في إعقاب المصالحة التي تمت ما بين نظام المخلوع نميري وبين أحزاب الجبهة الوطنية في عام 1977 أصدر الحزب الشيوعي في دورة اللجنة المركزية المنعقدة في إغسطس وثيقة تاريخية بعنوان (الديمقراطية مفتاح الحل للأزمة السياسية-جبهة للديمقراطية وإنقاذ الوطن) والتي بموجبها شاركت أحزاب الجبهة الوطنية في حكومة مايو. وبعد أتفاقية نيفاشا راجع الحزب مواقفه السابقة وشارك في المجلس الوطني بهدف تنفيذ الاتفاقية وأهدافها في التحول الديمقراطي وتحسين الأوضاع المعيشية والسلام والوحدة كذلك شارك في انتخابات 2011 تحت حكم الأنقاذ ، ولكنه انسحب منها أسوة ببقية القوي السياسية بعد أن تأكد تزويرها .

هذا التحول في الموقف السياسي يصب في مجري الفهم الصحيح للديالكتيك وعدم الجمود في المواقف مستفيداً من تجارب الحياة السياسية في السودان بتقاليدها ومنجزاتها وعثراتها.
وتطابق تلك التجارب مع المنطلق النظري والفلسفي الذي يهتدي به الحزب الشيوعي وهو أن النضال من أجل الاشتراكية مستحيل بدون النضال من أجل الديمقراطية . نضيف الي هذا الفهم النظري ان النضال من أجل الديمقراطيه يستحيل إذا لم يتم النضال من أجل السلام ووقف الحرب . علاوة علي أن أستمرار الحرب هو تجسيد للقضاء علي ثورة ديسمبر وأسقاط شعاراتها في ترسيخ الحكم المدني الديمقراطي وأستخدام العنف لتصفية المد الثوري والسير في طريق الحرب الأهلية وتفكيك الدولة السودانية.
السلام يتطلب ضريبة باهظة وهذا ما يجب فهمه وتوضيحه . مهم التوصل الي حل سياسي يرسخ لحكم مدني ديمقراطي دون تمييز علي أساس الديانة أو الهوية أو العرق . التحالف المطلوب يحتاج الي مواصلة توسيع الأصطفاف مع الآخرين في المعسكر المناهض للحرب والتقاضي عن أي خلافات سياسية أو حتي أيدلوجية في الوقت الحاضر كما يتطلب التحالف تعميق التواصل مع عناصر المجتمع المدني الشعبية الفاعلة بما في ذلك لجان المقاومة والنقابات العمالية والمهنية وكذلك الكيانات السياسية الأخري التي تسعي لانهاء الحرب ودعم التحول المدني الديمقراطي .
ظل الحزب الشيوعي طوال تاريخه الممتد لأكثر من سبعين عاماً مبادراً في تشكيل التحالفات العريضة من أجل تحقيق المطالب المبدئية لشعبنا فيما يخص قضايا السلام والديمقراطية والوحدة والتنمية وغيرها من الأولويات وكان الحزب ولا يزال دقيقاً في تحديد شعاراته حولها ابتداءً من الدعوة لبناء: (الجبهة المعادية للاستعمار) والدفاع عن الديمقراطية وبناء الوطن (جبهة عريضة للديمقراطية وأنقاذ الوطن) وانتهاءً بشعارات ديسمبر. والناظر لهذه المحطات من العمل الجبهوي وشعاراتها لن يخطئ النظر للدور المفصلي الذي لعبه حزب الشيوعيين فيها كما ولن يفوته الإمساك بالشعارات التي أبتدعها.
