الشعر عند مدني النخلي قلما يتجاوز الطبيعة والجمال، قصائده لا تخلو من الشموس والأنجم والأقمار، كتاباته حُبلى بالغيوم ومترفة بلوحات الصباحات، في هذا المقابلة التي أجرتها معه «التغيير» يتحدث النخلي حول تجربته الشعرية العريضة مع يوسف الموصلي ومصطفى سيد أحمد والبلابل، وعلى السقيد وغيرهم، كما يتحدث هنا عن مشواره الإبداعي بحروف تنضح بالشفافية مجيباً بمحبة لا متناهية عن أسئلتنا المطروحة.

.

 أقف دوما مع سلام الإنسان وسلام الأرض.. أنشد السلام في كل قصيدة

التغيير: أجرى المقابلة: عبدالله برير

_نبدأ باستمرارية الكتابة لدى النخلي، لماذا لم تشخ المفردة أو المضمون لديك؟

الكتابة كفعل إنساني دائم في حياة المبدع، سواء كان ذلك المكتوب مقالا أو قصة أو رواية أو قصيدة، تعتبر جزءا من حياته وهو يلتقط الأشياء بعدسة وزاوية “شوف”  تفضي إلى فعل إنساني إيجابي موضوعي يغطي كثيرا من طموحات المبدع لذلك تستمر الكتابة طالما أنها في طريق الخلق والإضافة؛ لأننا نتنفس الحياة يوميا وكذلك الحاجة لأن نبوح ونبدع ونتكلم ونلتصق بالحياة؛ لأنها هبة المولى عز وجل.

_ ما هو أثر الهجرة على المنتوج الإبداعي لديك سلبا أو إيجابا؟

لدي قناعة كاملة ومتجذرة في إحساسي بأنني لم أهاجر؛ لأن قطر بلد عربي عظيم جدا يحترم الإنسان وآدميته، تفتحت الكثير جدا من موهبتي هناك، وأعتقد أنني أجد نفسي في هذا المناخ الصحي الإبداعي.

 في قطر التقيت الأبنودي وأحمد فؤاد نجم ومحمود درويش

ذهبت إلى الدوحة في عمر مبكر، وأتيحت لي فرصة الاستقرار والتأمل العميق والتواصل مع مبدعين زاروها في مهرجانات مختلفة، التقيت الأبنودي وأحمد فؤاد نجم ومحمود درويش، لم أكن لالتقيهم لو كنت بالسودان، قطر قبلة الإبداع، حينما عدت وجدت بها مؤسسات ثقافية كبيرة جدا وعمران وتنمية ووجه حضاري، ربطتني وشيجة روحية وإنسانية والصداقات عالية جدا مع أهلها الطيبين، وهي تحفز على الإبداع، لو كنت في بلد آخر لتكلمت عن الغربة، لكن المقصود بالهجرة هو الغربة إلى المطارات البعيدة، وليس غربة داخل الوطن العربي الواحد حيث تشابه العادات والدم.

_ هل تصنف نفسك شاعرا غنائيا محترفا؟

أنا ضد التصنيفات، لا أعتقد أن المبدع يحدد مساحة أو دائرة ينطلق منها إحساسه وإبداعه، المدى مفتوح للكلمة والنغمة والصوت ليعانق أسماء الناس، وهذا لا يحتاج إلى مسميات وظيفية تؤطر المبدع في مصطلح شاعر غنائي وآخر هتافي وآخر سياسي، الشاعر هو شاعر والإحساس لا يمكن توظيفه، هنالك مدارس شعرية نعم، ولكن لا تصل إلى حد أنها تحدد مساراً مبدعاً، بفضل الله جربت كل أنواع الشعر، واستطعت أن اطلع على المنتوج الأدبي واللغوي الفصيح والعامي في العديد من المناطق، ووجدت أنني قادر على البوح والكتابة من خلال تنوع الاطلاع، أنا ضد البطاقات التعريفية للشاعر.

