[email protected]
المغيرة التجاني علي
ليس من سبيل لإيقاف تمدد هذه الحرب و توسع رقعتها و احتمالات إعادة انتجها كل مرة , سوي إعمال العقل و تسخير قدرات المثقفين و اصطفاف التربويين لتحسين صورة الخطاب الثقافي القائم في بلادنا السودان و لقطع الطريق أمام تنامي خطاب الكراهية و وقف الشعارات التي تكرس الانقسام المجتمعي الاثني و الجهوي بصورة حاسمة وبوعي كاف بمخاطر لغة ( نحن أو أنتم ) و محاولة محو الآخر و استحضار صور الوهم المتخيلة المليئة بالمشاحنات و المولدة لمزيد من الأحقاد .
إن بؤس الخطاب الثقافي و الذي سيطر علي المشهد الجيوسياسي , وساد لفترة من الزمن , ينذر بشر مستطير و عواقب وخيمة و مألات عظام قد تجر البلاد الي منزلق الفوضى و الضياع و الدخول في أتون حرب أهلية لا تبقي و لا تذر و يعود علي الأرض و الشعب بالبؤس و الشقاء و خيبة الرجاء و يحيل كل جميل فيه الي تعيس و كل أخضر الي يابس و يبدل حسنه و نعيمه الي قبح و جحيم .
فتحسين صورة الخطاب الثقافي صارت ضرورة ملحة , لأن الثقافة والفكر و التربية هي العوامل الاساسية التي تقوم علي أساسها عمليات البناء و النهضة و التطور و ترتقي بالحياة الاجتماعية لإنسان هذا البلد العامر بالتنوع و التعدد الثقافي و الاثني و تعمل علي حل المشكلات و تحصين المجتمع من الصراعات و تمنع نشؤ الكوارث و الحروب ضمن منظومة من القيم و الضوابط الاجتماعية والقانونية والسياسية . و البشرية , من خلال رحلتها التاريخية الطويلة , مدينة , ولا مندوحة , الي العديد من الفلاسفة والعلماء و المفكرين و المثقفين و المصلحين الاجتماعيين الذين قاموا بأدوار محورية في ميادين التنظير و الترشيد والتنظيم, ضمنت بقاء و سلامة أفراد المجتمع و أحدثت كثيرا من اجراءات التغيير و التحديث و صياغة قوانين النظام الاجتماعي و السياسي و الاقتصادي و الثقافي في توازن منضبط نقلته من حياة البداوة و الحروب الي حياة التقدم المدني و التطور الحضاري و التعايش السلمي .
فللثقافة و التربية أدوار هامة و عظيمة في تربية النفوس وصقل العقول و تهذيب السلوك السوي الذي يحصن المجتمعات من شرور الكراهية ونبذ التباغض و تأجيج المشاحنات كما لها من آثار في تهيئة الأجيال المتعاقبة لقبول المخالف و التعايش السلمي و التعاون المثمر و التراضي المجتمعي لمواجهة متطلبات الحياة و العيش الكريم في كنف بلد واحد يسع جميع ابنائه .
فالمثقف الأصيل مكانه قلب المعركة الاجتماعية التي تفرض عليه الالتزام بقضايا الناس و الانخراط في الفعل المجتمعي السياسي لينتح الرؤي و الأفكار و يطرح المبادرات و يقدم المشاريع الجماعية الهادفة و يقوم بعمليات الرصد و التحليل و اجتراح الحلول و المساهمة في صياغة القرارات السياسية و يقود مبادرات الاصلاح لقطع الطريق علي ممارسات التمييز والتهميش و الازدراء بالفقراء و حمايتهم من أساليب القهر لدفع المجتمع نحو المصالحة و منع القمع البنيوي الذي يمارسه الأقوياء تجاه الضعفاء و الأثرياء تجاه أصحاب العوز .
وللمثقفين و المفكرين دور باين في التدخل لهزيمة النوايا المشحونة بالحقد بما قد يسهم في بلورة مشاريع توافقية سلمية في مواجهة رغبات الانزلاق في متاهات البغض المؤدية الي التناحر و الحروب .
و علي المثقفين والتربويين والدعاة وقادة الرأي المساهمة في تحسين الخطاب الثقافي و تعزيز قيم التسامح و التواصل الاجتماعي و ادارة الحوار بين اطياف المجتمع علي أسس سليمة و عادلة و مجابهة خطاب الكراهية و حسن ارشاد الشباب علي الاستخدام الأمثل لوسائل التواصل الاجتماعي و تقوية أواصر المحبة بينهم .
