التحول للكهرباء الطريق الأمثل لتحقيق كفاءة الطاقة
تاريخ النشر: 14th, December 2025 GMT
حسونة الطيب (أبوظبي)
من المتوقع أن تساهم مكاسب إنتاج الكهرباء في خفض الطلب النهائي على الطاقة بما يقارب 25٪ على مدى الخمس وعشرين سنة المقبلة، بصرف النظر عن إمكانية مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
وظلت الزيادة في استخدام الطاقة، ضرورية في تقدم البشرية، حيث ارتفعت نسبة الاستهلاك منذ العام 1800، بنحو 30 مرة، ما نجم عنه تغيير في مستويات المعيشة، بحسب فاينانشيال تايمز.
وارتفع الاستهلاك النهائي للطاقة «قياس الطاقة عند نقطة الاستخدام مثلما في الأجهزة الكهربائية والسيارات»، بنسبة سنوية قدرها 1.8٪، بينما ارتفع الناتج المحلي الإجمالي العالمي، 3.4٪.
وبزيادة مستوى الرفاهية خاصة في العديد من الدول النامية، زاد معها الطلب على الخدمات المرتبطة بالطاقة «الكهربة»، حيث من المرجح، زيادة معدل السفر الجوي والتبريد، بنحو 150٪ بحلول العام 2050، بينما ترتفع حركة المرور على الطرقات بنحو 70٪.
وإذا كانت الطاقة التي تدعم هذا النمو مستمدة من الوقود الأحفوري فإن سوء التغير المناخي، سيرجح بكفة الفوائد الناجمة عن نمو الخدمات المرتبطة بالطاقة. لكن تساعد عملية الكهربة، في تلبية ذلك الطلب دون حدوث أي انبعاثات كربونية وتقليص مُدخلات الطاقة بنسبة ربما تصل لنحو 25٪.
لذلك، من الضروري، بناء نظام جديد خالٍ من انبعاثات الكربون ويقوم كلياً على الكهرباء، الشيء الذي أصبح ممكناً وبتكلفة قليلة، وتوفر الطاقة الشمسية والبطاريات كهرباء على مدار الساعة في العديد من الدول حول العالم وبأسعار أقل من تلك المولدة سواء بالفحم أو الغاز كما وجدت دول أخرى الحل في تبني طاقة الرياح والنووية كخيار مجدٍ اقتصادياً.
وفي حين تقلل زيادة التكلفة في بناء محطات توليد جديدة تعمل بالطاقة النووية في أميركا وأوروبا من قوتها التنافسية نجحت الصين والهند وكوريا الجنوبية، في تبنيها بتكلفة أقل كثيراً.
وبتبني كهرباء خالية من الانبعاثات الكربونية يمكن للسيارات الكهربائية القضاء على التلوث النابع من الطرقات وتشكل الكهربة، عاملاً أساسياً لتحقيق كفاءة الطاقة، وتقليص الطلب النهائي العالمي بنسبة تصل لنحو 24٪ في غضون 25 سنة، بصرف النظر عن مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
تتميز التطبيقات الكهربائية بكفاءة أعلى بكثير بالمقارنة مع نظيراتها العاملة بالوقود الأحفوري، وبينما تحول محركات الاحتراق الداخلي، 25٪ فقط من الطاقة الكيميائية في الغاز أو الديزل، إلى طاقة حركية في العجلات وتتحول 75٪ منها إلى طاقة مهدرة تستهلك المركبات الكهربائية 90٪ من الطاقة المُدخلة لتشغيل العجلات ولا تهدر سوى 10٪ فقط.
وعند توليد الكهرباء بالوقود الأحفوري تُهدر بين 40 إلى 65٪ من الطاقة المُدخلة في شكل حرارة، بينما تكاد النسبة لا تُذكر في الموارد الأخرى من شمسية ورياح وكهرومائية ويدعي المعارضون، للحد من التغير المناخي، أن تحقيق صفر درجة من الانبعاثات الكربونية مستحيلاً، لأن الوقود الأحفوري يشكل 80٪ من إمدادات الكهرباء الحالية.
