تُشكل" قصور الطيور" تحفة معمارية فريدة، تُزين جدران بعض المساجد والمدارس والمقابر التي ترجع للفترة العثمانية.

ولم تكن هذه الأعشاش، التي تأخذ شكل القصور، مجرد مأوى للطيور، بل كانت رمزا للتعاطف مع الكائنات الحية وانعكاسا لجماليات الفن المعماري العثماني.

"قصور الطيور" تشكل تحفة معمارية فريدة (الأناضول)

وأُنشئت قصور الطيور منذ القرن الـ16 الميلادي بأماكن مُختارة على جوانب المباني الأثرية، حيث تتمتع بِأشعة الشمس الدافئة وتكون محمية من هبوب الرياح، لتوفير مأوى مثالي للطيور مثل العصافير والحمام والزرزور.

ويأخذ المؤرخ التركي محمد ديلباز القارئ في رحلة عبر الزمن لاستكشاف "قصور الطيور" العثمانية، والهدف من بنائها، وكيف أثرت هذه التحف المعمارية على المجتمعات الأخرى.

"قصور الطيور" أُنشئت منذ القرن الـ16 الميلادي بأماكن مُختارة على جوانب المباني الأثرية (الأناضول) استمرارية النفع والخير

يقول ديلباز إن "قصور الطيور ليست مجرد أثر معماري، بل هي تجسيد لقيم الإسلام وثقافته".

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2جامع السليمية بأدرنة التركية.. تحفة هندسية تستحق الزيارةlist 2 of 2مجمع متاحف ديار بكر بتركيا يسعى لجذب مليون زائر بحلول عام 2030end of list

ويوضح أن بناء هذه القصور كان ينبع من مفهوم الصدقة الجارية، حيث قال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم "إذا مات ابنُ آدم انقطع عنه عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له".

فخلال عصر الدولة العثمانية، عندما كان الفن الإسلامي التركي في أوجه، ازداد الوعي، وفق ديلباز، بأهمية استمرارية النفع والخير في المجتمع، وشمل ذلك الاهتمام برعاية الحيوانات، حيث تمّ إنشاء أماكن لتغذية الحيوانات الضالة وإيوائها.

ويلفت المؤرخ التركي إلى صعوبة تحديد تاريخ بناء أول قصر للطيور في إسطنبول، نظرا لما تعرضت له المدينة من كوارث طبيعية مثل الزلازل والحرائق، محت الكثير من هذه القصور.

ويردف "للأسف لم تصمد قصور الطيور الخشبية أمام تقلبات الزمن، لكن من الممكن رؤية قصور الطيور المُشيدة من الطوب أو الحجارة".

ويشير إلى أن قصور الطيور كانت بشكل عام مبنية من الطوب أو الحجر، لكن النماذج الأولى شُيدت من الخشب.

"قصور الطيور" ليست مجرد مأوى للطيور، بل كانت رمزا للتعاطف مع الكائنات الحية (الأناضول) رمز للذوق الجمالي

ويعبر ديلباز عن أسفه على فقدان الكثير من تفاصيل قصور الطيور العثمانية، التي كانت تُشكل متعة جمالية للناظرين.

وأكد أن دافع أجدادنا العثمانيين لبناء هذه القصور لم يقتصر على توفير مأوى للطيور أو مساحة لتضع فيها بيضها، بل كان وراء ذلك فلسفة أعمق.

"قصور الطيور" تبنى في أماكن تتمتع بِأشعة الشمس لتوفر الدفء للطيور (الأناضول)

ويشير إلى أنه لو كان الهدف من قصور الطيور هو توفير مأوى للطيور فقط، لكان بإمكانهم ببساطة بناء 4 جدران دون الحاجة إلى كل هذه التفاصيل المعمارية المُتقنة.

ويعتبر أن قصور الطيور العثمانية تُمثل رمزا للذوق الجمالي المُتميز، الذي اتسمت به تلك الحقبة، حيث تمّ بناؤها بأناقة ودقة فائقة، مع مراعاة العناصر المعمارية المميزة لتلك الفترة.