وديننا الحنيف يدعونا الي الألفة والمحبة والسلام و صياغة خطابنا للآخر المختلف بعناية و ذلك لصلاح المجتمع و لنبذ الفرقة و تعزيز سبل السلام و تجنب اثارة الكراهية والبغضاء و تحقير وازدراء الغير ، قال تعالى:" لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيما". صدق الله العظيم .
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الخطاب الثقافی
إقرأ أيضاً:
المحللون الحزبيون على الشاشات… من يمثل من؟ واقع إعلامي بلا اسمنت مهني
12 دجنبر، 2025
بغداد/المسلة: تشهد الساحة الإعلامية العراقية تصاعداً لافتاً في الخطاب السوقي والسطحي على عدد من الفضائيات المحلية خلال الأشهر الأخيرة، حيث غلبت لغة الإثارة والمباشرة على التحليل المعمق، ما جعل كثيراً من التغطيات تبدو أقرب إلى عروض درامية منها إلى نقاشات سياسية موضوعية.
وبرزت برامج حوارية تكرّس الانفعالات وتضخّم الخلافات الحزبية والطائفية، مع تقديم ضيوف محللين يتشدقون بمواقف حزبية غامضة قبل أن يكونوا محللين مهنيين، ما أثار موجة من الانتقادات على منصات التواصل الاجتماعي من جمهور يرى أن هذه الفضائيات ارتدت إلى منابر لترويج سرديات متباينة بدلاً من تسهيل فهم الجمهور للأحداث.
وقال القيادي في تيار الحكمة فهد الجبوري إن فوضى الإعلام لدى بعض الجهات في بلد مثل العراق بتاريخه العريق وحضارته العميقة، أصبحت أمراً يستدعي الوقوف عنده بجدية..
وتابع: من المؤسف أن نرى تصرفات تُقدَّم بأسلوب يدعو للسخرية والضحك بينما هي في الواقع تعكس صورة عن واقعنا العراقي وتُعرَض أمام ملايين المتابعين على وسائل التواصل..
واستطرد: نحن بحاجة إلى إدارة إعلامية واعية تضع مصلحة العراق وأمنه القومي فوق كل اعتبار.
وأظهرت حوارات عديدة انحداراً في مستوى الخطاب السياسي على الشاشات، إذ افتقرت إلى التحليل المعمق وأصبحت تكتفي بتكرار قوالب جاهزة من الاستقطاب، بينما يغيب النقد الذاتي لمقدّمي البرامج أو لأحزاب تدعو لهم تلك المنابر، ما يعكس حالة من الانجراف الإعلامي نحو الخطاب الانفعالي على حساب المعالجة المتوازنة.
ومثل هذا النمط يسهم في تضخيم الخلافات بين القوى السياسية عوضاً عن تفسير جذورها وسياقاتها، وهو ما تعكسه ردود فعل واسعة على تويتر وفيسبوك حيث يعبر مستخدمون عن استيائهم من ما يسمونه “صحافة الصراخ” التي تحوّل السياسة إلى مادة ترفيهية بدلاً من مادة فهم.
ومن جانب آخر، يغيب عن المشهد الضوابط المهنية الصارمة التي من شأنها كبح جماح السطحية، إذ لا توجد آليات فعّالة تراقب الخطاب الإعلامي وتعيّن حدوده المهنية في تغطية القضايا السياسية والاجتماعية الحساسة.
وما يزيد الإشكالية تعبير بعض الضيوف عن مواقف حزبية واضحة بشكل تحريضي، دون مساءلة من قبل الهيئات المنظمة أو من قبل الجهات السياسية نفسها، ما يعزز الانطباع لدى المشاهد بأن هذه الخطابات لا تُنتج إلا لتعزيز الاستقطاب وتصعيد الخلافات داخل المجتمع.
ويدعو محللون عراقيون إلى أن تتولى هيئة الإعلام والاتصالات مهامها بضبط الخطاب الإعلامي، ليس من أجل تقييد الحريات الصحفية، بل لترسيخ قواعد الممارسة المهنية التي يجب أن تميّز بين النقد والتحليل والتحريض الطائفي أو الحزبي، وإرساء بيئة إعلامية تحترم تعددية الآراء دون أن تغذي التوترات الاجتماعية.
ويشدد هؤلاء على أن غياب مثل هذه الضوابط من شأنه أن يقوّض الثقة العامة في الإعلام ويزيد من توترات سياسية واجتماعية موجودة أصلاً في البلاد.
الساحة الإعلامية العراقية تواجه تحديات كبيرة في استعادة دور الإعلام كقاطرة للنقاش العقلاني بدلاً من أن يكون منصة لتكرار روايات الاستقطاب، وهو ما يتطلب جهوداً تشاركية من مؤسسات الدولة والمجتمع المدني لحماية الصحافة المهنية وتعزيز الوعي الإعلامي لدى الجمهور.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post AuthorSee author's posts