شمال قطاع غزة.. قصص من الصمود الزراعي في وجه الاحتلال
تاريخ النشر: 25th, July 2024 GMT
غزة- "الزراعة بتجري بدمي" يقولها المهندس الزراعي الشاب يوسف أبو ربيع ليفسر عودته لاستصلاح أرض زراعية تملكها عائلته في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، متعاليًا على مخاطر إسرائيلية جمة ومتحديا أزمات مركبة.
يدرك أبو ربيع (24 عاما) هذه المخاطر والأزمات، ويقول للجزيرة نت إن "فاتورة عشقي للزراعة قد تكون باهظة وثمنها دم"، لكنه في الوقت نفسه يشعر بكثير من الفخر والرضى عن نفسه وأسرته التي تتوارث مهنة الزراعة جيلا بعد جيل، لنجاحهم في استصلاح مساحة من الأراضي الزراعية رغم الدمار الهائل والعزلة التي يفرضها الاحتلال على مناطق شمال القطاع.
بعد محطات كثيرة في رحلة النزوح التي أجبرت أسرة أبو ربيع عليها مع الساعات الأولى لاندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع عقب هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، اتخذت قرارها الممزوج بكثير من الجرأة والمغامرة بالعودة إلى منزلها وأراضيها في بلدة بيت لاهيا، التي كانت واحدة من محاور التقدم الأولى للاحتلال في اجتياحه البري.
لا تزال هذه الأسرة (8 أفراد) ترفض مجرد التفكير في مغادرة شمال القطاع والنزوح نحو جنوبه، وقد نجا يوسف بأعجوبة من عدة استهدافات إسرائيلية، ويحسم موقفه بكلمات معدودة "لو أراد الله لي الشهادة فلتكن هنا .. أريد أن أدفن في أرضي".
في فبراير/شباط الماضي تلمس يوسف وأسرته خطواتهم الأولى نحو العودة للزراعة، ورغم ما لهذه الأسرة من خبرة كبيرة في هذا المجال فإن الزراعة من العدم وبلا أي مقومات ومع الخطر الشديد جراء التوغل البري الإسرائيلي والتحليق المكثف للطيران "كانت مهمة مستحيلة بل وقاتلة" كما يصفها يوسف، ويقول "عندما عدنا هنا كان الدمار في كل مكان ولا أثر لمقومات الحياة".
بإعادة تدوير محصول أصابه الجفاف، وفي حديقة منزلية مدمرة، نجح يوسف في تأسيس "مشتل صغير" وإنتاج أشتال من الفلفل والباذنجان، ومن هنا بدأت حكاية "الصمود بالزراعة"، وبحسب يوسف فإن التفكير بالعودة للزراعة جاء بعد أسابيع من المعاناة للبقاء على قيد الحياة وكمن "ينحت في الصخر" عبر البحث عن مصدر للمياه، والاعتماد على النباتات البرية كطعام رئيسي.
وينظر هذا المهندس الزراعي الشاب للزراعة في زمن الحرب كرسالة حياة، ويقول "النباتات بلونها الأخضر تمنحنا طاقة إيجابية، وأننا سنمر من هذه المحنة، وتؤكد قدرتنا على إعمار البلد من جديد".
ومع شعوره بالفخر بما حققه من إنجاز خلال الشهور القليلة الماضية تنتاب يوسف مخاوف من الاستهداف الإسرائيلي، أو إجباره وأسرته على الرحيل، وتجريف أراضيهم الزراعية، وبرأيه فإن الشعور بالخوف وعدم الاستقرار يتعارض مع الزراعة، "ولكن لا بديل أمامنا سوى الزراعة للنجاة من المجاعة ومحرقة الحرب".
وتتجاوز مساحة الأراضي الزراعية التي ساهم يوسف وأسرته في استصلاحها وإعادة زراعتها من جديد زهاء 200 دونم (الدونم ألف متر مربع)، وبكثير من الحماسة يتحدث يوسف عن "استجابة كبيرة" من المزارعين للعودة إلى أراضيهم الزراعية رغم ما لحق بها من دمار، ويضرب المثل بمزارع وأبنائه دفنوا بأيديهم 3 حفر عميقة أحدثتها صواريخ مقاتلة إسرائيلية داخل أرضهم وأعادوا زراعتها.
ولا يبالغ يوسف في تأثير هذه المساحات ومساهمتها في مواجهة ما يصفها بـ"المجاعة الحقيقية" التي تعصف بمئات آلاف الفلسطينيين في شمال القطاع، غير أنه في الوقت نفسه يأمل لو استمرت واتسعت لتغطي 50% من الاحتياجات.
ويقدر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أن الاحتلال أخرج 75% من المساحة الإجمالية للأراضي الزراعية في القطاع عن الخدمة خلال الشهور الماضية منذ اندلاع الحرب.
