بوابة الوفد:
2025-05-20@02:24:18 GMT

الحبس الاحتياطي أبغض الحلال

تاريخ النشر: 27th, July 2024 GMT

كونى أحد المشتغلين بالقانون وممارسًا له عمليًا وقضائيًا وتشريعيًا، بات من واجبى ويتحتم علىَّ ضميريًا وإنسانيًا ان أتعرض بالنظر فى بعض الأمور التى تمثل انتهاكًا للحرية وتحتاج إلى تدخل فورى لابد منه، ويأتى على رأس هذه الأمور «الحبس الاحتياطي»، بداية أرى أن الحبس الاحتياطى هو أبغض الحلال عند القضاء، وعند كافة المشتغلين بالقانون بل وعند كافة الشرائع السماوية، كونه يتعارض مع الناموس الطبيعى للبشر التى خلقها المولى عز وجل أحرارًا، ولتعارضه الشديد مع المبدأ الدستورى العظيم والمستقر عليه فقها وقانونا أن المتهم برىء حتى تثبت إدانته».


ولما كانت فلسفة القانون فى هذا الشأن وما ينطوى عليه الحبس الاحتياطى من سلب للحرية وإن كان له فى بعض القضايا مبرراته والتى على رأسها خشية هروب المتهم أو التأثير على الأدلة وسير التحقيقات وغيرها من المبررات المقبولة فى بعض الجرائم لكن لا يمكن بأى حال من الأحوال أن نتخذ هذه المبررات ذريعه للتعميم أو أنها قاعدة الأصل فيها الحبس والاستثناء هو إخلاء السبيل.
ولمن لا يعرف فإن الحبس الاحتياطى ليس بعقوبة ولكن تدبير احترازى أقره القانون لظروف معينه، وغل فيها يد السلطة القائمة على تطبيقة «نيابة كانت أم قضاء عن الإسهاب فيه حماية لحرية الأفراد أيا كانوا، لأن الأصل فى الإنسان الحرية، وتقييد الحرية هى لظرف استثنائى طارئ».
سأقولها بكل صراحة إن فتح مدد الحبس الاحتياطى وعدم وضع حد أقصى للحبس الاحتياطى فى الجرائم التى تتطلب العقوبة الإعدام أو المؤبد فى 2013، كان لظرف استثنائى تمر بة البلاد، من حرب على الإرهاب واضطرابات أمنية وغيرها من الأمور، والآن وقد استقرت الأمور، بات من الضرورى تعديل هذا القانون، الذى تغول على الحرية وأصبحنا نرى متهمين يقضون عددا كبيرا من السنين دون محاكمه أو إخلاء السبيل، لقد سبق وأن تفهمنا ظروف إصدار القانون، والآن وجب إعادة الشىء لأصله بعد أن انتفى مبرره تصحيحًا للأوضاع وحماية للحريات.
ثم إن سلب حرية المتهم المدة الزمنية اللازمة التى تطلبها مقتضيات التحقيق وفق الشروط والضوابط القانونية، وإن كان هدفه الحفاظ على سير التحقيقات لكن لا يمكن القبول بأى حال من الأحوال أن يصير عقوبة، فهذا لا تقبله ضمائرنا ولا ديننا ولا أخلاقياتنا.
