السعودية وتدخلها السافر في الشأن اليمني
تاريخ النشر: 18th, July 2024 GMT
يحيى عسكران
ظلّت السعودية على مدى العقود الماضية، مهيمنة على اليمن ومتحكمة بقراره السيادي، وباسطة نفوذها على مراكز القوى، نظراً لارتهان الأنظمة السابقة وارتباطها بالسلطات السعودي، بالرغم من امتلاك اليمن موقعاً جغرافياً واستراتيجياً مهماً يؤهله للحضور القوي والفاعل والمؤثر بالمنطقة والعالم.
لطالما حشرت السعودية أنفها باليمن، وجعلت من نفسها وصية عليه، تُدير شؤونه وفق إملاءات وأجندة خارجية، تصب في خدمة مصالح الدول الكبرى ممثلة بأمريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني، التي تحكم سيطرتها على المنطقة وخاصة دول الخليج، لما تمتلكه من ثروات نفطية وغازية هائلة، وفي مقدمتها “السعودية والإمارات”.
لم تترك السعودية منذ نشأتها 1932م، الشعب اليمني وشأنه، ولم تحترم حسن الجوار بين البلدين، وواصلت تدخلها في الشؤون الداخلية اليمنية بفرض الإملاءات، وتقديم الإغراءات في محاولة لجعل اليمن تابعاً وخاضعاً لسيطرتها، متناسية أن الشعب اليمني قدّم تضحيات غالية من أجل نيل الحرية والاستقلال والسيادة، ودفع الثمن باهظاً في سبيل طرد الاستعمار البريطاني من جنوب اليمن عام 1967م.
وجد النظام السعودي، في الشعب اليمني الحر والشجاع، أرضية مناسبة لتنفيذ سياسته التدميرية وممارساته الإجرامية، تارة بدعم الموالين له ومدهم بالأموال وتزويدهم بمختلف أنواع السلاح، وتارة بتجنيد متنفذين لمصالحها وأجندتها الاستعمارية، سعياً منها لإضعاف اليمن وتقسيمه وتمزيق نسيجه الاجتماعي وتكريس ثقافة الحقد والكراهية بين أبنائه.
مما سهل للنظام السعودي، إبقاء اليمن تابعاً ومرتهناً، وفي حالة من صراع وانقسام، على مدى عقود، شراء الولاءات وإغداق المتنفذين بالأموال المدّنسة، وتوفير الاعتماد المالية وتسليمهم مرتبات شهرية، كل ذلك جعل اليمن مرتعاً لجارة السوء في التحكم بمصيره وابتلاع ثرواته ونهب خيراته دون حسيب أو رقيب.
منذ تأسست السعودية وأنظارها موجهة على اليمن، لبسط نفوذها وفرض هيمنتها من خلال ضخ الأموال في مشاريع وهمية، وتقديم بعض المساعدات ظاهرها الرحمة، وباطنها العذاب، محاولة احتلال أراضيه وسلب مقدراته وخيراته خدمة لأجندة قوى الاستكبار العالمي.
انتهج النظام السعودي، سياسات قذرة ليس في اليمن فحسب، وإنما بالمنطقة والعالم، تقوم على سياسة “فرّق تسد” لتغذية الصراعات، وعلى وجه الخصوص من يقف ضد سياستها، وعمل على إشغال اليمنيين وإدخالهم في أتون نزاعات قبلية ومجتمعية لضمان استمرار سيطرته وإبقاء الشعب اليمني ضعيفاً وفي حالة من الجهل والتخلف.
كان وما يزال نظام آل سعود، وقياداته المتوالية، يعادون الشعب اليمني، ويكنون له كراهية وحقداً أعمى، لا لشيء وإنما لأن اليمنيين، أنصار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي شهد لهم بالحكمة والإيمان، فضلاً عن مواقفهم المشهودة عبر التاريخ في نجدة المظلومين ونصرة المستضعفين، إلا أن هذا النظام حاول وما يزال على تشويه الصورة المشرفة لليمن واليمنيين وبطولاتهم وتضحياتهم منذ بزوغ فجر الإسلام حتى اليوم.
