جريدة الرؤية العمانية:
2025-06-10@02:48:39 GMT

أنموذج قائد

تاريخ النشر: 15th, July 2024 GMT

أنموذج قائد

 

 

د. صالح الفهدي

القيادة ليست علماً يُمكن أن يكتسب بمعزل عن الملكات الذاتية، والقدرات الفردية، وإنما هو تكامل بين العنصرين: ذاتي ومكتسب، وإذا كنت قد تحدثت كثيراً عن السمات الأصيلة للقادة الأفذاذ، فقد أتاحت لي المشاركة في برنامج "صنع القرار 11" في كلية الدفاع الوطني، بصفة مستشار للبرنامج، أن ألتقي بأنموذج قائد رأيت فيه سمات القائد الأصيل هو اللواء الركن علي بن عبدالله الشيدي آمر الكلية.

وحيث إنني كنت عضواً في خلية السيطرة التي يرأسها آمر الكلية، فقد لمست عن كثب ما اتصف به هذا القائد الحصيف من سمات جوهرية في شخصيته، وحين أقول (جوهريةً) فإنني أقصد أنها تصدر عن تلقائية، وعفوية ولكنها مؤسسة على قيم ومبادئ ذات عمق، ومعاني، حيث يصبح لكل قرار وكل سلوك وكل عبارة مدلولاتها القيمية التي تجذرت في شخصية هذا القائد الفذ.

لقد جَمَع بين الحزم واللين في شخصيته؛ فالحزم يربطه بعض الناس بالحدة والقسوة في الأمر والسلوك، لكن ذلك الربط غير سليم، ولهذا كان القائد حازماً لكنه حزم المرشد الحصيف، والموجه الكيس، فإن أبدى حزمه، مازجه باللين حتى يصل إلى العقل والقلب معاً، وإن ابدى لينه فهو لين المعلم المحفز الذي يريد من لينه أن يصلح، ويحسن.

لقد شهدته يعمل وفق مبدأ "لكل مقام مقال" وعلى إثر ما يتطلب الموقف يكون الرد الملائم، ويكون التوجيه المناسب، فإن احتاج الموقف إلى تشجيع ومؤازرة أبدى ذلك دون تردد، وإن احتاج الموقف إلى تصحيح، وتقويم بادر كذلك دون تلجلج، فمن المواقف الإنسانية التي أذكرها في هذا المقام أنه شاهد أحد الموظفين عبر الشاشة من قاعة منفصلة وهو يقوم بترتيب الكراسي والطاولات وإعادة القاعة على وضعها الطبيعي وكان وحده لا يعلم أن القائد يطالعه بإعجاب في موقع آخر، فلم يفوت القائد هذا الموقف فأشاد به في حديثه الصباحي، وأبدى إعجابه بما قام به الموظف وذلك عبر حديث متلفز ومنقول إلى جميع القاعات، بل إنه وعد بتكريم الموظف وأوفى بوعده له.

ولولا أن هذا القائد الأنموذج قد تأصلت فيه قيم التشجيع والتحفيز والتكريم لما لفته الموقف، ورأى ما يقوم به الموظف مجرد واجب روتيني، بسيط! لكنه كان يقتنص المواقف الإيجابية خاصةً ليجعلها منطلقاً لتشجيع أتباعه، وتحفيز مرؤوسيه.

وإذا كان من المفترض أن يتجدَّد فكر القائد، فإنني قد رأيت في اللواء الركن علي الشيدي، فكراً يتواكب مع مقتضيات العصر، وليس أدل على ذلك من احتضان الكلية لورشة الذكاء الاصطناعي الثمرة الأحدث من ثمرات الثورة الصناعية الرابعة، هذا الإحتضان ينم عن عقلية تستشرف المستقبل، وتواكب تطوراته، وترافق مستجداته، وذلك ما يبعث في المرؤوسين الروح الوقادة في هذا الفضاء الحديث.

كما أنني لمستُ في شخصيته، وهو يوجه ملاحظاته أنه من المحفزين للتفكير خارج الصندوق، وما الصندوق إلا الأفكار التقليدية التي تحوم حول نفسها، فتكرر صورها ومعانيها، بينما الخروج يعني الإنطلاق إلى فضاءات حافلة بالجديد المستحدث الذي يدل على ملكات العقل البشري بشرط أن يثق في قدراته، ويشحذ قواه الفكرية.

ومما لمسته كذلك في شخصية هذا القائد الأريب، حرصه على دقة التفاصيل، ومراجعتها، لأن التفاصيل هي التي تكون المعرفة؛ فهي جوهرها ومنشؤها، وقد كفلت له هذه الخصلة نجاح التنظيم للدورات والورش والبرامج والمناسبات المختلفة، وقوة المنهج الاستراتيجي، وأنقل عنه مقولته أن مراجعة الشخص للمادة التي يقدمها للناس مراجعةً دقيقةً، وتكثيف الإطلاع عليها يكفل له ما نسبته 75% من نجاح تقديمه، ولا شك بأنه ترك ما تبقى للعوامل الشخصية الأخرى.

