مع علو نموذج المقاومة في غزة وتسيده للمشهد الإسلامي في كثير من الدول العربية والإسلامية، ازدادت وتيرة اشتغال بعض أتباع المذاهب العقدية والمذهبية بالخلافات التقليدية (عقائديا ومذهبيا وفقهيا)، وإثارتها بقوة بين أتباع تلك المذاهب، وإشغال الساحة الإسلامية بها.

وفي تفسير ذلك السلوك ثمة من يرى أنه يأتي من بعض رموز وأتباع تلك المذاهب في سياق تعزيز وجودهم، وإشاعة مذاهبهم، وإظهار فاعليتهم بعد أن انجذب عامة المسلمين لنموذج المقاومة في غزة، وانفضاضهم عن المشايخ التقليديين، والاشتغال بقضاياهم التقليدية المعروفة.



وفي هذا الإطار لفت الكاتب والإعلامي الأردني، حاتم الهرش أنه لاحظ "أثناء الحرب على غزة ازدياد حدة الخلافات المذهبية في المسائل الكلامية والفقهية بين أرباب الكهنوت الديني، وانتشار المناظرات والمناقشات بين أتباع الأنماط التدينية التقليدية، وانخراط أتباع هؤلاء في الرد، والرد على الرد، وإحياء سجالات فقهية وكلامية بطريقة لافتة".

وأضاف في منشور عبر صفحته على "فيسبوك"، اطلعت "عربي21" عليه "كل هذه الأنماط التديّنية استشعرت أن الطوفان أتى عليها، وأن مشروعية حضورها اهتزت، وأن مشروعها نُقض، وأن كلمة الفصل في بناء الأمة اليوم، هي في غزة حصرا، وفي مشروعها الجهادي، لا في المتون ولا في الحواشي، ولا في التكفير ولا في التبديع..".

وتابع: "لقد استشعر كل هؤلاء أن دورهم انتهى، وأن البساط قد سُحب من تحت أرجلهم.. وأن المخرج من المأزق التاريخي يستدعي نيش الركام عن مسائل الخلاف، "وكل ذلك بما يرضي الله، وفي سبيل نقاء أهل السنة والجماعة، وطهورية الصف"!



وخلص الهرش في ختام منشوره إلى القول "جاء الطوفان ليقول بأن هذه الأنماط التدينية لا تقتات إلا على لحظات انحطاط الأمة الإسلامية، وأنها من مظاهر التخلف الحضاري، وأن موتها يكون بانبعاث مشروع الأمة، وأنها لا تنشط إلا عندما تكون الأمة ميتة..".

ذلك الجدل وتلك السجالات دفعت بإشكالية إدارة الخلافات المذهبية حال مواجهة عدو قاتل غاشم يتهدد الوجود الإسلامي برمته، إلى الواجهة من جديد، إذ ما زال السلوك الإسلامي في كثير من تجلياته ينشغل بإحياء الخلافات المذهبية، ويحولها إلى أداة لتأجيج الخلافات الإسلامية الإسلامية، وإشغال عامة المسلمين بها.

 ولعل التحدي المفروض على جميع اتجاهات ومكونات الحالية الإسلامية، على اختلاف توجهاتهم إشاعة رؤى فكرية، وتجذير أنماط سلوكية راشدة في التعامل مع الخلافات المذهبية، وعدم إضاعة الجهود وتبديد الطاقات في تلك النقاشات والردود، وتوحيد الصف الداخلي في مواجهة أخطار العدو الخارجي.

من جهته رأى الداعية السلفي المغربي، حسن الكتاني أن معالجة الخلافات المذهبية تكون بالحوار وتدار بالتفاهم، وهذا في سائر الأحوال العادية، فكيف إذا كان ثمة ظروف استثنائية كحالات الصراع وتسلط الأعداء على المسلمين، ما يوجب أن يكون واجب جميع المسلمين توحيد الجهود والطاقات لمواجهة العدو الصائل، ودفعه بالمستطاع والمقدور عليه عن بلاد المسلمين".

وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "ولقد عهدنا في وقائع وأحداث تاريخية أن المسلمين كانوا يدعمون السلاطين الذين يجاهدون في سبيل الله وإن كانوا مخالفين لهم، فإن العلماء كما كان سلوك العلماء بالجهاد مع بني أمية مع جورهم، وهو ما كان كذلك زمن المعتصم، فمع مخالفة علماء له إلا أنهم كانوا يدعمونه في جهاده وقتاله، ومن المعروف أن صلاح الدين الأيوبي كان أشعريا، وقرر الأشعرية في الأزهر، ومع ذلك شارك علماء أثريون معه في تحرير بيت المقدس".