وما ارتكبه النظام السعودي من جرائم بشعة بحق اليمن، إلا دليلاً شاهداً على سجله الأسود الملطخ بالدم، ولعل مجزرة تنومة التي وقعت أحداثها قبل قرن من الزمن وراح ضحيتها نحو 2500 حاج يمني، خير شاهد على حقده الدفين على أبناء اليمن الذين ساهموا في تشييد بنيان ونهضة مملكة آل سعود على مدى عقود.
استمرت السعودية في عدائِها على الشعب اليمني، وبذلت قصارى جهدها بدفع الأموال لتخريب وتدمير اليمن، والتدخل في شؤونه، وصولاً إلى شن العدوان العسكري المباشر بدعم أمريكي، وبريطاني في 26 مارس 2015م، بحجج وأعذار واهية لا أساس لها من الصحة.
شكل النظام السعودي، تحالفاً دولياً، برعاية واشنطن لدعم أدواته ومرتزقته ومن تجندوا لخدمته، وذلك لقتل اليمنيين وسفك دمائهم وهدم المنازل على رؤوس الأطفال والنساء والشيوخ وتدمير مقدرات ومقومات نهضته المختلفة، مرتكباً في تسع سنوات أفظع جرائم، بتواطؤ دولي وصمت أممي وتخاذل عربي.
ولم يكتف هذا النظام العميل بما عمله منذ 26 مارس 2015 حتى 2024م، لكن مؤامراته استمرت إلى جانب دويلة الإمارات، في محاولة لإخضاع اليمنيين، وكسر إرادتهم وإجبارهم على العودة إلى الوصاية السعودية لكن أنى له ذلك؟.
جاءت ثورة الـ 21 من سبتمبر 2014م، وأبطالها الأحرار بقيادة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، وكافة القوى الوطنية الحرة لإيقاف النظام السعودي، والعدو الأمريكي والبريطاني عند حدودهم، وطرد المارينز الأمريكي من العاصمة صنعاء وفشلت مخططاتهم بقوة الله، وبتضحيات اليمنيين واستبسالهم في الدفاع عن سيادة واستقلال اليمن.
ومع دخول اليمن معركة “إسناد غزة” لنصرة الشعب الفلسطيني ونصرة قضيته ودعم مقاومته، انزعج النظام السعودي والأنظمة العملية لقوى الاستكبار العالمي، وواصل مؤامراته على اليمن، مستمراً في غطرسته وحصاره على المطارات اليمنية، والمنافذ البرية والبحرية بالرغم من خارطة الطريق التي تم الاتفاق عليها حسب رئيس الوفد الوطني المفاوض محمد عبدالسلام، الذي كشف في مقابلة مع قناة الميادين عن خارطة طريق للاتفاق مكونة من ثلاثة مراحل على مدى ثلاثة أعوام، تشمل الجوانب الإنسانية والاقتصادية والسياسية والعسكرية.
لكن مع الأسف الشديد عاد النظام السعودي بضغط أمريكي، للتدخل من جديد في الشؤون اليمنية من خلال توجيه مرتزقته وأدواته باتخاذ إجراءات اقتصادية تضر بمصالح اليمنيين والتضييق على معيشتهم، ما أغاظ أحرار اليمن في المناطق الحرة لعدم القبول بالتصرفات السعودية.
وبهذا الصدد جددّ السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، النصح للنظام السعودي للمرة الثانية في أقل من أسبوع بالإصغاء للشعب اليمني في تحذيراته وهتافه، والكف عن مساره الخاطئ والعدواني المناصر لأمريكا وإسرائيل والمعادي لله وللمسلمين وليمن الإيمان والحكمة.
وقال في كلمة له بذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام الثلاثاء “إذا أصر النظام السعودي على خطواته العدوانية الظالمة واستكبر وطغى وتجّبر، فإن الله القاهر المهيمن قد أذل على أيدي مجاهدي شعبنا طاغوت العصر المستكبر الأمريكي، وبإذن الله ونصره وتأييده يكسر جبروت عملائه ويحطم كبريائهم وغرورهم ويدمر إمكاناتهم على يد عباده المجاهدين، انتصاراً لمظلومية الشعبين الفلسطيني واليمني وشعوب الأمة التي تعاني دائماً من مؤامرات الأعداء وشرهم ومكائدهم التي ينفذونها خدمة لأمريكا و”إسرائيل”.
