نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أمس تقريرا مطولا عن معاناة الفلسطينيين للخروج من غزة عبر بوابة رفح المصرية، ولكن اللافت أن التقرير احتوى على المقابلة الصحفية الأولى في الإعلام الغربي للحاج إبراهيم العرجاني، فخر السيناوية.
طيلة الشهور الماضية عملتُ على عدد من التحقيقات الصحفية حول نشاط العرجاني المشبوه عند بوابة معبر رفح، وهو ما وثقته مجموعة من المنصات والتقارير الصحفية العربية والغربية، والتي أثبتت أن العرجاني عبر شركة هلا للخدمات السياحية يتلقى ملايين الدولارات من أموال الفلسطينيين للسماح لهم بالعبور من غزة إلى الأراضي المصرية.
في كل مرة كنا نثبت بالأدلة تورط العرجاني ومن ورائه أجهزة سيادية في الدولة في بيزنس المعبر والتربح من دماء الفلسطينيين؛ كانت أبواق النظام المصري تسارع للنأي بالنفس والهجوم علينا، ولتبرئة ساحة العرجاني من تهمة التربح من أموال الفلسطينيين، ثم طرح سؤال: هل يعقل أن أهل غزة لديهم هذا الكم الهائل من الأموال وهم تحت حصار امتد لمدة ستة عشر عاما؟
نشاط العرجاني المشبوه عند بوابة معبر رفح، وهو ما وثقته مجموعة من المنصات والتقارير الصحفية العربية والغربية، والتي أثبتت أن العرجاني عبر شركة هلا للخدمات السياحية يتلقى ملايين الدولارات من أموال الفلسطينيين للسماح لهم بالعبور من غزة إلى الأراضي المصرية
في مقابلته مع نيويورك تايمز، في مكتب وضع فيه كالعادة صورته بجوار صورة السيسي، اعترف إيم العرجاني بثلاثة اعترافات مثيرة للانتباه:
الاعتراف الأول كان بخصوص شركة هلا للخدمات السياحية، حيث أقر العرجاني بأنه أحد الشركاء في شركة هلا وأن هناك جهات أخرى تمتلك أسهما في الشركة، وهذا تحديدا ما تحدثنا به أكثر من مرة عبر طرح أسئلة حول الجهة التي أسست شركة هلا بالأساس، وما علاقتها بمحمود، نجل عبد الفتاح السيسي، وكيف حصلت الشركة على هذا الكم من الامتيازات الخاصة في منطقة حدودية تمس الأمن القومي المصري.
العرجاني باعترافه هذا أكد ما قاله مصطفى بكري، المتحدث باسم اتحاد القبائل العربية؛ الكيان الجديد الذي يترأسه العرجاني أيضا، عندما قال في مقابلة تلفزيونية مع إعلامية الشركة المتحدة قصواء الخلالي إن ابراهيم العرجاني لا يملك من أسهم شركة هلا إلا 49 في المئة فقط والبقية تمتلكها "جهات أخرى" على حد قوله.
الاعتراف الثاني الذي أدلى به العرجاني كان بخصوص الأموال التي يتحصل عليها عبر شركة هلا من جيوب الفلسطينيين، حيث اعترف بأن شركة هلا تحصل على 2500 دولار نظير عبور الشخص الواحد من معبر رفح، وهو مبلغ مقابل خدمات وصفها هو بالخدمات المميزة للانتقال من غزة إلى مطار القاهرة مباشرة.
المشكلة في اعتراف العرجاني هنا أنه كشف كذب تصريحات وزير الخارجية المصري سامح شكري، كما كشف تدليس بيانات رئيس الهيئة العامة للاستعلامات ضياء رشوان بأنه لا أموال يتم الحصول عليها إطلاقا من الفلسطينيين.
العرجاني اعترف على نفسه وورط من خلفه من جهات سيادية باعترافه الثاني، وكشف زيف وعبث دفاع اللجان الالكترونية عنه طيلة الأشهر الماضية.