                                        حسن الكتاني.. داعية سلفي مغربي

ولفت الكتاني إلى أن "المقصود بالخلاف هنا ما كان بين أهل السنة بمعناه العام، بين الأشاعرة والماتريدية والأثرية أو السلفية، كما يمكن أن يقال الكلام نفسه في الخلاف بين الكرامية (أتباع محمد بن كرام السجستاني) وبين باقي اتجاهات المسلمين في بلاد غزنة، زمن السلطان محمود الغزنوي، فقد كان مُقربا للكرامية، الذين كانت لهم أقوال وآراء يختلف معهم فيها الأشاعرة والماتريدية والسلفية أيضا، فعامة المسلمين مدحوا السلطان محمود الغزنوي، ورأوا أنه من المجاهدين الأبطال".

وأردف: "فإذا كان هذا الخلاف في دائرة أهل السنة، فإن الخلاف بين السنة والشيعة كان يُجمد حال وقوع الأحداث العظمى كذلك، وهذا ما سلكه المسلمون في وقائع متعددة من مراحل التاريخ الإسلامي، كما حدث ـ على سبيل المثال ـ حينما هاجم الصليبيون مصر زمن العبيدين فطالبوا عموم المسلمين نجدتهم لمواجهة خطر الصليبيين".

وفي ذات الإطار أجاب الباحث الشرعي الأردني، الدكتور محمد سعيد بكر عن سؤال "عربي21" حول كيفية التعامل مع الخلافات المذهبية حينما تكون بلاد المسلمين محتلة من قبل عدو غاشم كما يحدث الآن في غزة وفلسطين بالقول "إدارة تلك الخلافات تكون بالتعاون فيما اتفقنا عليه، وأن يعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه.. وننظر إلى الجوامع ولا نشمت أعداءنا بالنبش عن المفرقات".

وأضاف: "في كل زمان هناك من يثير الخلافات؛ إما جهلا وتعصبا أعمى أو خبثا وقصدا لإضعاف الأمة وتوهينها، ولن تنتهي الاختلافات لأن التنوع من سنن الكون، فلسنا نسخة واحدة، ولا يدير الاختلافات ويستمر التنوع إلا كبار النفوس والعظماء الذين يستوعبون الآخرين".


                                                       د. محمد سعيد بكر.. باحث شرعي أردني

وتابع "كما تستوعب المقاومة الغزية اليوم كل مقاوم بتركيز بوصلتها على المحتل وعدم توسيع جبهات معاركها في الداخل والخارج، والظروف العصيبة والتحديات والأزمات تجمع كل متجرد ولا تفرق إلا أصحاب الأهواء والأجندات الشخصية" على حد قوله.

بدوره أوضح الداعية والباحث اليمني، الدكتور عبد الفتاح اليافعي أن إدارة الخلافات المذهبية تكون عبر عدة نقاط "أولا تصحيح تصورات أتباع الاتجاهات الإسلامية بعضهم عن بعض، فمن خلال مخالطتي لكل الاتجاهات والطوائف تبين لي أن تصور كثيرا من أتباع تلك الاتجاهات لبعضهم البعض على خلاف الواقع، فحتى يكون الحكم صحيحا لا بد أن يصدر عن تصور صحيح"ز

وتابع "وثانيا يكون بتصحيح الحكم على المخالف، بأن يكون الحكم حكما علميا متجردا عن العواطف والجهل والأهواء، وبعيدا عن المصالح والبيئات والمؤثرات، وفي نفس الابتعاد عن تضخيم مسائل الخلاف وتكبيرها، كما يجعل بعضهم من الحبة قبة، وهذا من شأنه تقليل مساحة الخلافات وإدارتها بحكمة وتعقل"ز

وواصل اليافعي حديثه لـ"عربي21" ذاكرا النقطة الثالثة في إدارة الخلافات المذهبية ألا وهي تصحيح التعامل بين أتباع الاتجاهات الدينية الإسلامية، إذ ينبغي مع اختلافاتهم أن يتعاملوا بالأخلاق الحسنة، فالرسول عليه الصلاة والسلام كان يتعامل مع اليهود والنصارى والمشركين والمنافقين بالأخلاق الراقية والعالية، وهذا مطلوب مع كل الخلق".


                                          د. عبد الفتاح اليافعي.. داعية وباحث يمني

وأردف "وكذلك يجب أن نتعاون في المتفق عليه، وهو كثير وميادينه واسعة جدا، ومن المتفق عليه أن اليهود الصهاينة محتلون لفلسطين، ويجب أن نجتهد لإخراجهم من فلسطين بدعم أهلها ومؤازرتهم ونصرتهم ومد يد العون إليهم بما نستطيع فعله ونقدر عليه".

وشدد في ختام كلامه على أهمية "الترفع عن حظوظ النفوس وشهواتها في التعامل، إذ ثمة جوانب كثيرة من الخلافات بين الاتجاهات والطوائف خلافات شخصية، ناتجة عن مصلحة وهوى، لكن المؤسف أن بعضهم يغطيها بثوب ديني وشرعي، ويقيم معارك عليها معارك كبيرة بذرائع دينية وشرعية".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير تقارير غزة الحرب فلسطين احتلال فلسطين غزة حرب تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی غزة

إقرأ أيضاً:

خطيب الجامع الأزهر: نصر الله آتٍ لا محالة.. ويجب على المسلمين الدفاع عن أرضهم

ألقى خطبة عيد الأضحى اليوم بالجامع الأزهر، الدكتور حسن الصغير، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة، المشرف العام على لجان الفتوى بالجامع الأزهر، والأمين العام المساعد لمجمع البحوث الإسلامية للشئون العلمية والبحوث، والتى دار موضوعها حول *الأضحية رمز التضحية والفداء والنصر.

