هل يطوي الشباب الإيراني صفحة الماضي ويقبل على انتخابات 2024؟
تاريخ النشر: 27th, June 2024 GMT
طهران- فئة من المجتمع يمكنها أن تغير قواعد اللعبة، كما صدمت العالم والسلطات في إيران عام 2022 باحتجاجات عنوانها "المرأة، الحياة، الحرية".
الشباب الإيراني، أو الجيل زد أو جيل الألفين، بعضه بلغ السن الشرعي للتصويت حديثا، وتُعد الانتخابات الرئاسية المقررة يوم 28 يونيو/حزيران الجاري تجربته الأولى في المشاركة السياسية، وبعضه الآخر قد تكون هذه تجربته الثانية.
لكن السؤال هو، هل يعتقد هذا الجيل بهذه التجربة ويراها مجدية للوصول إلى التغيير الذي يطالب به؟ أم أنه يرى المشهد الانتخابي في بلاده غير فعال وما زال يعتقد بالاحتجاج؟
فتور شعبي
يلاحَظ الفتور الشعبي تجاه الانتخابات المرتقبة، ويحاول المرشحون استقطاب الشباب الذي يبدو من الصعب إقناعه للمشاركة فيها.
تتصدر "الحرية" خطاباتهم المقتضبة المماثلة لعالمهم "الافتراضي" الحقيقي، التي لم يفهمها النظام الذي يسيطر عليه الجيلان الأسبق والسابق. فلا يمكن إنكار الفجوة بين الجيل الرابع بعد ثورة 1979، وبين من قام بثورة الإنترنت والعالم الافتراضي.
ويرى الباحث السياسي عباس عبدي أنه كما حدث في "الربيع العربي"، تتعلق قضية الشباب في إيران بالإنترنت والعالم الافتراضي، حيث إنهم يجولون في تلك الدائرة وتبلورت قيمهم وقدراتهم ومواقفهم في هذا العالم، "مما خلق فجوة شاسعة بين الأنظمة السياسية والشباب".
وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف أنه كل ما كان النظام السياسي غير معترف بعالم الإنترنت وتأثيره على الشباب، كل ما اتسعت الفجوة بينهما، وفي هذه الحالة لن يتمكن من فهم مطالب هذه الفئة التي تريد فقط "حياة طبيعية".
في المجتمع الإيراني اليوم، يتابع عبدي، يختلف أسلوب الأبناء عن الآباء الذين لا يتقبلون هذا الاختلاف وكذلك النظام الذي يريد أن يتّبعه الشباب ويكون مثله، وفي المقابل، كل ما يريده الأبناء ألا يعترضهم الأولياء.
مانع أخلاقي
وفي ما يتعلق بالانتخابات المرتقبة، لا يبدو أن هذا الجيل بعيد جدا عنها، حيث تُظهر الإحصائيات والاستفتاءات أنه مهتم بها أقل ممن هم في منتصف العمر، لكن المسافة ليست كبيرة، بحسب عبدي. وبعد احتجاجات السنوات الأخيرة في إيران، يرى أن مقاطعة الشباب للانتخابات أو المشاركة فيها تتعلق بالانتخابات ذاتها.
ويقول الباحث السياسي إنه لم يشارك في الانتخابات الرئاسية السابقة في عام 2021 لأنها -برأيه- لم تحمل المعنى الحقيقي للانتخابات، حيث كان المرشحون من تيار واحد، على عكس الانتخابات الحالية التي تتضمن فروقا حقيقية بينهم، و يقول إن "الشباب لديه الموقف ذاته".
وهناك أمر آخر يتعلق بموقف الشباب من الانتخابات يتمثل -وفق عبدي- بأحداث عام 2022 بعد وفاة الشابة مهسا أميني في 16 سبتمبر/أيلول 2022، في أثناء توقيفها بمركز شرطة "لعدم تقيدها بالآداب الشرعية للباس"، حيث تركت "حقدا وكرها لدى هذه الفئة تجاه النظام وشكلت أمامها مانعا أخلاقيا لم تستطع تجاوزه والمشاركة في الانتخابات".
وباعتقاده، يُلاحَظ هذا الأمر في طهران بشدة بينما يقل في المدن الأخرى التي لم تنخرط كثيرا في أحداث أميني، مؤكدا أن العقبة أمام مشاركة الشباب أخلاقية أكثر من كونها سياسية.
وأوضحت مصلحة الأحوال المدنية في إيران في فبراير/شباط 2024 أنه وفقا للتعريف الرسمي فإن الفئة العمرية من 18 إلى 35 عاما تسمى فئة الشباب، والتي وفقا للإحصائيات المتوفرة في البلاد، هناك حوالي 23 مليون شخص من عدد سكان إيران من فئة الشباب ويعادل هذا العدد 27% من إجمالي سكان البلاد.
ولا تتوفر نسب لمشاركاتهم في الحياة السياسية المختلفة.
