في سوريا رفع أسعار مرتقب مع بدء آلية جديدة لحاملي البطاقات الذكية
تاريخ النشر: 29th, June 2024 GMT
في إطار سياسة تقليل الدعم الحكومي التي انتهجتها حكومة النظام السوري منذ ما يقارب العامين، طلبت الحكومة أخيرا من حاملي البطاقات الإلكترونية (الذكية) المبادرة إلى فتح حسابات مصرفية باسم حامل البطاقة خلال 3 أشهر، تمهيدا لتحويل مبالغ الدعم إلى هذه الحسابات.
ووفق بيان صادر عن حكومة النظام، فإن القرار يأتي "تماشيا مع توجهات إعادة هيكلة الدعم باتجاه الدعم النقدي المدروس والتدريجي"، الأمر الذي يسمح للحكومة بتحرير الأسعار وتخليها عن دعمهما لا سيما المواد الأساسية من الخبز والوقود.
ويفسر اقتصاديون القرار على أنه تخلي الحكومة عن واجباتها بدعم السلع الرئيسية للمواطنين السوريين، مما يمهد الطريق لرفع كبير في الأسعار، تحت ستار استبدال الدعم بتقديم مبالغ مالية لكل أسرة سورية تحمل ما يعرف بـ"البطاقة الذكية".
ويحصل حاملو "البطاقة الذكية" من الأسر السورية على ميزة شراء المواد الأساسية بالسعر المدعوم، في حين يضطر السوريون المستبعدون من الدعم إلى الحصول على المواد والخبز والوقود بالأسعار المرتفعة.
ويشوب اختيار الأسر التي منحت تلك البطاقات الكثير من الشكوك والاستنكار، حيث يتهم مواطنون حكومة النظام بأن الاختيار هو عشوائي وغير مدروس، والكثير من الأسر قد استبعدت من الدعم وحمل هذه البطاقة وفق تقييمات غير دقيقة ماليا واقتصاديا.
صحيفة "الوطن" الموالية للنظام السوري نقلت عما وصفتها بـ"مصادر رسمية" أن أحد سيناريوهات تحول الحكومة تدريجيا إلى الدعم النقدي يتضمن رفع سعر ربطة الخبز إلى 3 آلاف ليرة سورية بدلا من 400 ليرة حاليا وهو السعر المدعوم (الدولار يعادل 14 ألف و800 ليرة سورية).
وأضافت المصادر أن الحكومة ستحول الفارق، البالغ 2600 ليرة عن كل ربطة خبز من المخصصات، إلى حسابات الأسر المشمولة بالدعم، بعد إنشاء حسابات بنكية جديدة لهم.
كما أشارت المصادر إلى أن نصيب العائلة الواحدة من الدعم في سوريا يبلغ 8.875 ملايين ليرة (600 دولار) سنويا، ناتج عن تجميع الأرقام والإحصاءات المقدمة من المؤسسات التابعة للنظام.
وأفادت بأن الإحصاءات تشير إلى أن إجمالي عدد البطاقات الأسرية الإلكترونية هي نحو 4.6 ملايين بطاقة، وبلغت نسبة العوائل المستبعدة من الدعم نحو 13%، أي ما يعادل نحو 600 ألف عائلة.
وأكد المحلل الاقتصادي يونس الكريم أن فكرة رفع الدعم عن السلع في سوريا قديمة، والآن بدأت خطوات رفع الدعم تتسارع بشكل كبير، بالتزامن مع انهيار القدرة الشرائية وعجز الحكومة عن تلبية الدعم، فضلا عن الحجم الكبير من الفساد، "سواء من الموظفين وأمراء الحرب أو من الأهالي والعمال نتيجة سوء إنتاج المواد المدعومة يرفع كلف الدعم".
وقال الكريم -في حديث للجزيرة نت- إن آلية الدعم الجديدة هي محاربة للتضخم بشكل وهمي وغير دقيق، مشيرا إلى أن الأمر سيدفع إلى تحرير الأسعار والسماح للتجار والمتنفذين بالقطاع الخاص بالدخول إلى الأسواق.
وأضاف الكريم أن الخاسرين من الآلية الجديدة بالدرجة الأولى هم المواطنون السوريون، حيث سيتم تقليص قدرة المواطن على الوصول إلى الغذاء وفق العرض والطلب، وبالتالي سوف يخرج من معادلة الأمن الغذائي وتزداد معاناته.