إنَّنا حين نسلط الضوء على شخصية قائد حكيم، فإن ذلك يأتي في إطار إبرازنا للقدوات الفاضلة التي نفخر بها في مجتمعنا العماني، ثم لتكون هذه الشخصيات بما تملك من قيم نبيلة، ومباديء أصيلة قدوات يتأسى بها أبناء عمان، لأن بناءها جاء بعد خوض مرير في معترك الحياة، ومجاهدة مضنية في شتى التجارب، فجمعت بين الدربة والدراية، وبين التجربة والخبرة، وبين الحكمة والقرار.

كما إننا حين نعايش شخصيةً كشخصية اللواء الركن علي بن عبدالله الشيدي، فإن من الواجب المحتم علينا أن نقول كلمةً، وإن كانت غير وافيةً للحق، لكنها ملزمةً، لنبين أثر هذا القائد الأنموذج وغيره من القادة كل في ميدانه ومضماره هم من يضربون أروع الأمثلة في الإخلاص والتفاني والولاء والصدق والأمانة لوطنهم العزيز، وسلطانهم المعظم، فهم نجوم أوطانهم، وهم منارات دروبهم، وهم أمارات المجد والسؤدد والفخر فيه.

تحية عظيمة للقائد الأنموذج اللواء الركن علي بن عبدالله الشيدي آمر كلية الدفاع الوطني، فهو ممن يستحق الثناء والإشادة والتقدير.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

القيادة الذكية في عصر التحول الرقمي

 

 

د. سعيد الدرمكي

في عصر يشهد تحولات رقمية غير مسبوقة، لم تعد القيادة تقتصر على الخبرة أو الكفاءة الإدارية فقط، بل باتت تتطلب وعيًا رقميًا عميقًا ورؤية استشرافية تدمج بين التقنية والقيم الإنسانية. أصبح الذكاء الاصطناعي ركنًا أساسيًا في بيئة العمل، ما يضع القائد أمام مسؤولية جديدة: قيادة التقنية لا الخضوع لها. لكن ما الذي يعنيه هذا فعليًا للقائد؟

القيادة الذكية ليست مجرد تحديث للدور التقليدي. إنها تحول استراتيجي يجمع بين الرؤية المستقبلية والتقنيات الحديثة في اتخاذ القرار. ومع تسارع التغيرات التكنولوجية، أصبحت المرونة الرقمية ضرورة، إذ يُتوقع من القادة التكيف السريع وتوظيف الذكاء الاصطناعي والتحليلات الرقمية لتحقيق نتائج فعّالة. كما بات القائد محفزًا للابتكار، وموجهًا للتحول الرقمي، وضامنًا للأخلاقيات الرقمية في بيئة ديناميكية ومعقدة.

الذكاء الاصطناعي يُعد أداة استراتيجية تمكّن القادة من توسيع قدراتهم، لا استبدالهم. فهو يمنحهم رؤية أعمق لتحليل الاتجاهات المستقبلية وفهم ديناميكيات السوق بشكل استباقي، مما يعزز قدرتهم على التخطيط طويل المدى. كما يدعم اتخاذ القرارات المعتمدة على بيانات دقيقة بدلاً من الحدس فقط، مما يرفع من جودة القرار وسرعته. ويُستخدم أيضًا لتحسين تجربة الموظفين من خلال تخصيص الحلول وتعزيز الكفاءة التشغيلية باستخدام الأتمتة والتحليلات الذكية.

التحول من القائد الإداري إلى القائد التحويلي يعكس نقلة نوعية في الفكر القيادي. فالقائد الرقمي يعتمد على البيانات والتقنيات الحديثة لاتخاذ قرارات استباقية، بخلاف القائد التقليدي الذي يركّز على الإدارة الروتينية. والأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل يتعداه إلى إرساء ثقافة تشاركية تدمج بين الذكاء الاصطناعي والحدس البشري، وبين الابتكار والحوكمة.

القيادة الرقمية تتطلب مرونة وفطنة تقنية وقدرة على التفاعل مع فرق هجينة وبيئة متغيرة. لم يعد دور القائد يقتصر على التنظيم والمراقبة؛ بل أصبح محفزًا للتغيير وموجهًا للابتكار، مدعومًا بأدوات تحليلية تمكّنه من اتخاذ قرارات سريعة وشفافة، مما يعزز ثقافة الابتكار ويُفعل دور الفريق بشكل أكثر تشاركية.

