عرض المؤشر العالمي للفتوى (GFI) التابع لدار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم نتائج مشروعه حول صياغة ميثاق أخلاقي إفتائي للتطورات في مجالات العلوم التجريبية والطبيعية والاجتماعية والذكاء الاصطناعي، والذي جاء خلاصة لثلاث دراسات قام بها مؤشر الفتوى، وكانت على النحو التالي "الفتوى وأخلاقيات الإعلام.

 

وزير الأوقاف اليمني: مؤتمر الإفتاء خطوة مهمة لحماية المجتمعات من تأثيرات الذكاء الاصطناعي تسلم جائزة القرافي لمفتي البوسنة والهرسك في مؤتمر الإفتاء الدولي 2024

رهانات الواقع وتحديات المستقبل" و"الفتوى وأخلاقيات العلم .. ضرورة التكامل وخطورة الانفصال" و"الفتوى وأخلاقيات الفضاء الرقمي.. التوظيف الأمثل للتقنيات الحديثة"، والتي انقسمت إلى أربعة مؤشرات رئيسية، أولها الفتوى والأخلاق والعلوم التجريبية والطبيعية  والاجتماعية، والمؤشر الثاني ازدواجية معايير الإعلام الغربي في التعامل مع القضية الفلسطينية، والمؤشر الثالث الفتوى وأخلاقيات الإعلام، والمؤشر الرابع الفتوى وأخلاقيات الفضاء الرقمي والذكاء الاصطناعي.

 

حيث عرض مؤشر الفتوى نتائج هذا المشروع في ورشة عمل بعنوان "صناعة ميثاق أخلاقي إفتائي للتطورات في العلوم التجريبية والطبيعية والاجتماعية والذكاء الاصطناعي" جاءت على هامش انعقاد المؤتمر العالمي (الفتوى والبناء الأخلاقي في عالم متسارع) الذي تنظمه دار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم.

 

حيث عرض الدكتور طارق أبو هشيمة مدير المؤشر العالمي للفتوى نتائج هذا المشروع الذي اعتمد فيه مؤشر الفتوى على التحليل الإحصائي والشرعي للخطاب الإفتائي المتعلق بالعلوم التجريبية والتطبيقية والاجتماعية والطبيعية، وكذا تطورات الذكاء الاصطناعي، وأخلاقيات الإعلام في التعامل مع التطورات العالمية، والتي كانت محل نقاش مجموعة من العلماء والخبراء والأكاديميين والمفتين من مصر وخارجها، برئاسة الأستاذ الدكتور رضوان السيد عميد كلية الدراسات العليا والبحث العلمي بجامعة محمد بن زيد للعلوم، ومعالي الدكتور قطب مصطفى سانو الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي بجدة.

 

حيث شمل العرض أهم النتائج التي توصل لها مؤشر الفتوى والتي خرجت من  خلال مؤشرات إحصائية إفتائية، جاء المؤشر الأول فيها بعنوان "الفتوى وأخلاقيات العلم.. ضرورة التكامل وخطورة الانفصال" والذي تضمن دراسة العلاقة بين العلم والدين والأخلاق فيما يتعلق بالعلوم التطبيقية والتجريبية والاجتماعية في إطار مظلة الفتوى، من خلال إجراء تحليل شرعي وإحصائي علمي متكامل للفتاوى المتعلقة بالعلم والأخلاق ومختلف القضايا المرتبطة بهما. 

 

وقد كشف هذا المؤشر عن تصدُّر مصر عينة الدراسة فيما يتعلق بفتاوى أخلاقيات العلم الشرعي بنسبة (26%)، ودور الفقيه في نشر أخلاقيات العلم بنسبة (39%)، والأمانة العلمية بنسبة (40%)، والاستنساخ بنسبة (60%)، وخرج غالبها عن دار الإفتاء المصرية، وغلب عليها الطابع البحثي والدعوي، المؤكد على وجوب التيسير في الفتوى وأهمية التواصل المجتمعي، وأهمية احترام الأخلاق.

