ماذا سيحدث في فرنسا بعد لفظ اليمين المتطرف في الانتخابات؟
تاريخ النشر: 14th, July 2024 GMT
نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريرًا يسلط الضوء على نتائج الجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية الفرنسية في تموز/يوليو 2024؛ حيث حقق التحالف اليساري الجديد فوزًا مفاجئًا على اليمين المتطرف، مشيرًا إلى أن هذا "الانقلاب" السياسي جاء نتيجة تحول في إدراك الناخبين للخطر الأساسي حيث تحوّل التصويت من معارضة ماكرون في الجولة الأولى إلى رفض لوبان وبارديلا في الجولة الثانية.
وقال الموقع في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن الناخبين الفرنسيين فاجؤوا الجميع بمنحهم فوزًا حاسمًا لتحالف الجبهة الشعبية اليساري الجديد في 7 تموز/ يوليو، بينما أنزلوا التجمع الوطني اليميني المتطرف إلى المركز الثالث، والذي كان الفائز المتوقع بعد أن حلّ في المركز الأول في الجولة الأولى من التصويت في حزيران/يونيو.
وفازت الجبهة الشعبية الجديدة بـ188 مقعدًا في الجمعية الوطنية الفرنسية المؤلفة من 577 مقعدًا، بينما حصل حزب الرئيس إيمانويل ماكرون على 161 مقعدًا والتجمع الوطني بزعامة مارين لوبان على 142 مقعدًا.
وكانت هذه مفاجأة ثلاثية، فقد توقع معظم المراقبين وصول اليمين المتطرف إلى السلطة، مع تولي جوردان بارديلا رئاسة الوزراء، والآن تواجه فرنسا احتمال تولي حكومة يسارية السلطة في الأسابيع القليلة المقبلة.
فما الذي حدث إذن؟
أشار الموقع إلى أن السبب الرئيسي لهذا الانقلاب الجذري في التصويت بسيط في الواقع؛ فالجولة الأولى كانت إلى حد كبير تصويتًا مناهضًا لماكرون، بينما كانت الجولة الثانية تصويتًا مناهضًا لـ"لوبان/بارديلا"، وبين التصويتين، تغير الخطر المتصور بالنسبة للغالبية العظمى من الشعب الفرنسي.
لم يعد ماكرون وكتلة يمين الوسط "التجمع" التي أصبحت ضعيفة جدا بالفعل يشكلان خطرًا بالنسبة للناخبين من اليسار، وكذلك اليسار "المتطرف" الذي تجسده شخصية جان لوك ميلينشون المشوهة، وحزبه "فرنسا الأبية"، فقد أصبح اليمين المتطرف مرة أخرى الخطر الواضح.
وبعد الجولة الأولى من التصويت في 30 حزيران/يونيو، صنف كل من ميلينشون ورئيس الوزراء غابرييل أتال، وهما عدوّان لدودان، التجمع الوطني باعتباره عدوهما المشترك الرئيسي.
العزلة السياسية
وأوضح الموقع أنه أعيد تنشيط إستراتيجية التصويت التكتيكية المعروفة باسم "الجبهة الجمهورية" بين عشية وضحاها؛ حيث أبرم التجمع والجبهة الشعبية الجديدة صفقات لسحب المرشحين في المناطق الاستراتيجية لتوفير فرصة أفضل بشكل عام لهزيمة اليمين المتطرف، وقد فعل منطق أهون الشرين فعله السحري؛ حيث تم إقصاء التجمع الوطني من خلال هذه المطرقة المزدوجة.
ووفق الموقع؛ فهناك أيضًا عاملان آخران يفسران الهزيمة المفاجئة لليمين المتطرف، أولًا: السقف المعروف للتجمع الوطني الذي لطالما منعه من الوصول إلى الأغلبية، وهو نابع من إحدى نقاط ضعفه الرئيسية: عزلته السياسية التي تجعل من الصعب على الحزب إيجاد حلفاء لتشكيل تحالفات، وبالتالي توسيع قاعدته الانتخابية.