أسئلة واقعية تطرح نفسها في هذا الظرف الاستثنائي المعقد : ما هي الحلول العملية التي يطرحها تحالف قوي التغيير الجذري الذي يقوده الحزب الشيوعي لأيقاف الحرب الدائرة؟ وماهي الحلول المتيسرة للمشاكل المعقدة التي نتجت من هذه الحرب ؟ ومن هي القوي المنوط بها أنجاز هذه المهمة ؟ ومن هي القوي الدولية والأقليمية التي نأمل أن تساعدنا في إيقاف الحرب وإعادة الحياة الي طبيعتها ومن ثم الشروع في التعميير ؟ ناهيك عن القوي الخارجية التي نأمل في مساعدتها ، ما هي القوي السياسية التي توجد بالداخل المنوط بها العمل علي بث وإشاعة برنامج عملي للوقوف ضد أطروحات برنامج تنسيقية القوي الديمقراطية المدنية (تقدم) مع علاته . معادات أطروحات (تقدم) تلتقي مع برامج الحركة الأسلامية التي ثار ضدها شعبنا . إضافة الي أن (تقدم) أصبحت الممثل الشرعي للقوي الرافضة للحرب ووجدت أعترافاً وقبولاً أقليمياً ودولياً . إضافة للأسئلة السابقة ، ما هي الأتصالات التي أجراها تحالف قوي التغيير الجذري مع الأطراف المتحاربة للجلوس للتفاوض لوقف نزيف الدم مع العلم بأن هذه الحرب إذا قدر لها أن تنتهي لا بد من جلوس الاطراف المتحاربة في طاولة مفاوضات . ناهيك عن هذا المطلب الذي يعتبر تعجيزاً لقوي التغيير الجذري ، ما هي الأتصالات التي أجراها تحالف التغيير الجذري مع (تقدم) التي تسعي لقيام حكم مدني ديمقراطي ؟ أعتقد أن السلام المعطوب الذي يستثني المؤتمر الوطني وأتباعه وكل من أنقلب علي الحكم الديمقراطي في 25 أكتوبر وأشعل الحرب في 15 أبريل 2023 بغض النظر عن سلبياته إفضل من الأستمرار في حرب تؤدي الي تمزيق وفقدان وطن كامل . شعاراتنا التي نطرحها تتطلب أمكانية موضوعية لتطبيقها .
شعب السودان أحتضن وآواي وفتح الأبواب والقلوب للشيوعيين والديمقراطيين السودانيين ، حافظ علي حياتهم وحياة أسرهم وأسرارهم ووثائقهم ، دافع عنهم في المحافل واللقاءات السياسية والمناسبات الأجتماعية وما أكثرها قبل حرب داحس والغبراء التي أصابت السودان . هذه الكارثة أصابت كل الشعب السوداني ما عدا الذين يقودون الحرب ضد الكل . وصل الأمر الي حد لا يطاق ، الكل في السودان الذين نزحوا داخلياً وعددهم فاق السبعة ملايين إضافة الي العالقين بالمعابر والذين وصلوا الي دول الجوار وسرعان ما أصبحوا مشردين ومتسولين في شوارعها وحدائقها العامة حتي أصبح منظراً مألوفاً أن تجد سيدة سودانية ومعها أطفالها تطلب المساعدة الي من يرفق بحالها . أُسر الشيوعيين السودانيين حالهم ليس بأفضل من العامة . بعض الزملاء والزميلات ناضلوا مع بقية الشعب السوداني دخلوا السجون والمعتقلات ولم تلن قاماتهم أمام أجهزة الأمن وتعذيبها وشهد لهم بذلك الأعداء قبل الأصدقاء وأستمروا في النضال طيلة حكم الأنقاذ حتي أسقطوه في ثورة ديسمبر . حالهم الآن يرثي له ، منهم من أقعده المرض ومنهم من ينتظر عوناً من الخارج، ومنهم من لم يستطع حتي طلب العون أستحياءً وكبرياءً وعزة نفس . هنالك أطفال ونساء فقدوا من يعولهم .