 

فيما كشف مؤشر الفتوى عن تصدرت فتاوى موقع إسلام ويب عينة الفتاوى المتعلقة بقضية الاختلاط بين الجنسين في إطار العملية التعليمية بنسبة (35%)، وغلب عليها عدم الانضباط الشرعي في مؤشر خطير يستحق الاهتمام، يخص قضية تشكل مستقبل المنظومة التعليمية.

 

كما أشار مؤشر الفتوى إلى تفاعل الفتوى مع التطورات التكنولوجية واستخدام شات (GPT) وأدوات الذكاء الاصطناعي في الكتابة العلمية، والتي جاءت نسبتها (5.5%) من إجمالي فتاوى العينة، حرصت على بيان آداب استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم. احتلت الفتوى الأردنية نسبة مرتفعة في إطارها بلغت (25%).

 

ووجه مدير المؤشر إلى منح مزيد من الاهتمام بقضايا الحقن المجهري، واستئجار الأرحام، وتحديد جنس الجنين، في إشارة إلى مواكبة الفتوى لها بشكل كبير، حيث جاءت الفتاوى المرتبطة بهذه القضايا بنسبة (8.5%) من إجمالي فتاوى العينة، وشملت قضايا: التلقيح الصناعي بنسبة (45.5%)، وتحديد جنس الجنين بنسبة (31.5%)، وتأجير الأرحام بنسبة (23%).

 

وعليه فقد حذر مؤشر الفتوى من ندرة الفتاوى العربية المتناولة لقضية التربية الجنسية رغم خطورتها في العصر الحالي، وخطورة اقتصار الفتوى الغربية على تناولها بما يضمن إمكانية عدم انضباطها.

 

أما في مؤشره الثاني الوارد بعنوان "الفتوى وأخلاقيات الإعلام ، رهانات الواقع وتحديات المستقبل"، أكد مؤشر الفتوى على الأهمية التي توليها الفتوى للمعايير الأخلاقية لوسائل الإعلام والتي جاءت نسبتها (75%) من إجمالي عينة الدراسة، صدر (٦١%) منها من قبل جهات وشخصيات رسمية.

 

مشيرًا إلى تصدر مصر من خلال دار الإفتاء المصرية المؤسسات الأكثر اهتمامًا بالفتاوى المتعلقة بأخلاقيات الإعلام بنسبة (٣٤٪)، والتي حرصت على التصدي لظاهرة "التريندات"، وحماية المجتمع من انتشار الشائعات والأكاذيب، وتفشي الطائفية وازدراء الأديان.

 

فيما كشف مدير المؤشر عن اهتمام الأعمال الدرامية لدراما (2023-2024) بتناول القضايا التي تخص الشأن الديني والحريصة على الالتزام بالمعايير الأخلاقية بنسبة بلغت (38%)، شملت قضايا، تأجير الأرحام، والسحر والشعوذة، وتجميد البويضات، والميراث، ومسألة الصلاة لفاقد الطهورين، ومسألة الولاية على مال القصّر، ومسألة تمثيل الصحابة في الدراما التلفزيونية.

 

وفي نهاية هذا المحور حذر مدير مؤشر الفتوى من ازدواجية تناول الإعلام الغربي للقضية الفلسطينية وتعمده عدم الموضوعية في تناول أحداث غزة منذ اندلاع عملية طوفان الأقصى 7 أكتوبر 2023، كاشفًا عن تعمد استخدام التقارير والأخبار ومقالات الرأي المتداولة في الوسائل الإعلامية الغربية ألفاظًا مسيئة تحمل إدانات واستهانة بأرواح ضحايا العمليات الإسرائيلية تجاه أهل غزة العُزل والأبرياء المدنيين، والاعتماد على استخدام مصطلحات "الإرهاب" و"الإرهابيون"، في محاولة لتحجيم القضية الفلسطينية، وتصوير الأمر باعتباره دفاعًا إسرائيليًّا شرعيًّا عن النفس.