المقاصد العليا للحج.. موضوع خطبة عيد الأضحى من مسجد مصر بالعاصمة الإداريةالرئيس السيسي يستمع لخطبة عيد الأضحى من مسجد عاصمة مصر بالعاصمة الإدارية

وقال الدكتور حسن الصغير، إن عيد الأضحى يوم كبير من أيام المسلمين، وموسم عظيم من مواسم الخير، فهو يوم النحر، اليوم الذي يذكرنا بيوم الدين لما فيه من التضحية والبذل في سبيل مرضاة الله عزّ وجلَّ، ولما سئل النبي ﷺ ما هذه الاضاحي؟ فقال سنة ابيكم إبراهيم، وأوضح فضيلته أن المتدبر لكلام النبي ﷺ يجد أنه يعلِم الأمة إلى يوم الدين أن الأضحية رمز للتضحية والفداء والتفاني في سبيل الله، ورمز للنصر بعد القهر والذل، والعطاء بعد المنع، والفتح بعد الانغلاق. قال تعالى: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾. ضحى الخليل إبراهيم عليه السلام بنفسه لما أمر قومه بنبذ عبادة الأصنام وعبادة الله عزّ وجلَّ وحده، فألقوه في النار. فجاء الرد الإلهي: ﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ﴾. 

وأشار خطيب الجامع الأزهر، إلى أن النصر إنما يكون مع الصبر، والفرج مع الكرب، قال تعالى﴿إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾، وإن إبراهيم الخليل عليه السلام الذي كان أُمة يعلمنا التضحية، حينما أمر أن يضحي بابنه ويذهب به إلى وادٍ غير ذي زرع، فكان الفتح والعطاء، وفُرض الحج ومناسكه إلى يوم الدين، وأمر بالتضحية بابنه بذبـ حه، فاستجابا وسلما أمرهما لله، فإذا بفتح الله وكرمه ونصره وفدائه. افتداه الله بالفداء والذبـ ح العظيم، فكانت سنة الأضحية ليوم الدين.

وأكد الصغير، أن نصر الله عزّ وجلَّ آتٍ لا محالة، فيجب على المسلمين الثبات والدفاع عن أرضهم وعرضهم ووطنهم وعقيدتهم، وأن هذه الأمة سوف تفرح ما دام كتاب الله وسنة رسوله فينا يذكرنا بالنصر مع الصبر، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ﴾.

وبين المشرف العام على لجان الفتوى، أن في هذا اليوم المبارك تقام شعيرة من أعظم الشعائر، وهي شعيرة الأضحية التي تذكرنا بأن الفداء عند البلاء، موجهاً رسالة إلى أهل غزة وفلسطين بالثبات والصمود، وأن يكونوا على يقين بأن الله ناصرٌ دينه ولو بعد حين. 

كما دعا فضيلته المسلمين إلى الالتزام بآداب الشريعة في الأضحية، وألا يجعلوها مضماراً يلوث تاريخ الأمة ويشوه صورتها، فهذه الشعيرة دلالة على عبادة الله وصلة الأرحام والأهل، والأقارب والجيران، وإطعام للفقراء والمساكين.

طباعة شارك خطبة العيد صلاة الجمعة غزة الجامع الأزهر الأزهر الشريف المسلمين

مقالات مشابهة

  • القبض على عامل لاتهامه بقتل زوجته بسبب الخلافات الأسرية فى البحيرة
  • نيويورك تايمز: ترامب يتهم ماسك بتعاطي المخدرات ...اتساع خوة الخلافات بين حلفاء الامس
  • بن سلمان يهنئ المسلمين بعيد الأضحى ويدعو لسلام عادل في فلسطين
  • هارفارد تحتفل بيوم الخريجين وترد على ترامب: مبادئنا لا تُساوم
  • الإفتاء: الله شرع العيد لإدخال الفرحة والبهجة على المسلمين
  • دوران ينفي الخلافات التي حدثت في غرفة الملابس.. فيديو
  • بسبب الخلافات مع ماسك.. ترامب يعتزم التخلص من سيارة تسلا يملكها
  • مئات الآلاف من المسلمين يؤدون صلاة عيد الأضحى في إيطاليا
  • خطيب الجامع الأزهر: نصر الله آتٍ لا محالة.. ويجب على المسلمين الدفاع عن أرضهم
  • عاجل.. محمد صبحي يكشف حقيقة الخلافات بينه وبين عواد.. ويوجه رسالة لجماهير الزمالك