أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، العدد السابع من مجلته الدورية "آفاق صناعية" والذي تضمن عدداً من مقالات الرأي حول موضوع "إعادة التدوير الصناعي"، مع التركيز على آليات تعزيز الانتقال إليه، بالإضافة لعدد من العروض البحثية لبعض القضايا والموضوعات ذات الصلة بإعادة التدوير الصناعي، كذلك تضمن العدد رصد للعديد من التجارب الدولية الخاصة بالموضوع مثل تجارب "الهند وألمانيا والصين والولايات المتحدة وفنلندا"، بالإضافة إلى تحليل أبرز المقالات التي نُشرت بالصحف والمجلات الأجنبية في هذا الشأن.

تضمن العدد مقالاً للرأي بعنوان "الضوابط القانونية لإدارة وتدوير المخلفات الصناعية في ضوء التجارب الدولية" للدكتور محمد عمارة مدير إدارة الشؤون القانونية بوزارة البترول والثورة المعدنية، ومقال للدكتور مصطفى حسن السيد أستاذ مساعد الاقتصاد والمالية العامة بالمعهد العالي للإدارة وتكنولوجيا المعلومات بكفر الشيخ بعنوان "أركان الاقتصاد الدائري كأحد متطلبات التنمية المستدامة"، كما تضمن العدد مقالًا للدكتور محمود فتح الله اقتصادي مصري ومدير إدارة شئون البيئة بجامعة الدول العربية بعنوان "صناعة إعادة التدوير ودورها في الحفاظ على البيئة"، والذي تناول مفهوم وأبعاد إعادة التدوير والتي تعد أحد جوانب الاقتصاد الدائري الذي يهدف إلى إعادة تعريف النمو وبناء رأس المال الاقتصادي والطبيعي والاجتماعي عن طريق فصل النشاط الاقتصادي تدريجيًا عن استهلاك الموارد الناضبة ويشجع على إنشاء حلقات مغلقة لإنتاج واستهلاك المواد والماء والمغذيات والطاقة بشكل يحاكي الدورات الطبيعية.

وقد أشار المقال إلى نمو حجم سوق تدوير المخلفات عالميًا بمعدلات متسارعة حيث تشير التقديرات إلى وصوله لـ 58 مليار دولار عام 2022 ومن المتوقع أن يصل إلى 90 مليار دولار بحلول عام 2032 بمتوسط معدل نمو قدره 4.7%، وتسهم صناعة التدوير في مكافحة تغير المناخ حيث تسهم إعادة التدوير في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بأكثر من 700 مليون طن سنويًا بالإضافة إلى دورها في توفير فرص عمل في أنحاء العالم في مجال إعادة التدوير، كما توفر الموارد القابلة للتدوير نحو 40% من احتياجات الخامات الطبيعية في العالم، ومع ذلك لا يتجاوز حجم ما يتم تدويره من النفايات أكثر من 20% على مستوى العالم وتحتل ألمانيا المرتبة الأولى في معدل التدوير في العالم تليها كوريا الجنوبية ثم النمسا وهولندا.

واستعرض المقال أفضل السبل والتجارب الدولية في مجال إعادة التدوير مع توضيح بعض العوامل التي تعزز الاستثمار وتنمي هذا القطاع والتي جاء من أبرزها، "توجه الصين منذ 2018 لحظر استيراد النفايات الأجنبية بما في ذلك بعض المواد البلاستيكية التي تمثل نصف الواردات من نفايات العالم من عام 1992، ونتيجة لهذا التوجه يتطلب الأمر توجيه الاستثمار الجديد في مرافق إعادة التدوير لسد الفجوة التي خلفتها الصين التي كانت تستورد نحو 7 ملايين طن من النفايات في عام 2016"، "تزايد الدعوات العالمية إلى اتباع تطبيقات الاقتصاد الدائري التي تحقق الاستدامة والابتكار في التعامل مع الإنتاج والاستهلاك، حيث إنها تعد أمرًا بالغ الأهمية على نحو متزايد خاصًة مع تصاعد التحديات العالمية مثل ندرة الموارد والتدهور البيئي".