ثانيا، إستراتيجية "نزع الشيطنة" التي تبنتها لوبان لتحويل ما كان في السابق حزبًا هامشيًا محرمًا إلى منظمة محترمة، عن طريق تجريده من أبشع عناصره وأبعادهم ، وصلت فجأة إلى حدودها الأسبوع الماضي.
ولكن في النهاية، كانت الكتل الثلاث رابحة وخاسرة في آن واحد؛ فقد حصلت الجبهة الشعبية الجديدة على المركز الأول، وتجنبت الكتلة الماكرونية كارثة تامة؛ حيث ستحتفظ بدور محوري في أي ائتلاف مستقبلي، وواصل التجمع الوطني تقدمه وزخمه الثابت، ولكن لم تحصل أي من الكتل الثلاث على الأغلبية (289 مقعدًا).
وبالنظر إلى أن كلًا من القوى الثلاث يعارضها ما يقرب من ثلثي الناخبين أو أكثر، فإن رسالة الشعب واضحة: لا نريد أن يحكمنا أي منكم، ولا نريد أيًا منكم في السلطة، على الأقل ليس وحدكم.
واصطدم اليمين المتطرف مرة أخرى بسقف الثلث، ويبدو الآن أكثر عزلة من أي وقت مضى، أما الجبهة الشعبية الجديدة فهي المنتصر الحقيقي، لكنها تواجه الآن عدة تحديات كبيرة ومستقبلًا غامضًا للغاية.
ائتلاف هش
أولاً، سيتعين على الجبهة الشعبية الجديدة أن تحافظ على تماسك الائتلاف الهش الذي تم تجميعه بين عشية وضحاها لمواجهة اليمين المتطرف، ولن يكون ذلك سهلاً، فعلى الرغم من وجود برنامج حكومي مشترك قوي؛ فإن الجبهة الشعبية الجديدة عبارة عن فسيفساء من الأحزاب والأيديولوجيات والخطوط السياسية المختلفة للغاية - من اليسار الثوري الأحمر العميق المناهض للرأسمالية إلى الديمقراطيين الاجتماعيين "المتوافقين مع الماكرو" ذوي اللون الوردي الباهت.
وأوضح الموقع أنه سيتعين عليها أيضًا أن تقاوم السياسة الإسفينية الساخرة للماكرونيين، الذين يبذلون بالفعل كل ما في وسعهم لتفكيك التحالف من خلال محاولة فصل حزب "فرنسا الأبية"، الذي يعتبرونه "معاديًا للجمهورية"، عن الأحزاب الثلاثة الرئيسية الأخرى (الاشتراكيون والإيكولوجيون والشيوعيون).
واعتبر الموقع أن الأسوأ من ذلك سعى ماكرون ومعسكره الآن إلى تجاهل تصويت الشعب الفرنسي، الذي رفضهم بوضوح ثلاث مرات متتالية في شهر واحد. وبدلًا من الاقتراب من أي من قادة اليسار كرئيس محتمل للوزراء، يسعى هو وحلفاؤه المقربون الآن إلى بناء ائتلاف بديل مع المحافظين، فيما بدأ يبدو وكأنه انقلاب - أو على الأقل إنكار للديمقراطية.
وأضاف الموقع أنه سيتعين على اليسار أيضًا إيجاد حلفاء - أكثر من 100 عضو من المجموعات الأخرى، وخاصة حزب التجمع، لتمرير بعض برنامجه على الأقل. وهذا يعني أنهم سيضطرون إلى وضع الماء في نبيذهم، وإما أن يتخلوا عن وعودهم الرئيسية، مثل زيادة الحد الأدنى للأجور والضرائب على الدخل المرتفع، أو على الأقل تخفيفها بشكل خطير
وشدد الموقع على أنه يجب ألا يكتفي الائتلاف اليساري بتمرير ما يكفي من الإجراءات لإثبات أنه قوة حاكمة جديرة بالثقة وقابلة للاستمرار، بل يجب عليه أيضًا تحسين الحياة اليومية للشعب الفرنسي بشكل كبير وسريع؛ حيث لا يستطيع الكثير منهم تغطية نفقاتهم. إذا لم يحدث ذلك؛ فإن اليمين المتطرف - الذي يزدهر على السخط الشعبي والمصاعب التي يواجهها الشعب الفرنسي، وهو بالفعل في موقع الكمين - سيستفيد من فشله في سنة 2027.