_ الشعراء الكبار أمثالكم لم يتركوا مجالا للشباب، حتى إن بعض الفنانين يتغنون للأسماء الكبيرة فقط ما تعليقك؟

بغض النظر عن المسميات هذا شاعر شاب وهذا (كهل) وهذا مخضرم، الأمر لا ينطبق على التجربة الإبداعية، فكل عمل ينتقيه الفنان أو الملحن يقدم للناس أيا كان كاتبه، لا اعتبر نفسي إلى الآن من الرواد، أو أنني عبرت إلى محطة تجعلني أقف في شكل يسد الأفق للآخرين، بل على العكس أنا أحد الذين وقفوا مع الشعراء والفنانين الشباب، قدمت على مدى ست سنوات في إذاعة البيت السوداني برنامج كلام شباب وجميع ضيوفي من المبدعين والمبدعات الشباب والشابات، هذا السؤال فيه اتهام لشعراء آخرين، ولكن لا ينطبق عليّ شخصيا، كذلك قدمت سهرات في إذاعة هوى السودان عبر برنامج “مجال الشوف”، واستنطقت شبابا كان بعضهم محروما من دخول الأجهزة الإعلامية، وما زلت إلى الآن وسط الشباب؛ لأن الوطن يبنى بأيديهم.

_ هل يكفي الشاعر أن يكتب فقط لتصبح الكتابة مهنته ويعتمد عليها؟

لا أعتبر أنني ارتزق مما أكتب نهائيا، ولا أتقاضى عن إحساسي أي مبالغ، إذا كانت هنالك مؤسسات تقيم العمل من ناحية مادية حسب قانون الملكية الفكرية فهذا شأن آخر، أما أنا لم أكتب لذلك، لكن هنالك كتاباً محترفون أصبح الشعر وظيفتهم الأساسية، لكنني عشت منذ أن تخرجت أعمل في وظيفة حتى قبل قيام هذه الحرب، لم أكن متفرغا للشعر لأتكسب منه، ولا أعتقد أن التكسب منه اتجاهاً صحيح، أنا أكتب لأبدع والإبداع هبة ربانية أقدمها للناس، ولا أطلب منها أجرا.

_ تعاملت مع أجيال مختلفة من الفنانين الكبار والشباب كيف استطعت أن تجمعهم؟

بحمد الله تعاملت مع الموسيقار يوسف الموصلي الذي قدم لي الكثير من الأغنيات على سبيل المثال فرحانة بك كل النجوم، وختمت بك الأمسيات، وشموس جاية، وكذلك تجربتي العريضة مع الراحل مصطفى سيد أحمد. كما افتخر بأن فرقة البلابل قدمت لي مدن التعب وأغنية عن الأم وجميل المعنى، وغيرها، بالإضافة إلى تعاوني الجميل مع الفنان علي السقيد في (الليلة جيت من وين، وكلامك لي والبنت الحامل في الشريان وغيرها)، كما أن لدي تجربة اعتز بها مع الراحل بدر الدين عجاج الذي لحن لي أغنية (بهاجر ليك) بالإضافة إلى فنانين شباب مثل يسري صلاح الدين وعصام محمد نور والراحل محمود عبد العزيز وكذلك أسامة الشيخ والكثيرين.

 أنا أكتب لأبدع والإبداع هبة ربانية أقدمها للناس، ولا أطلب منها أجرا

_في اعتقادك من هو الفنان أو الملحن أو الموزع الموسيقي الذي لم يلق حظه المستحق من التناول الإعلامي والتقدير؟

أعتقد أن الدكتور يوسف الموصلي قامة إبداعية كبيرة جدا في الوطن العربي وأنا من خلاله استطعت أن أصل للمجتمع والمتلقي كذلك اعتقد أن مصطفى سيد أحمد قدمني للناس، لكن من خلال الموصلي تعاملت مع البلابل، وعلى السقيد وخالد الصحافة وشموس وغيرهم، وهو مؤسسة فنية ناجحة جدا في تجربتنا السودانية فالرجل استطاع أن يخلق الفضاء الإبداعي مع كثيرين أمثال عبد الوهاب هلاوي والراحل الكابلي والراحل محمد وردي والراحل مصطفى سيد أحمد، أنا مدين ليوسف الموصلي الذي قدمني مثلما قدمني مصطفى، كل الذين تعاملت معهم كانوا أصدقائي والتقينا في الفكرة والإحساس وتقديم الجميل للسودان.

_ هل من رسالة توجهها للفنان الكبير أبو عركي البخيت..