طالعت تحركات وجلسات الحوار الوطنى بقيادة المحترم ضياء رشوان، والمستشار محمود فوزي، رئيس الأمانة الفنية للحوار الوطني، ووزير الشئون النيابية وأدركت أن هناك جدية لتصحيح الأوضاع بعقد جلستين الثلاثاء الماضى، واستمع ممثلو مجلس أمناء الحوار الوطنى والمقررين والحاضرون إلى كل وجهات النظر والوضع القانونى القائم حاليًا ومقترحات التطوير المختلفة واستعراض تجارب الدول الأخرى، والنظر فى البدائل الاحترازية الأخرى والتى منها على سبيل المثال الأسورة الإلكترونية التى أصبحت سائدة فى الغالبية العظمى من دول العالم ودون مصادرة لرأى أو حجر على فكرة.
ويتلقى مجلس الأمناء أوراق العمل والمقترحات المقدمة من المعنيين من القوى السياسية، وسيقوم بإجراء ما يلزم من مشاورات قبل صياغة ورفع تقرير التوصيات فى صورته النهائية إلى السيد رئيس الجمهورية.
وحسنا فعلت لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب وما قرره رئيس البرلمان فى آخر جلسة، بضرورة اجتماع اللجنة خلال الإجازة البرلمانية لمناقشة تعديلات قانون الإجراءات الجنائية، وما تضمنه من تعديلات للحبس الاحتياطى، وتضمن مشروع القانون الذى أعدته اللجنة تخفيض مدد الحبس الاحتياطي، ووضع حد أقصى لها، وتنظيم حالات التعويض عنه، تحقيقا للغاية من كونه تدبيرا احترازيا وليس عقوبة، فضلا عن إقرار بدائل للحبس الاحتياطى.
تحركات تعديل قانون الحبس الاحتياطى نأمل ان تنفذ على أرض الواقع قريبا فهناك العشرات المتضررين من قانون، أخذوا بمبدأ السيئة تعم، ولأن إقرار العدل من سنن الله فى الأرض فلا بد أن نتحرك جميعًا فالمسئولية على الجميع بدون استثناء، فى رفع الظلم وإقرار العدل.
ثم وزارة الداخلية وإن كانت قد أنجزت وقامت خلال الفترة الماضية، بعدد من منشآت ومراكز الإصلاح والتأهيل على أحدث المواصفات العالمية، إلا أن السجون المركزية فى الأقسام والتى يقبع فيها الأشخاص على ذمة الحبس الاحتياطى تكتظ بالبشر الذين يحتاجون إلى نظرة، لأن وجود كل هذه الأعداد الكبيرة داخل غرف صغيرة تعرض هؤلاء المواطنين للخطر الداهم ولأمراض معدية خطيرة، كيف يعقل أو يتصور غرفة مساحتها ٢٠ يوضع بها أكثر من خمسين مسحونًا وفى ظل هذه الظروف المناخية الصعبة، بالإضافة لما يمثله من عبء كبير على الداخلية، وهى تقوم بدور وطنى كبير، ولكن فى ظل إمكانات محدودة فى بعض الأقسام الصغيرة.
كلمة من واقع المسئولية الوطنية والإنسانية، أقولها لعلها تجد آذان صاغية، لا أحد يزايد على وطنية أحد، جميعًا فى مركب واحد هدفنا الوصول بالوطن إلى بر الأمان، ولن تصل إلا بإقرار العدالة، ليسود العدل، كما أراده الله على أرضه.
وللحديث بقية ما دام فى العمر بقية
المحامى بالنقض
عضو مجلس الشيوخ

