جريدة الرؤية العمانية:
2025-12-15@00:58:45 GMT

دروس من كربلاء

تاريخ النشر: 30th, June 2025 GMT

دروس من كربلاء

 

 

 

جابر حسين العُماني **

[email protected]

 

تعد كربلاء من أهم المدن التي ذكرها التاريخ الإسلامي؛ إذ إنها ليست مجرد مدينة عادية رسمت على الخارطة العالمية؛ بل هي من أبرز المعالم الخالدة التي ارتبط اسمها بأعظم فاجعة في التاريخ، وذلك عندما قُتل على أرضها سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وريحانته من الدنيا الإمام الحسين ومعه أهل بيته وأصحابه.

واقعة تعد من أهم الوقائع التاريخية التي وقعت في التاريخ؛ يوم العاشر من شهر محرم الحرام سنة 61 للهجرة، والتي فيها تجسد الحق وزهق الباطل.

في واقعة الطف تمثل صوت الحق في شخص الإمام الحسين بن علي، بينما تمثل صوت الباطل في أعداء الله ورسوله، فأصبحت كربلاء رمزًا للحق والتضحية والعدل، والإلهام والإصلاح، بل واستطاعت عبر العصور المتعاقبة أن تقدم للأمة دروسًا عظيمة تستحق أن تدرس في مدارس وجامعات الأمة العربية والإسلامية.

فيا ترى ما أهم تلك الدروس المستفادة من واقعة كربلاء، والتي ينبغي الاستفادة منها وعدم تجاهلها؟

الدرس الأول: الانتصار ليس مرهونا بالكثرة العددية

وهو ما تجسد في ملحمة كربلاء الخالدة، ويتبين ذلك جليا للباحثين والمتأملين الذين يقرأون الحقائق بعين الإنصاف، فالحسين وقف في واقعة الطف مع قلة قليلة من المؤمنين الأشاوس من أنصاره الذين قدموا له من أجل الدفاع عن الإسلام كل ما يملكونه من مال وأولاد وعتاد، وهم يقفون أمام جيش ظالم جرار لا يعرف من الدنيا إلا الظلم والتكبر والغطرسة، ومع كل ذلك كانت الغلبة لصوت الحق رغم التضحيات التي قدمها الإمام الحسين مع أهل بيته وأصحابه، وانتصر الدم على السيف. قال الله تعالى: {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ}.

الدرس الثاني: مصير الظالمين الهلاك

اليوم عندما نتأمل الأسماء الظالمة التي شاركت في مقتل الإمام الحسين وأهل بيته، نجد أن الله تعالى عاقبهم في الدنيا قبل الآخرة، بما سفكوا من دماء زكية، وأما الحسين بن علي وأصحابه الكرام الأوفياء فقد بذلوا مهجهم لنصرة الإسلام؛ مما جعل من أسمائهم لامعة ومشرقة تتردد في الأسماع عبر التأريخ.

الدرس الثالث: التضحية من أجل القيم والمبادئ الإنسانية

وهي من أهم الدروس والعِبر التي قدمتها لنا كربلاء؛ فالقيم الإنسانية تستحق من الجميع أن يضحوا من أجلها بالغالي والنفيس، كما ضحى الإمام الحسين بنفسه وأولاده وأصحابه من أجل إعلاء كلمة الحق واحترام مكانة الأمانة والعدل والرحمة والصدق والمساواة وغيرها من الصفات النبيلة التي حث عليها الإسلام، والتي من خلالها يتم الحفاظ على الخير والرفاهية الإنسانية في المجتمع.

الدرس الرابع: الثبات على المبدأ

المتأمل في مواقف الإمام الحسين في واقعة كربلاء، يتضح له جليًا حجم العروض المادية والدنيوية التي قدمها له الأعداء في محاولة منهم لزعزعة مبادئه وقيمه ومواقفه البطولية والإنسانية، ومع كل تلك العروض المغرية والتهديدات المتكررة بإراقة دمه ودماء أهل بيته ومن معه، ولكنه كان ثابتاً ومتمسكاً بمبادئه وقيمه التي آمن بها وسار عليها.

الدرس الخامس: كرامة الإنسان أعز من الحياة وما فيها

تُعد الكرامة الإنسانية قيمة أساسية متأصلة في واقع كل فرد من أبناء المجتمع، فلا يجوز المساس بها أو الانتقاص منها، بل ولا يصح أن يتنازل عنها الإنسان مهما كانت الظروف، وهو ما أثبته ودافع عنه الإمام الحسين في واقعة كربلاء إلى آخر لحظة من حياته، حيث كان يقول: "إِنِّي لاَ أَرَى اَلْمَوْتَ إِلاَّ سَعَادَةً، وَاَلْحَيَاةَ مَعَ اَلظَّالِمِينَ اَلْبَاغِينَ إِلاَّ بَرَمًا"، فما أجمل الإنسان عندما يكون صاحب عزة وكرامة.