نعلم جميعاً أن السبب المباشر في كل هذا هو الحرب اللعينة كما نعلم أن أيقافها يعتمد في المقام الأول علي نضال ووحدة شعب السودان . شعار لا للحرب لا يفي بتطلعات وواجبات المرحلة الحالية وأنما الواجب المقدم هوالأنضمام والتنسيق مع كل من رفع ويرفع هذه الراية . من الصعب إعادة نفس السيناريو الذي سبق ثورة الشعب في ديسمبر 2018 ، لا يمكن عبور نفس النهر مرتين . علينا التفكير خارج الصندوق ومن الضرورة الأستجابة لكل دعوة ولكل منبر يريد توحيد قوي الثورة للوقوف ضد إستمرار الحرب بغض النظر عن جغرافية المكان . الشهيد جون قرنق جاب بقاع الدنيا كلها أملاً في السلام ولم يشترط أن يتفاوض مع حكومة الأنقاذ في الأراضي المحررة أو نيوسايت . ندرك أن هؤلاء الجنرالات أمراء حرب ولنا قناعة بأن أستمرار الحرب يتسبب كل ساعة في فقدان الكادر البشري الذي نعول عليه في إستعادة بريق ثورة ديسمبر ، فما هو الهدف في عدم توحدنا لأيقاف نزيف الدم ؟ وإذا كانت القوات المتقاتلة هي السبب المباشر في تمزيق الوطن فعدم وحدتنا هو السبب الغير مباشر في أستمرار هذا الدمار . أمام هذا الوضع البالغ التعقيد نقرأ في عدد الميدان 4201، الصادر يوم الخميس 4 يوليو 2024 قبل الأمس ما يلي :
(قلنا ولا زلنا نؤكد أن الحرب العبثية التي تدور في بلادنا، لم تكن وليدة 15 أبريل 2023، وليست فقط معنية بالشأن الداخلي السوداني، إنما جزء لا يتجزأ من مؤامرة إمبريالية هدفها ضرب وتصفية حركة التحرر الوطني في المنطقة، وثورة ديسمبر مثلت رأس الرمح فيها، لذلك فان الهدف الرئيسي لها تصفية الثورة).
الميدان صحيفة مسئولة عودتنا علي قول الحق وهذا ما أكسبها احترام الجماهير. في أول الأمر علمنا أن من أشعل الحرب هو اللجنة الأمنية التي تحاول جاهدة تصفية ثورة ديسمبر وبعد فترة أتي ما يفيد بأن عناصر الهبوط الناعم مشاركين كذلك في هذه الحرب وأخيراً توجهت أصابع الأتهام الي الأمبريالية العالمية ( تم التغاضي عن التدخل الروسي وفاغنروالبحر الأحمر وأمنه) في هذه المؤامرة التي قُصد منها تصفية حركة التحرر الوطني كما جاء في الصحيفة . كيف لنا أن نستوعب ونجد علاقة بين أمريكا دولة (الشر) والدول الأوربية الأخري التي تجتهد وتسعي لوقف هذه الحرب وتدعوا لعقد المؤتمرات وتمارس الضغوط الأقتصادية لكل من تشتبه فيه بأنه يساعد علي أستمرار الحرب وفي نفس الوقت نؤكد أن الأمبريالية التي تقف علي رأسها أمريكا هي التي أشعلت هذه الحرب . الحرب أشعلها المؤتمر الوطني لانه يقف بالمرصاد لثورة ديسمبر التي بادرت وبدأت في تصفية ممتلكاته وامواله التي نهبها من شعب السودان وقدمت للمحاكمة المخلوع البشير وذمرته. وأذا تركنا هذا جانباً وأتفقنا علي ما جاء ذكره بالميدان أن المقصود هو تصفية حركة التحرر الوطني في المنطقة ، اليس هذا سبباً كافياً أن نوحد جهودنا مع تنسيقية القوي الديمقراطية المدنية (تقدم) حتي لا نكون مشاركين في هذه التصفية بمحاولة تكوين جسم آخر أمعاناً في التعنت .