وأضاف “مهما كانت المؤامرات والتحديات من أمريكا وعملائها فإنها لن تخضع الشعب اليمني، الذي يأبى الظلم والإذلال والقهر، وينتمي إلى ثقافة القرآن الكريم، ويردد في هتافاته صرخة سيد الشهداء في يوم العاشر من محرم “هيهات منا الذلة”.
وبخطابات السيد القائد، أقام الحجة على النظام السعودي الذي أصبح أمامه خيارين لا ثالث لهما، إما تنفيذ خارطة الطريق المتفق عليها مع القيادة في صنعاء، والدخول بسلام حقيقي يضمن لها استقرارها، مع جيرانها وإما الخيار البديل الذي قد يزعج النظام السعودي، واستراتيجيته الاقتصادية 2030م، والأمل ألا يكون هذا الخيار هو البديل؟.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: النظام السعودی الشعب الیمنی على مدى
إقرأ أيضاً:
رؤية الحج الإنسانية التي تتسع للعالم أجمع
يبدأ حجاج بيت الله الحرام غدًا الأربعاء في التوجه إلى مدينة الخيام في منى لقضاء أول أيام موسم الحج وهو يوم التروية استعدادًا للنسك الأعظم في الحج وهو الوقوف بصعيد عرفات الطاهر. ومشهد حجاج بيت الله الحرام وهم يؤدون مناسك الحج مشهد متكرر كل عام، ولكنه لا يفقد دهشته ولا عمقه، ملايين البشر يأتون من أقاصي الأرض، مختلفي اللغات والأعراق والانتماءات، ليقفوا على صعيد واحد، ولباس واحد، وأمام رب واحد. لا يوجد مشهد أكثر عظمة وأعمق دلالة من هذا المشهد الذي يحقق معنى المساواة والكرامة والاندماج الروحي بين الناس.
والحج إضافة إلى أنه الركن الخامس من أركان الإسلام فهو أيضا تجربة وجودية شاملة، تهذّب الروح، وتعيد ضبط علاقتها مع الآخر، وتغرس في النفس معاني التواضع والسكينة والعدالة. وفي الحج يمكن أن يقرأ الإنسان الكثير من القيم التي فطر الله الناس عليها، إضافة إلى دلالات مستمدة من يوم القيامة؛ حيث لا تقاس قيمة الإنسان بماله أو سلطته ولكن بامتثاله للحق، وبقدرته على تجاوز أنانيته نحو فهم أوسع للوجود البشري المشترك.
وإذا كان الحس الإنساني يتراجع اليوم أمام صراعات الهوية والتعصب والماديات القاتلة، فإن فريضة الحج تقدم نموذجا بديلا، فإضافة إلى شعار التوحيد فإن الحقائق التي يقرها الحج تتمثل في حقيقة الأخوة الإنسانية، ورسالة السلام، ومنهج الرحمة. ولعل المكان الوحيد في العالم الذي يتساوى فيه الجميع هو صعيد عرفات، والموقف الوحيد الذي تذوب فيه الحدود، هو الطواف. والمشهد الوحيد الذي تتحول فيه الجموع إلى روح واحدة مندمجة، هو الحج.
ومع اكتمال وصول حجاج بيت الله الحرام إلى جوار بيته العتيق فإننا نحتاج إلى أن نتأمل فريضة الحج وطقوسها لا بوصفها ممارسة فردية ولكن بوصفها منظومة قيمية قادرة على إنقاذنا من الانحدار الأخلاقي. فالحج يعلّمنا أن العظمة في التواضع، والقوة في الصفح، والكرامة في المساواة. ومن كان حجه مبرورا، فليجعله بداية لا نهاية، وليكن ما تعلمه هناك هو ما يزرعه هنا: في بيته، وفي عمله، وفي وطنه، وفي العالم بأسره.
وإذا كانت شعائر الحج تنتهي في مكة المكرمة فإنها تبدأ في نياتنا، وفي صدقنا، وفي استعدادنا لأن نكون أفضل مما كنا.
كل عام، تمنحنا هذه الرحلة فرصة جديدة، لنسأل أنفسنا: هل يمكن أن نكون حجاجا حتى وإن لم نذهب؟ هل يمكن أن نعيش مبادئ الحج ونحن في بيوتنا؟ هذا هو المعنى الحقيقي لحج لا ينتهي بعد أن تكون أرواحنا قد صقلت وملئت بالقيم الإنسانية النبيلة.