ما ينتظرنا في المستقبل
وأفاد الموقع أن ما يشكل خطرًا آخر هو أن لوبان لا تزال في الواقع في وضع مريح، وتحافظ على ورقتها الرئيسية: كونها "المعارضة الحقيقية الوحيدة" لـ "النظام"، والحزب الوحيد الذي لن يكون قد اختبر في السلطة عندما يحين موعد الانتخابات الرئاسية لسنة 2027.
وبالتالي، لن يعاني اليمين المتطرف، بل على العكس من ذلك، سيستفيد من الفوضى السياسية والمأزق المؤسسي المحتمل الذي ينتظره، إلى جانب الإخفاقات السياسية المحتملة لمن يحكمون.
وقال الموقع إنه ربما يكون التجمع الوطني قد عانى ببساطة من انتكاسة مؤقتة - خطوة إلى الوراء قبل قفزة أكبر إلى الأمام في سنة 2027. ومن الأفضل للحزب ألا يكون في السلطة الآن، خاصة مع وجود فرصة محدودة حتى الانتخابات الرئاسية لإثبات جدارته في حكم البلاد، ولكن، على الأقل، تجنب المسلمون والأقليات العرقية الأخرى أسوأ النتائج في الوقت الحالي. فمع تحول المشهد السياسي إلى اليسار، من المفترض أن يشهد المسلمون والأقليات الأخرى توقفًا مؤقتًا في سلسلة القوانين والمبادرات المعادية للإسلام التي ميزت سنوات ماكرون.
واختتم الموقع تقريره قائلًا إن المناقشات الموصوة والجدل الكاذب حول الزي الإسلامي والعلمانية و"الإسلاموية" وغيرها ستستمر. ومن المرجح أن يقترح المحافظون المتشددون واليمين المتطرف والوسطيون الماكرونيون تدابير قمعية جديدة - ولكن مع وجود الجبهة الشعبية الجديدة كأكبر ائتلاف، سيكون من الصعب تمرير مثل هذه القوانين، متمنيًا أن تمنح السنوات الثلاث المقبلة فرصة للمسلمين والأقليات العرقية الأخرى، الذين قد يتمكنون من التنفس بشكل أفضل في جو أقل سمية وأقل عنصرية وأقل كراهية للإسلام.
للاطلاع إلى النص الأصلي (هنا)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية الانتخابات اليمين المتطرف فرنسا فرنسا الانتخابات اليمين المتطرف صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الجبهة الشعبیة الجدیدة الیمین المتطرف الجولة الأولى التجمع الوطنی على الأقل الموقع أن مقعد ا
إقرأ أيضاً:
الجبهة اليُسرى والبدلاء.. سر فوز «الأبيض» على عُمان
عمرو عبيد (القاهرة)
أخبار ذات صلةتغيّر وجه «الأبيض» في الشوط الثاني من مباراته أمام شقيقه العُماني، إلى كثير من الشراسة الهجومية واللعب المُباشر الحاسم، لينتزع منتخبنا انتصاراً غالياً مُستحقاً، وضع به قدماً في كأس العالم 2026، وتوضّح الإحصاءات الفنية الكثير من الأسباب التي أهدتنا هذا الفوز، لاسيما عودة كوزمين للتركيز على الهجوم من الطرف الأيسر، أقوى أسلحة «الأبيض» في التصفيات.