الدرس السادس: أن يكون الولاء لله فوق كل ولاء واعتبار

ويتجلى هذا المفهوم واضحا في شخصية الإمام الحسين، الذي جسَّد ولاءه لله الواحد الأحد أثناء صراعه مع الظلم والظالمين، وليس للسلطة أو لتحقيق مكاسب دنيوية، كما يتضح ذلك في قوله عند توجهه إلى كربلاء: "أَنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِرًا وَلاَ بَطِرًا وَلاَ مُفْسِدًا وَلاَ ظَالِمًا وَإِنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ اَلْإِصْلاَحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ أُرِيدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهَى عَنِ اَلْمُنْكَرِ".

وأخيرًا.. علينا أن نفهم كربلاء جيدًا؛ فهي ليست مجرد معركة عادية؛ بل هي ملحمة عظيمة حملت معاني الفداء والصمود والوفاء والإخلاص؛ فأصبحت منهج حياة يدعو الناس للإصلاح ومحاربة الفساد والفاسدين، ومواجهة الظلم والظالمين، والاعتراف بالحق، وأن الحق لا يقاس بالعدد؛ بل بقيمته الحقيقية والمعنوية التي تأتي من خلال الإيمان بالله والتخلق بأخلاق أهل "لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله".

** عضو الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

تعرف على شرح حديث "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر"

حديث "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر يتحدث الشيخ هشام البنا من علماء ا لازهر الشريف ويقول فى شرح هذا الحديث يعني أن الكبر (التعالي على الناس، رد الحق، واحتقار الآخرين) يمنع صاحبه من دخول الجنة ابتداءً، أو يمنعه من دخولها مع أول زمرة، ولا يعني الكفر إلا إن كان كبر إبليس، وأن أقل القليل منه يوجب العقوبة، لكن الإيمان ولو كان قليلاً يشفع للمؤمن ويخرجه من النار، وقد أتى رجل يسأل عن حب لبس الثياب الحسنة، فأجاب النبي بأن الله جميل يحب الجمال، والكبر الحقيقي هو احتقار الحق واستصغار الناس. 

الكبر: هو استعظام الذات، ورؤية النفس فوق الآخرين، واستحقار الناس، وإباء الحق، كما في قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ}.

مثقال ذرة: أي أقل القليل، فالذرة هي النملة الصغيرة أو الغبار الدقيق، ومعناه أن أدنى درجة من الكبر تمنع من دخول الجنة.لا يدخل الجنة: المقصود به لا يدخل الجنة ابتداءً (مع أول الداخلين)، وقد يُعذَّب عليه في النار ثم يخرج، وليس كفراً يخلد صاحبه، إلا إن كان كبر إبليس الذي أدى إلى الإعراض عن الحق.

الفرق بين الكبر المحرَّم والتجمل المباح:

سؤال الرجل: "إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنة، أفمن الكبر؟".جواب النبي: "إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس".التوضيح: حب الجمال في الملبس والمظهر أمر مباح بل محبوب، لأنه من التجمل الذي يحبه الله، أما الكبر فهو رد الحق وعدم قبوله، واحتقار الناس واستصغارهم.

الخلاصة:
الحديث تحذير شديد من الكبر، وبيان أن الإيمان ولو كان قليلاً ينجي من الخلود في النار، بينما الكبر ولو كان يسيراً يمنع من دخول الجنة أول وهلة، وأن الكبر الحقيقي هو استعظام الذات واحتقار الخلق ورفض الحق، لا حب التجمل والمظهر الحسن. 

الكبر: هو استعظام الذات، ورؤية النفس فوق الآخرين، واستحقار الناس، وإباء الحق، كما في قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ}.

مقالات مشابهة

  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (جلباب…)
  • تقديم دروس الدعم لهذه الفئة من التلاميذ في عطلة الشتاء
  • بخصم كبير.. الحق اشتري ساعة Galaxy Watch 8
  • تعرف على شرح حديث "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر"
  • أخنوش من الناظور: جهة الشرق لها نفس الحق في التنمية ونسعى لتحويل إمكانياتها إلى فرص حقيقية
  • الإمام العياني.. نجم بزغ في سماء اليمن وقائد جمع بين السيف والقلم
  • فورين بوليسي: 3 دروس تعلمتها الصين من الولايات المتحدة
  • كربلاء تُخلي وتغلق بناية آيلة للسقوط في المدينة القديمة (صور)
  • لمخالفتهم شروط وضوابط الإقامة.. إلقاء القبض على 9 مخالفين عرب وأجانب في كربلاء
  • موعد صلاة الجمعة اليوم 12 ديسمبر 2025