تتوفر المساحات لإنشاء مزارع الطاقة الشمسية أو للحصول على الموارد المعدنية لدعم اقتصاد قائم على الكهرباء، لكن ولتحقيق درجة الصفر من الانبعاثات بحلول منتصف القرن الحالي، يبدو ذلك أكثر سهولة إذا تمكنا من تقليص الاستثمارات الكلية المطلوبة لتوفير إمدادات الطاقة الشمسية أو الرياح وشبكات الكهرباء ومحطات الطاقة النووية.
ويساعد تقليص التكلفة عبر الابتكارات التقنية وتحسين الكفاءة والتخطيط لبنية تحتية أكثر ذكاءً، في تسريع نشر الطاقة النظيفة على أوسع نطاق، ما يمكّن من التحول لنظام طاقة مستدام في كافة أنواع الاقتصادات.
ولا تقتصر فوائد الكهربة على، تحقيق مستقبل حافل بالخدمات الكهربائية الخالية من الانبعاثات الكربونية فحسب، بل تتعداها لتحول أسرع وأقل تكلفة للطاقة. أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
إقرأ أيضاً:
المنصات العائمة تحول بنيوي لمصادر النفط والغاز بدأ عام 1897
لم يكن البحر يوما مجرد صفحة زرقاء على الخرائط، بل هو مسرح صامت تتراكم فوقه أسئلة أكثر من زبده، والمهندسون الذين مدوا ركائز خشبية لأول رصيف بحري قبالة سواحل كاليفورنيا عام 1897 لم يدركوا أنهم فتحوا فصلا جديدا في تاريخ الصناعة.
تبلور هذا الحلم بعد نصف قرن، حين حفرت شركة الطاقة الأميركية العريقة "كير ماكجي" أول بئر بحرية كاملة خارج مدى الساحل في خليج المكسيك عام 1947.
بعد ذلك بعامين، شُيّدت مدينة "نفت داش لار" الطافية في بحر قزوين، التي تعد أول مدينة نفطية بحرية في التاريخ، وبُنيت فوق شبكة من المنصّات المتصلة بجسور حديدية، تضم طرقا ومساكن وورشًا ومرافئ صغيرة، مما جعلها أول بنية صناعية متكاملة تُقام بالكامل لتكون عائمة فوق البحر.
شكّلت هذه المدينة التي أنشأها الاتحاد السوفياتي وتقع اليوم في أذربيجان، نقطة تحول حقيقية نقلت صناعة النفط من أطراف اليابسة إلى قلب المحيطات، حينها أُعلن رسميا عن تحول البحر من هوامش الخرائط إلى قلبها.
تساؤلاتفي ظلال هذا المشهد ظهر تناقض صارخ في الجانب القانوني، فكيف للتكنولوجيا أن تنزل إلى 3000 متر تحت الماء، في وقت يقف فيه القانون الدولي عند مستوى السطح.
وبدأ هذا التناقض في التبلور من خلال حادثة "ديب وورتر هورايزن" عام 2010، التي لم تكن مجرد حادث تسرب نفطي بسيط، بل كانت لحظة كشفت للعالم أن البحر حين يثور يضع الدولة والشركة المُشغلة والقانون الدولي الذي لم يواكب التغيرات في اختبار واحد.
وهنا تطرح أسئلة عدة، منها من يحكم الأعماق؟ ومن يتحمل الثمن عندما تتحرك التيارات أسرع من التشريعات، وتخطئ التكنولوجيا، ويختل التوازن بين الإنسان والبحر؟
تعمل هذه المنصات ضمن منظومة قانونية صيغت في زمن لم يعرف بعد ماذا كان يعني "الحفر في اللامكان"، والآن تمتلك الشركات معدات تتحدى قوانين الفيزياء، في حين لا تستطيع الدول مساءلتها.
إعلانصناعة تتحرك بسرعة المستقبل، بالمقابل لا تزال قوانين ضبطها عالقة في ذاكرة القرن الماضي، من هذه الخلفيات يبدأ التحقيق رحلة إلى قلب صناعة لا تُرى لكنها تُحرك العالم.