الاعتراف الثالث وهو أخطرها كان بخصوص ما جرى بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر حيث اعترف إبراهيم العرجاني بأنه اضطر إلى رفع أسعار تعريفة العبور من غزة إلى مصر عبر شركته (هلا) إلى حد كبير، وذلك بسبب ما أسماه العرجاني بالضغط المتزايد والكبير على طلب العبور من غزة إلى مصر.
اعترافات العرجاني الثلاثة أثبتت بما لا يدع مجالا للشك بأن الرجل ما هو إلا سمسار للمعبر وواجهة لأجهزة سيادية يديرها محمود عبد الفتاح السيسي؛ كانت تتحكم بشكل كامل في معبر رفح قبل سيطرة الاحتلال عليه في السابع من أيار/ مايو الماضي
العرجاني لم يحدد هذه الزيادة بضعف واحد أو ضعفين أو أكثر، بل قال ارتفعت إلى حد كبير، وإذا كان نفس العرجاني في اعترافه الثاني قال إن تأشيرة العبور الأساسية قبل السابع من أكتوبر كانت 2500 دولار، فهذا يعطينا تأكيدا إضافيا واعترافا ضمنيا بالأرقام التي ذهبت إليها تقارير سكاي نيوز البريطانية وميدل إيست آي والتايمز حول تلقي العرجاني وشركته أموالا تصل إلى مئات الملايين من الدولارات في فترة وجيزة.
اعترافات العرجاني الثلاثة أثبتت بما لا يدع مجالا للشك بأن الرجل ما هو إلا سمسار للمعبر وواجهة لأجهزة سيادية يديرها محمود عبد الفتاح السيسي؛ كانت تتحكم بشكل كامل في معبر رفح قبل سيطرة الاحتلال عليه في السابع من أيار/ مايو الماضي.
إبراهيم العرجاني ما هو إلا مجرم أو واجهة لنظام مجرم يتعامل مع قطاع غزة بهدف التربح من دماء الفلسطينيين، وبناء ثروة كبيرة من معاناة شعب يعاني الأمرّين من الإبادة الجماعية والمجاعة ولم يجد في النظام المصري ورجاله أمثال إبراهيم العرجاني إلا جيرة السوء ونذالة تجار الدم.
x.com/osgaweesh
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة المصرية معبر رفح شركة هلا مصر غزة معبر رفح شركة هلا مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة إبراهیم العرجانی من غزة إلى السابع من معبر رفح شرکة هلا
إقرأ أيضاً:
إبراهيم شقلاوي يكتب: مياه حي الصفا تنتظر القرار
تمر ولاية الخرطوم بواحدة من أدق مراحلها التاريخية، حيث تتقاطع الأزمات الخدمية مع تعقيدات المشهدين الأمني والسياسي، في صورة قاتمة تنعكس بوضوح على حياة المواطنين. ومن بين هذه الأزمات، تبرز مشكلة المياه كواحدة من أشد صور المعاناة اليومية، لا سيما في محلية كرري – حي الصفا، الواقع غرب شارع الوادي بالقرب من قسم الحتانة، حيث لم تعد المياه موردًا طبيعيًا متاحًا، بل تحوّلت إلى سلعة باهظة تثقل كاهل الأسر محدودة الدخل.
تعتمد محطة “المنارة”، أحد أبرز مصادر الإمداد المائي في المنطقة، اعتمادًا كليًا على الكهرباء. ومع تكرار استهداف البنية التحتية من قِبل مليشيا الدعم السريع، توقفت المحطة عن العمل، ما أدى إلى تداعيات إنسانية قاسية. المخابز توقفت، والطوابير امتدت في انتظار التناكر، والمياه تحولت إلى أزمة معيشية خانقة.
في حي الصفا كان السكان يعتمدون على بيارة الحارة 20 كمصدر شبه وحيد للمياه في حال الطواري، لكنها خرجت عن الخدمة نتيجة محدودية طاقتها التصميمية. وارتفعت على إثر ذلك تكلفة برميل المياه إلى ما يزيد عن أربعين ألف جنيه، في منطقة يعيش معظم سكانها على دخول يومية أو معاشات حكومية لا تواكب تكاليف الحياة.