 

وهو التوجه الذي أرجعه مدير مؤشر كنتاج لسياسة إعلامية درج عليها الإعلام الغربي منذ سنوات تقوم على خلق صور تشويهيّة سلبيّة عن الإسلام والمسلمين، من خلال تعمد التركيز على نشر الفتاوى غير المنضبطة عبر وسائل الإعلام بنسبة وصلت (٨٩%) من المضمون الإفتائي المنشور إعلاميًّا، ومحاولة تصدير آراء شاذة لأناس غير معلومين على أنها فتاوى إسلامية صحيحة الهدف منها تصدير صورة مشوهة عن الإسلام والمسلمين والكل يعلم أنها لا تعبر عن السواد الأعظم ولا على الرأي الصحيح. 

 

أما في مؤشره الثالث الوارد بعنوان "الفتوى وأخلاقيات الفضاء الرقمي.. التوظيف الأمثل للتقنيات الحديثة"، تضمنت دراسة السياج الأخلاقي الذي يحكم سير العملية الإفتائية عبر الفضاء الرقمي الواسع، ودراسة مدى تفاعل الفتوى مع القضايا الأخلاقية الناجمة عن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.

 

حيث كشف مؤشر الفتوى عن اهتمام فتاوى عينة الدراسة بالجوانب الأخلاقية للتعامل مع العالم الرقمي من إجمالي الفتاوى المهتمة بالمجال التكنولوجي بنسبة بلغت (75%)، ما نسبته (55%) منها من قِبل جهات وشخصيات رسمية.

 

وجاءت نسبة الفتاوى المتعلقة ببيان الضوابط الأخلاقية لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي في صدارة الموضوعات التكنولوجية بنسبة (32%) من إجمالي العينة، غلب عليها قضايا التواصل بين الجنسين، التي أجازها البعض بضوابط، وحرمتها بعض الفتاوى غير المنضبطة بدعاوى الخلوة غير المشروعة واعتبارها بابًا من أبواب العبث والفتنة والشر.

وفيما يتعلق بتقنيات الذكاء الاصطناعي والضوابط الأخلاقية لها، أشار مؤشر الفتوى إلى اتفاق (85%) من الفتاوى بشقيها الرسمي وغير الرسمي على مشروعية الذكاء الاصطناعي بشكل عام باعتباره علمًا من العلوم ما لم يتضمن محظورات شرعية أو يضر بالإنسان. وفقط ما نسبته (15%) من الفتاوى غير المنضبطة حرمت أدوات الذكاء الاصطناعي واعتبرتها مضاهاة لخلق الله تعالى.   

 

وفي نهاية هذا المحور نادى مؤشر الفتوى بمنح مزيد من الاهتمام الإفتائي لقضايا الذكاء الاصطناعي الحديثة وأخلاقياته، خاصة في ظل ظهور الروبوتات وتطور تقنيات الميتافيرس، وتعدد استخدامات أدوات الذكاء الاصطناعي، وضرورة الاستعانة بالمفتي المختص للتعامل مع هذه القضايا التي تعقدت بشكل كبير في العصر الحالي، وأصبحت تثير التساؤلات بشأن مراعاة الروبوتات الزمان والمكان وفقه الواقع، وكيفية مرور الفتوى عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي بمراحلها الأربعة، ومدى مراعاة فتاوى الذكاء الاصطناعي اختلاف النطاقات الجغرافية والجوانب الأخلاقية والهويات المرتبطة بالمجتمع الإسلامي.. وغيرها من التساؤلات.

 

إلى جانب مطالبته بتدشين مراكز رقابية تهتم بمراقبة وسائل الإعلام الغربية وإطلاق حملات إعلامية من أجل تمثيل أفضل للمسلمين في وسائل الإعلام الغربية، وتحقيق التناول الموضوعي لمختلف الأحداث المرتبطة بالقضية الفلسطينية، وتقديم شكاوى إلى المسئولين وفرض عقوبات على الصحف المخالفة لهذا، وتحميلها تصحيح الأخبار أو التقارير المغلوطة التي تخص الإسلام وقضايا المسلمين. 