لم يعد التحول في قطاع الطاقة مسألة تقنية أو استثمارية محضة، بل أصبح عنصرا بنيويا في إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية العالمية.
فالمعطيات تشير إلى انتقال تدريجي وعميق في مركز الثقل الطاقي من اليابسة إلى البحار، وما يحمله ذلك من انعكاسات مباشرة على توازنات القوة وأنماط النفوذ، ومفهوم السيادة بحد ذاته.
وتظهر آخر البيانات المنشورة عن إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن الإنتاج النفطي البحري شكّل في عام 2015 نحو 30% من إجمالي الإنتاج العالمي، استنادا إلى بيانات إنتاج النفط الخام من الحقول البحرية والبرية على السواء.
من جهته ذكر معهد الأبحاث الفرنسي المستقل "آي دي دي آر آي" (IDDRI) أن البحار تؤمن قرابة ثلث إنتاج النفط العالمي ونحو ربع إنتاج الغاز الطبيعي. وهذا المركز متخصص في التنمية المستدامة والطاقة والعلاقات الدولية، وتعد تحليلاته مرجعًا معتمدا في الأوساط الأكاديمية وصنع السياسات الأوروبية.
وفي السياق، تظهر قواعد بيانات مرصد الطاقة العالمي "غلوبل إنرجي مونيتور" أن غالبية المشاريع التي دخلت مراحل التطوير في عام 2024 كانت مشاريع بحرية، وأن الاكتشافات الجديدة الأكبر من حيث حجم الموارد القابلة للاستخراج تتركز في البيئات البحرية.
ويقدم المرصد توصيفا دقيقا لمواقع المشاريع وطبيعتها ومراحلها التطويرية، مما يسمح بتحول استثماري مؤكد نحو البحار.
أوروبا تتحولتظهر تحليلات صادرة عن الوكالة الدولية للطاقة أن أوروبا أعادت تشكيل بنية إمدادات الطاقة منذ عام 2022، وتَمثّل هذا التحول في الابتعاد عن الإمدادات البرية الروسية مقابل توسع ملحوظ في الاعتماد على المسارات البحرية، ولا سيما الغاز الطبيعي المسال وخطوط الأنابيب البحرية العائمة.
غير أن هذا التحول لا يعني انتقال أوروبا إلى إنتاج بحري بالضرورة، بل يعكس إعادة توطين الاعتماد داخل سلاسل إمداد بحرية معقدة، فالإمدادات الجديدة تمر عبر منشآت تسييل خارج القارة، ثم عبر ناقلات بحرية، قبل أن تدخل الشبكة الأوروبية من خلال موانئ ومحطات استقبال ساحلية.
وقد وثقت المفوضية الأوروبية الزيادة السريعة في واردات الغاز الطبيعي المسال منذ 2022، إلى جانب التوسع في محطات الاستقبال العائمة والثابتة على سواحل بحر الشمال والبحر الأدرياتيكي والمحيط الأطلسي.
وتظهر تقارير وكالة التعاون بين منظّمي الطاقة "إيه سي إي آر" (ACER) التابعة للاتحاد الأوروبي أن التحول الأوروبي أدى إلى تغيير ملموس في طبيعة حوكمة الإمدادات، فبدل إدارة المخاطر المرتبطة بخطوط الأنابيب البرية، والعقود الثنائية المستقرة نسبيا، باتت الإمدادات الأوروبية أكثر ارتباطا بأسواق عالمية مفتوحة، وبآليات تسعير وشحن تتأثر بعوامل العرض والطلب على المستوى الدولي.
ولا تشير أيّ وثيقة رسمية إلى أن هذا التحول منح الاتحاد الأوروبي سيطرة مباشرة على مصادر الإنتاج، بل تؤكد التقارير أن أمن الإمدادات بات يعتمد بدرجة كبرى على التنسيق بين الدول الأعضاء، وعلى إدارة المخزون وآليات التضامن وقدرة المؤسسات الأوروبية على التعامل مع تقلبات السوق العالمية، أكثر مما يعتمد على التحكم المباشر في المورد.
