جريدة الرؤية العمانية:
2025-07-01@01:20:26 GMT

بخٍ بخٍ يا يوسف

تاريخ النشر: 20th, July 2024 GMT

بخٍ بخٍ يا يوسف

 

 

د. خالد الغيلاني

في ليلة هادئة من ليالي مسقط العامرة، ودوام يوسف الندابي تتقارب ساعاته، وتدنو دقائقه، ارتدى بزته العسكرية، وتمنطق حزامه، وتوج رأسه بقبعة العزة والكرامة، وهي تحمل شعار حراس المبادئ، وحماة الأمن، وانتظم في مشهد تتضح فيه هيبة الفارس، وعنفوان الرجل، وسمت الأنفة، والشموخ على الحق والحقيقة.

انطلق من مقر سكنه، يحدوه أمل عظيم، ورغبة صادقة في أداء مهامه، وبذل جهده، والقيام بواجبه في سلك مُنتظم من العمل الشرطي الرفيع. استلم عمله من زملائه، فقد انتهت للتو ساعات عملهم، وبدأت ساعات عمل يوسف ورفاقه الأشاوس.

انطلقوا في شوارع مسقط البهية بنور جمالها، الزكية بطيب أهلها، الفتية بعزم أبنائها، الراسخة بحضور تاريخها، الندية ببهاء أريجها، الثابتة بثبات الجلالي، الحصينة بارتفاع الميراني، الشامخة بقلعة مطرح الشماء. انطلق يجوب شوارعها لتطمئن نفوسنا، وتسعد أرواحنا، ونعيش حياتنا بهناء واستقرار، وأمن وأمان للجميع على أرضنا الحرة الأبية.

فكلما رأينا سيارة مهيبة مكتسية سواد الدفاع والبذل، وبياض الكرامة والمحبة والسلام، سرت بين الجوانح راحة وسرور، وشعور بأننا بين أيدٍ أمينة، حريصة على سلامتنا، وأمننا.

ويوسف يجول وزملاؤه، فكأني بالعمليات تنادي نداءً ما تعودناه، ولا عرفناه، هلموا أيُّها الرجال، هبوا يا من تسمعون النداء والبلاغ، إطلاق نارٍ على مقربة من "دوريتكم"، يوسف ورفاقه تلقينا النداء ونتحرك فورا إلى مكان الحدث، إلى الوادي الكبير الوادع في أمن وأمان، القابع بين حنايا الجبل ومجرى الوادي، المعروف بصناعيته، المسلك اليومي للكثيرين نحو مجلس عُمان وقصر البستان، وغيرها من مؤسسات الدولة.

وصل الرجال المخلصون وهبت نجدات الشرطة الأبية الحامية الحارسة، من كل زاوية، فالواقع وكثافة النار تدل على أن الخطب جلل، والحادث فظيع، والصرخات تتعالى، والرصاص يتعاظم، تتداخل الأصوات بين مهلل ومكبر، ومحتفٍ بذكرى عاشوراء، وأطفال فزعوا للتو من نومهم، وأم تنزل بهم تحت سرير نومها خوفاً من طيش الرصاص وانحرافه، وأب يسرع فيُغلق نوافذ بيته أو شقته، وذاك يجري دون هدي منه ووعي طلبًا للنجاة، وبين مستتر بجدار، ومحتمٍ بسيارة، الكل يطلب النجدة، ويرجو السلامة لنفسه وأهله.

إلا يوسف البطل المقدام ورفاقه ممن حضروا هذا المشهد ولبى نداء الواجب، فعقيدتهم وقناعاتهم أنهم حماة الحق، حراس المبادئ، جند الوطن، والمدافعون عن أمنه، يدفعهم إلى البذل والتضحية قسم واجب الأداء، ووطن يستحق الفداء، وسلطان له الولاء، ومجتمع له الحماية والصيانة على حقيقتها الثابتة الراسخة، ومنابت فضل وعزة وكرامة تربوا فيها على مكارم الأخلاق، والثبات عند اللقاء، وصدق المُواجهة لكل خطب وبلاء، ومن خلفهم أباء كرام وأمهات أصيلات، وأسر لا تقبل الضيم، ولا ترضى المهانة، هذا داعي الحق، والثبات على العهد، هنا موطن الصدق، هنا موطن المسؤولية.

وفجأة تحدِّث النفس يوسفها أحجم ولا تقبل، ففي العمر مُتسع، وللشباب رونقه، فالأولاد يسألون، والأهل ينتظرون، والصحب لرحلة أو جولة أو سياحة يخططون، تمهل واحفظ نفسك يا يوسف. لا أيتها النفس، فوالله إنِّه لقسم، وإنها أمانة، وإنها عظيمة، فلا إحجام، ولا تخاذل، ولا إدبار، ولا تولي، فلست الفار عند اللقاء، فأنا الحر ابن الحر، أنا الندابي المُقبل، والبائع لنفسه يوم يطلب الوطن بيعها. لمثل هذا أُعددنا، ولهذا اليوم دُربنا، وبهذا نستحق عُمانيتنا.

مضى الفتى يوسف ونعم الفتى يوسف، وصحبه الرجال المقبلون، مضى مزمجرا، مشمرا، مكبرا، رافضًا لفعل يختل له الأمن، ويرهب منه الناس، وما هي إلا جولة وجولة، حتى ارتقى الفذ الهمام، والأسد الضرغام، والباذل المقدام شهيدا فتّحت له السماء أبوابها. واكتست الأرض لونها الأحمر، وزكت رائحة المكان مسكا مضوخا، وارتوت أرض الوادي الكبير دما شريفا كريما، سيبقى خالدا أبد الأبد.