السبت 6 يوليو 2024

حامد بشرى

hamedbushra6@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: التغییر الجذری الحزب الشیوعی النضال من أجل ثورة دیسمبر هذه الحرب

إقرأ أيضاً:

القاهرة الأخبارية: ترامب يواجه واقعًا معقدًا في الملف الأوكراني ويُدرك صعوبة الحل

قال رامي جبر مراسل قناة "القاهرة الإخبارية" من واشنطن، إنّ المكالمة التي جرت مؤخرًا بين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين كانت جيدة، مشيرًا، إلى أن ترامب أوضح بأنها ليست المكالمة التي سيتبعها سلام فوري.

ووصف جبر، في تصريحات مع الإعلامي عمر مصطفى، عبر قناة "القاهرة الإخبارية"، هذه العبارة بأنها تعبّر عن "منتهى الواقعية" من جانب ترامب، الذي أدرك أن الموضوع المتعلق بالحرب بين روسيا وأوكرانيا معقد للغاية، ولا يمكن حله عبر بعض المكالمات الهاتفية، كما كان يعتقد البعض سابقًا.


وتابع مراسل قناة "القاهرة الإخبارية" من واشنطن، أنّ ترامب أشار بوضوح إلى أن بوتين أخبره خلال المكالمة بنيّته "الرد على الهجوم الأوكراني"، وهو ما يعني أننا قد "نشهد تصعيدًا خلال الأيام المقبلة، ربما الليلة أو الليلة التالية".

الهجمات الأوكرانية الأخيرةمونيكا وليم تكتب.. روسيا وأوكرانيا.. المعضلة الأمنية الحتميةوزير الخارجية التركي: روسيا وأوكرانيا اتفقتا على تبادل الأسرىبسبب التصعيد بين روسيا وأوكرانيا.. بريطانيا ترفع جاهزيتها لخوض حرب حديثةانتهاء المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا.. والخارجية التركية: لم تتمخض عنها نتائج سلبيةاشتراطات متبادلة تعقّد فرص الحل الدبلوماسي بين روسيا وأوكرانيا

وذكر، أن لا أحد يعلم التوقيت بدقة، لكن المؤشرات تدل على أن روسيا وبوتين عازمان على الرد على الهجمات الأوكرانية الأخيرة، موضحًا، أن ترامب أراد من خلال طرحه لتفاصيل المكالمة أن يصارح الأمريكيين والرأي العام الدولي، ويُظهر أن الموضوع لم يعد للولايات المتحدة اليد العليا فيه، رغم ما بذله هو شخصيًا، وما بذلته أمريكا من جهود لوقف هذه الحرب.

ولفت، إلى أنّ ترامب شدد خلال حديثه على أن الحرب لا تقف، وأن التصعيد مستمر سواء من الجانب الروسي أو من الجانب الأوكراني، مما يؤدي إلى عرقلة كبيرة لأي مفاوضات أو أي مسار تفاوضي تحدث عنه ترامب أو الإدارة الأمريكية سابقًا، موضحًا، أن النقاش تطرّق أيضًا إلى الملف الإيراني، وخاصة قضية تخصيب اليورانيو"، حيث أكد ترامب لبوتين أن إيران لا يمكنها امتلاك سلاح نووي. 
 

طباعة شارك روسيا أوكرانيا اخبار التوك شو صدى البلد

مقالات مشابهة

  • روسيا تردّ على وصف ترامب للأزمة الأوكرانية
  • نعم لسلام يخلو من الخدعة والغفلة
  • إسرائيل تكشف طبيعة الأهداف التي تهاجمها في لبنان
  • عز الدين الحداد قائد حماس الجديد في غزة.. هل يحمل مفتاح السلام
  • القاهرة الأخبارية: ترامب يواجه واقعًا معقدًا في الملف الأوكراني ويُدرك صعوبة الحل
  • وليد الشيخ الذي لا يكتب عن الحرب
  • ليد الشيخ الذي لا يكتب عن الحرب
  • شمام: الحل المحلي يؤدي إلى التقاسم أو الانقسام
  • نتنياهو: الثمن الذي ندفعه في الحرب باهظ
  • مرشح المعارضة لي جاي ميونغ يفوز بالأنتخابات الرئاسية في كوريا الجنوبية بعد أشهر من الفوضى السياسية