في الفترة الأخيرة انتشرت مسابقات في أحد برامج التواصل الاجتماعي كأن يقوم صاحب المسابقة بجمع مبالغ الجوائز من الشركات، ويقول للناس حتى تفوزوا بالسيارة تابعوا حساب الشركات وأرسلوا ما يثبت أنكم قمتم بهذه المتابعة. فما حكم هذه المسابقات؟ وما حكم الفوز بهذه الجوائز؟

أما بالنسبة للمتسابق فلا يظهر إشكال؛ لأنه لم يدفع شيئا من المال، فالجوائز مقدمة من الشركات التي تسعى من وراء ذلك إلى كثرة المتابعين، لأنها تحصل على عوائد من هذه المتابعات، كأن تروج لمنتجاتها، فلا يظهر لنا مانع شرعي، ونحن نتحدث عن شركات نشاطها موافق لشرع الله تبارك وتعالى متقيدة بأحكام الشرع ولا نتحدث عن شركات تقدّم منتجات محرمة، أو أنها في تقديمها لمنتجات مباحة لا تدعو إلى الإغراء بالإسراف والتبذير، وإنما هو تعريف في حدود المنافسة المشروعة، إذن هذه الضوابط لا بد أن تكون معلومة حتى لا يعمم الجواب على أي شركة كانت وبقطع النظر عن نشاطها وأعمالها وطريقة ترويجها لتلك الأعمال.

وألا تكون لهذه الشركات علاقة بالصهيونية. فبعض هذه المنصات مهمة لأن لديها ملايين المتابعين الذين يجب تعريفهم بقضايا الأمة وبالشركات الداعمة والشركات الأخرى البديلة. كما أن استخدام هذه المنصات في الترويج ينبغي أن يقتصر على الحد الأدنى وفي عموم الترويج، وإلا فينبغي التقليل من استعمالها. والله تعالى أعلم.

انتشرت في الآونة الأخيرة مسابقات تقوم على المنافسة في موضوعات معينة، كأفضل خطيب أو أفضل منشد أوغيرها، وتقوم المسابقة في تقييمها على شقين، الشق الأول لجنة تقييم المتسابقين، والشق الثاني يقوم على التصويت من المتابعين، ويكون التصويت برسائل نصية، وتكون الرسالة بسعر أعلى من المعتاد، فمثلا سعر الرسالة العادية بعشر بيسات ورسالة التصويت بخمسمائة بيسة أو بريال فما حكم هذا التصويت وهل يدخل في باب القمار والميسر؟ وهل هناك فرق فيما إذا كانت الأموال المتحصلة تدخل في جوائز الفائزين أو لا تدخل؟ وهل لمشاركة الفائز في التصويت أثر في الحكم أيضا؟

يظهر لنا أن هذا النوع من المسابقات وبهذا الوصف به شبه شديد بالقمار والميسر؛ ذلك أن هؤلاء المتسابقين في حقيقة الأمر سيدعون أقاربهم وإخوانهم وأسرهم، وستقوم أسرهم بدعوة الناس إلى التصويت لمرشحهم المتقدم لهذه المسابقة فيبذلون الأموال في سبيل الحصول على الجائزة، ومن هنا يأتي الشبه بالقمار؛ فكل المتسابقين يفعلون ذلك، ولن تجد للأسف الشديد إنصافا أو تحريا للأمانة في تقييم المتسابقين، فتقوم حملات التصويت هذه على دفع الأموال في سبيل الحصول على الفوز، وهذا المحذور الأول.

والمحذور الثاني في مثل هذا النوع من المسابقات هو أن المصوّت لاختيار الأفضل ينبغي أن يكون شاهدا، والشهادة لا بد أن تؤدى بكل أمانة وإنصاف وعدالة؛ فينبغي عليه التصويت للأصلح المستحق للفوز حسب المعايير العلمية المعمول بها في المسابقة، وعليه أيضا أن يتحرى الأفضل بقطع النظر عن كونه قريبا له؛ فهو يؤدي شهادة وعليه أن يشهد لمن يرى أنه الأفضل بناء على أسس ومعايير ومستند يستند إليه، لا لأنه فرد في أسرته أو لأنه قريب له أو لأنه من قبيلته أو غير ذلك من الأسباب.