ومن مقالات العدد مقال بعنوان "صناعة إعادة الدور وعلاقتها بأهداف التنمية المستدامة" للأستاذ هشام محمد المكي باحث اقتصادي متخصص في الاقتصاد الدائري والتنمية المستدامة، حيث تناول المقال التجربة المصرية فقد حرصت مصر في رؤيتها الاستراتيجية للبيئة حتى عام 2030 على أن يكون البعد البيئي للتنمية المستدامة محورًا أساسيًا في القطاعات الاقتصادية والتنموية جميعًا بشكل يحقق تأمين الموارد الطبيعية والحفاظ عليها ويدعم الاستغلال الأمثل لها وعدالة استخدامها والاستثمار فيها، وبما يضمن حق الأجيال القادمة فيها ويعمل على تنويع مصادر الإنتاج والأنشطة الاقتصادية، ويسهم في القضاء على الفقر وتوفير فرص عمالة جديدة، ودعم التنافسية مع توفير بيئة صحية وآمنة ونظيفة للإنسان في مصر.

وأكد المقال اهتمام الدولة المصرية بالمخلفات الإليكترونية كمجال لتطبيق الاقتصاد الدائري لدراسة سبل تفعيل مشروع صناعات إعادة التدوير في مصر وفي عام 2016 قامت وزارة الاتصالات بتوقيع مذكرة تفاهم مع دولة سويسرا بهدف الدعم التكاملي والمشاركة المستدامة للشركات الصغيرة والمتوسطة في إعادة تدوير المخلفات الإليكترونية في مصر، ومما يدل على أهمية المخلفات وخاصًة الإليكترونية هو انطلاق مبادرة حكومية في مصر لجمع المخلفات الالكترونية مع إطلاق تطبيق إليكتروني (E-tadweer) لتشجيع المواطن المصري على تجميع الأجهزة الالكترونية والكهربائية القديمة والتخلص منها بصورة آمنة والحصول على خصومات عند شراء أجهزة جديدة من خلال أخذ نقاط مجانية في مقابل الأجهزة القديمة، ولتحقيق مزيد من التقدم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة فإن هناك ضرورة للتنسيق والتعاون بين المنظمات والهيئات لاستكمال المبادرات والجهود في هذا الشأن ودعوة المختصين في كل من القطاعات الحكومية والبحثية والصناعية والمجتمعية للمشاركة في إعداد القوانين والتشريعات الملزمة والاستراتيجيات المرنة محددة الأهداف والاستفادة من المبادرات والتجارب الدولية في هذا المجال.

وتناول العدد مقالًا بعنوان "صناعة التدوير: المخلفات الإليكترونية ربح ينتظر من يستحقه" للأستاذة سمر عادل باحثة اقتصادية وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع، وأشار المقال إلى الأهمية الاقتصادية لصناعة تدوير المخلفات الإلكترونية والتي لا تقف فقط على البيئة بل تكمن الأهمية الأثمن في البعد المستدام للتنمية ويأتي في المقدمة توفير الفرص التجارية لمختلف الدول إذ قد تمثل أحد روافد العملة الأجنبية للدول لا سيما النامية.

ومن الدول التي تسعى بشكل حثيث وجاد إلى إحراز التقدم في إعادة تدوير المخلفات الالكترونية "سويسرا" إذا اهتمت بهذا المجال منذ أوائل تسعينات القرن الماضي وأنشأت شركات ومصانع معنية بتدوير النفايات الالكترونية ويعتمد النموذج السويسري على مجموعة من استراتيجيات مهمة منها "استراتيجية المسؤولية الموسعة للمنتجين" لتحثهم على الإنتاج القائم على التدوير ومراعاة البيئة والاقتصاد في آن واحد وجعلت الشركة المُصنعة هي المسؤولة بالكامل عن دورة حياة المنتج لا سيما الأمور المتعلقة بالاستعادة والتدوير والتخلص من المخلفات، وتخطو ألمانيا أيضًا خطوات جادة في مجال إعادة تدوير النفايات الإلكترونية ويتوقع لهذا السوق أن ينمو إلى 4.9 مليارات دولار عام 2028، فيقدم هذا النوع من التدوير مجموعة فوائد اقتصادية أكبر من حرق النفايات نفسها.

وأوضح المقال في ختامه أنه بالنظر إلى التقدم التكنولوجي الذي يشهده العالم يتضح أن هذا المجال سيشهد الكثير من التطورات القادمة وغير المتوقعة للعقل البشري، كما أن زيادة السكان تعني استهلاك المزيد من التكنولوجيا والتي ينتج عنها الكثير من النفايات، ولذا لابد من العمل على تشجيع المصانع والدول للتوجه نحو الاقتصاد الدائري وفي الوقت نفسه تشجيع المستهلكين على تسليمهم إلى أجهزتهم القديمة، فقد أصبحت المخلفات تحديًا رئيسًا يواجهه صانعو القرار في الدول المتقدمة والنامية وعلى كل دولة اختيار آليات مناسبة لها من خلال إنشاء إدارات معنية بإدارة المخلفات وتحويلها إلى فرص تحقق منها ربحًا بدلًا من أن تكون عبئًا.