"قصور الطيور" تكون محمية من هبوب الرياح، لتوفير مأوى مثالي للطيور مثل العصافير والحمام والزرزور (الأناضول) مفهوم الوقف الإسلامي

وتطرق ديلباز كذلك إلى مفهوم الوقف إبان الفترة العثمانية، والذي قاد إلى أعمال خيرية كثيرة، من ضمنها قصور الطيور.

ويشير إلى غياب مفهوم الوقف بِمعناه الإسلامي الشامل في الحضارة الرومانية.

في المقابل، بدأت الدول المعاصرة، وفق المؤرخ التركي، بتبني مفهوم الوقف بعد استلهامها من الوقف العثماني، لكنها لم ترق إلى فهمه بشكل عميق ليشمل أبعاده الحضارية والثقافية.

"قصور الطيور" تنتشر في المعالم التاريخية بإسطنبول كجامع والدة سلطان وجامع أيازما وجامع السلطان أيوب (الأناضول)

ويقدم ديلباز أمثلة ملموسة لمبادرات الوقف العثماني، مشيرا إلى إنشاء أوقاف لإطعام الحيوانات الضالة والعصافير.

ويؤكد أن الحضارة العثمانية لم تقتصر على الماديات، بل تجاوزت ذلك لتخدم الإنسانية وتُخلد إنجازاتها عبر القرون.

ويلفت ديلباز إلى انتشار "قصور الطيور" في مختلف أنحاء إسطنبول، مُقدما أمثلة على وجودها في المعالم التاريخية الشهيرة مثل جامع والدة سلطان وجامع أيازما وجامع السليمية الكبير بمنطقة أسكودار، وجامع السلطان أيوب بمنطقة أيوب.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات

إقرأ أيضاً:

مجلة تايم تختزل مأساة غزة في غلاف.. جوعى ينتظرون الطعام بينما العالم ينظر

اختارت مجلة "تايم" الأمريكية الشهيرة صورة التقطها مصور وكالة الأناضول علي جاد الله٬ لغلاف عددها الأسبوعي، مع عنوان بارز: "مأساة غزة"، في إشارة إلى الوضع الإنساني الكارثي الذي يواجهه أكثر من مليوني فلسطيني محاصر في القطاع.

وفي ظل تصاعد المجاعة الكارثية في قطاع غزة، حظيت الصور التي التقطها مصورو وكالة "الأناضول" لتوثيق الأزمة الإنسانية باهتمام واسع في وسائل الإعلام الدولية، لتتحوّل إلى رموز بصرية مؤلمة تعكس حجم المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي.

وتصدّرت صور "الأناضول" أغلفة وصفحات كبريات الصحف والمجلات العالمية، التي سلطت الضوء على مأساة غزة الممتدة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، نتيجة حرب الإبادة الجماعية والحصار الإسرائيلي المشدد.

"When children are starving, the enemy is hunger."

TIME's new cover goes inside the crisis unfolding in Gaza—and what needs to happen next https://t.co/95KdsdroaN

Photograph by Ali Jadallah—Anadolu/Getty Images pic.twitter.com/l65mDBM173 — TIME (@TIME) August 1, 2025
مشاهد الجوع تتصدر الصحف العالمية
من جانبها، نشرت صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية صورة للمراسل أحمد العريني تظهر فيها حشوداً من الفلسطينيين يحملون أواني فارغة خلف أحد الحواجز بانتظار الحصول على وجبات طعام، في مشهد جسّد اليأس الإنساني في غزة.

أما شبكة "بي بي سي" البريطانية، فاختارت صورة التقطتها "الأناضول" لأب فلسطيني يحمل جثمان طفله الذي توفي جوعاً، في واحدة من أكثر الصور تأثيراً وانتشاراً على وسائل الإعلام ومنصات التواصل.
كما عرضت الشبكة صورة أخرى لطفل يحمل كيساً من الطحين، بينما تبدو على وجهه ملامح العوز والانكسار.