أما الرابحون وفق الكريم، فمن أبرزهم حكومة النظام التي سوف تخفف الآلية الجديدة عنها عبء ضخ الأموال في الأسواق، من خلال كتلة مالية إلكترونية سوف تصل إلى الحسابات، ولا تحتاج حينها إلى طباعة العملة، وسوف يحسن الأمر التضخم على المدى القريب فقط.
ومع الإعلان الحكومي للآلية الجديدة فند وزراء سابقون في حكومة النظام السوري السلبيات والعوائق التي قد تحول دون نجاح هذه الآلية، لا سيما ممن خبروا مسألة الدعم وسبل تحوله مع الانهيار الاقتصادي خلال سنوات الحرب في سوريا.
وحذر وزير التجارة الداخلية السابق في حكومة النظام عمرو سالم من "تضخم جامح، وفوضى وكارثة اقتصادية واجتماعية، سيكون إصلاحها شبه مستحيل"، في حال تحويل مبالغ نقدية للفئات المستفيدة ضمن الخطة الحكومية الجديدة للانتقال إلى الدعم النقدي.
ودعا سالم في منشور عبر "فيسبوك"، الحكومة، إلى وقف التجريب "كما حصل باستبعاد الناس من الدعم، على أسس غير سليمة"، مشددا على أن المشروع الأصلي للدعم النقدي، ينص على "وضع مبلغ يعوض عن فرق السعر بشكل كامل ويوضع على البطاقة، ولا يمكن صرفه نقدا".
أما وزيرة الاقتصاد السورية السابقة لمياء عاصي، فطالبت بإجراء تقييم لتجربة آلية الدعم الجديدة، قبل تعميمها على كل السلع المدعومة، داعية في منشور عبر "فيسبوك"، إلى أن يكون الخبز آخر سلعة يتم رفع الدعم عنها، وأن تكون الخطوات متدرجة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات حکومة النظام من الدعم فی سوریا إلى أن
إقرأ أيضاً:
ماذا يعني تشكيل حكومة موازية في غرب السودان؟
الخرطوم- بعد 5 أشهر من انطلاق تحالف السودان التأسيسي "تأسيس" بقيادة قوات الدعم السريع، أعلن التحالف تشكيل حكومة في مناطق سيطرتها في خطوة تزيد المشهد السوداني تعقيدا وقتامة، وتستهدف إيجاد مقعد لفصائل التحالف على الطاولة السياسية المرتقبة لتسوية الأزمة في البلاد، حسب مراقبين.
وفي فبراير/شباط الماضي، وقَّعت قوات الدعم السريع وقوى سياسية وحركات مسلحة أبرزها الحركة الشعبية -شمال بزعامة عبد العزيز الحلو في العاصمة الكينية نيروبي ميثاقا سياسيا لتشكيل حكومة موازية تحت شعار "السلام والوحدة".
وبعد شهر من إقرار الميثاق، وقعت فصائل التحالف على دستور انتقالي نص على أن السودان "دولة علمانية ديمقراطية لامركزية ذات هوية سودانوية، تقوم على فصل الدين عن الدولة".
وأعلن المتحدث باسم التحالف علاء الدين نقد، من نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور في بيان عبر منصة إكس، أن الهيئة القيادية للتحالف عقدت اجتماعا قرر تشكيل مجلس رئاسي يتألف من 15 عضوا برئاسة قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي"، ورئيس الحركة الشعبية- شمال عبد العزيز الحلو نائبا له، ومحمد حسن التعايشي رئيسا للوزراء.
إعلان تشكيل المجلس الرئاسي واختيار رئيس وزراء حكومة السلام الانتقالية
Formation of the Presidential Council and Selection of the Prime Minister of the Transitional Peace Government#تحالف_تاسيس #حكومه_السلام pic.twitter.com/d352av8KLz
— تحالف السودان التأسيسي – (تأسيس) (@tasisSFA) July 26, 2025
أين يقع نفوذ الحكومة الموازية التي لم يكتمل تشكيلها بعد؟تراجعت مساحات انتشار قوات الدعم السريع بشكل متسارع منذ أكتوبر/تشرين الأول 2024 بتحرير الجيش ولاية سنار ثم ولاية الجزيرة واستكمال سيطرته على ولاية الخرطوم، ثم شمال ولاية النيل الأبيض وجنوب نهر النيل، والنيل الأزرق وجنوب ولاية شمال كردفان.