لتقوده الجبهة اليُسرى إلى تسجيل هدفين والحصول على عدة فرص فائقة الخطورة، مقارنة باللعب كثيراً على الطرف الأيمن في الشوط الأول، الذي لم يقدم نفس النجاح الباهر، وإذا كانت نسب الهجوم عبر الطرفين تبلغ 41% يميناً، مقابل 32% يساراً، فإن حصيلة الشوط الثاني وحده تشير إلى أن هجماتنا عبر الجبهة اليُسرى بلغت ضعف نظيرتها من اليمين، وهو ما صنع الفارق الكبير، خاصة مع تغيير الأفراد وقرارات كوزمين التصحيحية.
كما تبرز نقطة ثانية أكثر أهمية، تتعلق بتعامل لاعبينا مع الثُنائيات والالتحامات، التي كان أغلبها من نصيب «الأحمر» في الشوط الأول، بنسبة نجاح تبلغ 56%، مقابل 44% لمنتخبنا، وهو ما أثّر بصورة سلبية على الهجوم من جانبنا، ومنح عُمان أفضلية دفاعية واضحة، إلا أن كل هذا تغيّر تماماً في الشوط الثاني، لاسيما عقب تغيير «تركيبة خط الوسط»، ليحصد «الأبيض» نسبة نجاح 61%، مقابل 39% لـ«الأحمر» في الشوط الثاني.
وبحسب طريقة لعب عُمان الدفاعية، استحوذ منتخبنا على الكرة دائماً، بنسبة 62% مقابل 38%، لكنها كانت محدودة التأثير الهجومي في الشوط الأول، بعدما اخترق الثُلث الدفاعي للمنافس الشقيق 19 مرة، مقابل 22 لعبة عكسية لعُمان في مناطقنا المتأخرة، وعندما زادت سُرعة التحول الهجومي لدى «الأبيض» في الشوط الثاني، وبات اللعب مُباشراً وسريعاً، اقتحم لاعبونا مناطق الدفاع العُمانية 44 مرة، أي ما يوازي أكثر من ضعف حصادنا في الشوط الأول.
كما تؤكد الأرقام أن منتخبنا كان الأكثر تفوقاً هجومياً وحرصاً على الفوز، بتسديد 10 كرات على مرمى عُمان، مقابل 9 للأخير، واختلفت درجات القرب من المرمى، بتسديد لاعبينا الكرة 4 مرات بين القائمين والعارضة، مقابل 2 لعُمان، كما لمس لاعبونا الكرة 25 مرة داخل منطقة جزاء «الأحمر»، مقابل 21 للأخير في منطقتنا، وكان منتخبنا قد مرر إجمالاً 531 كرة طوال المباراة، مقابل 314 لعُمان.
وبالتأكيد، جاءت تغييرات كوزمين في الشوط الثاني، لتقلب الوضع رأساً على عقب، وسبقها دخول علي صالح في الشوط الأول، وهو من أشعل الجبهة اليُسرى، مع كايو لوكاس، وخفّف «الروماني» من صبغة الوسط الدفاعية، بالاكتفاء بمُشاركة يحيى نادر وحده، التي جاءت «في محلها» حيث حصل على أعلى درجات التقييم من مواقع التحليل العالمية، 7.5/10، ليكون أفضل لاعبي المنتخبين في المباراة، بدقة تمريراته المُرتفعة، 88%، وصناعة فرصة للتهديف، ونجاح مراوغاته بنسبة 100%، وتنفيذه 19 التحاماً بقطع وتشتيت الكرات، بل إن نسبة نجاحه في الثنائيات بلغت 100%.
والمُلاحظ أن جميع اللاعبين البدلاء الذين أشركهم كوزمين، حصلوا على أعلى درجات التقييم، من دون أي استثناء، خاصة علي صالح، ومعه حارب عبد الله وكايو كانيدو، وبالعودة إلى حراسة المرمى، فإن خالد عيسى قدّم تصديين «خياليين»، يُمكن القول أنهما كانا سبب الفوز الغالي، وسيُخلدان في تاريخ الكرة الإماراتية، على طريق التأهل إلى المونديال.