تواجه القيادات العليا في عصر الذكاء الاصطناعي تحديات معقدة، أبرزها تضخم البيانات التي تتجاوز قدرة التحليل البشري، مما يستدعي أدوات ذكية وفهمًا عميقًا للسياق. كما أن الانحيازات الخفية في الخوارزميات قد تؤدي إلى قرارات غير عادلة إن لم تُراجع بوعي نقدي. وتفرض المنظمات الذكية إعادة توزيع الصلاحيات، حيث تنتقل بعض المهام إلى الأنظمة، مما يستوجب من القادة إعادة تعريف الأدوار والحفاظ على توازن فعّال بين الإنسان والتقنية.

في بيئة الأعمال المستقبلية، تتطلب القيادة الذكية مجموعة من المهارات الأساسية لضمان النجاح والاستدامة. من أهمها الفطنة الرقمية، أي فهم الأدوات والتقنيات الرقمية وقدرتها على خلق قيمة. كما يحتاج القائد إلى مهارة استشراف المستقبل، التي تمكّنه من التنبؤ بالتغيرات واتخاذ قرارات استباقية. وتشمل المتطلبات أيضًا القدرة على إدارة فرق هجينة تجمع بين البشر والأنظمة الذكية. ولتحقيق ذلك بفعالية، لا بد من دمج الذكاء الاصطناعي ضمن الخطط الاستراتيجية للمؤسسة لضمان توافق التقنية مع الرؤية والأهداف طويلة المدى.

القيادة الذكية في عصر الذكاء الاصطناعي لا تقتصر على الكفاءة التقنية، بل تتطلب وعيًا أخلاقيًا يضمن العدالة والشفافية وحماية الحقوق. على القائد أن يضع ضوابط واضحة لاستخدام الذكاء الاصطناعي، مستفيدًا من مبادئ الحوكمة الرقمية التي تشدد على الشفافية والمساءلة.

كما أن مسؤولية الخوارزميات تُعد توجهًا حديثًا يلزم القادة بمراجعة مخرجات الأنظمة الذكية وتفادي الانحياز، خاصة في قرارات التوظيف والتقييم. وهنا تبرز أهمية البعد الإنساني، إذ لا تكفي دقة القرار ما لم يكن عادلًا وأخلاقيًا.

فعلى الصعيد العالمي، توظف شركات مثل أمازون ومايكروسوفت الذكاء الاصطناعي لتحسين الكفاءة، والتنبؤ بالسلوك، وتعزيز تجربة العملاء. إقليميًا، يُعد مشروع أرامكو مثالًا بارزًا في توظيف التحليلات الذكية لرفع الإنتاجية وخفض التكاليف، كما بدأت بنوك وطنية في سلطنة عُمان بتوظيف هذه التقنيات لتعزيز الأداء وتطوير الخدمات. هذه النماذج تؤكد كيف تُمكّن القيادة الذكية من استثمار التحول الرقمي في خلق فرص حقيقية للابتكار.

تركز توصيات القيادة الذكية على تمكين القادة من الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في دعم التحول المؤسسي. ويشمل ذلك إدماج الذكاء الاصطناعي في نموذج القيادة ليصبح جزءًا من التفكير وصنع القرار، وتطوير استراتيجيات تعزز ثقافة رقمية تفاعلية بين الموظفين، إضافة إلى تضمينه في برامج إعداد القادة الجدد ليكونوا قادرين على قيادة المستقبل برؤية رقمية.

في ختام الحديث عن القيادة الذكية والذكاء الاصطناعي، يتبيّن أن الذكاء الاصطناعي ليس تهديدًا لدور القائد، بل فرصة استثنائية لتعزيز فعاليته، بشرط أن يُستخدم بوعي وبصيرة إنسانية. فالتقنية وحدها لا تصنع قرارات حكيمة، بل تحتاج إلى عقل قيادي قادر على توجيهها نحو الأهداف النبيلة. القيادة الذكية لا تستغني عن القيم الإنسانية، بل ترتكز عليها، وتستخدم الأدوات الذكية لتوسيع أثرها وتحقيق التوازن بين الكفاءة والتعاطف.

مقالات مشابهة

  • اللواء العوامي يعايد المرابطين في المنطقة المركزية وجبهة مأرب وألوية الأنصار
  • وزارة الدفاع الليبية تعلن ضبط الموقف في طرابلس عقب خرق للهدنة
  • القيادة الذكية في عصر التحول الرقمي
  • بن حبتور: التحديات التي تواجه اليمن جعلت اليمنيين يقفون خلف قائد الثورة
  • الدويري: المقاومة بغزة تقود حرب استنزاف تختلف عن تلك التي قادتها الجيوش العربية
  • ولي العهد رمز الروح الاردنيه
  • تفقد أحوال الجرحى بمستشفى الشرطة بصنعاء
  • وفاة قائد اللواء التاسع مشاة العميد محمد الغولي
  • شرطة دبي تنظّم ورشة تعريفية حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي
  • بالصور: قائد المحور الشمالي يعايد المرابطين في الصليف ورأس عيسى والعرج بالحديدة