مطالب
وبحسب الباحث عبدي، فإن مطالب الشباب الإيراني الأساسية اليوم ثقافية واجتماعية واقتصادية، ولكن حلها بحاجة إلى تحقيق المطالب السياسية. ويقول إن المطالب الاجتماعية والثقافية لن تكون صعبة إذا لم يصعبها النظام ولم يتعامل معها بحساسية بالغة، وإذا منح الشباب الحرية اللازمة.
بدورها، رأت المحللة السياسية عفيفة عابدي أن جيل الشباب في إيران لديه مطالب اجتماعية واقتصادية أكثر من السياسية، ولذلك يبدو أنه منقسم إلى مجموعتين، أولى لا تبالي بالانتخابات، وأخرى تهتم بشعارات المرشحين الاجتماعية والاقتصادية.
وقالت عابدي للجزيرة نت إن خيبة الأمل السياسية لدى الأسر الإيرانية تحد من الاتجاهات السياسية لدى جيل الشباب.
وباعتقادها، فإن الإصلاحيين يحاولون -بطريقة أو بأخرى- التواصل مع هذا الجيل من خلال وجوههم المشهورة وجذب أصواتهم، في حين يركز الأصوليون أكثر على الشباب الذين دربوهم في المؤسسات الثقافية والدينية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات فی إیران
إقرأ أيضاً:
رحيل صوت إفريقيا الحرّ .. نغوجي وا ثيونغو يطوي آخر صفحات النضال
حين تصمت الأقلام الكبيرة، يبكي الورق، واليوم، بكت إفريقيا قبل العالم، فقد أسدل الموت ستاره على آخر فصل من سيرة أحد أعظم أدبائها: نغوجي وا ثيونغو، الكاتب الكيني والمناضل الثقافي، الذي غيّبه الموت عن عمر ناهز 87 عامًا، في منفاه الاختياري بمدينة بوفورد بولاية جورجيا الأمريكية، لكنه ترك وراءه مكتبةً من الكلمات النابضة بالحياة والمقاومة، وسيرةً تشبه سيرة الأوطان الجريحة التي لم تتخلَّ عن الحلم.
وُلد نغوجي في 5 يناير 1938 بقرية كاميرييثو في كينيا، ونشأ في بيئة ريفية تحت نير الاستعمار البريطاني، حيث كانت الأرض تُغتصب، والهوية تُداس، واللغة تُقمع. كانت طفولته شاهدة على أهوال "تمرد الماو ماو"، الذي ألهمه لاحقًا في رواياته، وخاصة أول أعماله "لا تبكِ يا ولدي" عام 1964، التي شكّلت صوتًا جديدًا في الأدب الإفريقي الناطق بالإنجليزية.
لكن نغوجي لم يرضَ أن يكون صوته مسموعًا بلغة المستعمر فقط، فقرر التمرد، لا على السلطة السياسية وحدها، بل على السلطة اللغوية. كتب مسرحية "سأتزوج حين أريد" عام 1977 باللغة الكيكويو، لغته الأم، بالتعاون مع مزارعين وعمال، ما أدى إلى سجنه دون محاكمة. وفي زنزانته كتب روايته "الشيطان على الصليب" على ورق التواليت، في مشهدٍ أصبح رمزًا لإرادة الكلمة في وجه القمع.
اختار نغوجي المنفى عام 1982، واستقر في الولايات المتحدة، حيث واصل الدفاع عن حق الشعوب الإفريقية في الكتابة بلغاتها الأصلية. اعتبر اللغة سلاحًا مقاومًا، وهاجم "الاستعمار الثقافي" في كتابه الشهير "تحرير العقل"، داعيًا إلى الانعتاق من سيطرة اللغة الإنجليزية بوصفها أداة للاستعمار.
من أبرز رواياته أيضًا: "بتلات الدم"، و"ساحر الغربان"، و"الثورة المستقيمة" التي تُرجمت لأكثر من 100 لغة. كما كتب مذكراته في عملين بارزين: "أحلام في زمن الحرب"، و"مصارعة الشيطان"، حيث رسم فيهما ملامح رحلته الشخصية من القرية إلى المنفى، ومن الأسْر إلى الفكر الحر.
رغم ترشحه مرارًا لجائزة نوبل، إلا أن نغوجي لم يكن بحاجة إلى تتويج، فقد نال حب القرّاء وتقدير المفكرين والكتاب، وبات أحد أعمدة الأدب الإفريقي الحديث، ومُلهمًا لأجيال تبحث عن الحرية عبر الكلمة.
اليوم، يرحل نغوجي وا ثيونغو، لكن صوته سيبقى عابرًا للغات، محمولًا على صفحات رواياته، وشهادته على زمن الاستعمار والاضطهاد والمقاومة، درسًا خالدًا في أن الكتابة الحقيقية لا تموت، حتى وإن مات كاتبها.