استجابة لهذا الواقع المؤلم، طرحت اللجنة الشعبية في الحي مبادرة لحفر بئر جوفية كحل عملي ومستدام. وقد أبدت اللجنة استعدادها الكامل للتعاون مع القطاع الخاص أو المنظمات الإنسانية أو مع حكومة الولاية، سواء من خلال المساهمة المجتمعية أو التنسيق الفني، في خطوة تعكس وعيًا شعبيًا عميقًا، وإرادة جادة لتجاوز الأزمة.
غير أن هذه المبادرة، كسابقاتها من المبادرات المحلية، لا تزال رهينة الانتظار، تنتظر قرارًا إداريًا واضحًا ودعمًا لوجستيًا من الجهات المختصة. ويُذكر أن أحياءً أخرى في محلية كرري تمكنت بالفعل من حفر آبار جوفية بتمويل رسمي أو شعبي، مما يدل على جدوى هذا الخيار ونجاعته ، إن توفرت الإرادة السياسية والدعم التنفيذي.
زيارة والي الخرطوم، أحمد عثمان حمزة لمحطتي بيت المال والمنارة، وغيرها من المواقع، شكّلت إشارة إيجابية إلى وجود وعي رسمي بحجم الكارثة. لكن هذا الوعي لم يُترجم حتى الآن إلى خطة عملية لإعادة المياه إلى الأحياء المتضررة. فلا تزال وعود الوالي حبيسة التصريحات تنتظر التنفيذ ، فيما يقول سكان حي الصفا إنهم “أول من تُقطع عنه المياه، وآخر من تعود إليه عند استئناف الضخ”.
أبناء حي الصفا، الذين تمسكوا بمنازلهم رغم الحرب والقصف، لم يجدوا بُدًّا من اللجوء إلى الصحافة لإيصال صوتهم، بعد أن غاب صوت القرار الإداري المحلي. بالنسبة لهم، لم يعد انقطاع المياه أزمة خدمية فحسب، بل صار دليلاً صارخًا على هشاشة منظومة الطوارئ، وسوء إدارة الأزمات.
إن الحرب التي تتخذ من تدمير البنية التحتية وسيلة لإضعاف الدولة، تتطلب استجابة غير تقليدية. لم يعد بالإمكان الاستمرار في الاعتماد على الكهرباء وحدها لتشغيل محطات المياه. المطلوب هو توفير بدائل فعالة، كمولدات الكهرباء أو أنظمة الطاقة الشمسية، ووضع خطة تشغيل طارئة تضمن استمرارية الخدمة.
لقد تجاوزت أزمة المياه في الخرطوم حدود الشأن المحلي، وأضحت مؤشرًا خطيرًا على ضعف الإدارة الحكومية في زمن الحرب. وفي حي الصفا، باتت المياه تمثّل اختبارًا حقيقيًا للدولة: هل تستطيع صون هذا الحق الأساسي، أم تترك المواطنين فريسة للعطش واستغلال ضعاف النفوس؟
ومن منظور #وجه_الحقيقة، فإن تحديات ما بعد الحرب تقتضي نموذجًا جديدًا في الإدارة. لم يعد هناك متسع للوعود المؤجلة أو الحلول المؤقتة. المطلوب قرارات جذرية تعيد المياه للمواطنين، والثقة في مؤسسات الدولة. فالماء ليس فقط مورد حياة، بل ركيزة للاستقرار الاجتماعي، ودعامة للأمن الوطني.
ولسقيا الماء فضلٌ عظيم؛ فلولاه لما كانت الحياة ممكنة. كما قال تعالى: “وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ”. إن فقدان هذا المورد اليوم في حي الصفا لا يهدد صحة الأجساد فحسب، بل يُضعف روح التضامن، ويُخلخل بنيان المجتمع.
ومع ذلك فإن استعداد السكان للتكاتف، وحفر الآبار بجهدهم، يثبت أن الأمل لا يزال حيًّا، حين تتلاقى الإرادة الشعبية مع القرار الرسمي. فالناس ينتظرون القرار، سيدي الوالي.
دمتم بخير وعافية.
إبراهيم شقلاوي
الأحد 25 مايو 2025م. Shglawi55@gmail.com