لكن الحاصل وما هو قائم في هذه المسابقات فتجد أن الناس تدعو إلى من يمثلها بقطع النظر عن مستواه بالنظر إلى غيره، ففي هذا تعويل على مخالفة أسس أداء الشهادة وفي مثل هذه القضايا قد يحصل في النفوس ما يحصل من جراء ذلك، فإذا كان هناك دفع للمال، فهو مخالفة لأسس العدالة؛ لأنه لو كانت مسألة الشهادة للمستحق فعلا فلا حاجة إلى أن يتولى الداخلون في المسابقة أو كما قلت من يمثلهم من أسرهم وأقاربهم، الترويج والإعلان وحث الآخرين على الدفع والتصويت، ولعلهم يدفعون أموالا في مقابل تحمل قيمة الرسالة التي قد تصل إلى آلاف الريالات، وقد تكون بعض المسابقات في بداياتها ويُدفع فيها أموال طائلة، فننظر ما الذي سيحصل فيما بعد.

ولذلك فإن القول الأسدّ الذي نراه هو منع مثل هذا الدفع، ويمكن أن يلجأ إلى لجنة التحكيم أو أن يكون التصويت وآراء الناس منصفة، ولا حاجة إلى أن تكون قيمة رسائل التصويت مختلفة عن قيمة الرسائل العادية حتى نزيل هذه الشبهة، وأن يصحب تلك الدعوة تحري الدقة والأمانة في اختيار من يصوتون له. والله تعالى أعلم.

ما صحة هذا الحديث: «لا يأتي عام إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم»؟

الرواية الشهيرة عند الإمام البخاري، والحديث عن طريق أنس بن مالك، قال: «لا يأتي زمان إلا والذي يأتي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم» وفي رواية «لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه» وفي رواية «أشر منه» بالهمزة حتى تلقوا ربكم، فالحديث صحيح واختلف أهل العلم في توجيهه اختلافا كبيرا، فمنهم من قال: إن المقصود بذلك هو ما يتعلق بالعلم والعلماء، فالله تعالى يقبض العلماء فينتشر الجهل فيكون كل زمان أسوأ مما قبله لقلة العلماء وندرتهم فيه، ولكن سياق الحديث يردّ هذا المعنى مع أن أكثر شراح الحديث ينصّون على هذا المعنى، وظني أنهم ينصّون على هذا المعنى فرارا متعمدا من السياق الذي ورد فيه، فإن السياق ورد أن نفرا اشتكوا إلى أنس بن مالك رضي الله عنه مما يلقونه عن الحجاج، فقال لهم: اصبروا فإنه «لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم» فالحديث يتعلق بالولاة والحكام فلا ينبغي أن يخرج عن سياقه، أو على أقل تقدير ألا يلتفت إلى المناسبة التي وردت فيه. وأفضل الوجوه التي يمكن أن يحمل عليها الحديث بأي معنى من المعاني سواء قلنا إن المقصود ما يتعلق بالولاة والحكام أو أن المقصود هو ما يتعلق بالعلم والعلماء أو أن المقصود هو ما يتعلق بعموم أحوال الناس، فأفضل الوجوه أن يقال إن هذا الوصف وصف أغلبي، فهو وصف للمجموع لا للجميع، فهذا هو الشأن في عموم أحوال الناس عموما، لكن لا يعني ألا يظهر في زمان متأخر من هو أفضل أو أن يكون الحال أفضل ممن تقدمه، فتوجد في الأفراد صور مستثناة تحصل لعموم هذه الأمة، وضربوا لذلك مثالا حتى فيما يتعلق بمناسبة الحديث أن عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه خير ممن تقدمه من حكام بني أمية، وهو متأخر عن الحجاج، فلما سئل أنس عن ذلك، قال: لا بد للناس من تنفيس، فهذا التنفيس يكون خيرا مما قبله.