إعلانأما في الولايات الأخرى، فلم يعد لقوات الدعم السريع وجود إلا في أجزاء من ولايتي شمال وغرب كردفان، وجيوب في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، إضافة إلى 4 ولايات من ولايات إقليم دارفور الخمس.
أين توجد قوات الحركة الشعبية- شمال وهي الشريك الثاني في تحالف "تأسيس"؟منذ انفصال جنوب السودان عن شماله عام 2011، تسيطر الحركة الشعبية- شمال على مناطق جنوب غرب ولاية جنوب كردفان، وتشمل محليات البرام وأم دورين وهيبان، وتتخذ من منطقة كاودا المحصنة وسط الجبال مقرا وقاعدة لها، وشكلت إدارات مدنية في تلك المحليات التي تعيش أوضاعا إنسانية سيئة وتعتمد على المنظمات الأجنبية في التعليم والصحة.
قالت الخارجية السودانية إنها تدين بأشد العبارات ما ذهبت إليه "مليشيا الدعم السريع الإرهابية" بإعلان "حكومة وهمية" تزعم فيها توزيع مناصب حكومية لإدارة السودان. وعدّت إعلانها "على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي خير دليل على انكسارها ودحرها على يد القوات المسلحة".
وطالبت دول الجوار والمجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية والدولية، والهيئات الحكومية والتنظيمات كافة، بإدانة هذا الإعلان، ودعت إلى عدم الاعتراف أو التعامل مع "التنظيم غير الشرعي الذي أعلنته المليشيا"، واعتبرت "التعامل مع التنظيم تعديا على الحكومة السودانية وسيادتها على كامل أراضيها".
كذلك قال الناطق الرسمي باسم الجيش السوداني نبيل عبد الله إن الحكومة الموازية المزعومة هي "محاولة بائسة لشرعنة مشروع إجرامي"، متعهدا بإحباط أجندتها.
وذكر عبد الله -في بيان- أن "حكومة المليشيا المزعومة هي محاولة خداع حتى لشركائهم في الخيانة، والمشروع الحقيقي لآل دقلو هو الاستيلاء على السلطة لتحقيق طموحهم الذاتي غير المشروع ومشروعهم العنصري".
من جانبه، علّق حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي -عبر منصة فيسبوك- قائلا إنه لم يجد في إعلان الحكومة الموازية "شيئا جديدا يستدعي التعليق، سوى أنه يُجسّد تقاسم الانتهاكات وتوزيع الجرائم بين مليشيا الدعم السريع وحلفائها بالتساوي".
ما أولوية السلطة الموازية تجاه المواطنين في مناطق سيطرة الدعم السريع في إقليمي دارفور وكردفان؟يقول مهدي الهادي دبكة -الأمين العام لتحالف القوى المدنية المتحدة "قمم" والقيادي في تحالف "تأسيس"- إن "حكومة الوحدة والسلام" تستطيع أن تدير الأمور استنادا إلى تجربة الإدارات المدنية، وإن لديها برنامجا وخطة واضحة لفتح مسارات سياسية ودبلوماسية، وكذلك في التبادل التجاري مع العالم الخارجي، وإنهاء الحرب عبر المبادرات الدولية والإقليمية.
ويوضح دبكة -في حديث للجزيرة نت- أن حكومته ستطبع عملة جديدة وتشغّل الجهاز المصرفي وتصدر جوازات وتعدّ سجلا مدنيا للمواطنين كافة، وتعمل لإعادة النازحين واللاجئين إلى مناطقهم وتعويض من تضرروا من الحرب.
بناء على تجربة الإدارات المدنية للدعم السريع، هل تتوفر موارد تمكنها من تغيير الأوضاع لمصلحة المواطن هناك؟يوضّح الباحث السياسي محمد علاء الدين أن قوات الدعم السريع أنشأت إدارات مدنية في 4 من ولايات دارفور، إضافة إلى ولاية غرب كردفان، لكن الأوضاع الأمنية وحالة الفوضى هي السمة البارزة حتى في نيالا العاصمة الإدارية للحكومة الموازية. كما لم تستطع تلك الإدارات توفير خدمات المياه والكهرباء والصحة.