مثل عركي هو من يحتاج إلى دفعة معنوية الآن، وهو يقدم أكثر مما قدمناه. “البخيت” مَثل موقف شهم، وهو يتمسك بتراب البلد، ويبقى وسط الناس في وقت الحرب.

عركي فنان وكذلك كابلي ومصطفى وهم متعددو المواهب، لكن البعض الآخر لم يصل لمرحلة الفنان مع أن لديهم صوتاً جميلاً، لكن حينما تظهر المواقف، ويحتاج الوطن إليهم يكونوا بعيدين، وهذا اختيارهم لكن عركي اختار الانحياز للناس والبلد والأرض وترابها، وهذا يعبر عن الفنان الملتزم، الجميع يجب أن يكتب ويغني ويصفق لأبو عركي البخيت.

النخلي:من له علاقة بالإبداع لا يمكن أن يؤيد الحرب؛ نحن نبغض الحرب في أي مكان

_هل تعتقد أن صوت الشعر والغناء قادر على إيقاف الحرب في السودان؟

كل من له علاقة بالإبداع لا يمكن أن يؤيد الحرب؛ لأننا نبغض الحرب في أي مكان، قبل هذه الأحداث في بلادي كنت أبغض الحرب في أي جزء في أقاصي الدنيا ونواحي الأرض، لا نرى في هذا الاحتراب أي إيجابيات، بل هو سلبيات وضياع.

يجب أن تتوقف هذه الحرب بكل مسمياتها وآلياتها؛ لأنها مؤشر لدمار الشعوب وطاقاتهم وإبداعاتهم، كل مبدع له موقف ضد الحرب وهي مرفوضة في أي مكان، أنا أقف دوما مع سلام الإنسان وسلام الأرض وأنشد السلام في كل قصيدة كتبتها وأتمنى أن تزول هذه المحنة بسرعة ليعود الوطن العزيز لسابق عهده وأمانه.

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: مصطفى سید أحمد تعاملت مع الحرب فی

إقرأ أيضاً:

لغة الانزياح وتعدد الأشكال الشعرية في مجموعة “الغسق المسافر”

يونيو 11, 2025آخر تحديث: يونيو 11, 2025

عبدالكريم إبراهيم

تُعد اللغة الشعرية أداة فاعلة في التعبير عن أفكار الإنسان وتجربته الوجدانية، إذ تُحوّل التجربة الذاتية إلى صور فنية مشبعة بالحياة والدلالة. فهي المرآة التي تعكس ذاتية الشاعر وقدرته على إعادة تشكيل الواقع ضمن فضاء تخييلي يحكمه الإحساس والعاطفة، ويُصبّ في قوالب أدبية خاصة.

في هذا السياق، تُقدّم مجموعة الشاعر العراقي جلال الشرع الموسومة بـ”الغسق المسافر”، والصادرة عن دار الورشة الثقافية للطباعة والنشر ببغداد عام 2025، نموذجًا حيًّا لتمكن الشاعر من توظيف اللغة الشعرية بما يعكس عمق التجربة وصدق التعبير، بغض النظر عن الشكل الفني الذي يتخذه النص

.لقد عُرف جلال الشرع بتعلّقه الشديد بـ”قصيدة البيت” (القصيدة العمودية)، التي يراها امتدادًا لتراث شعري عريق ينبغي الحفاظ عليه. وقد سخر في سبيل ذلك كل إمكاناته اللغوية، مؤمنًا بأن التجديد لا يكمن في كسر البناء التقليدي، بل في تطوير مضمونه وجمالياته من الداخل.غير أننا نلاحظ في “الغسق المسافر” تراجعًا نسبيًا عن هذا الالتزام الصارم، إذ ينفتح الشاعر على أشكال شعرية متعددة: القصيدة العمودية، وقصيدة التفعيلة، وقصيدة النثر، في محاولة لتقديم صورة فسيفسائية للشعر، تعكس تعدد الرؤى وتنوع الأساليب.