وتتركز المساحة الكبرى من المساحات الزراعية في المناطق المحاذية للسياج الأمني الإسرائيلي في شرق القطاع وشماله، حيث يتعذر على المزارعين الوصول لأراضيهم في تلك المناطق منذ اندلاع الحرب لخطورتها، إضافة إلى الاستهداف المباشر لمساحات أخرى بالقصف والتجريف.
وتعاني أسرة أبو ربيع وغيرها من المزارعين في شمال القطاع من التكاليف الباهظة للزراعة، نتيجة الصعوبة البالغة في الوصول للمياه، وعدم توفر البذور والأشتال والأسمدة، "ما فعلناه حتى اللحظة هو المستحيل نفسه، أن نزرع من العدم وفي ظروف خطرة وغير ملائمة"، يقول يوسف.
زراعة لمقاومة المجاعة"تحدينا الظروف الصعبة والخطرة"، يضيف يوسف وهو يتحدث عن تجربة الزراعة المنزلية، التي باتت بنظر أهالي الشمال سبيلهم الوحيد لمقاومة المجاعة وتعزيز صمودهم وبقائهم على قيد الحياة.
نحو 300 أسرة حتى اللحظة خاضت تجربة الزراعة المنزلية، غالبيتها ليس لديها أي خبرات أو تجارب زراعية سابقة، ويصف يوسف إقبال الأسر على الزراعة بأنه "رهيب"، ويقول "منذ يومين ساعدنا 20 أسرة في مخيم جباليا بالأشتال، ومن شدة سعادته وأمله قال لي رجل: هذه الشتلة هي أملنا في مواجهة المجاعة".
وفي مركز إيواء يؤوي 200 أسرة مكونة من زهاء 600 فرد بادر شبان لزراعة مساحة ليست كبيرة من الأرض بالباذنجان والملوخية، ونجحوا في الإنتاج وتناولوا من المحصول.
ويقدر الناطق باسم وزارة الزراعة في غزة المهندس محمد أبو عودة أن نحو 500 دونم تم استصلاحها في شمال القطاع بالفترة الأخيرة وزراعتها بالخضراوات، إضافة إلى مساحات من الأراضي المزروعة بأشجار الفواكه وحافظ المزارعون عليها.
وهذه المساحات -بحسب حديث أبو عودة للجزيرة نت- هي التي توفر الكميات الشحيحة من الخضراوات والفواكه في الأسواق، وبأسعار باهظة وجودة متدنية، بسبب "الظروف غير المثالية في عمليات الإنتاج الزراعي"، فمثلًا كيلو الفلفل الأخضر يصل ثمنه 400 شيكل (حوالي 110 دولارات) وكيلو الباذنجان يباع بنحو 80 شيكلًا (حوالي 22 دولارا).
ويقول المسؤول في وزارة الزراعة إن مبادرات شبابية أو شخصية تقف غالبا وراء عمليات استصلاح الأراضي الزراعية في شمال القطاع، وبدعم مؤسسات لإعادة عجلة الإنتاج الزراعي، غير أنه يقول إن المساحات حتى اللحظة ليست كبيرة لتنهي المجاعة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الأراضی الزراعیة فی شمال القطاع شمال قطاع غزة بیت لاهیا
إقرأ أيضاً:
يوم دموي جديد في غزة: مجازر من جباليا حتى رفح وجرحى أثناء استلام المساعدات
#سواليف
في اليوم الرابع والسبعين من استئناف #حرب_الإبادة على قطاع #غزة، واصلت قوات #الاحتلال الإسرائيلي ارتكاب #مجازر متفرقة، طالت مناطق واسعة من شمال القطاع حتى جنوبه، وأسفرت عن ارتقاء شهداء وإصابة العشرات، بينهم أطفال ونساء، وسط قصف جوي ومدفعي مكثف.
لحظة قصف طيران الاحتلال بناية في سوق العملة بالبلدة القديمة بمدينة غزة. pic.twitter.com/GuLcDeHL1g
— شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) May 30, 2025في شمال القطاع، شنّ طيران الاحتلال غارات مكثفة على جباليا البلد وجباليا النزلة، مستهدفًا منازل سكنية تعود لعائلات مهرة، نصر، نبهان ودردونة، ما أسفر عن ارتقاء عدد من الشهداء، بينهم شهيدة وعدد من الجرحى، إضافة إلى إصابات عقب قصف استهدف منزلين في حي السلام.