بكاء الأطفال والأمهات في الصفوف
صحيفة "ديلي ميرور" البريطانية نشرت بدورها تقريراً بعنوان "كارثة غزة"، استخدمت فيه صورة من "الأناضول" لنساء وأطفال يبكون بينما يمسكون أواني طعام فارغة بانتظار المساعدات الغذائية.

ولم تكن الصحف الأوروبية بعيدة عن هذا التفاعل؛ إذ نشرت "إل بايس" الإسبانية، إلى جانب "الغارديان" و"فايننشال تايمز" و"وول ستريت جورنال" و"لوس أنجلوس تايمز"، مجموعة من صور "الأناضول" التي وثّقت الحرمان والمجاعة في أحياء غزة، لا سيما في شمال القطاع ومخيمات النزوح.


الأمم المتحدة تحذّر: ثلث سكان غزة بلا طعام منذ أيام
وفي 27 تموز/ يوليو الماضي، أصدر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة تحذيراً بالغ الخطورة، أكد فيه أن ثلث سكان قطاع غزة لم يأكلوا منذ عدة أيام متتالية.

وقال روس سميث، مدير الاستجابة الطارئة في البرنامج، إن "أزمة الجوع وصلت إلى مستويات غير مسبوقة من اليأس، وهناك ما لا يقل عن 100 ألف طفل وامرأة يعانون من سوء تغذية حاد".

ويواجه ربع سكان القطاع ظروفاً أشبه بالمجاعة، وفق تقديرات البرنامج الأممي، في وقت ما تزال فيه المعابر مغلقة بشكل شبه كامل منذ آذار/مارس الماضي، ما أدى إلى تفشي المجاعة وانتشار الأمراض، وسط تحذيرات من انهيار النظام الصحي بالكامل.

ورغم إعلان الاحتلال الإسرائيلي الأحد الماضي السماح بدخول "عشرات الشاحنات" الإنسانية، أكد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن القطاع بحاجة إلى ما لا يقل عن 600 شاحنة يومياً لإنقاذ حياة السكان، متهماً الاحتلال بـ"تسهيل عمليات سرقة المساعدات وحماية الفوضى حولها".

ومنذ اندلاع العدوان الإسرائيلي في 7 تشرين الأول/أكتوبر٬ استشهد وأصيب أكثر من 208 آلاف فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، فيما لا يزال أكثر من 9 آلاف شخص في عداد المفقودين تحت الأنقاض، وسط نزوح قسري يطال مئات آلاف العائلات.

وتأتي هذه الكارثة الإنسانية في ظل دعم أمريكي مطلق للاحتلال الإسرائيلي، وتواطؤ دولي أتاح استمرار المجازر والتجويع، في مشهد يعيد إلى الأذهان فظائع تاريخية لم يشهد لها العالم مثيلاً منذ عقود.

وفيما تتوالى الصور من غزة لتكشف حجم المأساة، تتحوّل عدسات الكاميرات إلى شاهد حيّ على جريمة العصر، وناقوس خطر يقرع ضمائر العالم.

مقالات مشابهة

  • مجلة تايم تختزل مأساة غزة في غلاف.. جوعى ينتظرون الطعام بينما العالم ينظر
  • تشيلي تسابق الزمن لإنقاذ عالقين داخل أكبر منجم نحاس
  • الطيور تمتلك “ثقافة” و”تراثا” تتناقله الأجيال
  • الأزهري معلقا على أنباء بيع مال الوقف: لو أصيب الوزير في عقله وفعل ذلك لن يتم التنفيذ
  • برلماني: مصر تسابق الزمن لدعم غزة
  • قبل اختفائها.. سباق مع الزمن لاستكشاف حطام سفينة حربية عمرها 300 عام
  • مكتبة الفاتيكان.. صرح تاريخي وإرث معرفي يمتد لقرون
  • توجيه لمديري المناطق بالحفاظ على ممتلكات الأوقاف وتعظيم الاستفادة منها
  • تركيا تلتقط أنفاسها بعد الجحيم.. الطقس ينقلب خلال أيام!
  • الطيور تمتلك ثقافة وتراثا تتناقله الأجيال