إعلانإلى جانب الحوكمة، تبرز مرونة الشبكات الداخلية بصفتها عنصرا حاسما في إنجاح هذا التحول، وعليه فإن التحول البحري في الإمدادات الأوروبية لا يقاس فقط بتنوع المصادر، بل بقدرة الشبكات على استيعاب الإمدادات وتوزيعها بكفاءة، وإن كان هذا الموضوع يخضع في حقيقة الأمر إلى عمليتي تكييّف تقني ومؤسساتي مستمريْن، إذ إن للإنتاج البحري في مجمله خصائص مختلفة.
وثقت تقارير "دي إن في"، وهي هيئة تصنيف واستشارات تقنية نرويجية، أن التطور المتسارع في بناء سفن الإنتاج والتخزين والتفريغ العائمة أتاح استغلال الحقول البحرية العميقة دون الحاجة إلى بنى تحتية ساحلية ثابتة.
هذا التحول التقني مكّن من تطوير موارد كانت سابقا تُصنّف على أنها مكلفة وغير مجدية اقتصاديا، ولاسيما في البرازيل وغرب أفريقيا، حيث أسهمت هذه المنصات في تجاوز القيود الجغرافية والاستثمارية التقليدية.
أما في قطاع الغاز، فقد دخلت منشآت تسييل الغاز الطبيعي العائمة المعروف اختصارا بـ"إف إل إن جي" حيز التشغيل في عدد محدود من المشاريع.
ويُعد مشروع "بريلود إف إل إن جي" الواقع قبالة السواحل الأسترالية، والذي تشغله شركة "شل"، مثالا حيا على ذلك، ومع ذلك وثّقت هيئة السلامة الوطنية للعمليات النفطية البحرية الأسترالية المسماة اختصارا "نوبسيما" أعطالا تشغيلية كهربائية متكررة خلال الفترة الممتدة بين 2020 و2022، مما أدى إلى تعليق الإنتاج أكثر من مرة، الأمر الذي يعكس تفاوتا واضحا في مستوى التحكم في التكنولوجيا مقارنة بالمنصات النفطية العائمة الأكثر استقرارا.
المنصات العائمة.. قيود فيزيائية وهندسية صارمةتبيّن المعايير الهندسية الصارمة المعتمدة لدى "دي إن في" أن الضغط الهيدروستاتيكي في البيئات البحرية -هذا المصطلح يستخدم في أدبيات هندسة السواحل والمنشآت البحرية، والذي يعني دراسة سلوك الموائع في حالة السكون- يزداد بمعدل يقارب بارا واحدا كل عشرة أمتار من العمق، "بما يقارب 100 كيلو باسكال أي ما يعادل ضغطا جويا واحدًا لكل عشرة أمتار"، وهي قاعدة فيزيائية ثابتة لا تخضع للتأويل أو التقدير وتنعكس مباشرة على تصميم الأنظمة تحت البحرية، أي من رؤوس الآبار إلى خطوط التدفق والمعدات التحكمية، مما يحتم استخدام مواد عالية المقاومة وأنظمة عزل معقدة، الأمر الذي يرفع التكلفة ويقلص هامش الخطأ التشغيلي.
وقد أشارت جمعية مهندسي النفط "إس بي إي"، وهي منصة علمية مهنية مستقلة تجمع مهندسين وباحثين وأكاديميين وخبراء صناعة من أكثر من 130 دولة، إلى أن الأنظمة المعتمدة في المنصات العائمة تسجل أعلى معدلات الأعطال، ليس بسبب ضعف التصميم، بل نتيجة التآكل المتسارع، والتعرض المستمر للضغط والملوحة، وصعوبة التدخل التقني للإصلاح في الأعماق، والذي يحتاج إلى معدات خاصة وسفن دعم، مما يجعل من زمن الاستجابة أطول وكلفة الإصلاح أعلى.