كما تناول العدد مقالًا للأستاذ إبراهيم الغيطاني باحث متخصص في الطاقة بعنوان "آثار ممارسات "الاقتصاد الدائري للبلاستيك" في استخدام النفط في العالم"، والذي أوضح أنه لتحقيق قيمة إضافية أعلى لصناعة إعادة تدوير البلاستيك سيحتاج العالم إلى ضخ استثمارات ضخمة في سلسلة القيمة بصناعة النفايات البلاستيكية بدءًا من جمع المواد الأولية وفرزها حت معالجتها وفي هذا الصدد تطرح شركة "وودي ماكينزي" الأمريكية سيناريوهين رئيسين تحدد فيهما آفاق الطلب العالمي للمنتجات البلاستيكية المعاد تدويرها في صناعة التغليف والتعبئة بالأخص ومستويات الاستثمارات المطلوبة لتغطية الإنتاج المطلوب.

- السيناريو الأول: تتوقع "وود ماكينزي" أن صناعة التعبئة والتغليف العالمية وحدها -دون الاستخدامات الأخرى- قد تستهلك نحو 40 مليون طن من المنتجات البلاستيكية المعاد تدوريها بحلول عام 2030 مما سيتطلب استثمارات عالمية تراكمية قدرها 100 مليار دولار حتى نهاية العقد الجاري.

- السيناريو الثاني: والأكثر واقعية والمرجح فيه أن تستهلك صناعة التعبئة والتغليف العالمية نحو 22 مليون طن من المنتجات البلاستيكية المعاد تدويرها بحلول 2030 مع استثمارات مطلوبة قدرها 50 مليار دولار حتى نهاية العقد الجاري.

وبشأن توقعات الصناعة بعد عام 2030 تُرجح منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حدوث انتعاش قوي لصناعة إعادة تدوير البلاستيك في العالم حيث ستزيد حصة النفايات البلاستيكية التي يتم إعادة تدويرها لتصل إلى 17% من إجمالي النفايات العالمية مقارنة بـ 9% في عام 2019، وفي الوقت نفسه سيتضاعف حجم البلاستيك المعاد تدويره 5 مرات تقريبًا عن مستواه الحالي ليصل إلى 176 مليون طن في عام 2060.

وذكر المقال في ختامه أنه يمكن القول إن ممارسات الاقتصاد الدائري للبلاستيك توفر منافع مزدوجة للنظام البيئي العالمي لن تقتصر على الحد من النفايات البلاستيكية وإنما تشمل خفض استهلاك الوقود الأحفوري، مع ذلك سيظل تحقيق هذه الإيجابيات مشروطًا بالتزام العالم بضخ استثمارات كافية لنشر تطبيقات الاقتصاد الدائري مع إحراز تقدم تكنولوجي بارز في تقنيات إعادة تدوير المواد البلاستيكية وغيرها.

اقرأ أيضاًالتشكيل الوزاري الجديد 2024.. قائمة أسماء الوزراء الجدد في حكومة مدبولي

بالدموع ورسائل الشكر.. كيف ودع الوزراء مناصبهم بعد إعلان التشكيل الوزاري الجديد؟

التشكيل الوزاري الجديد.. كم مرة شكّل مصطفى مدبولي الحكومة؟

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: معلومات الوزراء رئاسة مجلس الوزراء افاق صناعية آفاق صناعية الاقتصاد الدائری تدویر المخلفات إعادة التدویر ملیار دولار من النفایات إعادة تدویر صناعة إعادة التدویر فی المخلفات ا العدد مقال فی العالم تدویر فی ملیون طن فی هذا مقال ا فی عام فی مصر

إقرأ أيضاً:

من إلغاء قيصر إلى إعادة الإعمار.. مرحلة جديدة تنتظر الاقتصاد السوري

يشهد الملف السوري منعطفا حاسما بعد تصويت الكونغرس الأمريكي على مشروع "قانون تفويض الدفاع الوطني" لعام 2026، الذي تضمن إلغاء "قانون قيصر" للمرة الأولى منذ دخوله حيز التنفيذ قبل أكثر من خمس سنوات. 

فقد شكل هذا القانون، منذ اعتماده في كانون الأول/ديسمبر 2019 بعيد تسريب صور التعذيب التي وثقها المصور المعروف بـ"قيصر"، أحد أعنف أدوات الضغط على سوريا، بعد أن طوق اقتصادها بسلسلة عقوبات معقدة عطلت قدرتها على الحركة وشلت إمكاناتها الإنتاجية، وارتدت على السوريين بأثمان اجتماعية وإنسانية قاسية. 