وربما كان هذا التنوع “مجازفة” فنية محسوبة من شاعر لطالما عُرف بانحيازه لشكل شعري محدد، إلا أنه عوّض هذا التشتت النسبي بقدرة لغوية عالية وهيمنة بيانية على النص.ورغم هذا الانفتاح، ما زال تأثير مدرسة الجواهري واضحًا في قصائد جلال الشرع، خاصة في نصوصه العمودية، حيث تميل اللغة إلى المباشرة والتصريح، كما في قصيدة “الغسق المسافر” (ص21):

أكبرتُ مجدكَ فجرًا ساطعًا لهبًا

يعانقُ الشمسَ، الأفلاكَ والسُّحُبا

أو في قصيدة “الصمت المقدّس” (ص26):

الفجرُ يبزغُ، والضحى يترقرقُ

والليلُ ولّى، والصباحُ يُحلّقُ

وكذلك في “الفرح الآتي” (ص33):

جرحانِ في خَلَدي، والقلبُ يرتجفُ

جرحٌ عتيقٌ، تندى نبضَه نَزفُ

إن هذه النماذج تُبيّن أن الشاعر لم يغادر تمامًا بنية القصيدة التقليدية، بل ظلّ يرى فيها وسيلة للتجديد من داخل اللغة والصورة، لا من خلال الشكل فحسب.

أما عنوان المجموعة “الغسق المسافر”، فله دلالة رمزية تُحيل إلى تأملات وجودية حول مسار الحياة. فـ”الغسق” يشير إلى بداية حلول الظلام، بينما يوحي “المسافر” بحركة لا تتوقف، أو رحلة إلى مصير مجهول. من هنا يتشكل بعد سوداوي أو فلسفي يتأمل فيه الشاعر النهاية المحتومة للأشياء، دون أن يغفل عن التمسك بالأمل.ولعل أبرز ما يميز هذه المجموعة هو حضور الوطن في وجدان الشاعر، كقضية مركزية تتخلل النصوص وتمنحها عمقًا وجدانيًا، كما في قصائد: “نخلة الصبر” (ص94)، “هواجر الرمل” (ص98)، و”يا سيد المجد” (ص102):

آليتُ أن أرسمَ فوقَ الماءِ من صغري

حبَّ العراقِ، وعشقي لي كنفُ

أنت العراقُ بأنفاسي، وفي لغتي

وبينَ عينيَّ طيفٌ عانقَ الورقا

عراقُ يا رئةَ التاريخِ، يا قلقي

يا برءَ جرحي الذي أغوارُه السّقمُ

إنّ الشاعر في هذه النصوص لا يكتفي بوصف الوطن، بل يتماهى معه، ويجعل منه معادلًا موضوعيًا لحالاته النفسية من يأسٍ، وألم، وأملٍ دائم بالتجدد. ويتجلّى هذا في قوله:

أنا احتراقُ صراعٍ فيك يا وطني

أنت التحدي، وفي أثوابك السبعُ

أمطرْ سماءكَ صبحًا خيرُهُ بَلَلٌ

من كبرياءِ على هاماتهِ شُرعُ

يمثل جلال الشرع في “الغسق المسافر” صوتًا شعريًا يتحرك بين الأصالة والتجريب، متسلحًا بلغة شعرية متينة، وصور غنية، وانحياز وجداني حادّ نحو الوطن والإنسان. هو شاعر لا ينسى جذوره، لكنه لا يمانع في مغامرة تحليق حرّ في فضاء الشعر، بكل أشكاله وألوانه.

مقالات مشابهة

  • شاهد.. الفنانة إنصاف مدني تقدم أجمل هدية لعروس الموسم حنين محمود عبد العزيز بمناسبة زواجها من المطرب مأمون سوار الدهب
  • نقل ماجد المهندس إلى المستشفى بعد أزمة صحية مُفاجئة
  • مدني أم عسكري؟.. حديث عن استبدال رئيس وزراء مصر بشخصيتين مثيرتين للجدل
  • لغة الانزياح وتعدد الأشكال الشعرية في مجموعة “الغسق المسافر”
  • سموتريتش: لا يمكن الاستمرار في الحرب إلى الأبد
  • الإماراتية أريام تغني باللهجة الأردنية
  • السياسي الحقيقي والسياسي الوهمي.. مشاتل التغيير (22)
  • غروندبرغ: لا حل سريع لإنهاء الحرب في اليمن
  • الدرقاش: برنامج الدبيبة هو السلام وليس الحرب
  • التناقضات والمعايير المقلوبة في اعتذار مبارك الفاضل