مقالات ذات صلةمن مفترق المالية بمدينة غزة بعد ارتقاء وإصابة عدد من الأهالي في مجزرة جديدة ارتكبها الاحتلال بغاراته التي لا تتوقف. pic.twitter.com/LgIFe0JCdv
— شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) May 30, 2025كما أسفر قصف تجمع للأهالي في حي الصفطاوي عن استشهاد ثلاثة فلسطينيين، بينما نفذت طائرات الاحتلال غارات على شارع نصر، وشارع السكة في حي الشجاعية، وشارع الزرقا شمال شرقي المدينة، إضافة إلى غارات شرق حي التفاح، بالتوازي مع قيام القوات بنسف منازل سكنية بالكامل في المنطقة ذاتها.
كما أطلقت آليات الاحتلال النار باتجاه منازل الفلسطينيين شرق قرية المصدر وسط القطاع، في وقت فجّر فيه جيش الاحتلال “روبوتًا” مفخخًا في شمال غزة.
لحظة تمكن الأهالي من انتشال 3 شـــهداء بعد قصف الاحتلال مجموعة شبان في حي التفاح شرقي مدينة غزة. pic.twitter.com/oOKdIXAUR0
— شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) May 30, 2025في مدينة غزة، أُصيب عدد من الفلسطينيين جراء قصف استهدف مجموعة منهم قرب مفترق المالية جنوب غرب المدينة، كما شنّ طيران الاحتلال غارات متتالية على أحياء الشجاعية والتفاح، وحي الزرقا شرقًا وشمالًا، وتواصلت الغارات حتى ساعات المساء مستهدفة مواقع سكنية ومدنية.
أما في وسط قطاع غزة، فقد أُصيب 20 فلسطينيًا برصاص قوات الاحتلال شمال مخيم البريج أثناء توجههم لنقطة توزيع المساعدات الأمريكية في منطقة نتساريم. كما أطلقت القوات النار مباشرة على الأهالي في المحور ذاته، في انتهاك واضح للقانون الدولي الإنساني، فيما طال قصف مدفعي الأطراف الشرقية لمدينة دير البلح.
وفي جنوب القطاع، صعّدت قوات الاحتلال هجماتها على مدينة خانيونس ومحيطها. البلدة تعرّضت لقصف جوي ومدفعي عنيف، خاصة في بلدة القرارة شمالًا ومنطقة قيزان النجار جنوبًا.
كما شن الاحتلال غارات جوية على مناطق متفرقة في عبسان الكبيرة، حيث استشهد فلسطينيون إثر استهداف سيارة مدنية، فيما سُجلت إصابات في قصف آخر طال حي قديح في البلدة ذاتها.
خيام للنازحين في منطقة الصناعة والمواصي غرب خانيونس تعرضت هي الأخرى لقصف إسرائيلي دموي، أسفر عن استشهاد ثلاثة فلسطينيين، واستشهد آخر وأُصيب عدد من الفلسطينيين في قصف استهدف خيمة أخرى للنازحين في ذات المنطقة.
وفي مدينة رفح جنوب القطاع، أُصيب ثمانية فلسطينيين جراء قصف إسرائيلي استهدف مجموعة من الأهالي في منطقة الشاكوش شمال غرب المدينة. كما استشهد فلسطيني قرب نقطة توزيع المساعدات التابعة لما تُعرف بـ”الشركة الأمريكية” في مواصي رفح بعد استهدافه برصاص الاحتلال.
وتأتي هذه الاعتداءات ضمن نمط متواصل من الاستهداف المباشر للفلسطينيين، بما يشمل المدنيين والنازحين ومنازلهم، في سياق حرب شاملة ترتكب فيها القوات الإسرائيلية انتهاكات جماعية دون تمييز، وسط عجز دولي مطبق عن كبح آلة القتل المتواصلة منذ أكثر من عشرة أسابيع.
وشهد القطاع بالأمس مجازر دامية حيث استشهد ما لا يقل عن 70 فلسطينيا، بينهم نساء وأطفال، وأصيب العشرات بجروح في غارات جوية وقصف مدفعي استهدف مناطق مختلفة.
ويأتي هذا التصعيد في وقتٍ يعيش فيه قطاع غزة كارثة إنسانية خانقة، حيث يعاني السكان من مجاعة حادة ونقص حاد في المواد الغذائية والدوائية، نتيجة الحصار الخانق منذ إغلاق المعابر في الثاني من مارس/آذار الماضي.
وتشير التقديرات إلى أن نحو 1.5 مليون فلسطيني من أصل 2.4 مليون باتوا بلا مأوى بعد أن دمرت الحرب الإسرائيلية منازلهم.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، يواصل الاحتلال شن حرب إبادة جماعية في قطاع غزة، أسفرت عن أكثر من 177 ألف شهيد وجريح، معظمهم من النساء والأطفال، بالإضافة إلى أكثر من 11 ألف مفقود لا يزال مصيرهم مجهولا حتى الآن.