إذن الوجه الأول هو أن هذا الوصف هو وصف أغلبي للمجموع فلا يلزم منه أن يكون الحال كذلك في كل مكان وفي كل وقت، فقد يوجد مكان فيه جيل يكون خيرا ممن قبله، من حيث الصلاح والهدى والرشد والعلم والإقبال على طاعة الله تبارك وتعالى، وإن كان في محيط يغلب عليه الشر، أو أن يكون زمان - يعني قد يكون الاستثناء لا في المكان وإنما في الزمان - توجه المسلمين وصحوتهم وإقبالهم خيرا مما قبله تنفيسا للمسلمين، وهذا الوجه الأول الأشهر في حمل ما جاء عليه الحديث، كذلك الحال إذا قيل فيما يتعلق بالعلم والعلماء فيجري عليه ما قيل فيما تقدم.

لكن هناك ملحظ وهو أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم ينف الخيرية عن هذه الأمة؛ ففي بعض الروايات أنه عليه الصلاة والسلام قال: «أمتي كالغيث لا يدرى أوله خير أم آخره» وفي رواية أخرى والرواية حسنها كثير من أهل العلم بل صححها بعضهم، قال: «إن الله ليبعث على هذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها» فإن الحال يستمر من سيء إلى أسوأ. يخالف ما يدل عليه هذا الحديث أن الله تبارك وتعالى يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد في هذه الأمة أمر دينها. فغاية ما يمكن أن يوجه له الحديث هو ما تقدم، أن هذا باعتبار المجموع وأنه في عموم أحوال المسلمين وفي الحكام والولاة على وجه الخصوص، وأن ذلك لا ينفي أن يوجد في مكان ما أو في زمان ما جيل يكون خيرا ممن تقدمه، وأن توجد أحوال خيرا مما تقدمها، وفي كلٍ فإن على المسلمين أن يجدّوا ويجتهدوا ويقبلوا على الله تبارك وتعالى وأن يأمروا بالمعروف وأن ينهوا عن المنكر وأن يستبشروا. والله تعالى أعلم.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الله تبارک وتعالى هذه الأمة إلا والذی ما یتعلق أن یکون لا یأتی

إقرأ أيضاً:

بر الزوجة بعد الوفاة.. سنن نبيلة لاستمرار المودة والوفاء

في إطار الحفاظ على الروابط الإنسانية والروحية بين الزوجين، ورد سؤال إلى دار الإفتاء المصرية حول كيفية بر الزوجة بعد وفاتها، وهل يجوز للزوج أن يتصدق عنها أو يقوم بأي عمل من أعمال الخير لها.

 

مظاهر بر الزوجة بعد الوفاة

جعل الإسلام المودة والرحمة أساس العلاقة الزوجية، وأكد على استمرار الإحسان حتى بعد الوفاة، فقد جاء في القرآن الكريم:﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم: 21]

كما حث الشرع على عدم نسيان فضل الزوجة والاعتراف بالخير الذي قدمته:﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ [البقرة: 237]

وتُظهر السنة النبوية العديد من الأمثلة التي تثبت استدامة المودة والوفاء، مثل ذكر النبي ﷺ لزوجته السيدة خديجة رضي الله عنها بعد وفاتها، وإكرامه لأقربائها وأصدقائها. عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت:"ما غرتُ على امرأة ما غرتُ على خديجة من كثرة ذكر رسول الله ﷺ إياها".

كما كان النبي ﷺ يُكثر الدعاء والاستغفار لها، ويكرم من كانت تحبهم وتربطهم بها صلة. وهذه الممارسات تعكس قيمة حسن العهد وحفظ الود بين الزوجين حتى بعد الموت.