 

وفي ختام الورشة نادى المؤشر العالمي للفتوى بوضع أول ميثاق أخلاقي إفتائي للتطورات في العلوم التجريبية والطبيعية والاجتماعية والذكاء الاصطناعي، شمل عددًا من المبادئ والأحكام العامة التي تقوم على الالتزام بالنصوص الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الصحيحة، وترسيخ مفاهيم الوسطية والاعتدال بتحقيق مقاصد الشريعة دون مغالاة أو تطرف، إلى جانب تقديم عدد من المعايير والمبادئ الأخلاقية الموجهة للمفتي والمستفتي، وأخرى موجهة للمؤسسات المعنية الطبية والتعليمية والتكنولوجية. 

وتقديم مبادئ تقع على عاتق الدولة ترتبط بمنح مزيد من الصلاحيات للمؤسسات الإفتائية الرسمية والتعاون على المستوى الدولي، وتفعيل الرقابة الأخلاقية على مختلف العلوم في ظل عالم متسارع الوتيرة متصارع أهله.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: المؤشر العالمي للفتوى دار الافتاء المصرية الذكاء الاصطناعي أخلاقيات الإعلام المؤشر العالمی للفتوى والذکاء الاصطناعی الذکاء الاصطناعی الإفتاء المصریة الفضاء الرقمی مؤشر الفتوى من إجمالی

إقرأ أيضاً:

احتيال شركات الذكاء الاصطناعي يجب أن يتوقف

مع تقدم الذكاء الاصطناعي وتغلغله في حياتنا على نحو متزايد، يبدو من الواضح أنه من غير المحتمل أن يخلق المدينة التكنولوجية الفاضلة ومن غير المرجح أن يتسبب في محو البشرية. النتيجة الأكثر احتمالا هي مكان ما في المنتصف ــ مستقبل يتشكل من خلال الطوارئ، والحلول الوسط، وعلى جانب عظيم من الأهمية، القرارات التي نتخذها الآن حول كيفية تقييد وتوجيه تطور الذكاء الاصطناعي.

باعتبارها الرائدة عالميا في مجال الذكاء الاصطناعي، تضطلع الولايات المتحدة بدور مهم بشكل خاص في تشكيل هذا المستقبل. لكن خطة عمل الذكاء الاصطناعي التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرا بددت الآمال في تعزيز الإشراف الفيدرالي، فاحتضنت بدلا من ذلك نهجا داعما للنمو في تطوير التكنولوجيا. وهذا يجعل التركيز من جانب حكومات الولايات، والمستثمرين، والجمهور الأمريكي على أداة مُـساءلة أقل إخضاعا للمناقشة، ألا وهي حوكمة الشركات ضرورة أشد إلحاحا. وكما توثق الصحفية كارين هاو في كتابها «إمبراطورية الذكاء الاصطناعي»، فإن الشركات الرائدة في هذا المجال منخرطة بالفعل في المراقبة الجماعية، وهي تستغل عمالها، وتتسبب في تفاقم تغير المناخ. من عجيب المفارقات هنا أن كثيرا منها شركات منفعة عامة (PBCs)، وهي بنية حوكمة يُزعم أنها مصممة لتجنب مثل هذه الانتهاكات وحماية البشرية. ولكن من الواضح أنها لا تعمل على النحو المنشود.

كانت هيكلة شركات الذكاء الاصطناعي على أنها شركات منفعة عامة شكلا ناجحا للغاية من أشكال الغسيل الأخلاقي. فبإرسال إشارات الفضيلة إلى الهيئات التنظيمية وعامة الناس، تخلق هذه الشركات قشرة من المساءلة تسمح لها بتجنب المزيد من الرقابة الجهازية على ممارساتها اليومية، والتي تظل مبهمة وربما ضارة. على سبيل المثال، تُـعَـد xAI التي يملكها إيلون ماسك شركة منفعة عامة تتمثل مهمتها المعلنة في «فهم الكون». لكن تصرفات الشركة ــ من بناء كمبيوتر خارق مُـلَـوِّث في السر بالقرب من حي تقطنه أغلبية من السود في ممفيس بولاية تينيسي، إلى إنشاء روبوت محادثة يشيد بهتلر ــ تُظهر قدرا مزعجا بشدة من عدم الاكتراث بالشفافية، والرقابة الأخلاقية، والمجتمعات المتضررة.