واليوم يتخذ الإلغاء دلالات سياسية مضاعفة، ليس فقط لأنه يقترن بجهود إقليمية ودولية واسعة، بل لأنه يأتي في ولاية ترامب الثانية بقناعة مغايرة تماما لتلك التي وقع القانون على أساسها، وبهدف معلن هو إتاحة الفرصة أمام سوريا للانتقال من إرث الحرب إلى مسار إعادة البناء، خاصة بعد سقوط نظام الأسد ودخول الثوار إلى دمشق في كانون الأول/ديسمبر 2024.

الإلغاء لم يأت بصفته تشريعا مستقلا، بل جرى تضمينه داخل حزمة تشريعية كبرى هي "قانون تفويض الدفاع الوطني"، وهي حزمة تعد من القوانين الملزمة التي يحرص الكونغرس على تمريرها لربطها بتمويل وزارة الدفاع. 

ولهذا، اكتسب بند الإلغاء قوة دفع واسعة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي على حد سواء. كما جاء تزامنا مع جهود عربية قادتها السعودية وتركيا وقطر ومع ضغط من الجالية السورية في الولايات المتحدة، والتوجه السياسي الصريح من الرئيس ترامب نحو رفع القيود كاملة ودون شروط، بهدف فتح الباب أمام الشركات الأمريكية والدولية للاستثمار في سوريا بلا خوف من عودة العقوبات.

عرض هذا المنشور على Instagram ‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎Arabi21 - عربي21‎‏ (@‏‎arabi21news‎‏)‎‏
رفع العقوبات الثانوية
ولا تكمن الأهمية الاستثنائية للإلغاء فقط في إنهاء العقوبات الأولية، بل في رفع طيف العقوبات الثانوية التي كانت تطال أي جهة تتعامل مع دمشق أو مع حلفائها، خصوصا روسيا وإيران. 

كانت هذه العقوبات السبب الرئيسي في شلل قطاعات واسعة من الاقتصاد السوري ومنع أي تمويل خارجي لمشاريع إعادة الإعمار، وفي إبقاء سوريا خارج النظام المالي العالمي. 

ومع الإلغاء، يصبح المجال مفتوحا لعودة التدفقات المالية، وإطلاق مشاريع إعادة البناء، وتأهيل البنية التحتية، وتمكين القطاع الإنتاجي من إعادة التشغيل، وهو ما سيترك أثرا مباشرا على حياة السوريين الذين يعيش أكثر من 90% منهم تحت خط الفقر، بينما يعاني 12.9 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، وفق تقديرات أممية حديثة.

رغم أن الإلغاء جاء كاملا، إلا أن النص التشريعي احتفظ بطلبات غير ملزمة، تتعلق بتقارير دورية ترفع إلى الكونغرس، تتناول تقييم أداء الحكومة السورية في ملفات مثل مكافحة "تنظيم الدولة"، والامتناع عن أي نشاط عسكري ضد دول الجوار، واحترام حقوق الأقليات، وإبعاد المقاتلين الأجانب عن المواقع العليا في مؤسسات الدولة، وتنفيذ اتفاق 10 آذار/مارس الماضي الموقع بين الرئيس أحمد الشرع والقائد العام لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي، إلى جانب اتخاذ تدابير فعالة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتهريب المخدرات، وملاحقة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. 

وتظل هذه الطلبات ضمن إطار التوصيات، ولا تنطوي على أي شرط يعيد تفعيل العقوبات تلقائيا، إذ تقتصر صلاحية الرئيس على إعادة فرض عقوبات محدودة على أفراد بعينهم، وفي حال جاءت تقارير سلبية متتالية.

عرض هذا المنشور على Instagram ‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎Arabi21 - عربي21‎‏ (@‏‎arabi21news‎‏)‎‏



تفاعل شعبي واسع
وكان الاحتفال الشعبي في المدن السورية عند الإعلان عن تصويت الكونغرس تعبيرا عن حجم التطلع إلى كسر الطوق الذي خنق البلاد لسنوات طويلة. 

ودفعت الأزمة الاقتصادية التي ورثتها البلاد عن نظام الأسد البائد، وعمقتها العقوبات، ملايين السوريين إلى تخطي حدود البقاء المعيشي، ودفعت الشباب والنساء إلى أعلى معدلات بطالة منذ عقود.