 

التصدق عن الزوجة بعد الوفاة

أوضحت دار الإفتاء أن التصدق عن الزوجة بعد وفاتها جائز، ويعد من صور البر التي تصل ثوابها للميت، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ:«إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له» [رواه مسلم]

وأكد علماء الإسلام على جواز التصدق عن الميت وانتفاعه بثوابها، ومنهم:

الإمام الزيلعي الحنفي: "الإنسان له أن يجعل ثواب عمله لغيره… ويصل ذلك إلى الميت وينفعه".

الإمام ابن عبد البر المالكي: "الصّدقة عن الميت مجتمع على جوازها لا خلاف بين العلماء فيها".

الإمام النووي الشافعي: "أجمع المسلمون على أن الصدقة عن الميّت تنفعه وتصله".

العلامة البهوتي الحنبلي: "وكل قربة فعلها مسلم وجعل ثوابها لمسلم حي أو ميت حصل، مثل الصدقة أو الدعاء أو غيره".

وبالتالي، يجوز للزوج أن يبر زوجته بعد الوفاة بكل ما يحقق البر: بالثناء، والذكر الحسن، والدعاء، والاستغفار، أو بالتصدق عنها، أو حتى بإهداء ثواب عبادة قام بها.

 

 البر طريق للوفاء المستمر

يظهر مما سبق أن الإحسان للزوجة بعد الوفاة أمر مشروع، مستمد من القرآن والسنة، ويُعد امتدادًا للمودة والوفاء بين الزوجين. ويتيح للزوج فرصة للتعبير عن الاحترام والحب، واستمرار الخير الذي قدمته الزوجة في حياتها، من خلال الدعاء، والاستغفار، والتصدق، أو أي عمل صالح يُهدى ثوابه لها.

بهذه الصورة، يصبح الوفاء بالزوجة بعد الوفاة ليس فقط شعورًا إنسانيًا راقيًا، بل عبادة تتقرب بها النفوس إلى الله وتستمر فيها البركة والخير.

زكاة مال الإيجار المُقدَّم.. الإفتاء توضح الحالات الجائزة للصرف على المحتاجين للسكن دار الإفتاء تواصل قوافلها إلى شمال سيناء اختتام امتحانات الدور الأول لطلاب الفرقة الثانية ببرنامج تدريب الوافدين بدار الإفتاء "الصداقة الشباب والفتيات".. دورة مكثفة مجانية تقدمها دار الإفتاء "الإفتاء" تعلن عن دورة مجانية للشباب لمواجهة الإدمان الخفي والإباحية سبب إنشاء المركز الإعلامي بدار الإفتاء المصرية دار الإفتاء: الربا محرّم في كل الشرائع حكم صيام شهر رجب.. الإفتاء تجيب

مقالات مشابهة

  • المفتي العام لأستراليا ونيوزيلندا: ندين بشدة هجوم شاطئ بوندي الإرهابي والجبان
  • كيف أبر زوجتى بعد موتها؟
  • مساعد المفتي العام يُكرِّم الفائزين في مسابقة القرآن الكريم بنخل
  • بر الزوجة بعد الوفاة.. سنن نبيلة لاستمرار المودة والوفاء
  • فتاوى وأحكام | أصلي سنة الفجر بالبيت أم المسجد؟.. هل كل إنسان له قرين؟.. هل تحدث علامات الساعة كلها في يوم واحد؟
  • إيلون ماسك يجيب عن سؤال: هل تؤمن بوجود الله؟
  • فتاوى وأحكام| وقت قراءة سورة الكهف يوم الجمعة وفوائدها.. حكم اصطحاب الأطفال لصلاة الجمعة.. هل يصح ترك صلاة الجمعة بسبب البرد الشديد والمطر؟
  • تلاعب بالدين وكذب على الله.. استنكار ورفض لعودة فتاوى الإخوان ضد الجنوب
  • عمرو أديب : الله يكون بعونك يا مو