تُعد شركات المنفعة العامة أداة واعدة لتمكين الشركات من خدمة الصالح العام مع السعي إلى تحقيق الربح في الوقت ذاته. لكن هذا النموذج، في هيئته الحالية ــ خاصة في ظل قانون ولاية ديلاوير، الولاية التي تتخذها معظم الشركات العامة الأمريكية مقرا لها ــ مليء بالثغرات وأدوات الإنفاذ الضعيفة، وهو بالتالي عاجز عن توفير الحواجز اللازمة لحماية تطوير الذكاء الاصطناعي. لمنع النتائج الضارة، وتحسين الرقابة، وضمان حرص الشركات على دمج المصلحة العامة في مبادئها التشغيلية، يتعين على المشرعين على مستوى الولايات، والمستثمرين، وعامة الناس المطالبة بإعادة صياغة شركات المنفعة العامة وتعزيز قدراتها. من غير الممكن تقييم الشركات أو مساءلتها في غياب أهداف واضحة، ومحددة زمنيا، وقابلة للقياس الكمي. لنتأمل هنا كيف تعتمد شركات المنفعة العامة في قطاع الذكاء الاصطناعي على بيانات منافع شاملة وغير محددة يُزعَم أنها توجه العمليات. تعلن شركة OpenAI أن هدفها هو «ضمان أن يعود الذكاء الاصطناعي العام بالفضل على البشرية جمعاء»، بينما تهدف شركة Anthropic إلى «تحقيق أعظم قدر من النتائج الإيجابية لصالح البشرية في الأمد البعيد». المقصود من هذه الطموحات النبيلة الإلهام، لكن غموضها من الممكن أن يستخدم لتبرير أي مسار عمل تقريبا ــ بما في ذلك مسارات تعرض الصالح العام للخطر. لكن قانون ولاية ديلاوير لا يُـلزِم الشركات بتفعيل منفعتها العامة من خلال معايير قابلة للقياس أو تقييمات مستقلة. ورغم أنها تطالب بتقديم تقارير كل سنتين حول أداء المنفعة، فإنها لا تلزم الشركات بإعلان النتائج. بوسع الشركات أن تفي بالتزاماتها ــ أو تهملها ــ خلف الأبواب المغلقة، دون أن يدري عامة الناس شيئا. أما عن الإنفاذ، فبوسع المساهمين نظريا رفع دعوى قضائية إذا اعتقدوا أن مجلس الإدارة فشل في دعم مهمة الشركة في مجال المنفعة العامة. لكن هذا سبيل انتصاف أجوف، لأن الأضرار الناجمة عن الذكاء الاصطناعي تكون منتشرة، وطويلة الأجل، وخارجة عن إرادة المساهمين عادة. ولا يملك أصحاب المصلحة المتضررون ــ مثل المجتمعات المهمشة والمقاولين الذين يتقاضون أجورا زهيدة ــ أي سبل عملية للطعن في المحاكم. وللاضطلاع بدور حقيقي في حوكمة الذكاء الاصطناعي، يجب أن يكون نموذج «شركات المنفعة العامة» أكثر من مجرد درع للسمعة. وهذا يعني تغيير كيفية تعريف «المنفعة العامة»، وحوكمتها، وقياسها، وحمايتها بمرور الوقت. ونظرا لغياب الرقابة الفيدرالية، يجب أن يجري إصلاح هذا الهيكل على مستوى الولايات. يجب إجبار شركات المنفعة العامة على الالتزام بأهداف واضحة، وقابلة للقياس، ومحددة زمنيا، ومكتوبة في وثائقها الإدارية، ومدعومة بسياسات داخلية، ومربوطة بمراجعات الأداء والمكافآت والتقدم الوظيفي. بالنسبة لأي شركة عاملة في مجال الذكاء الاصطناعي، من الممكن أن تشمل هذه الأهداف ضمان سلامة نماذج المؤسسات، والحد من التحيز في مخرجات النماذج، وتقليل البصمة الكربونية الناجمة عن دورات التدريب والنشر، وتنفيذ ممارسات العمل العادلة، وتدريب المهندسين ومديري المنتجات على حقوق الإنسان والأخلاقيات والتصميم التشاركي. الأهداف المحددة بوضوح، وليس التطلعات الغامضة، هي التي ستساعد الشركات على بناء الأساس للمواءمة الداخلية الجديرة بالثقة والمساءلة الخارجية. يجب أيضا إعادة تصور مجالس الإدارة وعملية الإشراف. ينبغي لمجالس الإدارة أن تضم مديرين ذوي خبرة يمكن التحقق منها في أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، والسلامة، والأثر الاجتماعي، والاستدامة. يجب أن يكون لكل شركة مسؤول أخلاقي رئيسي يتمتع بتفويض واضح، وسلطة مستقلة، والقدرة على الوصول المباشر إلى مجلس الإدارة. ينبغي لهؤلاء المسؤولين أن يشرفوا على عمليات المراجعة الأخلاقية وأن يُمنحوا سلطة وقف أو إعادة تشكيل خطط المنتجات عند الضرورة. وأخيرا، يجب أن تكون شركات الذكاء الاصطناعي المهيكلة كمؤسسات منفعة عامة مُلـزَمة بنشر تقارير سنوية مفصلة تتضمن بيانات كاملة ومصنفة تتعلق بالسلامة والأمن، والتحيز والإنصاف، والأثر الاجتماعي والبيئي، وحوكمة البيانات. وينبغي لعمليات تدقيق مستقلة ــ يديرها خبراء في الذكاء الاصطناعي، والأخلاقيات، والعلوم البيئية، وحقوق العمال ــ أن تعكف على تقييم صحة هذه البيانات، بالإضافة إلى ممارسات الحوكمة في الشركة وتواؤمها في عموم الأمر مع أهداف المنفعة العامة.