وأجبرت أكثر من 7 ملايين شخص على النزوح داخل البلاد، بينهم 1.5 مليون يعيشون في مخيمات تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة. ولذلك يرى قطاع واسع من السوريين في رفع العقوبات بداية فرصة حقيقية لالتقاط الأنفاس، وليس مجرد خطوة سياسية عابرة.

وتصطدم ورش إعادة الإعمار المنتظرة بتحديات كبيرة لا يمكن تجاهلها. فالنهوض الاقتصادي يتطلب بيئة قانونية شفافة وقضاء مستقل يطمئن المستثمرين، ويحتاج إلى تخطيط اقتصادي سليم يوازن بين الاستقرار والانفتاح، وإلى إصلاح شامل في الإدارة المالية والقطاع المصرفي والنظام الضريبي والجمارك. 

وإلى جانب ذلك، يتطلب الأمر معالجة الترهل الكبير في الجهاز الإداري، الذي تراكم على مدى عقود طويلة، وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة لتكون قادرة على إدارة عملية إعادة الإعمار. هذه المهمة تزداد صعوبة عندما نضع في الاعتبار تقديرات البنك الدولي، الذي يرى أن سوريا تحتاج إلى نحو 345 مليار دولار لإعادة البناء، منها 141 مليار دولار لإصلاح المؤسسات الحكومية وحدها.


تحديات سياسية وأمنية موازية

وتبرز تحديات سياسية وأمنية إضافية، يتصدرها استمرار وجود مناطق خارج سيطرة الدولة، مثل الجزيرة السورية والسويداء، ما يجعل إعادة الإعمار رهينة تفاهمات أوسع بين القوى المسيطرة على الأرض.

كما يشكل استمرار الاعتداءات الإسرائيلية وتوغلاتها عاملا إضافيا يعقد مشهد الاستقرار، ويضغط على قدرة سوريا على جذب الاستثمارات الأجنبية التي تحتاج إلى بيئة آمنة ومضمونة.

ورغم كل ما سبق من تحديات، فإن رفع "قانون قيصر" يظل أهم نافذة أمل تفتح أمام السوريين منذ سنوات طويلة. فهو يضع البلاد على عتبة العودة إلى النظام المالي العالمي، ويمنح الاقتصاد السوري فرصة لبدء التعافي، ويدفع بالمستثمرين إلى إعادة النظر في السوق السورية، ويعيد رسم العلاقات الإقليمية والدولية على أسس جديدة. 

وقد بدأت المؤشرات الأولى بالظهور حين أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية في 10 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي تعليق العقوبات لمدة 180 يوما، تمهيدا للإلغاء الكامل.

لا يعني إنهاء القانون الذي كان أحد أعمدة العزلة الاقتصادية والسياسية المفروضة على سوريا، حل جميع المشاكل، لكنه يمثل نقطة انطلاق نحو مرحلة جديدة، تنتقل فيها البلاد من زمن العقوبات والشلل إلى زمن الفرص وإعادة البناء. 

ويبقى السؤال الأهم هو قدرة الحكومة السورية الجديدة على تحويل هذه الفرصة إلى واقع ملموس ينعكس على حياة السوريين، الذين طال انتظارهم لالتقاط أنفاسهم بعد سنوات من الحرب والدمار والجوع.

مقالات مشابهة

  • من إلغاء قيصر إلى إعادة الإعمار.. مرحلة جديدة تنتظر الاقتصاد السوري
  • محمد مجيد: الاقتصاد الدائري لم يعد رفاهية بل ضرورة لإطلاق طاقات صناعة البلاستيك ورفع القدرة التنافسية للصادرات المصرية
  • كنز النفايات .. خارج حسابات الحكومة
  • التصديري للصناعات الكيماوية: الاقتصاد الدائري لم يعد رفاهية… بل ضرورة لإطلاق طاقات صناعة البلاستيك
  • «راكز» تحصد الجائزة الفضية عن «أفضل مبادرة لتحويل النفايات»
  • البيئة: ثلاث مواقع غوص صناعية لإنقاذ شعاب البحر الأحمر.. معركة بين الإنسان والطبيعة
  • استجابة فورية من رئيس الوزراء مصطفى مدبولي لمناشدة أحمد موسي.. فيديو
  • مشعل: وجه “إسرائيل” القبيح كُشف أمام العالم بعد السابع من أكتوبر
  • بدء أعمال التطوير وإزالة المخلفات بمدينة الشيخ زايد غدا
  • تطوير منطقة الشيخ زايد.. رئيس الوزراء يستجيب لمطالب أحمد موسى على الهواء