وقد وثقت الإدارة الوطنية الأميركية للمحيطات والغلاف الجوي، التي تسمى اختصارا "إن أو إيه إيه" (NOAA)، عواصف بحرية شديدة في شمال الأطلسي وخليج المكسيك، أدت إلى تعليق الإنتاج وإجلاء العاملين، بل إيقاف المنصات عن العمل كإجراء احترازي، حيث تشير الخبرة إلى أن هذه المنصات العائمة أكثر عرضة إلى التسريبات النفطية الواسعة النطاق، ولا أحد ينسى كارثة خليج المكسيك المعروفة باسم "ديب ووتر هوريزن" عام 2010 حين تسرّب النفط لمدة 87 يوما، بحسب تقرير اللجنة والوطنية الأميركية للتحقيق، وهو ليس بحادث معزول.
تشكل اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار المرجعية القانونية الأساسية لتنظيم استخدام البحار والمحيطات، إذ تحدد بدقة نطاق السيادة البحرية، وحقوق الدول الساحلية في المناطق الاقتصادية الخالصة، وحدود الولاية القضائية على الموارد الطبيعية.
إعلانغير أن هذا الإطار على شموله الجغرافي، لا يواكب التعقيد التقني الذي بلغه الإنتاج النفطي والغازي البحري المعاصر.
فالاتفاقية، في صيغتها المعتمدة عام 1982، لا تتضمن معايير تشغيل تقنية ملزمة للمنصات العائمة، ولا تنظم متطلبات السلامة، أو إدارة المخاطر في البيئات العميقة، كما تفتقر إلى آليات دولية واضحة وواجبة النفاذ لمعالجة مسؤولية المشغّلين والتعويض في حالة التلوث العابر للحدود، وهو فراغ قانوني يزداد وضوحا كلما توسع الإنتاج في أعالي البحار.
فالقانون صُمم لمعالجة إدارة النزاعات السيادية وتنظيم تقاسم الموارد، لا لمعالجة المخاطر التشغيلية العابرة للدول والتي تفرضها صناعة الطاقة البحرية الحديثة، مما يجعل معالجة الحوادث الكبرى رهينة ترتيبات وطنية أو اتفاقات ظرفية، بدل منظومة قانونية عالمية متماسكة.
توازن هشتظهر المعطيات الموثقة، دون أي مواربة، أن التوسّع النفطي والغازي البحري ليس مجرد خيار تقني فرضته الجغرافيا أو نضوب الموارد البرية، بل هو تحول بنيوي أعاد تعريف المخاطر بين الطاقة والسيادة، والمسؤولية.
فحين شكّل الإنتاج البحري قرابة 30% عام 2015، وفق البيانات المتاحة، لم يكن ذلك تعبيرا عن ذروة الاستقرار، بل تعبيرا عن توازن هش بين القدرة الهندسية وحدود الطبيعة.
فالتقدم التقني الذي حوّل الأنظمة تحت البحرية إلى منصات عائمة، مكّن الصناعة من اختراق الأعماق التي كانت تُعد خارج نطاق الاستغلال، لكن في الوقت نفسه عمّق درجة التعرُض للمخاطر الفيزيائية والمناخية والبيئية، فالضغط الهيدروستاتيكي والعواصف الكبيرة وصعوبة التدخل التقني في حقيقة الأمر ليست متغيرات طارئة، بل هي الثوابت التي تحكم هذا النمط من الإنتاج، وأيّ خلل محدود في بيئة بحرية عميقة يمكن أن يتحول إلى أزمة تتجاوز المشغّل والدولة، وتمتد آثارها البيئة والاقتصادية والسياسية عبر الحدود.
وعليه فإن مستقبل الطاقة البحرية لا يقاس بقدرتها على زيادة الإنتاج وحده، بل بقدرة المنظومة الدولية على إعادة ضبط المعادلة كاملة. بمعنى آخر لابد من هندسة أكثر تحفظا، وحوكمة قانونية أشد صرامة، وآليات مساءلة عابرة للحدود، من شأنها أن تحوّل البحر من مجرد فضاء للاستغلال، إلى ساحة اختبار حقيقية لمدى النضج العالمي في إدارة المخاطر المشتركة، فالمعضلة الحقيقية للطاقة البحرية ليست في الأعماق، بل في كيفية التعامل معها فوق السطح.