وانتشرت الأخبار، وفرح الأهل فيوسف شهيد رفع رأس أهله، وسما ببلده، يوسف حي يرزق عند ربه، يوسف باق ما بقي الوطن العزيز، يوسف مفخرة شرطة عُمان السلطانية بكل القادة والأفراد، يوسف ملحمة عز وفخار، ويوسف ترتج باسمه جبال الشرق والغرب العماني، وتلهج بذكره جبال القرا.

وإلى شباب عُمان في كل مكان منها؛ ففي هذا الوطن وفي كل شبر منه يوسف ويوسف ويوسف لا يساوم ولا يداهن ولا يبالي كيف يكون مصرعه، دفاعا عن الوطن، وحماية له، وذودا عن حياضه.

رحم الله تعالى يوسف وأسكنه فسيح جناته، ومنَّ على رفاقه بالشفاء العاجل، وحفظ الوطن وسلطانه وأهله إنِّه سميع قريب مجيب الدعوات.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الشيخ نعيم قاسم: قادرون على مواجهة العدو الاسرائيلي وهزيمته

وقف إطلاق النار هو مرحلة جديدة اسمها "مسؤولية الدولة"، منوهاً إلى أنه كلما كانت هناك جهة ضعيفة فهذا يعني أن "اسرائيل" ستتوسع وتأخذ كل شيء".

وقال الشيخ قاسم في كلمةٍ له في مراسم إحياء الليلة الثالثة من عاشوراء، مساء اليوم السبت، مستلهمًا مقولة السيد الشهيد حسن نصر الله: "عندما ننتصر.. ننتصر وعندما نستشهد ننتصر"، مشيرًا إلى أن "السؤال المركزي هو أنك تقاتل من أجل الحق أم لا، أنك تقبل أن تكون ذليلًا أم لا؟".

وتوجه للمشككين بقدرات حزب الله بالقول: "هل تتصوروا أن نظل ساكتين الى أبد الآبدين؟ هذا غير صحيح فنحن جماعة هيهات منا الذلة ولقد جربتمونا"، مؤكدًا أنهُ "عندما نكون مخيّرين ليس لدينا الا خيارًا واحدًا؛ ألا وهي العزة ونربح.. ولاحقونا لنريكم كيف نربح؛ وإن لم يكن في اليوم الأول؛ ففي الثاني والثالث؛ فدائمًا نحن فائزون بالنصر أو الشهادة".

وأشار إلى أن حزب الله قام بالمساندة لأهل غزة وكانت واجباً أخلاقياً وسياسياً ومبدأياً، ومع الحق"، منوهاً إلى أن "الوقفة مع الحق ليست مختصة بالشباب والرجال فقط؛ بل أيضًا النساء والأطفال"، متابعًا، لقد "أطلقنا شعار (إنا على العهد) على مسار سيدنا -رضوان الله تعالى عليه- والشهداء لنستمر ونبقى ونكون من بعدهم نعمل كما عملوا ونعيش حياة العزة".

وأوضح أن الله "نصرنا بالاستمرارية وباستعادة المبادرة واستطعنا أن ننهض مجددًا وبقينا إلى لحظة وقف إطلاق النار صامدين ونضرب العدو ضربات مؤلمة ونوجعه، متسائلاً: هل هناك من لديه عقل ويفكّر بشكل صحيح يلغي عوامل القوة لديه فيما "الاسرائيلي" لا يطبق الاتفاق ويواصل اعتداءاته؟"

وأكد أن العدوان على النبطية وعلى الناس ومن يعمل في الصيرفة هو مرفوض وعلى الدولة أن تقوم بواجبها"، موضحاً أن "الإنسان عليه أن يعدّ العدّة اللازمة ليتمكن من النجاح وأحيانًا تكون إمكانات العدو أكثر من إمكاناته بكثير فعندها ممكن أن ينتصر العدو ماديًا"، مبينًا أن "علينا أن نعمل ما علينا والباقي على الله؛ لذلك علينا أن نعدّ العدّة والمقدمات الصحيحة".

وأشار إلى أن "المؤمن مدعوم من الله قطعًا وهذا يأتي من التسديد الإلهي"، و أن "الذين كانوا يقاتلون على الحافة الأمامية في معركة أولي الباس، وأنه لو تعرفوا كم كان عددهم مقابل 75 ألفًا ومعهم كل الإمكانات لكن الله نصرهم وسددهم لأنهم أعدّوا العدة".

وتقدم الشيخ قاسم في كلمته بواجب العزاء للقائد العظيم السيد علي الخامنئي والشعب والجيش والحرس والقوى الوطنية الإيرانية بالشهداء الأبرار"، مؤكدًا أن "الشهيد اللواء الحاج رمضان عاش بيننا وكان نموذجًا للعطاء، وقد ترك بلده ليتابع القضية الفلسطينية".

مقالات مشابهة

  • بأي ميزان تُقاس المبادئ؟
  • دروس من كربلاء
  • كوربين يصف سماح القضاء بتصدير قطع طائرات F-35 إلى إسرائيل بأنه عار أخلاقي
  • عبد الحي يوسف يتحدث عن الثوب السوداني.. فماذا قال؟
  • سهمٌ فی كنانة رٸيس الوزراء
  • آل عيشان والقارحي يزفون يوسف
  • اللجوء ليس مطلقًا: القانون المصري يوضح الاستثناءات والحقوق
  • عُمان.. وطن السلام والثوابت
  • الشيخ نعيم قاسم: قادرون على مواجهة العدو الاسرائيلي وهزيمته
  • وزير الخارجية: قضية المياه وجودية لمصر ولن نفرط في هذا الحق