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: عضو مجلس الشيوخ كلمة حق طارق عبدالعزيز الحبس الاحتیاطى فى بعض

إقرأ أيضاً:

حقائق و بديهيات «للأسف يجب ان تقال»

 

حقائق و بديهيات «للأسف يجب ان تقال»

بكري الجاك

الحقيقة الموضوعية التى لايمكن مقارعتها بالغلاط و الهتاف ان السودان ظل فى حالة احتراب داخلي منذ ماقبل الاستقلال (أغسطس ١٩٥٥ حركة الأنانية ون) حينها كانت منطقة الخليج تحت الانتداب البريطاني و لم يكن هنالك دول مثل الامارات و قطر و لاغيرها و التى كانت موجودة كانت لا تملك قوت عامها.

و الحقيقة الموضوعية التى لا يمكن محوها انه كان هناك نظام يسمي الانقاذ أتى بانقلاب عسكري فى عام ١٩٨٩ و قام بتأجيج الحرب الأهلية باسم الجهاد و استثمر فى خلق الصراعات القبلية و تكوين المليشيات و تقنين الفساد و تطبيعه حتى ظن الناس الاستقامة هى ضرب من ضروب الخيال.

و الحقيقة الموضوعية التى لا يمكن تغييرها بالاكاذيب ان الشعوب السودانية قامت بثورة عظيمة فى ديسمبر ٢٠١٨ شاركت فيها كل فئات المجتمع السوداني و ان القيادة المدنية التى قادت مشروع الثورة اتخذت تقديرات سياسية اتضح لاحقا ان بعضها كان غير صحيح و لكن لم تفشل الفترة الانتقالية، و كما لا يمكن ان نساوي بين ٢٦ شهر للحكم الانتقالي و ثلاثين عاما من التخريب الممنهج و النهب المشاع للانقاذ، و لم تفشل المرحلة الانتقالية و لكن انقلب عليها من يتحاربون الآن، كما عمل على افشالها تحالف المال و السلطة الذي عماده الاسلاميين و ربائبهم بالتامر و التخريب اولا و الانقلاب ثانيا و اخيرا الحرب.

و الحقيقة الموضوعية التى لا يمكن نفيها بإعادة كتابة التاريخ ان حرب السودان بدأت بين السودانيين و لها عدة اسباب مباشرة و غير مباشرة من بينها الخلل البنيوي فى بنية الدولة حتى قبل اعلان استقلالها.

عليه اي محاولة لتصوير حرب السودان كحرب خارجية او غزو اجنبي او كلها محض عدوان خارجي هو ذهول عن رؤية قرص الشمس او رفض حقيقة ان الشمس تشرق من الشرق و هذا لا يعني انه ليس هناك عوامل خارجية ( شبكة مصالح و دول) اصبحت ذات تأثير عالي فى استمرار حرب ١٥ أبريل و هذه العوامل سيكون لها دور فى الطريقة التى ستنتهي بها الحرب.

و جوهر القول انه بدلا من ترديد ان الحرب غزو اجنبي كشكل من أشكال الهروب الي الا مام علينا ان نتسائل عن ما هو دورنا نحن كسودانيين لايقافها بدلا من لعن الظلام و الخارج؟ اية محاولة للوم الخارج فقط و كفي هو ليس فقط نوع من الكسل الذهني بل هو التخلي عن ال agency اي قدرتنا على الفعل.

قليل من الموضوعية لا يضر و مهما كانت المواقف من الحرب و الرؤي فى تفسيرها لا يوجد ما يجب ان يقدم على ايقافها باي صيغة كانت و الا فما قيمة ان يكون الفرد منا علي صواب فى التشخيص و لكن المريض قد أصبح جثة هامدة؟ فلنعمل جميعنا على إسكات البنادق و لنواصل اختلافنا و جدلنا عن ما حدث حينما نجد الامان فللحقيقة اوجه عدة.

بكري الجاك
١٨ مايو ٢٠٢٥

الوسومبكري الجاك حرب السودان حرب خارجية غزو اجنبي كتابة التاريخ

مقالات مشابهة

  • نادي زد: وافقنا على بيع العش للأهلي ورغبة اللاعب حسمت الأمور
  • نصائح ذهبية لـ أولياء أمور طلاب الثانوية العامة.. تفاصيل
  • كريمة أبو العينين تكتب: السيسي والقمة العربية
  • الغياب قبل الامتحانات .. ظاهرة سلبية تؤرق الهيئة التدريسية ويبررها أولياء الأمور
  • بدائل الحبس في “معدل العقوبات” ستطبق على نزلاء في السجون
  • هل يُعد حكم استرداد التابلت من الطلاب بالمراحل التعليمية نهائيًا ولا يقبل الطعن؟
  • ماذا لو أحببنا الوطن.. .؟
  • حقائق و بديهيات «للأسف يجب ان تقال»
  • ترامب يضغط لخفض الفائدة.. وانتقاد لاذع لرئيس الاحتياطي الاتحادي
  • لو انت رايح للعُمرة .. احذر هذه الأمور يحرم عليك فعلها