان مهما حاول التقاط خيوط العنكبوت، فإنه لن يستطيع جمعها، لكن هؤلاء المدّعين يعرفون كيف تؤكل الكتف، وكيف يحصلون على الأموال، حتى وإن أصبح «المحظور متاحًا، والجهل معرفة».

لن نذهب مباشرة إلى شخصية جدلية بعينها بقدر ما سنتحدث بشكل عام، فهناك خط فاصل ما بين تخصص معين والتخصصات الأخرى. فمثلًا، رجل الدين أرى بأنه منوط به وعظ الناس وإظهار الجوانب الإيمانية وإبراز أهميتها، بالمقابل عليه أن يُبعد نفسه عن الأمور الأخرى مثل الإفتاء في الأمور الطبية، والنزاعات السياسية، والتأثيرات الاقتصادية؛ لأن لكل مجال قادته وخبراؤه الذين يمتلكون مفاتيح فهم أسراره، ولا ينبغي الخلط بين التخصصات أو تجاوز حدودها..

إذن، لا يناط به الحديث الإنشائي الذي يجذب الناس إليه وينسبون ما يقوله إليه بفخر واعتزاز. فلكل مهنة إنسانية مكانتها وخصوصيتها التي يجب احترامها، ولا ينبغي خلط الأمور أو تحويل هذه المهن إلى مجرد أدوات للبحث عن المال والشهرة!

أيضًا، من الملاحظ في وقتنا الراهن، كثرة الأشخاص الذين يقتحمون مجال الإعلام من نافذة وسائل التواصل الاجتماعي، ويُطلقون قنواتهم وصفحاتهم الإلكترونية عبر الإنترنت، ويُعرّفون أنفسهم بأنهم إعلاميون مخضرمون في كل المجالات!

إذًا أصبح من الضروري أن يكون هناك تنظيم وترتيب، وفصل الأشياء عن بعضها البعض، وعندما تكتمل الصورة في هذا الشأن، سيصبح كل مجال أو تخصص له إطاره المحدد. ففي غياب هذا الفصل الواضح، وتداخل الأدوار بين «الغرباء والمتطفلين» على مجالات العمل، لن تُحقّق الجهود إسهامات علمية حقيقية، بل ستسود حالة من الارتباك وظهور مفاهيم مغلوطة ومشوّشة، ولن يكون هناك إسهام حقيقي منشود، بقدر ما سيحدث بلبلة وظهور مفاهيم مغلوطة وخاطئة، فالنوايا الحسنة ليست كفيلة بوصول الشخص إلى الأهداف أو النتائج الصائبة بل لابد من العلم والاختصاص والالتزام بالمجال المناسب لضمان تقدُّم حقيقي ومستدام.

مقالات مشابهة

  • شخصيات « خيالية» في كوكب آخر!
  • بن غفير يطالب بـ«إبادة شاملة» في غزة.. والأمم المتحدة تحذر: القطاع أصبح أكثر بقاع الأرض جوعًا
  • تقرير حكومي: أكثر من 121 ألف أسرة نازحة في مأرب بحاجة لأضاحي العيد
  • تقرير دولي: كوريا الشمالية أرسلت آلاف الجنود وملايين الذخائر إلى روسيا
  • خبير اقتصادي: الوضع المالي العام أصبح أكثر صعوبة نتيجة ارتفاع أعباء الديون
  • تقرير: الحوثيون يجبرون عائلات ضحايا انفجار حي صرف على الصمت والدفن بسرّية
  • دبلوماسي: الموقف الأوروبي أصبح أكثر تماشيا مع الرؤية المصرية في القضية الفلسطينية
  • في ذكرى ميلاد جورج سيدهم.. عبقري الكوميديا الذي أضحك أجيالًا وخطفه المرض في عز مجده (تقرير)
  • كوريا الشمالية تعتبر القبة الذهبية الأميركية سيناريو حرب نووية
  • حماس: تصريحات نتنياهو تعكس عقلية إجرامية وتشكل خطرا على العالم