إعلانويقول الباحث للجزيرة نت إن قوات الدعم السريع تملك موارد من مناجم الذهب، بجانب تهريب الثروة الحيوانية والصمغ العربي والسمسم والفول السوداني، لكنها لم توظف ذلك لمصلحة المواطنين.
ووفق الباحث، تفتقر هذه القوات إلى الكوادر الإدارية والفنية المؤهلة، وعجزت عن توفير أي خدمات لمواطني غرب البلاد الذين غادروا ديارهم هربا من تدهور الأوضاع الأمنية وغياب الخدمات.
هل يمكن أن تجد الحكومة الموازية اعترافا من المنظمات الإقليمية والدولية أو الدول؟ووفقا للباحث علاء الدين، فإن الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية والهيئة الحكومية للتنمية "إيغاد" والولايات المتحدة ودولا أخرى أعلنت في وقت سابق أنها لن تعترف بحكومة في مناطق الدعم السريع، وعدّتها خطوة لتمزيق البلاد. غير أن بعض الدول -خاصة المرتبطة بمصالح مع قوات الدعم السريع والدول الإقليمية التي تقف خلفها- يمكن أن تتعامل معها من دون أن تعترف بها، لأن الاعتراف ربما يشجع كيانات ومليشيات أخرى في المنطقة، مشيرا إلى حكومة شرق ليبيا وأرض الصومال.
كيف تنظر القوى السياسية المعارضة لإنشاء سلطة موازية؟يرى ياسر عرمان، رئيس الحركة الشعبية– التيار الثوري، والقيادي في التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة "صمود"، أن البلاد تعيش لأول مرة منذ استقلالها عام 1956 تحت وطأة حكومتين متنافستين داخل الدولة الواحدة، تتصارعان على السلطة والموارد والشرعية، في مشهد ينذر بإطالة أمد الحرب وتعقيد فرص الحل السياسي.
ويعتقد عرمان -في منشور عبر صفحته على فيسبوك- أن هذا الوضع غير المسبوق يمثل تهديدا مباشرا لوحدة السودان واستقراره، محذرا من تكرار النموذج الليبي الذي أدى إلى انهيار الدولة هناك.
هل توجد تعقيدات سياسية أو أمنية يمكن أن تترتب على الواقع الذي سيفرضه التطور الجديد في غرب البلاد؟من ناحيته، يرى الكاتب والمحلل السياسي أسامة عبد الماجد أن تشكيل حكومة موازية محاولة بائسة لإضفاء الشرعية على واقع مرفوض شعبيا ووطنيا، وتكرار النموذج الليبي، في مسعى لفرض واقع سياسي مشوّه يدفع نحو التفاوض من موقع "مليشيا"، لا من منطلق الدولة.
وحسب حديث الكاتب للجزيرة نت، فإن هناك سعيا لتعقيد المشهد الأمني والسياسي، ومحاولات لفرض حظر جوي شامل على دارفور وتوسيع نطاقه ليشمل الأراضي السودانية كافة. واتهم فصائل في التحالف بأنها تخطط لفصل دارفور، وهو "أمر سيبوء بالفشل والهزيمة".
ما ردود الفعل الخارجية على خطوات تحالف "تأسيس" الجديدة؟لم تصدر تعليقات رسمية من دول ومنظمات بعد، لكن الدبلوماسي الأميركي السابق ومستشار مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية بواشنطن كاميرون هديسون تحدث عن محادثات وشيكة لوقف إطلاق النار في السودان، عبر لقاء مرتقب في واشنطن يضم المجموعة الرباعية "الولايات المتحدة، والسعودية، ومصر والإمارات" إلى جانب قطر وبريطانيا.
ويرى هديسون -عبر منشور على منصة إكس- أن إيجاد حكومة جديدة إنما هي محاولة لتحسين صورة الدعم السريع، تمهيدا للجلوس إلى طاولة المفاوضات، وإظهار القوات بمظهر رسمي.
لكنه وصفها بأنها محاولة مكشوفة لتجميل واجهة "مليشيا غير شرعية"، مضيفا أنه "مهما بلغ عدد الشهادات وربطات العنق التي يرتدونها، فإنهم لا يزالون مجرد حفنة من القتلة"، على حد تعبيره.