أكدت خطة عمل ترامب للذكاء الاصطناعي على عدم رغبة إدارته في تنظيم هذا القطاع السريع الحركة. ولكن حتى في غياب الإشراف الفيدرالي، بوسع المشرعين على مستوى الولايات، والمستثمرين، وعامة الناس تعزيز حوكمة إدارة الشركات للذكاء الاصطناعي بممارسة الضغوط من أجل إصلاح نموذج شركات المنفعة العامة. يبدو أن عددا متزايدا من قادة التكنولوجيا يعتقدون أن الأخلاقيات أمر اختياري. ويجب على الأمريكيين أن يثبتوا أنهم على خطأ، وإلا فإنهم يتركون التضليل، والتفاوت بين الناس، وإساءة استخدام العمالة، وقوة الشركات غير الخاضعة للرقابة تشكل مستقبل الذكاء الاصطناعي.

كريستوفر ماركيز أستاذ إدارة الأعمال في جامعة كامبريدج ومؤلف كتاب «المستغلون: كيف تقوم الشركات بخصخصة الأرباح وتأميم التكاليف»

خدمة «بروجيكت سنديكيت»

مقالات مشابهة

  • برنامج الأغذية العالمي يحذر من تفاقم خطر المجاعة في غزة
  • احتيال شركات الذكاء الاصطناعي يجب أن يتوقف
  • المقصود ببيع المال بالمال والموقف الشرعي لهذا التعامل.. الإفتاء توضح
  • السباق الاستخباراتي على الذكاء الاصطناعي
  • 3 أغسطس.. البورصة تُطلق مؤشر قياس الأسهم منخفضة التقلبات «EGX35-LV»
  • معضلة الذكاء الاصطناعي والمؤلف العلمي
  • خالد الجندي: الذكاء الاصطناعي لا يُفتي.. والفتوى تحتاج لعقل راجح
  • البورصة تطلق مؤشرًا جديدًا لـ الأسهم منخفضة التقلبات السعرية EGX35-LV
  • حوارٌ مثيرٌ مع الذكاء الاصطناعي
  • تطبيقات المواعدة بين الشباب والفتيات.. أمين الفتوى يحذر